سِكة السلامة وسِكة الندامة

وقع هؤلاء ضحية الإعلام الممنهج المعادي للتيار الإسلامي، فإذا سألتهم: ماذا فعل الإسلاميون؟ قالوا: انتخبناهم ولم يفعلوا شيئًا، فالأسعار تتزايد وما زالت البطالة ومشاكل كذا وكذا بدون حل، نسوا وتناسوا أن المجلس ليس حكومة، وهذه المسائل لا تدخل في اختصاصه.

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة - أحداث عالمية وقضايا سياسية -

لا أعلم عند شروعي في كتابة هذا المقال ما ستنتهي إليه انتخابات رئاسة الجمهورية في الإعادة، ولكنني أعلم أن الله على كل شيء قدير، وأنه لا يقع في ملكه إلا ما أراد، وقد قال عز وجل: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:26].

ولكن المثير أن هناك عبارة أصبحت تتردد على ألسنة الناس ومنهم متعلمون ومثقفون، وهي: "توبة إننا ننتخب الإسلاميين تاني بعد اللي عملوه!!"

وقع هؤلاء ضحية الإعلام الممنهج المعادي للتيار الإسلامي، فإذا سألتهم: ماذا فعل الإسلاميون؟ قالوا: انتخبناهم ولم يفعلوا شيئًا، فالأسعار تتزايد وما زالت البطالة ومشاكل كذا وكذا بدون حل، نسوا وتناسوا أن المجلس ليس حكومة، وهذه المسائل لا تدخل في اختصاصه.

على أي حال، فإن هؤلاء قد اغتابوا الإسلاميين جميعًا, وشهدوا لهم بعدم الصلاحية لتولي أمور البلاد ودفعهم الجهل والعناد والمكابرة إلى جهرهم بقول: "سننتخب الليبراليين والعلمانيين حتى لا يُكوش الإخوان على كل حاجة!!!"، إذا سألتهم:

ما الذي كوّش عليه الإخوان؟ قالوا: مش كفاية مجلس الشعب ومجلس الشورى؟

أنا لست من الإخوان كحزب سياسي، ولكنني أقول الحق، هل دخلوا مجلسي الشعب والشورى بالبراشوت أو احتلوه بالقوة؟ ألم يكن ذلك بإرادة الناخبين؟

إن انتخاب أحد المرشحين ليكون رئيسًا للجمهورية هو شهادة من الناخب وسيسأله الله عنها، فقد قال تعالى: {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزخرف:19].

أنا أدعو الله عز وجل أن يأتي بالرئيس الذي يصلح الدنيا بالدين، ويحترم قسمه أمام الله بأن يحترم الدستور والقانون، بما في ذلك احترام الشريعة الإسلامية التي تستمد قوتها من الدستور!!

قالت إحدى السيدات، وهي الأستاذة بجامعة الأزهر في تحقيق صحفي أجرته معها جريدة الأخبار: "البلد مولعة ومجلس الشعب منشغل بتوافه الأمور".

وأنا أتحداها أن تبين لنا ما هي توافه الأمور التي يشغل المجلس نفسه بها؟ هل هو قانون المرأة (المُعيلة) التي تعول أسرة ليس لها عائل وليس لها أي مصدر للدخل، فأصدر المجلس قانونًا يقضي لها بمعاش من الدولة وتأمين صحي؟ أم هو قانون منع محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية؟ أم قانون إصلاح التعليم؟ وأول خطوة هو إعادة شهادة الثانوية العامة إلى نظام السنة الواحدة؟ أم هو قانون رفع تعويض شهيد الثورة من 20 ألف جنيه كما قررته الحكومة إلى 100 ألف جنيه؟ أم كذا أم كذا.

مرة أخرى، أتحدى هذه الأستاذة أن تقول لنا شيئًا عن توافه الأمور التي تقصدها.

قال أحدهم وهو مخرج سينما: "لو فاز الإسلاميون فستكون حمامات دم"!!

إنه عايش في الدور بحكم مهنته ويظن أنه سيأتي بمجموعة من الكومبارس يلبسون ثياب المقاتلين ويرتدي هو الدرع والخوذة ويخوض حربًا صليبية ضد الإسلاميين.

إنه هوس وكلام مجانين ومع هذا لم يقل له أحد إن كلامه هذا يعتبر تحريض على القتل.

أما عن المرشحين (الإسلاميين) فلنا وقفة، ألم نقل لكم مرارًا وتكرارًا إنكم يجب أن تتفقوا على واحد منكم فقط ليخوض الانتخابات، وتقفوا جميعًا وراءه منعًا من تشتيت الأصوات إذا كنتم تعملون لله فعلاً؟ كلكم تطلبون الرئاسة ما عدا واحد فقط هو الدكتور محمد مرسي الذي لم يسع إليها، فإذا نالها فسوف يعينه الله عليها، ها هي النتيجة، فقد تفتتت الأصوات.

ويا أيها الإخوة السلفيون، أنتم لم تلتزموا بقرار الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح بانتخاب مرشح معين وهو الدكتور محمد مرسي، لأن وراءه جماعة، رغم أن هذه الهيئة الموقرة تضم علماء أكابر من الأزهر الشريف وعلماء السلفية، فها هي النتيجة.. تفتتت الأصوات..

ويا أيها المصريون، نعود فنقرر أن انتخابكم لمرشح معين إنما يدل عليكم وعلى ما في نفوسكم وفكركم، فكما تكونون يُولّي عليكم، فإذا اخترتم من لا يتقي الله فيكم فتستحقون بجدارة ما سيجري لكم، وساعتها ستندمون حيث لا ينفع الندم.

يا أيها المصريون، إذا انتخبتم من يسومكم سوء العذاب فلا تلومون إلا أنفسكم، ستُفتح السجون والمعتقلات التي اشتاقت إليكم، سيعود التعذيب والاختفاء القصري، وكل عام وأنتم لستم بخير.

أمامكم خياران لا ثالث لهما: سِكة السلامة وسِكة الندامة.

يا أيها الإسلاميون الذين يعملون بالسياسة، لقد جاءتكم الفرصة من الله لتحقيق الحلم والمشروع الإسلامي، فإذا ضاعت لا قدّر الله فقد أضعتموها بأيديكم وسيسألكم الله.

إن دعاة الباطل يسعون ليلاً ونهاراً.. سراً وجهاراً لأجل نشر باطلهم، يتعبون في ذلك أنفسهم، ويدفعون أموالهم، ولكن كما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال: 36].

نسأل الله أن يرد كيدهم إلى نحورهم وأن يجعل تدبيرهم تدميرهم.. قال تعالى: {اسْتِكْبَارًا فِى الأرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [فاطر: 43].

يا أيها المصريون.. ربما كانت أمامكم فرصة أخيرة في جولة الإعادة، ولربما تتعظون، وإلا.. فابشروا بسوء العاقبة.


27 مايو 2012 م

لواء د. عادل عفيفي