التعاون أو ذهاب الريح

منذ 2012-04-09

ما نراه اليوم من إعجاب كل ذي رأي برأيه ومن تشرذم بعض أبناء الحركات الإسلامية حول أشخاص أو أفكار معينة, وما نراه من حماس مشوب بالتهور ومرصع بازدراء العلماء والمربين الذين بذلوا الغالي والنفيس في سبيل دعوتهم وأفنوا أعمارهم لإعلاء كلمة الله...



ما نراه اليوم من إعجاب كل ذي رأي برأيه ومن تشرذم بعض أبناء الحركات الإسلامية حول أشخاص أو أفكار معينة, وما نراه من حماس مشوب بالتهور ومرصع بازدراء العلماء والمربين الذين بذلوا الغالي والنفيس في سبيل دعوتهم وأفنوا أعمارهم لإعلاء كلمة الله، وما نسمعه من بعض الحماسيين من أن العلماء والدعاة ليسوا رجال هذه المرحلة الصعبة، وادعاء هؤلاء الحماسيون أنهم لها أهل.

كل ما سبق ينذر بتفرق يورث ذهاب الريح إن لم يتم الإصلاح أو رد شبه هؤلاء والتحذير منهم، وتكريس التعاون الحقيقي بين أبناء الحركات الإسلامية، ونبذ التعصب وإحلال روح التعاون الإسلامي، وتغليب مبدأ الشورى الإسلامية بين أبناء الحركات الإسلامية في كل كبير وصغير من القضايا الشائكة على الساحة.

أولاً: ضرورة التعاون الإسلامي:
قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران: 103].
 

يقول الشاعر:
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً *** وإذا افترقن تكسرت آحادا


فالإنسان بطبعه كائن اجتماعي، يميل للاجتماع بغيره لقضاء مصالحه ونيل مطالبه التي لا تتم إلا بالتعاون مع غيره ومصلحة النفس والأمة.. لا تتم إلا بالتعاون على البر والتقوى.
المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم، وفي الحديث: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً» وشبك النبي صلى الله عليه وسلم بين أصابعه [رواه البخاري ومسلم].
ومن المعلوم أنه لا يتم أمر العباد فيما بينهم ولا تنتظم مصالحهم ولا تجتمع كلمتهم ولا يهابهم عدوهم إلا بالتضامن الإسلامي الذي حقيقته التعاون على البر والتقوى والتكامل والتناصر والتعاطف والتناصح والتواصي بالحق والصبر ولا شك أن هذا من أهم الواجبات الإسلامية والفرائض اللازمة.

ثانياً: خطورة التفرق والتناحر:
يقول فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "التفرق أمر مؤلم ومؤسف كما قال الله تعالى: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُم} فإذا تفرق الناس وتنازعوا فشلوا وخسروا وذهبت ريحهم وأعداء الإسلام ممن ينتسبون للإسلام ظاهراً، أو ممن هم أعداء للإسلام ظاهراً وباطناً يفرحون بهذا التفرق وهم الذي يشعلون ناره ويلقون العداوة والبغضاء بين هؤلاء الأخوة الدعاة إلى الله عز وجل، فالواجب أن نقف ضد كيد هؤلاء المعادين لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ولدينه، وأن نكون يداً واحدة، وأن نكون إخوة متآلفين على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما كان سلف الأمة في سيرهم ودعوتهم إلى الله عز وجل، ومخالفة هذا الأصل ربما تؤدي إلى انتكاسة عظيمة، والتفرق هو قرة عين شياطين الإنس والجن؛ لأن شياطين الإنس والجن لا يودون من أهل الحق أن يجتمعوا على شيء، بل يريدون أن يتفرقوا لأنهم يعلمون أن التفرق تفتت للقوة التي تحصل بالالتزام بالوحدة والاتجاه إلى الله عز وجل، ويدل لهذا قوله تعالى {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُم}، وقوله: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}، وقوله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه}، فالله تعالى قد نهانا عن التفرق وبين لنا عواقبه الوخيمة، والواجب علينا أن نكون أمة واحدة، وكلمة واحدة، وإن اختلفت آرائنا في بعض المسائل، أو في بعض الوسائل؛ فالتفرق فساد وشتات للأمر، وموجب للضعف، والصحابة رضوان الله عليهم حصل بينهم الاختلاف لكن لم يحصل منهم التفرق ولا العداوة ولا البغضاء، حصل بينهم الاختلاف حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهم بأنفسهم لم يتفرقوا من أجل اختلاف الرأي في فهم حديث الرسول عليه الصلاة والسلام، وهكذا يجب علينا أن لا نتفرق وأن نكون أمة واحدة" أ هـ.


ثالثا: حتمية نبذ التعصب للأشخاص والمسميات:
التعصب والتمسك بأهواء النفوس من أسباب الضلال، فاتباع الهوى هو الذي هلك به بلعام بن باعوراء، فقد قال الله تعالى في شأنه: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ . وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {[الأعراف: 175، 176]، وقال تعالى: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50]، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: "أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة".
 

يقول ابن القيم رحمه الله:
وتعر من ثوبين من يلبسهما *** يلقى الردى بمذلة وهوان
ثوب من الجهل المركب فوقه *** ثوب التعصب بئست الثوبان
وتحل بالإنصاف أفخر حلة *** زينت بها الأعطاف والكتفان


يقول الشاعر أبو قدامة المصري:
أَخِي! إِنِّي أُحِبُّكَ لا أُبَالِي *** بِذَمٍّ مِنْكَ، أَوْ نَقْدٍ مُغَالِ
فَأَحْسَبُ أَنَّ قَصْدَكَ كَانَ خَيْرًا *** وَعِنْدِي أَنْتَ مِنْ خَيْرِ الرِّجَالِ
وَلَكِنِّي أُعِيذُكَ مِنْ ظُنُونٍ *** فَبَعْضُ الظَّنِّ مِنْ شَرِّ الْخِصَالِ
أُعِيذُكَ أَنْ تَكُونَ كَمَنْ تَجَنَّى *** عَلَى الأَشْيَاخِ مُنْفَلِتَ الْعِقَالِ
إِذَا أَرْضَوْهُ زَكَّاهُمْ، وَإلاَّ *** رَمَاهُمْ بِالْخِيَانَةِ وَالضَّلالِ
رُوَيْدُكَ لاتَ حِينَ رُجُومِ شَيْخٍ *** بِمَا لا يَرْتَضِي شَيْخٌ مُوَالِ
وَإِنْ كَانَ اسْتَطَالَ بِعِرْضِ كُفْءٍ *** فَأَمْسِكْ عَنْ صَدًى بَيْنَ الْجبَالِ
إِذَا اخْتَلَفَ الأَكَابِرُ فِي أُمُورٍ *** فَمَا شَأْنُ الأَصَاغِرِ وَالْعِيَالِ
فَيَا مَنْ لَسْتَ مِنْهُمْ كُفَّ عَنْهُمْ *** وَقَلِّدْ مَنْ تَشَاءُ مِنَ الْعَوَالِي
فَمِنْهُمْ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُثَابٌ *** بِمَسْلَكِهِ سَبِيلاً مِنْ حَلالِ
وَلا تَبْرِيرَ بِالْغَايَاتِ يَصْفُو *** مِنَ الشُّبُهَاتِ كَالْعَذْبِ الزُّلالِ
فَيَا أَهْلَ التُّقَى اسْتَنُّوا بِمَيْتٍ *** فَإِنَّ الْحَيَّ مَجْهُولُ الْمَآلِ
تَمَسُّكُنَا بِشَرْعٍ لا بِشَيْخٍ *** أَفِي شَيْخٍ نُعَادِي أَوْ نُوَالِي؟!
فَشَيْخُ الْقَوْمِ لَمْ يُعْصَمْ وَشَيْخِي *** كَشَيْخِكَ لَمْ يُزَينْ بِالْكَمَالِ
أُرَاكَ قَدِ ارْتَقَيْتَ إِلَى الْمَعَالِي *** فَهِمَّ، وَدَعْكَ مِنْ قِيلٍ وَقَالِ
أَظُنُّ الْخَيْرَ فِيكَ أَخِي وَأَرْجُو *** لَكَ التَّوْفِيقَ، دُمْتَ بخَيْرِ حَالِ



وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

  • 4
  • 0
  • 3,145

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً