بما نحن مدينون للثورة السورية؟
بدأت الثورة السورية يتيمة ولعلها ستنتهي يتيمة، بانتصار باك على طاغية سفاح مريض، ولكن الثورة السورية أنارت لنا ما كان غائباً عن بعض الأذهان إنما بسبب أسلوب صناعة البطل المريض وتسويق سلعة القومية العربية (التي أباحت لنفسها سحق القوميات الأخرى)، ثم سحق العرب أنفسهم فيما بعد...
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
بدأت الثورة السورية يتيمة ولعلها ستنتهي يتيمة، بانتصار باك على طاغية سفاح مريض، ولكن الثورة السورية أنارت لنا ما كان غائباً عن بعض الأذهان إنما بسبب أسلوب صناعة البطل المريض وتسويق سلعة القومية العربية (التي أباحت لنفسها سحق القوميات الأخرى)، ثم سحق العرب أنفسهم فيما بعد، وبضاعة الممانعة العفنة المريضة التي سوقت كذباً للعالم العربي والإسلامي ككل، وموقف الساسة العرب المتخاذل ومعظمهم من بقايا الأنظمة التي قتلتها الثورات العربية.
نحن مدينون بالكثير للثورة السورية، ولكن أهم ما نحن مدينون به لهذه الدماء والشهداء الذين يتساقطون لنا يوماً بعد يوم في سوريا بالمئات بآلة القتل السيادية الطائفية المريضة وسط صمت دولي، هو: "أن هذا العالم مدعي الحضارة وراعي حقوق الإنسان ما هو إلا كاذب كذوب منافق احترف الكذب والنفاق والمماطلة، فما أن يكون هؤلاء الناس مسلمون فيتوقف ويماطل ويساوم بل يقف في صف الجلاد القاتل مبطئاً ومماطلاً في نشر الأحداث والأخبار ومكذباً ما يحدث ومجنداً ما يملك من منظمات حقوق الإنسان لتدعي كذباً وزوراً بالعكس".
نحن مدينون أولاً وقبل كل شيء، للثورة السورية أنهم رسخوا المفهوم بأن هذه الأنظمة كلها أنظمة عميلة لإسرائيل وأن إسرائيل ستتمسك بالقشرة الأخيرة لهذه الأنظمة كما يحدث الآن في مصر وغيرها، نحن مدينون بالكثير فلنعرض على حدة ما نحن مدينون به.
فضح أكذوبة الممانعة:
الممانعة والتي سوقت بديلاً عن المقاومة والتي لا تشبه إلا تمنع العاهر المتمنعة لتبيع عرضها وشرفها لزيادة السعر، لم تكن إلا أكذوبة كبرى سوقت لخداع العالم العربي والإسلامي، هذه الأكذوبة خدعت الكثيرين، من الشباب والمثقفين فأصبحت الممانعة هي ما يلوكونه بألسنتهم وفي أفواههم ليل نهار، سقطت هذه الكلمة المطاطة الرنانة الطنانة عندما تذرع النظام بها عن طريق عملائه من الصحفيين والإعلاميين بخارج وداخل سوريا بصيحته الشهيرة: "إنها مؤامرة على الممانعة"، مبرراً القمع والقتل والاغتصاب والتدمير وسفك الدماء للاستمرار في ممانعته.
هذه الممانعة لم يطلق فيها رصاصة واحدة لتحرير الجولان على العدو الذي يعلن ممانعته، بل وفي السنوات الأخيرة سعى سعياً حثيثاً لعقد معاهدة سلام وبدأ مسيرة التطبيع مع الكيان الصهيوني، فما أكذبه من ممانع كذوب رخيص.
الموقف الإيراني المنافق:
موقف إيران من الثورة السورية أنها مؤامرة إسرائيلية، غير موقفها من المظاهرات في البحرين التي ضجت الدنيا بكاءً وعويلاً إنها ثورة حقيقية ومصر التي أعلنت في صحافتها الفارسية أنها مؤامرة أمريكية أيضاً، هذا الموقف المشبع بالشيزوفرينيا السياسية وهذا ما تتميز به إيران في قمعها العنيف للمعارضة بداخلها وتبريرها لهذا القمع بنفس تبريرات النظام الأسدي: إنها مؤامرة إمبريالية تقودها أمريكا وإسرائيل، لا يسعنا أن نقول إن إيران ما هي إلا عاهرة المصالح في المنطقة والركن الطائفي الذي يحرك ويدفع آلة القتل المريض داخل سوريا بدعمهم لنظام الأسد الطائفي.
كشفت لنا الثورة السورية أن إيران بموقفها الشيزوفريني تهاب الثورات التي تتكرر ضد أنظمة قمعية خوفاً من أن ينتقل أريج الحرية الثورية إلى داخل إيران الدكتاتورية، كشفت لنا أيضاً الثورة السورية الوجه القبيح للنظام الإيراني بدعمها للقاتل السفاح وأكدت للجميع أن لإيران مشروعاً في المنطقة، أياً كان هذا المشروع فهذا المشروع حكم عليه بالفشل بعد أن اتخذوا جانب السفاح ركناً فلن ينسى أحد هذا الموقف القبيح للدور الإيراني القذر.
إيران تخشى على انهيار مصالحها التي التصقت بنظام الأسد المتهاوي المنهار، الذي أعلن السوريين الأحرار نهايته، فبدلاً من أن تنبذ هذا النظام القاتل دعمته بالعتاد والسلاح والمرتزقة.
الجامعة العربية:
الجامعة العربية لم تكن إلا أداة بيد الطغاة العرب والآن مازالت هذه الأداة تعمل بكل الكفاءة، الجامعة العربية ملتقى تجمع ومنفى السياسيين العرب منتهى الصلاحية، ومنافقي الأنظمة ليستجدوا الحسنات من الدول التي تصرف على مشاريع هذه الجامعة.
الجامعة العربية هي إحدى الأدوات التي فُعُلت لتدمير الثورات العربية ومنها الثورة السورية، كانت الجامعة العربية بلا حول ولا قوة إلا أن تشجب وتندب وتستنكر بل وتعتبر مقتل الألوف من مواطني الدول العربية شئناً داخلياً لهذه الأنظمة.
الجامعة العربية لم تفعل شيئا في مذبحة حماة 1982، لم تفعل شيئاً في أيلول الأسود، لم تفعل شيئاً في الحرب الأهلية اللبنانية، لم تفعل شيئاً في صالح فلسطين إلا لتعطيلها، لم تفعل شيئاً بشأن مذابح الأنظمة العربية في معتقلاتها وسجونها مذبحة سجن أبو سليم بطرابلس - ليبيا بيد القذافي، ومذبحة سجن تدمر بيد النظام السوري منذ سنوات.
الجامعة العربية لم تفعل شيئاً في احتلال العراق بل تدخلت لا لتفض احتلال الكويت لتشرع ضرب العراق كبيادق مريض في المشروع الأمريكي......
الجامعة العربية لم ولن تكن جامعة للعرب بل سلاحاً موجهاً لصدورهم .
نحن مدينون للثورة السورية أن كشفت لنا أن الجامعة العربية استغلت كأداة للمماطلة والكذب والخداع على الثورة السورية وتمرير المزيد من الوقت لصالح النظام الأسدي فوق دماء السوريين، نحن مدينون للجامعة العربية أننا في الثورة القادمة سنهد هذا الوكر القذر على رؤوس أفاعيه وثعابينه.
حزب الله:
الثورة السورية كشفت لنا أن حزب الله ليس أسطورة الممانعة والمقاومة التي سوق لها وروج لها لسنوات، كشفت لنا دماء السوريين مدى تحكم إيران في هذا الحزب وأن هذا الحزب هو امتداد للمشروع الفارسي في المنطقة العربية وتسويق للمشروع الإيراني بمفاهيمه المختلة أيضاً.
كشفت لنا الثورة السورية أن حزب الله لم يتوقف عن دعم الطاغية السفاح في سوريا بنظامه السادي المريض بالبيانات والتصريحات فقط بل امتد دعمه بالجنود والكوادر والمرتزقة من الحزب للمشاركة في عمليات سفك الدماء والقمع والقتل والاغتصاب التي يقوم بها النظام الأسدي داخل سوريا.
موقف حزب الله من الدماء في سوريا بأن يقول أمين حزب الله حسن نصر الله: لا يوجد شيء في سوريا، بينما لا تتوقف جثث عناصر حزب الله عن العودة ممزقة من رصاص الجيش السوري الحر إلى لبنان لتدفن في صمت القبور في قرارها غير مكرمة أو معززة بعيداً عن أعين الإعلام إلا ما قد يتسرب.
خدع الكثير من المثقفين والشباب بموقف حزب الله منذ سنوات أثناء الحرب بينه وبين إسرائيل حتى لم يعد فرق بين حزب الله وحرب 2006 وحرب 1973 أكتوبر رمضان، ولذا نحن مدينون بالشكر للثورة السورية ودماء الشهداء في سوريا ودماء جيش حزب الله التي يدفنها الحزب سراً في لبنان بأن جعلنا نميز أن الحزب ما هو إلا أداة وألعوبة بيد إيران ونظام الأسد وأحد أطرافه.
موقف حزب الله من نظام الأسد، أعاد التاريخ لنعرف عن الوجود السوري بجنوب لبنان ولتعاد فتح الملفات وأهمها ملفات اغتيال الحريري ليتعلم الخارج عن الاحتلال الأسدي للبنان والاغتيالات التي لم تتوقف بيد المخابرات الأسدية بالداخل اللبناني.
الوجود السوري في لبنان لم يطلق رصاصة واحدة ضد العدو الصهيوني أثناء الاجتياح الإسرائيلي في لبنان، ولازال يدعى المقاومة، بطاريات صواريخ الجيش الأسدي ضربها العدو الصهيوني في لبنان عدة مرات ولم يرد الجيش الأسدي برصاصة واحدة؟؟؟؟
الطائرات الصهيونية تخترق الأجواء السورية إلى دمشق ولم يرد الجيش الأسدي أي رد؟؟ أين المقاومة بين أين الممانعة، هذا الجيش المريض لم يواجه العدو الصهيوني بينما صعد حملته المريضة ضد الشعب.
نحن مدينون للثورة السورية أن كشفت لنا أن حزب الله لم يواجه العدو الصهيوني باسم العرب أو المسلمين إنما لتحقيق مكاسب إعلامية، هذه المكاسب التي اندفنت لفترة من الزمن زكمت رائحتها الأنوف عندما فضح الحزب أخيراً وبدأ الناس يتساءلون ويربطون ويحللون.
الموقف الغربي:
الموقف الغربي حساس جداً لقضية الحريات وحقوق الإنسان بحيث يتجاهله ويتناساها عندما لا تتماشى مع مصالحة أو مصالح من يتحكم بهذا الموقف، إسرائيل أولاً، والنظام الأسدي أثبت أنه حامي إسرائيل لعقود، فهل يوجد حارس لإسرائيل من نظام كامل؟؟
لا يوجد بديل لنظام الأسد والموقف الغربي يريد بديلاً مثل الأسد، بديلاً عسكرياً قادراً على قهر شعبه متى أراد، لا حرية حقيقة ولا ديمقراطية حقيقية، لا يريد دولة حرة سورية أو حتى مدنية بل يريدها عسكرية قمعية، ولهذا يماطل ويماطل فدماء السوريين لا توجد على لائحة المماطلات الدولية.
المعارضة الخارجية فشلت أيضاً في دورها سواءً باسترضاء الغرب أو في الاستزادة بمماطلة الداخل وتعريضه أكثر فأكثر لآلة القتل الدموية التابعة للنظام، جميع محاولات استئناسها للجيش السوري الحر فشلت لأن أهدافها لا تحو مكاناً لدماء السوريين قدر احتوائها على ما سيرضى الغرب وأمريكا ويؤمن إسرائيل.
فضح الإعلام العربي والغربي:
الإعلام ظلم الثورة السورية بشهدائها بمقاومتها بجيشها الحر بالتعتيم وتأخير النشر حيناً فاستراتيجية النشر التابعة للثورة السورية هي أن ينشر "ماذا" يريدون ويتماشى مع مصالحهم ويستهدف تنفيس الشارع، "عندما" يريدون، وغالباً بشكل متأخر بعد أن تتسرب للعالم عبر الأنترنت ما يعتمون ويؤخرون نشره، "كيف" يريدون، بأسلوب مصاغ منقوص حيناً منقوض أحياناً لا يهدف إلا تبرئة الذمة والتنفيس عن الشارع المحتقن.
الثورة السورية أثبتت أن معظم الإعلام العربي والغربي تتحكم به أجهزة استخباراتية، خصوصاً الإعلام الذي ادعى الحريات، حتى توقفت هذه الحريات وحقوق الإنسان عند دماء شهداء سوريا.
معظم رموز المعارضة السورية هم مجرد بيادق في استديوهات هذه القنوات الفضائية لينتج لنا ثائري الفضائيات ومناضلي الفنادق ومعارضي لوبيهات الفنادق والتصريحات الصحفية.
هذه البيادق يتم استدعائها متى يريدون عندما يريدون ولا ينفكون في معظم الأحيان يستضيفون القاتل المجرم السفاح ليبرر موقفه في سفك الدماء والانتهاكات والاغتصاب والمذابح والذبح كأنما هذا بالنسبة لهذه القنوات "وجهة نظر تحتمل الصواب و الخطأ".
هذه القنوات من وسائل الإعلام كما تستنفذ واستنفذت فعلاً طاقة المعارضة الخارجية الكلامية، وأصابتهم بالملل كما أصابت الداخل السوري بالإحباط واليأس من النجدة وأصابت الداخل العربي والإسلامي بالبرود تجاه الوضع السوري لتتحول أعداد الشهداء يومياً إلى أرقام وتتحول المجازر إلى أعداد إحصائية ورسوم بيانيه على خريطة سوريا لا تستهدف إلا المماطلة؛ مماطلة دماء السوريين حتى تجد إسرائيل بديلاً آخر غير بشار الأسد ونظامه السادي يؤمن حدودها.
الإعلام العميل لا ينفك أيضاً يستمر بأسلوب صناعة البطل باستضافة من تصدر له الأوامر بتضخيمه وتفخيمه ليصنع بطلاً على شاشات الإعلام "الإعلان" بينما هو في الكواليس خبيث عميل، صناعة البطل كنظام قديم استغله الاحتلال قبل الجلاء عن معظم الدول العربية بصناعة أبطال من ورق وخشب لإيهام الداخل العربي بأنهم البديل ليتضح أنهم امتداد للاحتلال الذي لم ينجل، تغيرت أساليب صناعته لتتكون في استوديوهات العديد من القنوات.
نحن مدينون للثورة السورية ومن قبلها الليبية بأن كشفت لنا هذا الزيف وهذا الخلل الذي لا ينكره إلا بسطاء العقول أو خبثاء النفوس أو عملاء العدو.
منظمات حقوق الإنسان:
منظمة حقوق الإنسان العالمية، والتي ادعت قبلاً في ليبيا أن ليبيا لا يوجد بها مرتزقة، تتجاوز بكل صفاقة جرائم ومذابح النظام الأسدي وتنضم إلى قافلة المماطلة للنظام السوري العميل، لتعلن أن الجيش السوري الحر يرتكب جرائم ضد الإنسانية مستندة إلى تقارير عملاء يتبعون للمؤامرة المماطلة وتفكيك الجيش السوري الحر قبل أن يتبعوا لشرائح هشة في المعارضة السورية الخارجية.
منظمة حقوق الإنسان والتي فضحتها الثورة السورية ومن قبلها الليبية أيضاً، أثبتت أنها أداة ليس إلا لمماطلة دماء الشهداء، فدماء السوريين لا يجد لها محل في قواعد اللعبة الدولية، هم يرقبون ما يحدث وينتظرون الأوامر ليتحركوا بما تمليه عليهم الأوامر من الجهات التي تحركهم لا بما تمليه عليهم إنسانيتهم ونفوسهم وأخلاقهم.
الثورة السورية:
فضحت الكثير والكثير مما يجب أن يقال ويجب أن يعرض ولو فردت الصحف لما ملأته بما كشفت دماء الشهداء بسوريا خصوصاً العجز العربي والنظم العربية المسيرة العملية وسفاهة الداخل العربي والدول العربية التي لم تحررها ثوراتها بعد ليسمح مسيروها بالسفن الإيرانية بالعبور من قناة السويس، كما الدول العربية التي لا تزال تفرد حصاراً حدودياً مريضاً على سوريا الداخل لا على النظام ولكن على الشعب السوري حصاراً غذائياً وحصاراً إغاثياً تنتظر الأوامر لتسمح بالمرور.
نحن مدينون للثورة السورية بأن دماء هؤلاء الشهداء الذين علمونا الحرية وكشفوا لنا أن طريقها طويل وأن الأنظمة العربية العميلة يجب أن تزاح وتزال وأن الإعلام العربي قبل العالمي مجرد بيادق بأيد الاحتلال الذي لم يجل بعد، نحن مدينون لهم بأن هذه الثورة الثورة السورية ستكون أولى ثورات التحرير الحقيقي وقطع دابر الاحتلال والعمالة والخيانة فلتنته سياسة تسيير إرادة الأحرار بالغرف المغلقة.
الأمم المتحدة لا تهدف إلا لمماطلة النظام، ومماطلة النظام لا تعنى إلا إكسابه الشرعية وإعطاؤه فرصة لسحق الشعب السوري وارتكاب المزيد من المجازر، أحمق من يصدق أن مبادرة وقف إطلاق النار تستهدف فقط وقف إطلاق النار بل لا تهدف إلا أن يوقف الجيش السوري الحر إطلاق النار ليكثفها قوات بشار الأسد بشراسة على المدنين.
الثورة السورية بخصوصيتها وخصوصية النظام الطاغية وأهميته لإسرائيل تجعل من العسير بل من المستحيل إيجاد بديل عسكري ليؤمن حدود إسرائيل الشمالية ويقهر الشعب وينفذ سياسية الاغتيالات والتصفيات للمقاومة، إسرائيل وأمريكا يريدون إيجاد بديل عسكري وربما سيحاولون فرض جزء من بقايا النظام على المعارضة كمشروع لإنهاء وتصفية الثورة.
الداخل العربي بلا حول ولا قوة في المجازر الطائفية ويحتاج لثورة أخرى في الكثير من البلدان التي خاضت ثورات أخرى فالعجز المطلق عن نجدة شعب محاصر يعنى أن الثورات العربية انتهت واستأنست لصالح بقايا الأنظمة ولتتجاوز إرادة الشعوب.
حمزة عماد الدين موسى