ساويرس مواطن مصري

منذ 2012-05-13

مصر عندي هي: "العاشر من رمضان"، مصر عندي هي: "مصر 28 يناير 2011"، شعب يُؤمِّن بعضه بعضًا بغض النظر عن الدين، وعن أي اعتبار آخر، ولكن مصر عند "ساويرس" لم تكن إلا مجرد أكوام القمامة، والشوارع غير النظيفة، والتي لم يجد شيئًا يربطه بمصر ويمنعه من الهجرة منها إلا هذه الأشياء -كما قال في حواره مع "المصري اليوم"-!


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فأعلمُ -يقينًا- أن المهندس "نجيب ساويرس" يتمتع بالجنسية المصرية، تذكرتُ هذا وهو يُناشِد جموع المصريين: المحافظة على حصة شركته في "موبينيل"؛ حتى تبقى "موبينيل" مصرية -رغم أن الخلاف بينه وبين الشريك الأجنبي كان على السعر، وليس على مبدأ بيع حصته!-.

كما أعلمُ -أيضًا-: أنه عضو "لجنة حكماء مبارك"، ومِن بعدها: "لجنة عمر سليمان"، ثم عضو "لجنة يحيى الجمل"، و... و... انتهاءً بـ"المجلس الاستشاري".

وكلها لجان زعمت أنها للإنقاذ الوطني، ولكن مع اختلاف توجهات مَن دُعي إلى هذه اللجان، ومن دعا إليها تغيرت وجوههم وتوجهاتهم؛ اللهم إلا مِن "طلعة المهندس ساويرس"، الوجه الواحد صاحب مئات التوجهات!

لا أريد أن أصدر حكمًا استباقيًّا، فحالة كهذه تحتمل تفسيرًا آخر، وهو أن يكون الرجل هو الوحيد المُجمَع عليه في مصر مِن أقصاها إلى أقصاها! ولكن احتمالًا كهذا سوف ينهار عندما تعلم أن الرجل أسس "حزب المصريون الأحرار"، إلا أن أعضاء الحزب قالوا لصاحب المحل: "إن رئاسته للحزب سوف تكون سببًا لخسارته"، ومِن ثَمَّ توارى الرجل خلف لقب "مؤسس الحزب".

ثم إن الحزب تكتل مع غيره في "الكتلة المصرية"، ورغم مُداعبة عواطف الجمهور بوصف "المصرية" مرة أخرى؛ إلا أن كتلته فقدت جاذبيتها فكان وزنها صفرًا -كما علق بعض الظرفاء على الإنترنت-! ولكن الصفر تحرك قليلًا؛ بفضل توظيف الدين في السياسة، وهو الأمر الذي ما فتئ "ساويرس" يدعي محاربته! والأدهى أنه تم توظيف دين ينهى كتابه المقدس أن تشتغل بالسياسة، ولكن هذه هي السياسة!

رفقاء مؤسس "المصريون الأحرار" في الكتلة المصرية هالهم عزوف "الكتلة التصويتية المصرية الحرة" عن اختيار كتلتهم؛ فعللوا هذا بوجود الحزب الذي يقوده "آسف: أسسه" ساويرس ضمن الكتلة.

طبعًا لم يأتِ هذا الرصيد السالب مِن فراغ، فمهما سَمى الرجل مشاريعه: التجاري منها، والخدمي، والحزبي بالمصري أو المصراوي أو المصريون أو المصرية؛ فبينه وبيْن المصرية الحقيقة مفاوز:
أولها: أنه لا يحترم دين الأغلبية المصرية -دين الإسلام؛ فسب الدين على الهواء، وعلى تليفزيون الدولة الرسمي، وسخر مِن الحجاب، وطوَّح في زلة لسان مِن زلاته الكثيرة -واللسان مغرفة القلب؛ ليجعله عادة إيرانية يزعجه وجودها في شوارع القاهرة!

وزلت فارته -mouse- فعملت ري تويت -retweet- على كاريكاتير يسخر مِن اللحية والنقاب! لعبت الفارة بذيلها لتوقع ذلك "الرجل الوطني" في شر أعماله فتبًا للفئران وابن عرس، وكل القوارض التي على ظهر البسيطة!

لقد ظن -أقصد ظنت الفأرة- أن اللحية والنقاب شعائر سلفية؛ فاتضح أنها إسلامية! يا لغباء تلك الفأرة..! لقد أعوزت الرجل أن يرمي نفسه بالغباء على الهواء مباشرة؛ لأن الناس لم يصدقوا أن الجريمة جريمة الفأرة.

وبحكم تخصصي في مجال الكمبيوتر، ومعرفتي بتلك المواقف المحرجة التي تنوب فيها الفأرة عن صاحبها؛ كدت أتعاطف مع "ساويرس" عندما هاتفني الأستاذ "يسري فودة" في الواحدة بعد منتصف الليل، وكنت لتوي قد أغلقت حاسبي بفأرته، ليخبرني بندم المهندس "ساويرس"، واعتذاره على الهواء "ستة عشر مرة"!

ولكني تذكرت أن سبه للدين على الهواء لم يكن للفأرة فيه ذنب، وأن سخريته مِن الحجاب لم يكن للفأرة فيه ذنب، وأن آفة الرجل في لسانه -وهو مغرفة القلب كما أسلفنا.

ثم إني تذكرتُ مئات الشكاوى المقدمة "للنائب العام"؛ فأردت ألا أفتات على سلطته، وتركتُ الأمر للقضاء الذي تحرك أخيرًا، وحرك الدعوى ضد "ساويرس".

هذه الأخطاء هي نماذج لاعتداء "ساويرس" على دين الأغلبية في مصر، وهو أمر لا علاقة له بدينه هو شخصيًّا، فهي جريمة تصدر أحيانًا ممن ولدوا لآباء مسلمين، كما أن الغالبية العظمى من النصارى المحافظين على عهودهم، الحافظين للجميل يترفعون عن تلك الجريمة، بل يقول قائلهم: "إنه ابن الحضارة الإسلامية". مثل: الدكتور "رفيق حبيب".

وأما ثاني الأمور التي يبدو فيها "ساويرس" مخاصمًا "مصريته"؛ فهي: حرصه على السيادة الوطنية حيث جلس خاشعًا متوسلًا أمام مذيعة في التلفزيون الكندي مطالبًا أوروبا وأمريكا بالتدخل مِن أجل التصدي للنجاح البرلماني للإسلاميين!

ويا للعار.. حينما كانت المذيعة أذكى مِن رجل الأعمال الألمعي الذي يَعرف مِن أين تُؤكل الكتِف -ولكن الهوى يعمي ويصم!-.. لقد استدركت عليه المذيعة أن التدخل الغربي يعني: مزيدًا من التفاف الناس حول الإسلاميين؛ لمواجهة الإمبريالية الغربية، فخرج الرجل من "بركة إلى مُستنقع"، مطالبًا بالتدخل السري الذي يبدو أنه أزعج المذيعة؛ ربما لأن عرض أمر كهذا في بلد ديمقراطي على شاشة تلفاز جدير بسقوطها بمن فيها.

ويبدو أن صاحبنا لم يفرِّق بيْن مبعوثات التحول الديمقراطي في العالم الثالث وبين مذيعات القنوات، فالكل في التنورة القصيرة سواء -كما يأتيك خبرها بعد قليل-؛ فلم يفطن صاحبنا إلى أن الكلام على الهواء لا بد أن يراعي سيادة الدول، وحق الشعوب في تقرير مصيرها و... و...

المهم: في آخر الأمر خرج الرجل مِن ورطته جزئيًّا بالمطالبة بدعم مادي علني أو سري -لا يهم، وطبعًا وبلغة التاجر الذي يعرف أصول المساومة طالب بأن الدعم لا ينبغي أن يقل عن "مائة مليون دولار"، عندما أكد على أن لديه معلومة موثقة أن أميرًا قطريًّا ما دعم "الإخوان المسلمين" بهذا المبلغ، وأنه حينما عاتب دولة قطر اعتذروا بأن مبلغًا -تافهًا- كهذا يمكن أن يتصرف فيه أي أمير دون علم الدولة.

هذا الحديث يجرنا إلى النقطة الثالثة التي خاصم فيها "ساويرس" مصريته، وهي "عاداته وتقاليده": فقد كانت تلك المذيعة ترتدي تنورة قصيرة -أظن أنها أقصر ما يُسمح به في التلفزيون الكندي، فلكل شعب ضوابطه وحدود حرياته، ولعل هذا ما شجع ساويرس أن يستعطفها من أن الإسلاميين يوشكون أن يمنعوه مِن شرب الخمر، وأن يمنعوا زوجته من لبس التنورات القصيرة "ولسان حاله يقول: كالتي ترتدينها أنت!".

وبغض النظر عن دين الرجل؛ فإننا لا نرى مِن عامة النصارى في مصر مَن يفاخر بارتداء زوجته للتنورة القصيرة، ولا حتى مَن يفاخر بشرب الخمر؛ فضلًا أن يصطحب ابنه إلى حاناتها، كما ختم برنامجه بأنه سوف يأخذ ابنه وبعض الأصدقاء ليسكروا؛ لأنه لا يضمن حال عودته إلى مصر: هل سيجد فيها خمورًا أم سيكون الإسلاميون قد منعوها؟!

لنترك الآن مجالس "سُكْر ساويرس"، و"تنورة زوجته القصيرة" -التي لم يرها كثير مِن الناس؛ فأبى ساويرس إلا أن يفاخر بها، ونعم الفخر!؛ لنرى مصر في مخيلة "ساويرس"..

كلنا يخجل مِن المظاهر السلبية في بلادنا، ولكن عندما نتكلم عن مصر في ذاكرتنا يتكلم كل منا عن أهم ما يربطه بمصر؛ فمصر عندي هي: "الأزهر"، هي: "الألف مئذنة"، هي: "ساحات صلاة العيد"...

مصر عندي هي: "العاشر من رمضان"، مصر عندي هي: "مصر 28 يناير 2011"، شعب يُؤمِّن بعضه بعضًا بغض النظر عن الدين، وعن أي اعتبار آخر، ولكن مصر عند "ساويرس" لم تكن إلا مجرد أكوام القمامة، والشوارع غير النظيفة، والتي لم يجد شيئًا يربطه بمصر ويمنعه من الهجرة منها إلا هذه الأشياء -كما قال في حواره مع "المصري اليوم"-!

فإن قلتَ: إن هذه أمور نتفق مع الرجل أنها سلبيات -وإن كان الغريب أن يجعلها هي سر ارتباطه بمصر!-.

قلنا: فما بالنا به يسخر مِن الطعام الشعبي المصري "الفول - الطعمية"، وهو طعام كان يمكن أن يبقى قبوله له أو رفضه في نطاق اختياره الشخصي، أما إن يسخر مِن هذا الطعام الشعبي؛ فأظن أن هذا الأمر له علاقة بالانتماء والولاء، ومهما أحاط الشخص نفسه بألقاب: "المصرية، والوطنية"؛ فسيبقى اللسان دائمًا -والفأرة أحيانًا- مغرفة للقلب.

ساويرس مواطن مصري سَخِر مِن دين الأغلبية المصرية ومِن عاداتها، وطالب بالتدخل الأجنبي في شئونها، وهو الآن سيقف أخيرًا أمام إحدى محاكمها؛ ليحاكم على ازدرائه لدينها في القصة التي كانت "الفأرة" بطلتها!

وكم كنتُ أتمنى أن تكون المحاكمة في القصص التي كان بطلها اللسان؛ فهي أوضح وأدل وأولى بالمساءلة.

وعلى أية حال.. فلا ينبغي على المهندس "ساويرس" أن يحزن؛ فهذه دولة سيادة القانون التي يزعم أنه ينادي بها، كما أن مثوله أمام "القضاء المصري"؛ قد يكون شيئًا آخر يُذكِّره بالارتباط بمصر أفضل مِن أكوام القمامة، والشوارع المكسرة!
 

عبد المنعم الشحات

أحد المشايخ البارزين بمسجد أولياء الرحمن بالاسكندرية للدعوة السلفية و منهجه منهج أهل السنة و الجماعه و سلف الأمة من الصحابة و التابعين لهم باحسان

  • 7
  • 0
  • 3,291

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً