قبل فوات الأوان

منذ 2012-04-02

إلى من هجر أخاه وغره طول الأمل.... ماذا لو رحل أحدكما وأنتما على هذا الحال؟؟!! إلى من حكم فظلم وجار وهجر العدل.... لقد رأيت بأم عينك مصارع الطغاة في هذا الزمان.... فإلى متى الاستكبار وإلى متى تعمد النسيان؟؟!!



إلى من هجر أخاه وغره طول الأمل.... ماذا لو رحل أحدكما وأنتما على هذا الحال؟??!!!

إلى من حكم فظلم وجار وهجر العدل.... لقد رأيت بأم عينك مصارع الطغاة في هذا الزمان.... فإلى متى الاستكبار وإلى متى تعمد النسيان؟؟؟!!!

إلى عالم باع دينه بدنيا غيره أو اشترى دنياه بآخرته.... هل للقبر خزائن وللكفن جيوب.... لن يلحق بك إلا عملك الصالح.... ولن يحاجك أمام الله إلا جسدك الذي نبت من سحت.... فإلى متى تأكل بدينك???!!!

إلى كل شاب اغتر بفتوته وقوته.... فعصى الله بنعمته.... أما نظرت لمن دب الشيب في صدغيه، ووهنت قوته وذهب عنه البهاء.... إما أنك سائر في نفس الطريق أو مرتحل عنه قبل أن تبلغ هذه المرحلة.... فإلى متى؟؟؟!!!

إلى كل فتاة أعجبها جمالها.... فأظهرت من جسدها أكثر مما أخفت.... بل وزينت ما خفي كما لو كانت أظهرته، بل أخفت كل قبيح وأظهرت مفاتنها.... ماذا لو حضر الساعة ملك الموت؟؟؟!!!

إلى كل والد استرعاه الله على رعية فأهملها واقتصرت تربيته على التلذذ بالدنيا ومطايبها،،،، فنشأت رعيته كارهة لدينها محبة لدنياها عاكفة على شهواتها.... لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً إلا ما أشرب من الهوى.... كيف حالك عند سؤال الملك جل جلاله عما استرعاك من رعية وحملك من مسئولية؟؟؟!!!!

إلى كل زوجة لم ترع الله في شرفها أو في تربية أبناءها على مرضاة الله.... أين أنت يوم الحساب؟؟؟!!!

إلى كل موظف مد يده للحرام وأطعم ذريته من أموال الناس.... كيف بك وقد تحول كل لحم نبت من سحت إلى نار تلظى؟؟؟!!!

سارع في إصلاح ما بينك وبين الله وما بينك وبين الناس {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات: 50]، سارع لعقد صلح مبرم مع الملك جل جلاله بالفرار منه إليه، فر من أعداءك الثلاثة: النفس والشيطان والهوى، بادر بالتوبة والرجوع وأبشر بفتح أبواب الأمل، ويالها من فرحة لو قابلته تائباً منيباً، فكم من عبد تباطأ في فراره إلى الله والتفت يمنة ويسرة إلى الدنيا فأسرته فشغل عن الفرار إلى الله فهلك مع الهالكين.

واعلم أن من رحمة الله تعالى بنا أنه إذا علم من عبده صدق الفرار إليه أعانه ووفقه.... ألم تقرأ قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]، وفي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» (إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما).

بادر بمصالحة الخلق، روى أبو داود عن أبي الدرداء أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين الحالقة» (حديث صحيح، صحيح أبي داود للألباني حديث 4111).

ردوا المظالم إلى أهلها، فالأصل في حقوق العباد فيما بينهم أنها مبنية على المشاحة، فلا تسقط بمجرد التوبة منها فقط، وإنما بردها إلى أصحابها أو استحلالهم منها.

وأخيراً؛ قد يفوت أوان الفرار والتوبة في أي لحظة فبادر، بادر قبل فجأة الموت وحسرة الفوت قال تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ. وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ. وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وشَهِيدٌ. لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق: 19 -22]

جاء في رسالة: الحث على التوبة قبل الموت لابن رجب الحنبلي: التَّوبة في الصِّحَّة أفضل من التَّوبة في حالة المرض، رُوى عن ابن عباس في قوله -تعالى-: {ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} [النِّساء: 17]، قال: قبل المرض والموت، وهذا إشارة إلى أنَّ أفضل أوقات التَّوبة، وهو أن يبادر الإنسان بالتَّوبة في صحَّته قبل نزول المرض به حتَّى يتمكن حينئذ من العمل الصَّالح، ولذلك قرن الله تعالى التَّوبة بالعمل الصَّالح في مواضعَ كثيرةٍ من القرآن.

وأيضًا فالتَّوبة في الصِّحَّة ورجاء الحياة تشبه الصَّدقة بالمال في الصِّحَّة ورجاء البقاء، والتَّوبة في المرض عند حضور إمارات الموت تشبه الصَّدقة بالمال عند الموت، فأين توبةُ هذا من توبةِ من يتوب من قريبٍ وهو صحيحٌ قويٌّ قادرٌ على عمل المعاصي، فيتركها خوفًا من الله -عزَّ وجلَّ-، ورجاء لثوابه، وإيثار لطاعته على معصيته؟

فالتَّائب في صحَّته بمنزلةِ من هو راكبٌ على متن جواده وبيده سيفٌ مشهورٌ، فهو يقدر على الكرِّ والفرِّ والقتال، وعلى الهرب من الملك وعصيانه، فإذا جاء على هذه الحال إلى بين يدي الملك؛ ذليلًا له، طالبًا لأمانه، صار بذلك من خواص الملك وأحبابه؛ لأنَّه جاءه طائعًا مختارًا له، راغبًا في قربه وخدمته.

وأمَّا من هو في أسر الملك، وفي رجله قيدٌ، وفي رقبته غلٌّ، فإنَّه إذا طلب الأمان من الملك فإنَّما طلبه خوفًا على نفسه من الهلاك، وقد لا يكون محبًّا للملك ولا مؤثرًا لرضاه، فهذا مثل من لا يتوب إلا في مرضه عند موته، لكن ملك الملوك، أكرم الأكرمين، وأرحم الرَّاحمين، وكلُّ خلقه أسيرٌ في قبضته، لا يعجزه منهم أحدٌ، لا يعجزه هاربٌ، ولا يفوته ذاهبٌ، كما قيل: لا أقدر ممَّن طلبته في يده، ولا أعجز ممن هو في يد طالبه، ومع هذا فكلُّ من طلب الأمن من عذابه من عباده أمنه على أيِّ حالٍ كان، إذا علم منه الصِّدق في طلبه.

وقوله -عزَّ وجلَّ-: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النِّساء: 18] فسوَّى بين من تاب عند الموت ومن مات من غير توبةٍ، والمراد بالتَّوبة عند الموت التَّوبة عند انكشاف الغطاء، ومعاينة المحتضر أمور الآخرة، ومشاهدة الملائكة؛ فإنَّ الإيمان والتَّوبة وسائر الأعمال إنَّما تنفع بالغيب، فإذا كشف الغطاء وصار الغيب شهادةً، لم ينفع الإيمان ولا التَّوبة في تلك الحال، وقد قيل: إنَّه إنَّما منع من التَّوبة حينئذ؛ لأنَّه إذا انقطعت معرفته وذهب عقله، لم يتصور منه ندمٌ ولا عزمٌ؛ فإنَّ النَّدم والعزم إنَّما يصحُّ مع حضور العقل.

وقوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في حديث ابن عمر: «ما لم يُغرغر»، يعني إذا لم تبلغ روحه عند خروجها منه إلى حلقه، فشبه ترددها في حلق المحتضر بما يتغرغر به الإنسان من الماء وغيره، ويردده في حلقه، وإلى ذلك الإشارة في القرآن بقوله -عزَّ وجلَّ-: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ. وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ. وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ} [الواقعة: 83-85]، وبقوله -عزَّ وجلَّ-: {كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} [القيامة: 26].
 

عشْ ما بدا لك سالمًا *** في ظلِّ شاهقةِ القصور
فإذا النُّفوس تقعقعت *** في ضيق حشرجةِ الصُّدور
فهناك تعلم موقنًا *** ما كنت إلا في غرورٍ



وأخيراً؛ اللهم توفنا وأنت راض عنا وارزقنا حسن الخاتمة أجمعين.

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

  • 12
  • 1
  • 9,290

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً