مبشرات في زمن الوهن.. أسرار انتشار الإسلام مع اشتداد الهجمات عليه!! (2/4)
خباب الحمد
أخبر عليه الصلاة والسلام أنَّ هذا الدين سينتشر في جميع أنحاء الأرض، فقد روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إن الله زوى لي الأرض -أي ضمها وجمعها- فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها» ...
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة - الطريق إلى الله -
لقد تكفَّل الله تعالى بحفظ دينه فقال عزَّ من قائل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33]، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدا} [الفتح: 28].
وقد أخبر عليه الصلاة والسلام أنَّ هذا الدين سينتشر في جميع أنحاء الأرض، فقد روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إن الله زوى لي الأرض -أي ضمها وجمعها- فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها» (1).
وجاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام وأهله، وذلاً يذل الله به الكفر» (2).
وكان تميم الداري يقول: عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز ولقد أصاب من كان منهم كافراً الذل والصغار والجزية.
وبشَّر النبي صلى الله عليه وسلم أمَّته بالنصر والتمكين فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «بشر هذه الأمة بالسناء والنصر والرفعة في الدين والتمكين» (3(.
ولو أردنا أن نتتبع الأسباب الحقيقيَّة لانتشار هذا الدين رغم ما يُحيط بأهله من دوائر السوء والشر والخطر والضرر، لرأينا أن خلاصتها وأعلاها وأَوْلاها بالتقديم هو هذا القدَر الإلهي، المتمثل في حفظ الله تعالى لهذا الدين وإرادته له الانتشار والبقاء.
ولعلَّ من الحوادث ذات الدلالات العميقة في ذلك واقعة ذكرتها صحيفة تايمز البريطانية من أنَّ قسًّا متقاعدًا أحرق نفسه في دَيْرِه بألمانيا احتجاجًا على انتشار الإسلام وعجز الكنيسة البروتستانتية عن احتوائه، وذكرت الصحيفة أن القس (رولاند ويزلبرغ) صب علبة من البنزين على رأسه وأضرم النار فيها وذلك في (دير أوغيستين) في مدينة (أيرفيرت)، التي قضى فيها (مارتن لوثر كينغ) ست سنوات راهبًاً في بداية القرن الـسادس عشر، ونقلت الصحيفة عن (ألفريدي بغريتش) رئيس كنيسة (أيرفرت) قوله: إن أرملة (ويزيلبرغ) أخبرته أن زوجها انتحر بسبب ذعره من انتشار الإسلام وموقف الكنيسة من تلك القضية (4(.
وهذه القصًّة تجلِّي لنا بوضوح سبب الذعر والخوف الشديد من انتشار الإسلام، ولدوافع -في الأعم الأغلب- ذاتيَّة لما يشاهدونه من عظمة هذا الدين، ولعلَّ من نافلة القول بعد ما سبق أن نشير إلى بعض أسباب انتشار الإسلام، فمن هذه الأسباب:
(1) أنَّ الإسلام هو الدين الحق وليس فيه تعقيد ولا غموض.
من المعلوم أنَّ الحق عليه علائم واضحة، وأنوار برَّاقة تظهر منه، وتنتج عنه، فهو كما قيل:
فهذا الحق ليس به خفاء *** فدعني من بنيَّات الطريق
ولو أردنا أن ننظر في ذلك من ناحية معاصرة، لاستدللنا بخير مثال يؤيد ما ذكرناه حيث ذكرت الكثير من وسائل الإعلام، وعلى رأسها شبكة المحاربون اليوم (Veterans Today) قصة ذلك الجندي الذي أعلن إسلامه بعد أن نطق الشهادتين في مسجد (كيمبل ستريت) بولاية نيويورك الأمريكية بعد عام من دراسة الإسلام مع أحد أئمته.
وقد كان هذا الجندي ضمن الدفعة الأولى التي أرسلت إلى أفغانستان عام 2001م، وبعدها بـ 15 شهرًاً كان ضمن أولى كتائب المارينز إلى العراق، وقد ذهب لكي يحارب الإسلام، حيث تحدَّث عن نفسه بأنَّ هذه الرحلة الشاقة والأليمة إنما ساقه الله من خلالها إلى الهداية، فقال "أرسلوني إلى الأراضي البعيدة لمحاربة المسلمين.. ثم أصبحت واحدًا منهم" ثمَّ صرَّح الجندي الأمريكي (مايك): "لقد أفهمني الإمام أن الإسلام ليس مجرد طقوس أؤديها.. إنه منهج حياة، يرشدني في كل أموري ليصبح كل شيء عبادة" (5).
ونتوقف لنتأمل فيما قاله ضابط أمريكي آخر أشهر إسلامه، وهو يبكي متسائلاً عن ذَنْبِ والديه بعد أن ماتا دون أن يعلما شيئًاً عن الإسلام؟!!
وفي تقارير عديدة صدرت من خبراء وراصدين للظاهرة، أثار انتباههم انتشار الإسلام بسرعة بين الأمريكيين من أصل إفريقي، الذين لم يردعهم التضييق المتزايد الذي يتعرض له المسلمون في الولايات المتحدة منذ هجمات 11 أيلول (سبتمبر)، ويشرح أولئك سبب إسلامهم بقولهم: "إن ما يجذبهم هو التعود على النظام والطاعة الذي تمثله الصلاة وتأكيد الإسلام على الخضوع لله وتعاطف الدين مع المقهورين" (6).
وعند قراءة شيء من أسباب دخول المنصِّرين إلى الإسلام مثلاً، يعزو المبشرون المسيحيون انتشار الإسلام في غرب إفريقيا والسنغال والكاميرون وساحل العاج إلى أسباب، منها بساطة تعاليمه وخلوها من التصورات الغامضة المعقدة أو التي يحكم العقل باستحالتها.
وقد صدر كتاب في عام 2005م بعنوان: (الإسلام والأمريكي الأسود: نظرة تجاه الإحياء الثالث) لمؤلفه: (شرمان جاكسون)، ذكر فيه أنَّ المسلمين السود اعتنقوا الإسلام لأنَّهم يريدون ثقافة يشعرون فيها بالملكيَّة والسيطرة، وأنَّهم يلحظون أنَّ دين الإسلام وسط وسيط في جميع التعاملات الحياتية والاقتصاديَّة.
وهذا ما كان محفِّزًاً كذلك لـ: (علي رمضان) أحد سلاطين مناطق تشاد الذي أسلم، وحينما سئل عن سبب إسلامه قال: "وجدت حلاوة الإسلام ولا أحد يشك في أنه دين المساواة والعدالة، لا فرق بين أحد وآخر ولا بين غني وفقير إلا بالتقوى كل يتوجه لله وكلهم عبيد لله.
وهذا يعطينا دلالة قوية على أن هذا الدين ينتشر بغير جهد أبنائه أو حالتهم، وإنما هو ينتشر بقوة أخرى، هي قوة الله عز وجل الذي أنزله لعباده وأراد له البقاء، فلا يضره بعد ذلك أن تعاديه الدنيا كلها، فلن يضره هذا، لأن الله ناصره لا محالة، والواقع خير برهان ودليل".
(2) التناقضات في العقائد الأخرى:
إنَّ أتباع تلك الديانات يشعرون بشك في دينهم، وخلل في معتقدهم ممَّا يسوقهم ويجرُّهم بل يجذبهم كالمغناطيس للتعرف على الإسلام والدخول فيه.
بسؤال امرأة ألمانية عن كيفية دخولها إلى الإسلام، تقول (سيتلانا) 24 سنة: "منذ أن كان عمري 13 عامًا، كان هناك تساؤل يتبادر إلى ذهني من حين إلى آخر: ما هو الإسلام؟ ومن هو محمد؟ ولماذا نكره نحن المسيحيين الإسلام والنبي محمدًاً؟
سألت والديها عن الإسلام وكان الرد قاسيًاً ثم طالباها بالتوقف عن طرح مثل هذه التساؤلات وإلا سيكون العقاب شديدًاً، تقول: كنت لا أصدق أن الله هو المسيح كما تقول ديانتي المسيحية وعندما جئت إلى ألمانيا مع أسرتي الروسية أصبح لي زملاء وأصدقاء مسلمون من جنسيات مختلفة وجدت في تعاملهم ومعرفتهم دفئًاً وحنينًاً لم أجده عند الألمان، فأردت أن أتعرف أكثر على هذا الدين وعن الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، وقضيت سنوات أبحث ولا أعرف كيف تكون البداية في البحث، وذهبت إلى البابا في الكنيسة وسألته عن الإسلام فلم أجد في ردوده وإجاباته غير كرهه للإسلام والمسلمين، وأنه دين عنف وإرهاب، وقضيت سنوات عديدة.. أريد أن أعرف، ولكن لا أعرف كيف؟!! وشاء الله أن أتعرف إلى شاب تركي مسلم، وأن تنشأ قصة حب بيننا، كما تعرفتُ على أفراد أسرته الذين رحبوا بي وأحبوني كثيرًا، وأحاطوني بعطف ورعاية، واعتبروني فرداً منهم، وكنت دائماً أطرح أسئلة عديدة على هذا الشاب، عن الإسلام وعن الله والرسول، ولكني لم أجد أي إجابة عنده، لأنه هو نفسه لا يعرف شيئًا عن الإسلام غير أنه وُلِدَ مسلمًاً فقط.
ولكنَّها بعد بحث وتقصٍّ قرَّرت الدخول في الإسلام حينما قرأت وشاهدت النور الساطع في آياته القرآنيَّة وعظم الدعوة التي يبشِّر بها، وصدق الله تعالى إذ قال: {فَمَن يُرِدِ اللَّـهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: 125].
لأجل ذلك يتحدث (ايتين دينيه) عن مدى مواءمة الدين الإسلامي لفطرة الإنسان السوي حيث يقول: "لا يتمرد الإسلام على الطبيعة التي لا تُغْلَب، وإنما هو يساير قوانينها ويزامل أزمانها، بخلاف ما تفعل الكنيسة من مغالطة الطبيعة ومصادمتها في كثير من شؤون الحياة مثل ذلك الغرض الذي تفرضه على أبنائها الذين يتخذون الرهبنة، فهم لا يتزوجون وإنما يعيشون غرباء".
(3) الدافع الذاتي للتعرف على هذا الدين.
ولهذا نجد الدكتور "عبد الرحمن حمود السميط" رئيس لجنة مسلمي إفريقيا يقول بصراحة: "إنه برغم عدم وجود خطط مدروسة لنشر الإسلام في القارة الإفريقية، فإن الإسلام ينتشر بالدفع الذاتي، مؤكدًا على أن المستقبل للإسلام في هذه القارة".
ومن يستمع إلى الشريط الجميل الذي صدر له قبل عدَّة سنوات بعنوان: (رحلتي إلى أفريقيا) في حوار الإعلامي فهد السنيدي معه يجد عجبًا عجابًا في إقبال الكثيرين من الأفارقة على الإسلام دون وجود إغراءات تدعوهم إلى ذلك.
وفي الدول الأوروبيَّة نجد دفعًاً عجيبًاً وتلقائيًاً لمحاولة التعرف من السويديين على دين الإسلام، ومن ثمَّ إعلان الكثير منهم دخولهم في الإسلام طواعيَّة، فخلال مؤتمر صحفي بالمعهد السويدي بالإسكندرية وفي ضربة موجعة للمناهضين للإسلام أعلن وفد شباب السويد المسلم اعتناق 15 ألف مواطن سويدي تتراوح أعمارهم بين 20 و40 عامًا الدين الإسلامي بعد أزمة الرسوم المسيئة للرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-!!
وتشير تقارير موثقة إلى أنَّ عدد المسلمين في السويد يبلغ الآن حوالي 120 ألف مسلم والملاحظ أن الإسلام ينتشر برغم غياب الدعاية الكافية له وبشكل خاص بين النساء من الجامعيات بشكل خاص. ومن خير الشواهد على انتشار هذا الدين العظيم، ما يشعر به القساوسة بالأثر البالغ والكبير الذي يدفع الغربيين للدخول في الإسلام، ما اعتبره د. حقار محمد أحمد عضو مجلس الحوار مع الكنائس والباحث المتخصص في شؤون الفاتيكان وتاريخه تحذير (جورج جاينزفاين) السكرتير الخاص لبابا الفاتيكان مما وصفه "بأسلمة الغرب"، ودعوته لمقاومة القيم الإسلامية باعتبارها خطرًا على الهوية الأوربية تأتي على خلفية الانتشار السريع للإسلام لدى النخب والقواعد الشعبية في أوربا.
وقال أحمد في حديث خاص لموقع (إسلام أون لاين): "هذه التصريحات جاءت نتيجة تزايد الإقبال على الإسلام في أوساط النخبة من المجتمع الأوربي، وهي الفئة المؤثرة في الأوساط الثقافية الأوربية، بالإضافة لتضاعف عامة الناس الذين يسلمون بعد 11 سبتمبر إلى ثلاثة أضعاف في كثير من الدول كفرنسا".
ومن شواهد ذلك، ما طالعتنا به وسائل الإعلام عن قصَّة ذلك الضابط الأمريكي الذي كان يقوم بحراسة مستشفى مدينة الطب بضاحية الكرخ في بغداد، وبعد محاولات تلقائيَّة منه للتعرف على الإسلام، أعلن النطق بالشهادتين.
ونحن لا ننسى كذلك قصَّة كثير من الحروب التي شنَّها أعداء الدين ومنهم التتار الذين دخلوا بلاد الإسلام لإبادة أهلها، وبعد مدة وجيزة وجدنا كثيرًا منهم يدخلون في الإسلام ويصبحون من أشدِّ أنصاره.
وهذا ما يعطي جميع المسلمين حالة الشعور بروح العزَّة والمناعة لهذا الدين، وأنَّ هنالك شيئًاً خفياً يأسر ألباب أكثر الناس حينما يعرفون دين الإسلام على حقيقته.
(4) المفعول العكسي لحملات الافتراء على الإسلام:
إنَّ كل الإساءات السابقة والحالية وربما اللاحقة لمقدساتنا ورموزنا الدينية، لهي دليل على قوة الإسلام المتنامية بالغرب وتأثيره المباشر في حياة الملايين بأوربا، فهنالك إحصاءات حديثة صادرة في عام 2008م أكَّدت أن محاولات تشويه صورة الإسلام والمسلمين وبِناءِ صورة سيئة لكل ما يتصل بالإسلام باءت بالفشل وأن الإسلام مازال ينتشر في أوربا وأمريكا، وكما قال الله تعالى: { لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } [النور: 11].
فكثير من الناس يدفعهم حب الفضول والاستطلاع بعد ما يقال وينشر في الإساءة للمسلمين، فيطالعون المصحف الكريم وبعض الأحاديث النبوية، وما هي إلاَّ أيام أو أسابيع أو شهور حتَّى ينطق الواحد منهم بشهادة الإسلام: أشهد ألاَّ إله إلاَّ الله وأشهد أنَّ محمداً رسول الله.
هذا مع ضعف قادة كثير من الدول الإسلاميَّة وخيانة البعض منهم لدينه، وعدم اعتبار الدين هو المثل الأعلى الذي يجب الدفاع عنه والذود عن حياضه، ومع جميع ذلك ينتقم الله تعالى لرسوله محمد من الذين سخروا منه وطعنوا في رسالته، وكان في قولهم ذاك دعوة لكثير من قطاعات المجتمعات الغربيَّة للبحث والتمحيص، الأمر الذي ينتهي غالبًا بالدخول في الإسلام، وقد قال ابن تيميَّة رحمه الله: "إنَّ الله منتقم لرسوله -صلى الله عليه وسلم- ممَّن طعن عليه وسبَّه، ومُظْهِرٌ لدينه ولكذب الكاذب، إذا لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد" (7).
وهو ما حدث فعلاً فقد وجدنا عقب تلك الإساءات لرسول الله ولدين الإسلام، أنَّ كيد أولئك المجرمين عاد إلى نحورهم وأنَّ هذه الحوادث كانت لدى كثير من الغربيين حافزًا على البحث عن حقيقة هذا الدين الذي كثر ناقدوه لكي يتعرفوا عليه عن قرب، فوجدوه على نقيض على ما يفتري المرجفون: دين الحق والعدل والحرية والسماحة والعزة.
لقد حاولت مجلة (دير شبيجل) الألمانية تقصي أسباب هذا الإقبال غير المسبوق على اعتناق الإسلام بين الألمان، مستعينة بدراسة أصدرها مجلس الوثائق الإسلامية في ألمانيا، يؤكد فيها أن أحداث 11 سبتمبر عام 2001 والحملة الهوجاء التي قادتها الصحافة في الغرب ضد الإسلام، وما أعقبها من رسوم كاريكاتورية مسيئة للرسول -صلى الله عليه وسلم-، ثم آراء بابا الفاتيكان (بنديكت) السادس عشر غير المنصفة حول الإسلام، لم تستطع وقف انتشار الدين الإسلامي في ألمانيا وأوربا، بل أصبح هذا الدين أكثر انتشارًاً من غيره من المِلَل في هذا البلد، وكان من آثار تلك الأزمات التي عصفت بالمسلمين دوراً رئيساً وجوهرياً في محاولة تعرف الكثير من الألمانيين على هذا الدين، حيث ساقهم هذا الحدث للاقتناع بالإسلام والدخول فيه!
وقد أكد لي فضيلة الشيخ رائد حليحل حفظه الله (مؤسس اللجنة الأوربيَّة لنصرة خير البريَّة في الدنمارك) أنَّه في أعقاب أزمة الرسوم المسيئة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الدنمارك، والانتفاضة التي عمَّت أرجاء العالم العربي والإسلامي في الدفاع والذب عن رسول الهدى -صلوات الله وسلامه عليه-، ما جعل الدنماركيين يستغربون من ذلك، فذهب كثير منهم إلى المراكز الإسلاميَّة وسألوهم إن كان هنالك شيء يستطيعون من خلاله التعرف على هذا الدين الحنيف، فكانت المراكز تعطيهم المصحف ومعه ترجمة لمعاني آياته، وبعض الكتب التي تتحدث عن دين الإسلام، فيرجع الكثير منهم ويعلنون في تلك المراكز أنَّهم قد دخلوا في هذا الدين، حتَّى أنه خلال عامين بعد أعقاب أزمة الدنمارك دخل من الدنماركيين في دين الإسلام أكثر من 4000 شخص! فربَّ ضارَّة نافعة!!
ويوافق ما حدَّثنيه الشيخ رائد حليحل، ما أكَّدته صحيفة "البوليتيكن" الدنماركية من أن عدد الدنماركيين الذين يعتنقون الدين الإسلامي يتزايد يومًاً بعد آخر وأن مواطنًاً دنماركيًاً واحدًاً على الأقل يختار اعتناق الدين الإسلامي يوميًا كما أن عدد الدنماركيين الذين تحولوا للإسلام منذ نشر الرسوم المسيئة تجاوز خمسة آلاف دنماركي.
بل أكَّدت دراسة استطلاعية في الدنمارك أن القرآن الكريم أصبح هدية مطلوبة -بشغف- بمناسبة عيد ميلاد المسيح لعام 2007م وقالت الدراسة الاستطلاعية: إن ترجمة معاني القرآن إلى اللغة الدنماركية، تبوأت المرتبة الثانية لأكثر وأفضل المبيعات انتشارًا في مجال الكتب المتخصصة في هذا النوع من العلوم.
ويربط الخبير الدنماركي في شؤون الإسلام (يورجن باك) بين هذه الظاهرة وبين تلك الرسوم المسيئة لنبي الإسلام التي نشرت في الدنمارك بادئ ذي بدء، ولاحظ هذا الباحث: أنه لا يمكن قراءة صحيفة في الدنمارك أو الاستماع إلى إذاعة أو مشاهدة التلفزيون إلا وكان هناك ذكر للإسلام والمسلمين. وهذا يفسر الرغبة في الاطلاع على ما يتضمنه القرآن.
والدلالة على ذلك: أنَّ المصحف -الذي ترجمت معانيه إلى الدانماركية-: أصبح هدية يتبادلها الدانماركيون بمناسبة أعياد الميلاد. وقد بيع من هذه الترجمة خمسة آلاف نسخة في شهر واحد.
ولمن لا يعلم فإنَّ بلدًا غربيًا مشهورًا كالدنمارك بلغ من شدَّة حقده على الإسلام أنَّ قوانين هذه البلاد لم تعترف بالدين الإسلامي، ولم تدرجه ضمن الأديان المعترف بها على أراضيها، علمًاً بأنَّ عدد المسلمين في الدنمارك يبلغ 250 ألف مسلم أي (ربع مليون)، من أصل 5.300 مليون نسمة، وفق الإحصاء الرسمي لعام 2005م، وفي المقابل تعترف الدولة الدنماركيَّة بديانة (السيخ) رغم أنَّ أتباعها لا يزيدون على 170 شخصًاً!
ومع هذا التجاهل والتعامي عن حقوق المسلمين بل الإساءة لهم، فإنَّه في أعقاب الحملة المسيئة لرسول الله في بلادهم تقدَّمت الدعوة إلى الأمام سنوات عديدة، وكما قال أحد الدعاة هنالك: فلو ظلَّ 100 داعية يتحدثون عن الإسلام في الدنمارك 10 أعوام، لما تركت دعوتهم هذا الأثر والنتيجة لدخول الكثير منهم إلى الإسلام كما تركت هذه الحادثة، وصدق الله تعالى إذ يقول: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان:31].
ففي الدانمارك التي وقعت فيها جريمة الرسوم المسيئة لرسول الهدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، (يتردد على مسجد كوبنهاجن وحده أزيد من عشرين شابًاً لإعلان إسلامهم أسبوعيًاً، وفي السويد أصبح مسجد ستوكهولم المركزي مقصدًاً للشباب السويدي والشابات السويديات وغيرهما من شباب أوربا الذين يعلنون إسلامهم بشكل يومي والأمر عينه يتكررّ في النرويج وفنلندا وإيسلندا، ويعكس هذا التوجه ما قاله الكاتب السويدي الراحل (يان ساميلسون) الذي أسلم. في كتابه الإسلام في السويد من أنّ الدين الإسلامي سيكون أهم وأصعب رقم في معادلة الدول الاسكندنافية بعد عشرين سنة.
وقد أعلنت وزارة التعليم الدانماركية أنّها أصدرت مرسومًاً يقضي بتدريس القرآن الكريم في كل الثانويات الدانماركية، وقد عللّت وزيرة التعليم الدانماركية (أولي تورناس) ذلك بقولها: إنّ تدريس الإسلام في المراحل الثانوية في الدانمارك سيفيد من جهتين أساسيتين أولاهما معرفة الدانماركيين بالدين الإسلامي خصوصًا في ظل الإقبال الكبير على دراسة الإسلام من قبل الدانماركيين، وثانيهما معرفة الدانماريكيين الأصليين لأصدقائهم المسلمين الذين يعيشون معهم في الدانمارك، وللإشارة فإنّ عدد المسلمين في الدانمارك يبلغ حوالي 200 ألف مسلم أغلبهم من البلاد العربية والإسلامية وإفريقيا وهذا العدد هو من أصل خمسة ملايين ونصف مليون دانماركي وقد رحبّت الجمعيات الإسلامية في العاصمة الدانماركية كوبنهاجن بهذه البادرة واعتبروها خطوة في الاتجاه الصحيح) (8).
وإلى أمريكا وعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر ففي حديث خاص جمعني مع شيخنا الأستاذ الدكتور جعفر شيخ إدريس -حفظه الله- وقد كان لسنوات عديدة رئيس الجامعة الأمريكية المفتوحة في أمريكا، أفادني بأنَّه عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والحرب الشرسة على الإسلام من قبل الولايات المتحدة الأمريكية على لسان رئيسها مجرم الحرب (جورج بوش)، اندفع الأمريكان لكي يتعرفوا على الإسلام، حتَّى إنَّه خلال شهر ونصف شهر أسلم في أمريكا ما يزيد على 27 ألف شخص!!
كما شهدت مكتبات (أمستردام) إقبالاً كبيرًاً من الهولنديين على شراء المصاحف الإلكترونية المترجمة معانيها إلى لغتهم مما أدَّى إلى نفادها من الأسواق عقب نشر الرسوم المسيئة وعلى جانب آخر خابت آمال النائب الهولندي (جيرت فيلدرز) فبعد عرض فيلم (فتنة) الرديء أشهر ثلاثة هولنديين إسلامهم خلال أسبوع من عرض الفيلم.
وحتَّى في بلجيكا ينتشر الإسلام بسلاسة إثر الرسوم المسيئة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنجد دراسة لصحيفة "لاليبر بلجيك" البلجكية تذكر أنَّ ثلث سكان بروكسل الآن مسلمون وأنَّ الدين الإسلامي سيصبح الدين الأول ببروكسل بعد نحو 20 عامًاً من وأن اسم محمد تصدر أسماء المواليد الجدد منذ عام 2001. وقالت صحيفة (روسيسيكا غازيتا): إن عدد المسلمين تضاعف في بلجيكا خلال العشرة أعوام الأخيرة.
بل توقع خبير بلجيكي في علم الاجتماع والإحصاء أن يشكل المسلمون غالبية سكان العاصمة البلجيكية بروكسل، خلال الـ20 سنة القادمة إذا تواصلت وتيرة الهجرة ومعدل المواليد في صفوف سكانها من أصول مسلمة.
أمَّا رئيس الجمعية الإسلامية في إقليم (كتالونيا) أغنى أقاليم شمال شرق إسبانيا، فيقول كما ذكرت مجلة (عقيدتي): إن اعتناق الإسلام يتم وينتشر على الرغم من الحملات التي يتعرض لها في الصحف ووسائل الإعلام الغربية". وتابع مستخفًاً بأثر تلك الحملات: "يبدو أن اعتناق البوذية أسهل. لكنهم يختارون الإسلام!!" (9).
24/5/1433 هـ
-------------------------------------------
(1) أخرجه الإمام مسلم من حديث ثوبان مولى رسول الله، برقم: (2889).
(2) أخرجه الإمام أحمد في المسند برقم (16509) وأخرجه ابن حبَّان في صحيحه، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رجاله رجال الصحيح،: (6/17)، وقال الألباني في كتاب تحذير الساجد: (ص158): على شرط مسلم وله شاهد على شرط مسلم أيضا.
(3) أخرجه الإمام أحمد، وابنه عبد الله في زوائده، وابن حبَّان في صحيحه، والحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي وأعلَّه الإمام أبو حاتم كما في العلل لابنه2/129، فقال: خطأ [فيه أيوب عن أبي العالية] رواه جماعة من الحفاظ عن المغيرة بن مسلم، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، وقال المنذري في الترغيب والترهيب: إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما: (1/48)، وصحَّحه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: (23).
(4) المصدر: الجزيرة نت يوم الجمعة 12/10/1427 هـ - الموافق3/11/2006 م.
(5) عن موقع رسالة الإسلام بعنوان: (انبهارًاً بثبات المسلمين... جندي مارينز يعلن إسلامه).
(6) بتصرف من شبكة نور الإسلام، على هذا الرابط:
http: //mail.islamlight.net/index.php?option=content&task=view&id=4643
(7) الصارم المسلول، لابن تيمية: (2/233).
(8) عن مقال: بعد أزمة الرسوم.. الاسكندنافيون يقبلون على دراسة الإسلام واعتناقه، بقلم: يحي أبو زكريا، ورابطه:
http: //almoslim.net/node/85728
(9) عن تقرير أصدرته شبكة الإعلام العربيَّة (محيط) بعنوان: إحصاءات غربيَّة (انتشار الإسلام في أوروبا وأمريكا رغم حملات التشويه)، ورابطه:
http: //moheet.com/show_files.aspx?fid=207514&pg=7
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام