القرار المصيري
كتبه /سعيد محمود
القرار المصيري: (خطبة مقترحة)
كتبه: سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله..
أما بعد: مقدمة:
الأمة تمر بظروف حرجة تكثر فيها القرارات المصيرية (1).
أجواء تواكب القرارات المصيرية: (اختلاف الآراء، ترتب الآثار العظيمة على القرار).
أجواء تلتمس لصحة القرارات المصيرية: (التأني وعدم العجلة، الشورى، الاستخارة والتوكل والدعاء).
الأجواء التي تواكب القرار المصيري:
أولاً: اختلاف الآراء:
الاختلاف كائن بين البشر: قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ . إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود: 118، 119]. وقال صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا» (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
نحن مأمورون شرعًا بنبذ الخلاف والسعي إلي الاجتماع، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [آل عمران: 103]. وقال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ، وَاخْتِلافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ» (رواه مسلم).
الاختلاف في الظاهر خطر على الباطن: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» (متفق عليه). ولذا فالواجب عند اتخاذ القرار المصيري توحيد الرأي على قدر المستطاع، لتبقى القوة في مواجهة الخصوم والأعداء، قال تعالى: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46]. وقال: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4].
ثانيًا: ترتب الآثار العظيمة على القرار:
والمقصود ترتب مصالح عظيمة أو مفاسد خطيرة بهذا القرار المصيري.
مثال عظيم: (أحداث الحديبية وقرار المصالحة) قال الله تعالى: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفتح: 25] (2).
الأجواء التي تلتمس لصحة القرارات المصيرية:
أولاً: التأني وعدم العجلة: لأن التأني يضمن تصور المسألة من جميع جوانبها، وكما هي القاعدة الشرعية: (الحكم على الشيء فرع عن تصوره) لاسيما إذا كانت المسألة كثيرة التغير، ولنا في التأني سعة وإطلاع.
الأناة والرفق محمود مطلقًا: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأَشَجِّ عبد القيس: «إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالأَنَاةُ» (رواه مسلم). وقال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ» (رواه مسلم).
الحماسة والتعجل: (يوم أحد) واستكراه الشباب والمتحمسين النبي صلى الله عليه وسلم على الخروج مِن المدنية، على رغم ما أخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم عن الرؤيا التي رآها، وفيها أنه أدخل يده في درع حصينة، وهي المدنية، مِن أقوالهم: "يا رسول الله، كنا نتمنى هذا اليوم وندعو الله، فقد ساقه إلينا وقرب المسير، اخرج إلي أعدائنا، لا يرون أنا جبنا عنهم". وقال آخر: "والذي أنزل عليك الكتاب لا أطعم طعامًا حتى أجالدهم بسيفي خارج المدنية".
ثانيًا: الشورى:
الشورى من النبي صلى الله عليه وسلم مع جلالة قدره: قال الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] (3). قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في كتاب السياسة الشرعية: "قال العلماء: لم يكن أحد أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم!". مواقف في الشورى من النبي صلى الله عليه وسلم: في يوم بدر: «أشيروا عليَّ أيها الناس...» وفي يوم الأحزاب: يستشير السعدين في أن يصرف غطفان بثلث ثمار المدنية.
ثالثًا: الاستخارة والتوكل والدعاء:
كان من هديه صلى الله عليه وسلم الاستخارة والدعاء والالتجاء إلى الله قبل أن يتخذ قرارًا ولو في أمر يسير، فكيف بالأمر الكبير، والقرار يؤثر على المصير؟! (4).
قال جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ، يَقُولُ: «إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أَرْضِنِي بِهِ، وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ» (رواه البخاري).
وكان مِن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» (رواه مسلم).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) القرار المصيري: هو الموقف أو الرأي العظيم الأهمية الذي تترتب عليه آثار عظيمة تؤثر في المستقبل والمصير.
(2) يحسن من الخطيب أن يبين كيف كان الرأي في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يميل إلي المواجهة والمصادمة، ومع ذلك كان القرار المصيري الصائب هو عدم المواجهة والمصادمة، وإجراء الصلح والرجوع.
(3) والشورى قد تكون لجمهور الناس أو لطائفة منهم بحسب المصلحة وجوانب المسألة، وتأهلهم لذلك.
(4) إن بعض الناس مِن التهور بمكان بحيث ينطق بالقرار الخطير كردة فعل، فأين الاستخارة والتأني والدعاء والالتجاء، فضلاً عن المشورة كما سبق؟!
www.salafvoice.com
موقع صوت السلف
- التصنيف:
- المصدر: