1- الاتباع
حسن سعيد الدويني
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران:36]..
- التصنيفات: محاسن الأخلاق -
عناصر الخطبة:
1- مقدمة لابد منها.
2- تعريف الاتباع.
3- أدلة الشرع الحنيف.
4- صور مشرقة.
5- فوائد الاتباع وثماره.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونسترشده ونسترضيه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا.
أبــــواب كلِّ مُمَلَّك قد أوصـدت *** ورأيت بابك واســـعاً لا يوصَدُ
المؤمنــون بنور وجهك ءامنــوا *** عافــوا لوجهك نومهم فتهجدوا
قالوا الهوى والحب هل تَعْنُوا له *** أم أنت في ضرب الهوى مُتجَلِّد
قلت المحبــة للذي حمل الهـــدى *** فحبيبُ قلبي في الحياةِ "محمدُ
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران:102].
{يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله -جل وعلا-، وخير الهدي هدي نبينا وحبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد : فنحن اليوم -أحبتي في الله- على موعدٍ مع سلسلةٍ كريمةٍ عظيمة طيبة مباركة، سلسلة الأخلاق بين المنهج النظري وواقع الأمةِ العملي. سلسلة منهجية تربوية نقدمها في هذه الأيام التي تعاني فيها الأمة من الانفلات الأخلاقي، والبعد الاجتماعي، والتدهور الديني، والتفكك الأسري. نقدمها في هذه الأيام كي تطهر بها النفوس، وتطمئن بها القلوب، وتصفو بها المشاعر، وتلتئم بها جراحات الأمم والشعوب .
ونبدأ بأول خُلق من هذه الأخلاق ألا وهو خُلق "الاتباع" واللهَ أسأل أن يجعلنا من الذين يعلمون فيعملون ويعملون فيبلغون إنه نعم المولى ونعم النصير.
أحبتي في الله: يقول الله -جل وعلا-: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران:36]، أطلق العلماء على هذه الآية آية المحبة، يقول أبو سليمان الداراني: "لما ادعت القلوب محبة الله عز وجل أنزل الله هذه الآية محنة" - أي امتحاناً واختباراً لهذه القلوب .
ومعنى هذه الآية كما يقول الإمام الطبري: "قل يا محمد لوفد نصارى نجران إن كنتم تزعمون أنكم تحبون الله فحققوا قولكم الذي تقولونه إن كنتم صادقين باتباعكم إياي فإنكم تعلمون أني رسول الله إليكم كما كان عيسى -عليه السلام- رسولاً إلى من أرسله الله إليهم.
وقال سهل بن عبد الله: "علامة حب الله حب القرآن وعلامة حب القرآن حب النبي صلى الله عليه وسلم، وعلامة حب النبي صلى الله عليه وسلم حب السنة، وعلامة ذلك كله حب الآخرة".
وهذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية بأنه كاذب في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله، يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- في قوله تعالى في الآية السابقة: {يُحْبِبْكُمُ اللّهُ}، إشارة إلى دليل المحبة وثمرتها وفائدتها فدليلها وعلامتها اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وفائدة الاتباع وثمرته محبة الله عز وجل فإذا لم تحصل المتابعة فليست المحبة بحاصلة، وعلى ذلك فإنه لا تنال محبة الله عز وجل إلا باتباع الحبيب صلى الله عليه وسلم.
فإن من يدعي محبة الله جل وعلا ولم يتبع رسوله صلى الله عليه وسلم فهو عاص لله جل وعلا. ولله در القائل:
لو كان حبك صـادقاً لأطعتــه *** إن المحب لمن يحب مطيع
أحبتي في الله: إن من أعظم نعم الله جل وعلا علينا أن أكمل لنا دين الإسلام، وأتم علينا نعمته وأرسل إلينا محمداً صلى الله عليه وسلم هادياً للعالمين رحمة للعالمين قال جل وعلا: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]. وقال جل وعلا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة:3]. قال ابن عباس رضي الله عنه تعليقاً على هذه الآية: "أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين: أنه أكمل لهم دينهم فلا يحتاجون إلى زيادة أبدا، وقد أتمه فلا ينقصه أبدا، وقد رضيه فلا يسخطه أبدا".
وهذا من أعظم نعم الله جل وعلا علينا فلا نحتاج إلى دين غير دين الإسلام، ولا نحتاج إلى رسول غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونبينا صلى الله عليه وسلم لم يترك شيئاً فيه خير إلا وقد دلنا عليه، ولم يعلم شيئاً فيه شر إلا وقد نهانا عنه. ففي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمر بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقَّا عَلَيْهِ أَنْ يّدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ. وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ. وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا. وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا. وَتَجِئُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضاً وَتَجِيْءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِه مُهْلِكَتي ثُمَّ تَنْكَشِفُ. وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ. فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ. فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلْيهِ ...».
وفي صحيح مسلم أيضاً، «أَنَّ رَجُلاً مِنَ المُشرِكيْنَ قَالَ لِسَلْمَانَ الْفَارِسِىَّ رضي الله عنه: "قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ صَلَّى الله عليه وَسَلَّم كُلَّ شَيْء حَتَّى الْخِرَاءَةَ -أي كيفية قضاء الحاجة- قال: أَجَلْ لَقَدْ نَهانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ. أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِي بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاثَةِ أَحْجارٍ. أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِي بِرَجِيْعٍ أَوْ بِعَظْمٍ».
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَا تَرَكْتُ شَيْئاً مِمَّا أَمَرَكُمُ الله بِهِ إِلَّا قَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ. وَمَا تَرَكْتُ شَيْئاً مِما نَهَاكُمُ عَنْهُ إِلاَّ وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ»، الله أكبر فلا حلال إلا ما أحلَّ اللهُ ورسولُهُ، ولا حرام إلا ما حرم الله ورسوله، ولا دين إلا ما شرعه الله ورسوله. وعلى ذلك فلا يجوز لأي فرد منا أن يزيد شيئاً من دين الله أو أن ينقص منه شيئاً. لأن المسلم إذا فعل ذلك فهذا اتهام لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالتقصير في أداء رسالته. والله جل وعلا حذرنا من الابتداع والاختراع في الدين، وأمرنا باتباع الحبيب صلى الله عليه وسلم والتزام سنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده. ففي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام الترمذي من حديث الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه قال: «وَعَظَنا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوجلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ الله كَأَنَّ هّذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَا تَعْهَدُهُ إِلَيْنَا؟ فَقَال صلى الله عليه وسلم: "أُوصِيْكُمْ بِتَقْوَى الله عَزَّ وَجَّلَّ وَالسَّمْعِ والطَّاعَةِ وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ. فَإِنَّهُ مَنْ يَعشْ مِنْكُمْ فَسَيَرى اخْتلافاً كَثيراً فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِديْنَ الْمَهدِييْنَ عَضُّوا عَلَيْها بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٍ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالةٍ».
وقال عَبْدُ الله بْنُ مسعودٍ رضي الله عنه: "من كان منكم مستناً فليستنَّ بمنْ قد مات إن الحيّ لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحابُ محمدٍ كانوا أفضل هذه الأمةِ: أبَرَّها قلوباً وأعمقها علماً، وأقلها تَكَلُفاً. اختارهم الله لصحبة نبيه ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم على أثَرِهمِ وسيرَتِهِم فإنهم كانوا على الْهُدَى المستقيم".
وقال عُمَرُ بْنُ عبدِ العزيز -رحمه الله تعالى-: "سَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَولاة الأُمور بعده سُنَناً، الأخذُ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعة الله، وقوة على دين الله ومن استنصَرَ لأحدٍ تبديلها ولا تغييرُها، ولا النظر فيما خالفها من اقتدى بها فهو مهتدٍ، ومن استنصرَ فهو منصورٌ، ومن خالفها واتبع غَيْرَ سبيلِ المؤمنين ولاهُ الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيراً" .
وقال الحسن البصري -رحمه الله-: "السنة والذي لا إله إلا هو بين الغالي والجافي، فاصبروا عليها رحمكم الله، فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى، وهم أقل الناس فيما بقي، الذين لم يذهبوا مع أهل الإِتْرَافِ في إِتْرافِهِمْ، ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سُنتهِم حتى لَقُوا ربهم، فكذلك إن شاء الله فكونوا".
وقال أبو عُثْمانَ الْحَيْرِيًّ: "من أمَّر السنة على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالحكمة، ومن أمَّر الهوى على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالبدعة، قال تعالى: {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور:54].
إذن أحبتي في الله ما هو تعريف الاتباع؟ وماذا قال عنه العلماء الأجلاء؟ وما هي الأدلة عليه من كتاب ربنا وسنة نبينا وحبيبنا -صلى الله عليه وسلم-؟
الاتباع لغة: "مصدر اتبع وهو مأخوذ من مادة (تبع)، التي تدل على التُّلُوِّ والْقَفْوِ، يقال: تبعتُ القوم تَبعاً وتَبَاعَةً بالفتح، إذا مَشِيْتَ خلفهم أو مَرُّوا بِكَ فمضيت معهم، وتبعتُ الشيء: سِرتُ في أثَرِهِ، والتابعُ: التَّالي، والجمع تُبَّعٌ وتُبَّاعٌ وتَبَعَةٌ "هذا هو الاتباع من الناحية اللغوية. أما الاتباع اصطلاحاً فقد ذكرت له عِدَّةُ تعريفات:
1- قال الإمام أحمد -رحمه الله- الاتباع: "هو أن يتبع الرجلُ ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه، ثم هو من بَعْدُ في التابعين مخيَّرٌ".
2- وقال ابنُ عبد البَّر -رحمه الله تعالى-: "الاتباع ما ثبت عليه الحجة، وهو اتباع كُلِّ من أوجب عليك الدليل اتباع قوله. فالرسول صلى الله عليه وسلم هو المثل الأعلى في اتباع ما أُمِرَ بِهِ".
3- وقيل الاتباع هو: "السير على طريق من رضي الله عن سيرهم. قال تعالى: واتبع سبيل من أناب إلى، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} [التوبة:100].
أحبتي في الله: إن اتباع غير سبل المؤمنين نزعاتٌ وأهواءٌ، وضلالٌ وخرافاتٌ وشَقٌ لعصا الطاعة، ومفارقة للجماعة. ونبينا صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى قد بين لنا أن العبادات التي يؤديها الإنسان منا ويتقرب بها إلى الله جل وعلا تُؤَدَّى بطريق خاصة على وجوه خاصة زماناً ومكاناً هيئة وعددا، وأخبرنا صلى الله عليه وسلم أن الخير فيها وفي اتباعها، والشَّرَّ في تجاوزها وتعديها. فمن يأتي بعد ذلك ويتبعُ طريقاً آخر غير طريق الحبيب صلى الله عليه وسلم، ويعبدُ الله بمستحسناتِ العقل. فقد قَدَحَ في كمال هذا الدين، وخالف ما جاء به الصادقُ الأمينُ من عند الله رب العالمين، وكأنه يستدرك على الشريعة نَقَائِصَ في الدين.
يقول ابنُ الماجِشُون: "سمعت مالكاً -رحمه الله- يقول: "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة، لأن الله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة:3]، فما لم يكن يومئذٍ ديناً فلا يكون اليوم ديناً".
فما لكم يكن يومئذٍ ديناً فلا يكونُ اليوم ديناً.
واعلموا -أحبتي في الله- أن الشرع الحنيف اهتم بالاتباع اهتماماً عظيماً فقد وَرَدَتْ لفظة الاتباع في القرآن بتصاريفها المختلفة ما يزيد على الخمسين مرة. قال جل وعلا آمراً بالاتباع: {َأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153].
وقال -جل وعلا-: {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف:3].
وعَلَّقَ الله جل وعلا محبته على اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم قال جل وعلا: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران:36].
بل إن الله جل وعلا نفي الضلال والشقاء على كُلِّ من اتبع هُداه قال جل وعلا: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه:123].
وإذا نظرنا إلى سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم سنجد أنها اشتملت على كثير من الأحاديث التي توجب علينا اتباع الحبيب صلى الله عليه وسلم ومن بين هذه الأحاديث ما رواه الإمام أحمد والحاكم بسند حسن من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «خَطَّ لَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم خَطاً ثُمَّ قَالَ: هَذا سَبِيْلُ اللهِ، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطاً عَنْ يَمِينه وَعَنْ شِمَالهِ ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ سُبُلٌ مُتَفَرِّقَةٌ عَلَى كُلِّ سَبِيْلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُوا إِلَيْهِ ثُمَّ قَرأَ:" وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ».
وفي الصحيحين من حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دَعُونِي مَا تَركْتُكُمْ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِم واخْتِلافِهمْ عَلَى أَنبِيائِهِم فَإذَا نَهْيتُكُم عَنْ شَيْء فاجْتَنِبُوه وإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم».
وروى البخاري أيضاً في صححه من حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رضي الله عنهُمَا قَالَ جَابرُ: «جاءتْ مَلائِكَةٌ إِلى النَّبي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ نَائِمٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ نَائِمٌ وقَالَ بَعْضُهمْ: إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ والْقَلْبَ يَقْظَانُ، فَقَالوا: إِنَّ لِصَاحِبِكُمْ هَذَا مَثَلاً. فَاضْربُوا لَهُ مَثَلاً فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ وقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ والقَلْبَ يَقْظَانُ فَقَالوا: مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَاراً وَجَعَلَ فِيها مَأدُبَةً -أي جعل فيها طعاماً- وَبَعَثَ دَاعياً فَمَنْ أجاب الدَّاعِي دَخَلَ الدَّارَ وَأَكَل مِنْ الْمَأْدُبَةِ، وَمَنْ لِمْ يُجِبِ الدَّاعِي لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ المَأدُبَةِ، فَقَالوا: أَوَّلُوهَا لَهُ يَفْقَهْهَا -أي فسروا له هذا المثل- فَقَال بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ، وقَال بَعْضُهُمْ إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ والْقَلْبَ يَقْظَانُ. فَقَالوا: فَالدَّارُ الْجَنَّةُ والدَّاعِي مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ عَصَى مُحمداً صلى الله عليه وسلم فَقَدْ عَصَى الله وَمُحمدٌ فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ».
بل وفي الصحيحين مِنْ حديث أنس بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنْهُ قَال: «جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلى بُيُوتِ النَّبي صلى الله عليه وسلم يَسْأَلونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبي صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا أُخْبِروا كَأنَّهُمْ تَقَالوها فقالوا: وَأَين نَحْنُ مِنْ النَّبِيِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. قَال أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَاُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَداً. وَقَال آخرُ: أَنَا أَصُوُم الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِر. وَقَال آخر: أَنَا أعْتَزلُ النِّسَاءَ فَلا أَتَزَوُّجُ أَبَداً. فجاء رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِلَيْهمْ فَقَال: "أَنْتُمُ الَّذيِنَ قُلْتُم كذا وَكذا أَمَا وَاللهِ إِنِّي لَأخْشَاكُم لِلهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ وَلَكّني أَصُومُ و أُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وأتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي».
فنحن أحبتي في الله مأمورون باتباع منهج الحبيب صلى الله عليه وسلم في كل ما أمَرَ به والانتهاء عما نهى عنه صلى الله عليه وسلم. لأن الحياة لا تستقيم ولن يكون لها طعم ولا يشعر الإنسان بالراحة والسعادة والأمان والاطمئنان إلا إذا اتبع الحبيب صلى الله عليه وسلم واقتفي أثره في كل شيء. فمن اتبع الحبيب كان عند الله مكرماً وفي أعين الناس معظماً.
فهيا بنا -أحبتي في الله- لندخل بستان الاتباع ونقف على صور مشرقة منيرة من حياة سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، لنستنشق عبيرها ونستمتع بأريجها ونقتدي بذكرها، ونرى كيف كان اتباع سلفنا الصالح للحبيب صلى الله عليه وسلم.
فها هو النبي صلى الله عليه وسلم كان قدم جيشاً كبيراً بقيادة أسامَةَ بن زيد -رضي الله عنه- وأمره بالتوجه إلى حدود الشام لملاقاة الروم هناك وللأخذ بثأر من قُتِل من المسلمين في غزوة مؤتة، وكان الجيش معسكراً على بعد ثلاثة أميال من المدينة يتهيأ للسير، وفجأة توفي النبي صلى الله عليه وسلم. ثم وقعت في دولة الإسلام أمور خطيرة، وفتن عظيمة. فقد ارتدَّت فئة من العرب عن دين الإسلام، وفئة امتنعت عن أداء الزكاة إلى أبي بكر، وفئة قالت: لا يكون لأبي بكر والمدينة سلطان علينا، وفئة رابعة ادعى أحدهم النبوة وأنه رسول من عند الله، وعندما وقعت هذه الفتن اختلف الصحابة في أمر رسول الله حول إمضاء جيش أسامة وسيره إلى جهة الشام. فرأى فريق من المسلمين وعلى رأسهم عمر بن الخطاب أن بعث أسامة وإرساله إلى جهة الشام في هذا الوقت فيه خطورة على المدينة، ومخاطرة رهيبة، وكان القائد أسامة بن زيد من أصحاب هذا الرأي.
ولكن الصِدِّيق أبو بكر رضي الله عنه أراد أن يُعلِّمَ الدنيا، وأن يُعلِّم الأمة كيف يكون الاتباع المطلق لمنهج الحبيب صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته. أمر أبو بكر بإنفاذ جيش أسامة وسيره إلى الشام لملاقاة الروم مهما تكن شدة الفتن والمشاكل والأخطار التي تواجه المدينة، وكان جواب سيدنا أبي بكر للناس: "أيها الناس والله لو خطفتني الكلاب والذئاب لأنفذت أسامة وجيشه كما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم. لا راد لقضاء قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته، والله لأن تتخطفني الطير أَحب إليّ من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم".
هكذا -أحبتي في الله- اتباع تام والتزام مطلق لمنهج الحبيب صلى الله عليه وسلم. بل وطلب سيدنا عمر وبعض المسلمين من سيدنا أبي بكر الصديق أن يجعل إِمْرَةِ الجيش قائداً غير أسامة لأنه كان صغير السن حيث كان عمره قريب من الثمان عشرة سنة. لم يتجاوز العشرين من عمره. لاسيما وقد كان في الجيش أكابر الصحابة أمثال عمر وعثمان وعلي. حتى قال عمر لأبي بكر: "إن الأنصار أمروني أن أبلغك، وأنهم يطلبون إليك أن تولي أمرهم رجلاً أقدم سناً من أسامة "ولكن الصديق أبو بكر الذي تعود وتربى على الاتباع علم أن الذي ولى أسامة إمارة الجيش هو رسول الله ولقد رضيه الناس ورسول الله حيّ بينهم أفيخلع أبو بكر قائداً ولاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟
لم يزل الحوار والنقاش مستمراً بين أبي بكر من ناحية، وعمر وبقية الصحابة من ناحية أخرى حتى غضب أبو بكر غضباً شديداً. وثب أبو بكر من مكانه وكان جالساً وأخذ بلحية عمر وقال: "ثكلتك أمك يا ابن الخطاب استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأمرني أن أنزعه، هكذا أحبتي في الله اتباع مطلق لمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أعظم هذا الموقف وما أجمله لأنه تتجلى فيه طاعة النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو سبب النصر والغنم والتمكين.
وها هو سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عندما استلم الحجر الأسود قال: "إِنِّي لَأَعْلَمُ أنَّكَ حَجَرٌ لا تَضُرُ ولا تنفعُ، ولَولَا أَنِّى رأَيْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِلُكَ ما قَبَّلْتُكَ".
وها هو سيدنا علي -رضي الله عنه- يقول: "لو كان الدِّينُ بالرَّأْي لكان أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بالمَسْحِ مِنْ أَعْلَاه" وزاد أبو داود: "وقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ على ظاهِرِ خُفَّيْهِ".
وها هم الصحابة الكرام يرونَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيفعلون مثله ففي الحديث الصحيح، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال:« بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِأَصْحابِهِ إذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ. أَلْقَوا نِعَالَهُمْ. فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم صَلاتَهُ قَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَائِكُمْ نِعَالُكُمْ؟ قَالوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَألْقَيْنا نِعَالنَا. فَقَال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَني أَنَّ فِيْهِمَا قَذَراً».
اتباع وتسليم لمنهج الحبيب صلى الله عليه وسلم. قال جل وعلا: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً} [الأحزاب:36].
أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا من المتبعين لمنهج الحبيب صلى الله عليه وسلم. وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
المقدمة :
أحبتي في الله إن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قد بيَّن لنا أن العبادات التى يؤديها الإنسان منا، ويتقرب بها إلى الله جل وعلا. تؤدَّي بطريق خاصة على وجوه خاصة زماناً ومكاناً، هيئة وعددا، وأخبرنا صلى الله عليه وسلم أن الخير فيها وفي اتباعها، والشر في تجاوزها وتعديها. فمن يأتى بعد ذلك ويتبع طريقاً آخر غير طريق "محمد" صلى الله عليه وسلم ويعبد الله بمستحسنات العقل فقد قدح في كمال هذا الدين وخالف منهج الصادق الأمين.
لذلك أحبتي في الله نجد أن الله حذرنا من اتباع الهوى ومخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم ورتب على ذلك العقاب الشديد قال جل وعلا: {مَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً} [النساء:115]، وقال جل وعلا: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63].
وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من الابتداع والاختراع في الدين. لأن الابتداع من أخطر الوسائل التى يستخدمها الشيطان في استخراج الإنسان إلى المعصية والبعد عن اتباع الحبيب صلى الله عليه وسلم.
لذلك احتجز الله التوبة عن صاحب البدعة. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الله احْتَجَزَ التَّوْبَةَ عَنْ صَاحِبِ كُلِّ بِدْعَةٍ» . وروى الإمامُ البخاريُّ ومسلمُ في صَحيحَيهِمَا مِنْ حديثِ حُذَيْفَةَ بْنَ اليَمَانِ -رضي الله عنهما- يقولُ: «كَانَ النَّاسُ يَسْأَلونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أسْألَهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَة أَنْ يُدْرِكَنِي. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ: إنَّا كُنَّا في جَاهِليَّة وَشَرِّ. فَجَاءَنا اللهُ بِهَذَا الْخَيرِ. فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ:"نَعَمْ" فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ:"نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ" قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ:"قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي. تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ" فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَىَ أَبْوَابِ جَهَنَّم مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيْهَا" فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: صِفْهُمْ لَنَا قَالَ: "نَعَمْ. هُمْ قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا" فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ: فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ:"تَلْتَزِمْ جَمَاعَةَ الْمُسْلمِينَ وَإِمَامَهُم. فَقُلْتُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: "فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ».
فهذا من أشد الأحاديث في وجوب اتباع سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم، وسنة الخلفاء الراشدين من بعده واجتناب البدع وأصحابها.
قال الفضيلُ بنُ عياضِ: "من أحَبَّ صاحب بدعةٍ أحبط الله عمله، وأخرج نور الإسلام من قلبه".
وقال الحسن البصري: "لا يقبل الله لصاحب البدعة صوماً ولا صلاة ولا حجاً ولا عمرة حتى يدعها".
وقال سفيان الثوري: "البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها".
وقال الإمام ابن تيمية -رحمه الله-: "العبادات مبناها على الشرع والاتباع. لا على الهوى والابتداع. فإن الإسلام مبني على أصلين أحدهما أن نعبد الله وحده لا شريك له، والثاني أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لا نعبده بالأهواء والبدع فليس لأحد أن يعبد الله إلا بما شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم من واجب ومستحب. لا أن نعبده بالأمور المبتدعة".
فهيا بنا أحبتي في الله لنتعرف على الثواب الذي أعده الله لمن يتخلق بخلق الاتباع.
أولاً: الاتباع هو الطريق الوحيد الموصل إلى جنة الرحمن الرحيم جل وعلا -روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّة إِلَا مَنْ أَبَى "قالوا يَا رَسُولَ اللهِ وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ :"مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى».
وفي صحيح مُسْلم من حديثِ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «آَتِى بَابَ الْجَنَّةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأقُولُ مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ لَا أَفْتَحُ لِأحَدٍ قَبْلَكَ».
فالاتباع هو الطريق الوحيد الموصل إلى جنة الرحمن الرحيم. فلن يدخل أحد الجنة في الآخرة إلا إذا كان متبعاً منهج الحبيب في هذه الحياة الدنيا.
ثانياً: من فضل الاتباع ومن فوائده وثماره أن الإنسان الذي يكون متبعاً لله -جل وعلا- سائراً على منهج الحبيب صلى الله عليه وسلم يكون في أمن وأمان، وسلام واطمئنان بل الله تعالى يمحوا إن عنه الضلال والشقاء قال جل وعلا: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه:123].
قال ابن عباس -رضي الله عنه-: "تكفَّل الله لِمَنْ قَرَأ القرآن وعَمِلَ بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، ثم قرأ: " فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى".
ثالثاً: من فضل الاتباع وفوائده وثماره:
أنه سبب لنجاة الإنسان من الفتن والشدائد والأزمات، قال جل وعلا: {َلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63].
وقال جل وعلا: {َأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153].
رابعاً: أن الاتباع سبب عظيم لرضاء الله جل وعلا عن عبده المؤمن. وهذا من أعظام نعم الله تعالى على عبده أن يرضى الله عنه قال جل وعلا: "{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ.... الآية} [التوبة].
خامساً: من فضل الاتباع وفوائده وثماره. أن الله جل وعلا علق محبته على اتباع الحبيب صلى الله عليه وسلم والتزام سنته قال جل وعلا: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران:36].
نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا من المتبعين لمنهج الحبيب صلى الله عليه وسلم .
الدعاء....
لمشاهدة الخطبة على الموقع
خطبة بعنوان الاتباع للشيخ حسن سعيد الدويني
وكتبه
حسن سعيد الدويني
إمام وخطيب مسجد الرحمة بالهرم