جزيرتي الإسلامية
أبو الهيثم محمد درويش
- التصنيفات: موضوعات متنوعة -
بسم الله نبدأ وعلى هدي نبيه صلى الله عليه وسلم نسير،
هجم علي صديق قاطعاً علي أحبال أفكاري قائلاً : إن ما ترنوا إليه من تطبيق الشريعة في دولتكم العلمانية شيء شبه مستحيل , يفنى عمرك بل وأعمار مع عمرك دون تحقيقه !!!!
رددت عليه بهدوء : القضية ليست إلا انتصاري أنا وانتصارك أنت في قضيتنا الفردية : يعني قد يموت الشخص مشنوقاً ولكن بشنقه يتحقق له أعظم الانتصار , فالمهم أن نلقى الله وهو راض غير غضبان , فإذا ما فزنا بالجنة فقد تحقق النصر المبين , وإن علونا على الباطل بصريح الإيمان فقد تحقق النصر إن شاء الله , ألم يقل الحق تبارك وتعالى { ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } ؟
تركت صاحبي , وإذا بحديثه يهجم على أفكاري في جنح الليل , في هدأة سكون مهيب , وقد انقطعت أحبال الناس وأحبال الدنيا , فلم يبق إلا حبل الله موصول , وفي هذا الهجيع من الليل , إذا بكلمات صاحبي تطرق ذهني , تطبيق الشريعة
………, الدولة الإسلامية , ……
يالها من روعة , ذهب معها عقلي وقلبي بعيداً ليحلقا في فضاء الخيال الواسع , وقد رست بي سفينة التخيلات إلى جزيرة بعيدة عن شرور البشر , وعن بعد الخلق عن الخالق, أناس على الفطرة , وجدتني في جزيرتي وحدي أدعو هؤلاء لدين الإسلام , وعقيدة التوحيد , أناس لا يعرفون من تقدم البشر وحضارتهم شيئاً ، ولم تتلوث أبصارهم بفضائياتنا المنتنة , ولم تتلوث مسامعهم بما يغضب الله , التفوا حولي , استمعوا لي , أعجبتهم عقيدة التوحيد , علموا الحق فانقادوا له , وهنا بدأنا العمل لتكوين الجزيرة الإسلامية , منطلقة من التوحيد الخالص لله رب العالمين .
بدأ الناس في تعلم التوحيد كخلية النحل , هذا يسأل وهذا يوصل لغيره , وهذا يحكي لزوجه ولجاره , حتى انتشر التوحيد وعم أرجاء الجزيرة , الكل اتفق على عبادة الله وحده لا شريك له , بدأ الناس يسألون عن العبادة , وأحكام الإسلام , شيئاً فشيئاً تعلموا دينهم , هذا الإيمان , وشيء عن معاني لا إله إلا الله , هذه الصلاة وقبلها الطهارة , هذا الصوم , …… هذه سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم وكيف بدأ دولته بالمدينة ببناء المسجد ,شيئاً فشيئاً , بدأ القوم في بناء أول مسجد ……
يا الله هذا الأذان يرتفع فيعلو أرجاء الجزيرة , هذه الصلوات تقام , هذه النساء تتحجب فلا تظهر منهن عورة .
ثم بدأ العمل : هلموا إلي عباد الله , الدين ليس شعائر وفقط , بل علينا أن نعمل بجد واجتهاد , فنكتفي ذاتياً , فنأكل من عمل أيدينا دون انتظار ما يأتي كل حين بعيد من جزر نائية فيلقى إلينا نظير أغلى ثروات الجزيرة , لنكن منتجين , فلا حاجة لنا لمد اليد إلى الغير .
وهنا بدأ تكوين الاقتصاد الإسلامي بالجزيرة , فلا غش ولا ربا ولا بيع عينة , لا غرر , ولا مكس .
الكل يعمل بجد ونشاط لتحصيل القوت وزراعة الأرض وستر العرض , هذا يصنع الأكسية البسيطة , وهذا يبيع الحب , وهذا يصنع الطعام , هكذا ينبغي على الجزيرة الإسلامية أن تنتج فلا تحتاج , وليس هذا فحسب , بل علينا أن نحمي أنفسنا من كيد الجزر البعيدة , فلنتعلم صناعة السلاح , ولنخصص بعض دخل الجزيرة للمجهود الحربي , وهكذا بدأ أول مصنع مصغر لصناعة أدوات الحماية والذود عن حمى الجزيرة , وبدأ بعض الشباب , لتعلم فنون الحرب ليقفوا على ثغور الجزيرة .
ليس هذا فحسب فالجزيرة الإسلامية جزيرة توحيد , واقتصاد إسلامي متين , وتسليح وإعداد مستقيم , كما أنه علينا أيضاً أن ننشيئ نظاماً اجتماعياً إسلامياً متينا ً , نكفل فيه من زيادة دخل الجزيرة كل محتاج , فنسد رمق الجائع , ونحنوا على اليتيم فلا يحتاج , ليمد كل منا يده لإخوانه , هكذا هي جزيرة الإسلام .
وهنا بدأت البركات تنزل من السماء { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء }
يا الله ……هذه الحدود تقام , فالكل آمن على ماله فمن سرق قطعت يده , والكل آمن على عرضه فمن أفسد في الأرض وانتهك الحرمات طبق عليه الحد , والكل آمن من الفتن , فالرجال رجال , يعمرون مساجد الله , يقيمون الشرع في دنياهم , ويأخذون بأسباب القوة , والنساء كذلك نساء , عفيفات طاهرات , نقيات , متسترات , يقمن بواجبهن , في البيت وخارجه , فالمرأة مربية للأجيال , ولا مانع من أن تخرج من بيتها لمساعدة مجتمعها بشروط الشرع وحدوده , فهي الطبيبة للنساء والمعلمة للبنات , وبعد كل هذا وقبله هي الأم الحانية , والزوجة العطوف , والأخت الطيبة .
استقر الإسلام على الجزيرة , مع مرور الوقت أصبح فيها الدعاة وأصبح منهم الأئمة والحفظة وأصبح منهم الصناع المهرة وأصبح منهم الزراع البررة , هكذا الإسلام دين ودنيا { كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور }
ومع استقرار الأمور بالجزيرة , إذا بسفينة ترنوا للعيون من بعيد , ياترى ما تحمل لنا هذه السفينة من مفاجآت .
إنها جموع بشرية , جاءت من بعيد من جزر بعيدة , اكتشفوا هذه الجزيرة فأتوا لينظروا ما بها .
فرأوا الخير يعم الجزيرة , وسمعوا نداء الحق يعلوا الجزيرة في مواقيت الصلوات على مدار اليوم والليلة , فرح أهل الجزيرة بأضيافهم , وطبقوا معهم وصية الإسلام بالضيف, وبعد الزيارة , ودع أهل الجزيرة الأضياف مع إلحاح غريب من الأضياف بتكرار الزيارة .
وبالفعل مع مرور الأيام , تكررت الزيارة , ونظراً لكرم أهل الجزيرة مع أضيافهم من قبل , رد لهم الضيوف المعروف , وكافؤهم بالهدايا , فهذه زجاجات الخمر وهذه الفضائيات , وهذه نساء كاسيات عاريات ليعلمن نساء الجزيرة الفجور.
شرب أهل الجزيرة السم في العسل , بدأ الناس يتأخرون عن صلاة الفجر , بعدما كان العمل كل يوم يبدأ بصلاة الفجر فلا يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق,
رويداً رويداً بدأ التخلف عن معظم الصلوات , النساء بدأن يتعرين شيئاً فشيئاً حتى أصبحن كاسيات عاريات, الصناع أصبحوا أنطاع وقد غرتهم الفضائيات وغرهم النعيم فتركوا صناعاتهم ومعهم الحراس تركوا ثغورهم.
بدأ الوهن يعلو الجزيرة , وبدأ معها الضيوف يحذرون مني ومن كل ناصح , يا إلهي الجزيرة تكاد تغرق …… الأمل يتبدد …… الضيوف سيطروا على الجزيرة يريدون احتلالها وأهل الجزيرة نائمون , بدأ اليأس يدب في قلبي.
ما العمل , ما السبيل ؟؟؟؟
دعوت الله , هدأت من روعي , الله المستعان,
صحت في أول مسجد بنيناه , وقفت على منبره , وبصوت مرتفع , هلموا إلي عباد الله , هلموا إلي عباد الله : إنى رأيت رؤيا هالتني , رأيت الجزيرة وقد عمها الطوفات وأغرقت بمن فيها وكأن الله استبدلنا بغيرنا , هلموا إلي عباد الله فإني لكم ناصح أمين ……… { ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين }
بعدما كاد اليأس يدب في قلبي , إذا بشباب صغار , في وجوههم النور , وكأن لباسهم لباس الملائكة , تبدو عليهم سيماء أهل الخير , يحبون الحق ويدعون إليه ويعملون من أجله , وعلى الطرف الآخر بدت البنات وقد لبسن حجابهن مترفعات على الباطل مستعليات على المنكر غائظات للشيطان وجنده , وياللعجب , جاء الضيوف الأشرار معهم بالخمر والنساء والفضائيات , فهاهم شباب الجزيرة الأطهار , يبثون قناة قرآنية وأخرى دعوية , يا إلهي لك الحمد , اليأس ليس له في الإسلام موضع , هذه طليعة الخير قد ظهر, ومع الصبر والجلد والجد , يأتي الانتصار , إذن فلنودع اليأس , وستعود جزيرتي إن شاء الله إسلامية , ولنبدأ من جديد .
وهنا انطلق نداء الحق بأذان الفجر , وصحوت من تخيلاتي داعياً ربي سبحانه وتعالى أن تعود أمتي لرشدها .
محمد
أبو الهيثم
المصدر: خاص بإذاعة طريق الإسلام