رسائل إلى أهل مصر
ما كان أحد يحلم -ولا أحلام يقظة- أن تنتهي تلك الدولة البوليسية العاتية التي جمعت بين ظلم العباد في دنياهم، والاستعلاء على رقابهم وإفساد دينهم، وخوفًا من أن يضيع الحلم أو يعود الظلم.. كانت هذه الرسائل...
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد:
فما كان أحد يحلم -ولا أحلام يقظة- أن تنتهي تلك الدولة البوليسية العاتية التي جمعت بين ظلم العباد في دنياهم، والاستعلاء على رقابهم وإفساد دينهم، وخوفًا من أن يضيع الحلم أو يعود الظلم.. كانت هذه الرسائل:
إلى القلوب المنكسرة:
إن المقاليد بيد الله تعالى، وهو اللطيف الذي يدبر الخير في الخفاء لعباده، وإن ساءت الصورة المشهودة ففي طياتها الخير إن شاء الله، ولنا فيمن سبقنا العبرة: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ . وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ . وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص:4- 6]. {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].
إلى نواب التغيير:
قال موسى عليه السلام لقومه: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 129]. وها هي الآية تتحقق فيكم -لا سيما الإسلاميين- فكما صبرتم في عهد الظلم على دينكم داعين بالحق لمنهجكم، فاشكروا نعمة ربكم وأروه سبحانه كيف تعملون.. فأنتم في مجلس الشعب على أعظم ثغر من مكتسبات الثورة، وهو: (تشريع دستور جديد) فإما نعيم في طاعة الله، وإما حور بعد الكور، وعهد جديد من التنازلات والتبعية والذل -والعياذ بالله-.
ولقد أمَّنكم مَن اختاروكم أمانة... فما اختاروكم -غالبًا- إلا لسياسة الدنيا بدين ربهم، فأدوا الأمانة وأبرئوا الذمة، وأوفوا بالعهد: {إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً} [الإسراء: 34]. و{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27]. {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].
إلى كل مَن ولاه الله موضع سلطة وأراد بشعب مصر مكرًا، أو على رقابهم علوًا، أو أن يخون لهم وعدًا: أذكركم بالذين خلوا مِن قبل، وكيف مكنكم الله مواضع كانت لمن قبلكم، ولو دامت لهم لما صارت إليكم: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ . وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ . فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [إبراهيم: 45- 47].
إلى كل يد خفية أو تظن نفسها كذلك: {إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران: 5].
وإلى كل مَن لا يريد خيرًا بالبلاد والعباد:
لكل مَن لا همّ له ولا غاية إلا هواه وعلوه، وتنفيذ ما خطط له، ولا يعبأ في سبيل ذلك بسفك دماء أو هتك أعراض أو ضياع حقوق أو خراب بلاد... وهو في ذلك مغرور بكيده أو واثق بمن اتخذه مِن ورائه ظهيرًا: {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} [البروج: 20]. {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا . وَأَكِيدُ كَيْدًا . فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطارق: 15-17].
إلى كل عدو متربص:
يريد استغلال الأحداث لدفع البلاد لمزيد مِن الفوضى -الخلاقة للخراب- ويغيظه أن تنهض البلاد مِن كبوتها لعلمه أن في ذلك عاجل هلاكه ولا شك، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: 36]. فكما أنفقتم -ولا زلتم تنفقون- ها هي أموالكم تصبح حسرة عليكم، إذ كلما مكرتم وأوقدتم نارًا للحرب -فتنة طائفية، حرب أهلية، فزاعات من الإسلاميين..- أطفأها الله، بل ويخرج منها شعب مصر أكثر يقظة، وما بقي إلا: {ثُمَّ يُغْلَبُونَ} و{إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}.
وإلى كل مَن أصر على البناء رغم دعاوى الهدم:
امش ولا تلتفت، حتى يفتح الله عليك، ولا تكن إمعة إذا أحسن الناس أحسنَ، وإن أساؤوا أساء!
وإلى شعب مصر بكل أطيافه..
{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: 11]. فما تأخر التغيير عنا إلا لبطء خطى قلوبنا إلى الله، وعدم صدق كثير منا في التغيير: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25]. إذ المطلوب هو التغيير الجماعي -لا الفردي فحسب- قالت زينب -رضي الله عنها-: "يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟! قَالَ: «نَعَمْ إِذا كثُرَ الخَبَثُ» (متفق عليه). والتغيير الشامل في كل جوانب الشخصية: إسلامًا وإحسانًا، وسلوكًا عمليًا واقعًا في دنيا الناس.
وإن أردنا بركة الدنيا والآخرة، فلنتذكر: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96]. و إيانا والثقة بغير الله أو إساءة الظن به جلَّ وعلا: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 28].
فإن كان من ثقة أو حسن ظن فبالله وحده: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران: 120]. فبالصبر والتقوى -كل في موضعه وثغره من دين أو دنيا- يكفينا الله كيد الكائدين، ويرزقنا الله البصيرة فيما يستقدم -إن شاء الله-.
والله المستعان.
محمد إسماعيل أبو جميل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة (الفتح) بتاريخ الجمعة 2 ربيع الآخر 1433هـ - 24 فبراير 2012م.
- التصنيف:
- المصدر: