فرنسا وعلماء ودعاة السنة
لأن أصوات اليمين المتطرف الفرنسي لا تغيب عن ناظري الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أثناء سعيه لنيل فترة رئاسة ثانية، والتي ستحسمها مرحلتان للانتخابات الفرنسية، تجري مرحلتها الأولى بعد ثلاثة أسابيع....
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
لأن أصوات اليمين المتطرف الفرنسي لا تغيب عن ناظري الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أثناء سعيه لنيل فترة رئاسة ثانية، والتي ستحسمها مرحلتان للانتخابات الفرنسية، تجري مرحلتها الأولى بعد ثلاثة أسابيع؛ فإنه يسعى لإرضاء أصحاب هذه الأصوات المتطرفة بكل السبل، ومنها تنفيذ عمليات اعتقالات عشوائية لبعض أفراد الجالية المسلمة في أعقاب عملية محمد مراح التي أسفرت عن مقتل يهود بينهم أطفال، ومنها كذلك القرار الرئاسي الغريب برفض حضور عدد من العلماء والدعاة المسلمين السنة إلى فرنسا للمشاركة في التجمع السنوي لاتحاد الجمعيات الإسلامية في فرنسا المقرر عقده في السادس من إبريل المقبل في بورجيه قرب باريس، وكلا الإجرائين يهدف لإرضاء الجالية اليهودية المحركة لليمين المتطرف في أوروبا عموماً، وفرنسا خصوصاً.
بيد أن الحديث عن الإجراء الأخير كانعكاس تلقائي لقوة تأثير اليهود على اليمين، والذي يؤثر بدوره على الانتخابات الفرنسية هو تفسير مخل حقيقة لكافة أبعاد القرار الرئاسي، الذي استلزم مناشدة ـ أو طلباً دبلوماسياً ـ مباشرة من الرئيس الفرنسي لأمير قطر يتضمن اعتبار الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي "شخصاً غير مرغوب به في فرنسا"، وعلى أعلى مستويات الطلب، لدفع الحرج عن كاهل فرنسا كون رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يحمل جواز سفر دبلوماسي، ومرد هذا الإخلال بجوهر الموقف الفرنسي، هو أن هذا الموقف لا ينبع فقط من رغبة من رئيس يريد تجديد عهدته الرئاسية مرة أخرى، وهو لم يزل في طور منافسة عنيفة مع منافسه فرانسوا هولاند، الحاصل على نحو 27% من الأصوات في استطلاعات الرأي في مقابل 28% لساركوزي الذي عانى خلال الأشهر الماضية من تدهور شعبيته واحتلاله المركز الثاني دوماً في استطلاعات الرأي؛ فساركوزي في النهاية يعبر عن توجه عام، وإن شابه تعلق شخصي أو حزبي بالسلطة؛ فبمرور سريع على الأسماء التي منعت أيضاً إلى جوار د.القرضاوي، نلاحظ أنهم جميعاً ممن يوصفون دوماً بالوسطية والاعتدال، وهم الشيخ عائض القرني، والشيخ عبدالله بصفر، والدكتور صفوت حجازي، والشيخ عكرمة صبري، إضافة إلى الداعية المصري محمود المصري، الذي كان قد زار فرنسا منذ ثلاثة أشهر فقط دون أي اعتراض!
وبعضها ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين أو قريب منها، وكذلك؛ فإن الجهة الداعية ذاتها تحتفظ بعلاقة جيدة مع جماعة الإخوان المسملين، وهو ما ينم عن تحفظ ما لدى السلطات الفرنسية لاستفادة الجماعة من أجواء الربيع العربي الذي دفع بالإخوان إلى احتلال مراكز متقدمة في مسعاها نحو تطوير مشروعها الإسلامي بما يسمح بتنفيذه مستفيداً من تلك الأجواء، التي عارضتها عدة دول أوروبية، ومنها فرنسا وبريطانيا، اللتان للمفارقة هما من رفض استقبال علماء ودعاة سنة على أراضيهم، في وقت يفسحون فيه المجال لكل الملل والنحل الأخرى، لاسيما الطائفة الشيعية، التي يذكر التاريخ أن فرنسا ذاتها استقبلت الخميني لاجئاً لفترة طويلة قبل أن يقود ثورته، وبريطانيا كذلك هي من سمحت لعلي السيستاني، المرجع الشيعي الإيراني، العامل في العراق، بالعلاج في لندن، مع أن الأخيرة هي من رفضت استقبال د.القرضاوي عام 2008، وألقت القبض منذ أكثر من عام على شيخ الأقصى رائد صلاح أثناء زيارة طبيعية له للندن ثم أنصفه القضاء من بعد.
ولا بأس أن نلحظ أن هاتين الدولتين اللتين وقفتا إلى جانب الطغيان قبل وأثناء وبعد الثورات، هما ذاتهما من تعملان على تقويض حكم "الإسلاميين" في البلاد الثائرة، وهما نفسيهما من تستقبلان بكل حفاوة سائر الفرق والملل والنحل الأخرى على أراضيها، وتطارد علماء السنة ودعاتهم، سواء أكانوا قريبين من هذه الجماعة أو تلك، لاسيما أن أي مراقب ستشجعه الأحداث على الربط بين إجراءات تتم ضد التيار الوسطي في البلاد العربية، سواء في بعض دول الخليج أو في مناطق أخرى، ما يعني أننا أمام تحول تاريخي حقيقي، لكن يحاول القفز فوق كتلة "الإسلاميين"، ويسبب لها المتاعب، سواء أكان ذلك بفعل الداخل أو بتأثير الخارج.
7/5/1433 هـ