عتاب على عتاب المهندس عبد المنعم الشحات
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن والاه وبعد..
لقد قرأت تعليقا للشيخ الفاضل المهندس عبد المنعم الشحات الذي أحبه في الله كثيرا بعنوان (عتاب على عتاب الدكتور غزلان) وذكر فيه تعليقات تحتاج إلى تعليقات..
والمهندس عبد المنعم الشحات له منزلة في قلوب الشباب السلفيّ، لدفاعه عن المنهج السلفي، وعن الشريعة، وهو ينطلق من خلال ثقافة عالية، ودراسة للتاريخ الإسلامي وفِرقه ومذاهبه، وتاريخ التيارات الأخرى أيضا، ولعلَّ أكبر مصدر لقوته في الحجة، والحوار هو القوة الذاتية للحق الذي معه، وهو نفس السبب الذي يجعل حجته ضعيفه حين يكون الدفاع عن موقف اجتهادي يحتمل الصواب والخطأ، خاصة حين يحاول تبرير ما ظهر أنه خطأ، كمقاله الذي حاول فيه بعد الثورة تخفيف الصدمة التي أصابت شباب الدعوة السلفية لعدم مشاركتهم في الثورة بتوجيه من الدعوة السلفية، وهو ما اعتذر عنه الشيخ عبد المنعم بأنهم شاركوا في اللجان الشعبية وحفظ الأمن!! (وهو ما فعله الشعب المصري كله، وليس هذا محل نزاع!!) وكان يسعه إما السكوت، وإما الإعتذار كما فعل شيخنا المقدم محمد إسماعيل المقدم حفظه الله .
وهنا في هذا المقال أيضا حين حاول أن يتكلَّف ردوداً على نقد موضوعي مشروع لما أعلنه من مبررات اختيار الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح كمرشح الدعوة السلفية لرئاسة الجمهورية، ففي مقال الشيخ عبد المنعم الشحات يقول (وليأذن لي الدكتور غزلان في أنَّ ما ذكره من تعرُّض الأنبياء للاستهزاء من المشركين غير وارد في سياق انتخابي! فإن الدعاة الذين ما زالو في مهد دعوتهم بحيث يكون الرافضون لهم أكثر من المؤيدين، يجب عليهم أن يصبروا على دعوتهم، ولكن ليس من الحكمة حينئذ أن يسعى للحكم أصلا، فضلا على أن يكون سعيهم له عن طريق آلية الانتخاب!!
وهنا لـم يوضِّح لنـا الشيـخ عبد المنعـم كيف أصبح الإخوان فجـأة أقليـة لا تسمح شعبيتهـم بخوض الإنتخابات أصلا؟! ولـم يفسر لنا لماذا خاض حزب النور انتخابات مجلس الشعب - وهو أحد أركان السلطة والحكم - في وقت كان يتعرض التيار السلفي لمثل هذا الهجوم الذي يتعرض له الإخوان الآن!! بل لماذا خاض هو نفسه انتخابات مجلس الشعب؟! في وقت هاجمه الإعلام كله لتصريحاته عن نجيب محفوظ، وغيرها من التصريحات التي اعتبرها الإعلام مستفزة ورآها أكثر الناس كذلك - وإن لم نراها نحن كسلفيين كذلك – مما دعا حزب النور إلى محاولة تأويل تصريحات المهندس عبد المنعم على لسان متحدثه الرسمي في أكثر من موضع، بل لم يفسر لنا لماذا سعت الدعوة السلفية إلى الدفع بمرشح، وعرضت ذلك على بعض أعضاء حزب النور كما يعلم المهندس عبد المنعم ذلك !!
ثم يقول المهندس عبد المنعم حفظه الله (وهذا أيضا مما يُردّ على الدكتور محمد عبد المقصود الذي ذكر في أحد مؤتمرات تأييد الدكتور مرسي أنه لا يعلم من هدي السلف تقديم الأكثر قابلية عند الناس في أمر الولاية، وفي كلامه حفظه الله ذهولٌ عن أننا لا نولِّي أحدا، ولا نملك ذلك وإنما نقدّم مرشَّحا، ولا ينجح إلا بقبول عام من معظم الناخبين).
ولا أدري حقيقة من الذي أصابه الذهول؟ ذلك العارض الذي يصيب الإنسان أحيانا على غير عادته بسبب طارئ، وهو ما أصاب المهندس عبد المنعم هنا بسبب تكلُّفه للرد في ما يحتاج إلى النَّظر، فهل يَفهَم من كلام الشيخ محمد عبد المقصود، إلا أن الدعوة السلفية رشحت للناس الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح لينتخبه الناس، وأن السلف لم يكونوا ليرشِّحوا أحداً للناس بناءا على أنه الأكثر قبولا، ولهذا عقَّب الشيخ حفظه الله بذكر حديث «من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله، ومن أسخط الله برضى الناس وكله الله إلى الناس».
مع أن المهندس عبد المنعم يعلم بلا شك أنَّ أهل الحل والعقد يرشحون للأمة من تبايعه أو ترفضه!! وهذه هي آلية الاختيار بالإنتخاب التي عقب عليها الدكتور محمد عبد المقصود مستنكرا أن يكون من معايير ترجيح اختيار الدكتور أبو الفتوح أنه الأكثر انتشارا أو قابلية في الشارع!!... ثم لا يخرج الأمر عن كون الدعوة السلفيه لها أصوات مؤثرة يمكن أن تُرجِّحَ كفَّة الدكتور محمد مرسي لو ذهبت إليه، أو أنها غير مؤثرة في هذه الحالة، فذهبت إلى من تراها أقرب للفوز، والآخر ميؤوس من فوزه!! وهنا لا ينبغي الحديث عن العشرة ملايين صوت انتخابي، أو أكثر التي حصل عليها حزب النور في انتخابات مجلس الشعب، والتي يعرف المهندس عبد المنعم أنه حصل عليها لتمثيله التيار السلفي بأكمله، والصورة في انتخابات الرئاسه مختلفه لأن أصوات السلفيين تفرقت بين القبائل !!
ثم تبقى إشكالية طلب بعض أفراد الدعوة السلفية ومنهم المهندس عبد المنعم نفسه لترشيح الإخوان للمهندس خيرت الشاطر، والتي برَّرَها المهندس عبد المنعم أنَّ فرصَ نجاحه كانت قائمة لارتباط اسمه بمشروع النهضة، والسؤال أليس في برنامج الدكتور مرسي تنفيذ مشروع النهضة الذي يُنسب للإخوان عموما، والذي يُعدّ المهندس خيرت الشاطر أحد أفراده الداعمين للدكتور مرسي صراحة وبقوة؟!!
(ويبدو أن رؤية الواقع تختلف كثيرا عند المهندس عبد المنعم الشحات، حين يرى فرصة الإخوان بهذه الضآلة كما اختلفت في تقدير نجاح الثورة من قبل).
(ومن العجيب الرد على أن مرسي هو الوحيد الذي لم يطلب الترشُّح، بأنَّ كل المرشحين قد أقرُّوا أنهم ضَغط عليهم بعض المقرَّبين منهم ليترشحوا!! مع أنَّ لسان الدعوة من قبل تُرشِّح مرسي، وخيرت الشاطر كان يبحث عمَّن يدعى إليها بما يعنى أنه لم يكن موجودا آنذاك). راجع مقالات الشيخ ياسر برهامي.
ثم يقول المهندس عبد المنعم أنه لن يستهدف أحدا من جمهور الدكتور مرسي، كأن المعني بالخطاب هم الإخوان فقط، مع أن جمهور الناخبين من خارج الأحزاب والتيارات أصلا، وهم لا شك مخاطبون بدعم المرشحين.
ولكنَّ العجيب أن المهندس عبد المنعم عاد ليهمز الدكتور محمد عبد المقصود، حين قال: (مِن المشكل أن يعتبر بعض رموز التيار السلفي قضية العمل الجماعي تمثل نقطة خلاف بينه وبين الدعوة السلفية، في الوقت الذي يَعتبر أنَّ أحد مرجّحات الدكتور مرسي أنه تقف وراءه جماعة منظَّمة!!)، وفَاتَ المهندسَ عبد المنعم أنَّ الشيخ محمد حفظه الله لم ينقطع يوما عن التعامل مع جميع الكيانات مع اختلاف توجُّهاتها، ومدَّ يد التَّعاون معها على البِرِّ والتَّقوى، ولا يضيره أنه لم يُنشئ كياناً موازياً، وفاتَ المهندسَ عبد المنعم أو لعلَّه نسي، أو ذهل أنَّ الشيخ محمد إنما أنكر أمورا سلبية كالعصبية للكيانات، أو البيعَة، أو الولاء والبراء على كتب شيخ من الشيوخ أو التشدد في التعامل مع الآخرين، أو محاولة إقصاء الآخرين ... الخ، وهذه أمور نصحَ بها الشيخ مرارا في وجود جميع مشايخ الدعوة السلفية، وأقرَّه على ذلك بعضهُم حفظهم الله، أما وجود جماعة خلف الدكتور مرسي فهذا هو الوجه الإيجابى من التنظيم الذي مكَّن الدعوة السلفية نفسها من تجاوز أزمة عدم المشاركة في الثورة سريعا، ومكَّنها من انتشار سريع تصدَّرت به المشهد السلفي مما مكَّنها من نتائج مبهرة في الانتخابات ولله الفضل والمنة ..
وتبقى أسئلة يا فضيلة الشيخ عبد المنعم (إذا كان الناس يخافون من الإخوان، واعتبروا هذا مفسدة راجحة، فما قدر خوف الناس من السلفيين؟!!).
وإذا كانت الدعوة السلفية هاجمت التحالف الديمقراطي، ووصفته بأنه تقسيم للكعكة، وبَنَت دِعايتها في الشارع السلفي على ذلك، فما الذي حدث حتى نتكلَّم الآن عن رمزٍ تتكاتف حولهُ جموع الشعب الثوريين واللبيراليين، والإسلاميين والشباب!! فلذلك رجَّحتم الرئيس الأكثر توافقية!! هل هذا تراجع عمَّا جعلتموه شعارا لكم، وانتخبَكُم الشارع السلفي لأجله أم أن هناك موازنات أخرى ؟!!
وأيضا ألم تصدر الدعوة السلفية بيانا أنها ملزمة بنتيجة المبادرة التي دعت إليها، حتى لو لم يكن هذا هو رأيها؟! فهل كان هذا التصريح للهروب من تبعة عدم ترشيح من له انتشار واسع في الشارع السلفي، فلما خرج انتهت المسألة؟ (وهل كان هذا نفسه هو السبب في دعوة شخصية كالمهندس خيرت الشاطر للترشح؟!)، ولماذا لم يحضر أحد من الدعوة السلفية اجتماع الهيئة الشرعية رغم دعوتهم لذلك؟! وهناك أسئلة أخرى كثيرة سأعرض عنها درءا للمفسدة !!
لكن كما ختم المهندس عبد المنعم كلامه بقوله (فإنِّى أبرَأ إلى الله من أي كلام يُفهم منه ذلك)، فأرجو أن يبرأ إلى الله مما يُفهم منه غلبةُ الحميَّة لجماعة، أو دعوة معيَّنَة، وهو ما يعطِّل آلة الفهم القويَّة بفضل الله، ويصل بها إلى الذهول والغفلة، وتهافت الحجة.
وأخيرا فقد تشرَّفت بحضور أحد اللقاءات مع بعض مشايخ الدعوة السلفية، وكان في مكان عام، وقام صاحب المكان بعمل عرض للأُسود ترحيبا بالشيوخ الأفاضل، وبعد انتهاء العرض داعبَ الشيخ الجليل الحبيب محمد إسماعيل المقدم مدرّب الأسود قائلا له: (تعالَ لأُعرِّفك على الأسد بتاعنا) ثمَّ أشار إلى المهندس عبد المنعم الشحات!! وإنى أُشهد اللهَ أنِّي لم أنَم تقرِيبا لَيلَة إعلان خسارة المُهندس عَبد المنعم الشَّحات في الإنتخابات، وإني أريده أن يكون أسدا قويا بالحجة متجردا، وهذا لن يكون إن حاول أن يوجِّه سهامه لإخوانه، أو يدافع عن موقف حزبي.. ويبقى له حرية اختيار ما يشاء من المواقف التي يحسبها ترضي الله تعالى، فيصيبُ أو يُخطئ، وغيره كذلك أيضا (وعلى سبيل الدعابة) أرجو أن يكتفي بكلمات تهنئة، ولا يتكلَّف ردَّا على موقف الدعوة حين يعلن فوز الدكتور محمد مرسي رئيسا للجمهورية بإذن الله!!!
وإنِّي أُشهد الله أني أحبهُ في الله، وأرجو له الخير، وأسألُ اللهَ أن يجمعنا في الدُّنيا على طاعته، وفي الآخرة في جنَّته، ودار نعمائه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ..
أخوك المحبّ في الله.. تامر نصار.. الخميس 19 جمادى الآخرة 1433هـ.
- التصنيف: