الإسلاميون في مصر .. اللحظة الفارقة
جاءت اللحظة التي تمايزت الصفوف وخرج من عباءة المقاومين لظلم النظام السابق كل المدعين الكاذبين الزائفين المزيفين الذين ركبوا كل المراكب وأكلوا على كل الموائد . انسحب المنافقون بأكثر من ثلث الجيش وبقي الحفاة العراة المعتصمون بحبل الله الواثقون بنصره .
تعلمنا من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن نقول في الشدائد حسبنا الله ونعم الوكيل، فإذا وقعت الشدة قلنا الحمد لله على كل حال، والمؤمن متعرض دوما للبلاء حتى يلقى ربه سبحانه .
وفي هذه الفترة التي نحياها تتعرض الدعوة الإسلامية في مصر والتجربة السياسية لها لشدة ثقيلة تتمثل في تحزب كل القوى ضدها، حتى من كانوا على اختلاف بينهم تناسوا اختلافاتهم ووقفوا صفا واحدا أمام الحركة الإسلامية، وكفر كل منهم بمواقفه السابقة وانتظموا في سلسلة واحدة لمعاداة التجربة الإسلامية المحتملة .
نسي كثير ممن كان يدعي الثورة على النظام السابق الشعارات التي رفعوها للتخلص منه، ونسي الفلول تخاصمهم مع مدعي الثورة ونسي الإعلاميون الذين تباكوا لظلمهم أيام المخلوع ليركبوا موجة الثورة وخلع الجميع براقعهم ووجوههم المزيفة، واجتمع الكثير من الأضداد المتنافرون في فصيل واحد وصف واحد لمواجهة الفكرة الإسلامية التي بزغت كنتيجة للثورة المصرية .
اختلاط ولبس في المقاصد والأهداف
إن ما يحدث الآن من تحزب واضح وتناس لكل خلافات الفرقاء واتحادهم في تكتل واحد لا يعترف بالقيم ولا بالأخلاق ولا المبادئ، ولا يلتفتون لدستور أو قانون، ولا يحسبون حسابا لشرق أو لغرب هو عينه الذي كان سيحدث يوم الخامس والعشرين من يناير 2011 إذا قامت الثورة بصبغة إسلامية خالصة .
قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير مختلطة بين عدة فئات وأفكار ورؤى، واختار الإخوان عدم تبني ضربة البداية لأنهم يعرفون أنها إذا أعلنت إسلامية الهدف والتوجه أنها ستواجه بأعنف واشد أنواع القمع، ولن يتدخل فيها شرق ولا غرب مثلما يحدث الآن على الأرض السورية، لن تهتز شعرة في راس جمعيات حقوق الإنسان أو الإدارات الغربية كلها لتساقط القتلى من الإسلاميين في مواجهة حكم دكتاتوري فاشي، فهذا الشأن لا يهم الغرب كثيرا، ولهذا لم يستطع النظام المصري حينها التصدي للثورة بالشراسة التي يسمح له – عالميا ودوليا – بها في مقاومة الإسلاميين لوجود عناصر مختلطة وأفكار مختلطة .
منهم من خرج بمنطق ليبرالي يبحث عن الحرية، ومنهم من خرج بمنطق إسلامي يريد إعلاء كلمة الله، ومنهم من خرج بدافع ثوري على كل نظام عتيق فيريد التغيير لمجرد تغيير الوجوه والسياسات ومنهم من خرج ومنهم من خرج بدافع اقتصادي وكثير خرجوا بتحرك ثوري جمعي ليس لهدف محدد وإنما للتدافع الشخصي أو للتجربة الجديدة أو لانفعال لحظي .
فكان لهذا الاختلاط أثره في طريقة التعامل من القوى المختلفة التي لم تتعامل مع صحوة إسلامية واضحة ومتميزة بل كانت مختلطة مع غيرها من الصيحات والدعوات
واستمر السجال والشد والجذب وكثرت الأخطاء من الجميع لعدم تمايز الهدف الإسلامي عن غيره من الأهداف، وبعد فترة ليست بالطويلة استطاع النظام - الذي أوهمنا أنه أُسقط وأنه مع الثورة والثوار - – أن يتعامل معنا بمنطق العمليات العسكرية، بأن يستفيق من الضربة التي تعرض لها وأن ينظم صفوفه ويجمع قواته وجعل هناك هدفا واحدا يعمل له ليل نهار، وحقيقة لقد ساعده في تحقيق ذلك الإسلاميون أيضا ببعض تصرفاتهم، ولعل في ذلك حكمة إلهية أبلغ من فهم الجميع للأمر .
وكان الهدف الأساسي للنظام هو التفرقة بين من خرجوا لله ولرفعة هذا الدين وبين من خرجوا بأية نوايا ومطالب أخرى ليتم احتواء القسم الثاني، وليتم إرضاؤهم وإلهاؤهم بأي مطالب ويتم التعامل بشكل صحيح مع الإسلاميين- وهو التعامل الذي كان مطلوبا ومؤجلا منذ اليوم الأول للثورة - بالتنكيل بهم وإسكاتهم وإخضاعهم مرة أخرى حتى لو أدي الأمر لتكرار تجربة 1954 مع الإخوان أو تكرار تجربة بشار مع السوريين .
وللتجهيز لهذه الضربة للإسلاميين ولضمان عدم اعتراض داخلي عليها من باقي الفصائل الثورية الغير إسلامية أو الإسلامية المدجنة كفصائل الصوفيين أو العلماء الرسميين المؤيدين دائما للنظام الحاكم كان لابد من أحداث الوقيعة بينهم بشى السبل حتى لا يقف الجميع في صفهم عند قمع السلطة الحاكمة بهم، وبالفعل تم تسخير الإعلام الكاذب ليتبارى في إلصاق التهم بالإسلاميين بسند وبغير سند حتى يتغير عليهم الشعب ويخسرون كل تعاطف شعبي متفرق أو منظم معهم .
ونجحوا في ذلك لعدة عوامل منها استخدامهم الجيد للإعلام ولعدم وجود ضمير أو ضوابط أخلاقية أو سلوكية عند أولئك الإعلاميين في مقابل فقر إعلامي واضح للإسلاميين وذلك بالإضافة لسياسة اصطناع الأزمات وتصديرها للشعب وإلصاقها بمجلس الشعب المنتخب في ظل تخاذل حكومي سواء في قطاع الأمن أو الاقتصاد وهما عصب حياة المصريين .
تمايز ووضوح
وجاءت اللحظة الأخيرة التي أظهرت أن التمايز صار واجبا ملحا، جاءت اللحظة التي يجب إلا نتوقف فيها لنبكي على اللبن المسكوب، جاءت اللحظة التي لن يخرج فيها الناس ليرسموا على الحوائط والجدران، بل جاءت اللحظة التي سيعلن فيها من يخرج انه سيخرج إرضاء لله فقط ... لله وحده فقط .
فليقعد من خرج حمية أو شجاعة أو عصبية أو لمجرد الخروج مع الغوغاء والجموع، وليخرج فقط من خرج لإعلاء كلمة الله ولإعلاء شرعه ولنصرة دينه .
جاءت اللحظة التي تمايزت الصفوف وخرج من عباءة المقاومين لظلم النظام السابق كل المدعين الكاذبين الزائفين المزيفين الذين ركبوا كل المراكب وأكلوا على كل الموائد .
انسحب المنافقون بأكثر من ثلث الجيش وبقي الحفاة العراة المعتصمون بحبل الله الواثقون بنصره.
وسيبقى من يحمل الهم ويحمل القضية حتى لو كان وحده في الميدان، لا يفت في عضده ضعف عدده ولا قلة حيلته ولا هوانه على الناس مطمئنا بأن الله ناصره وأن قضيته الأولى والأخيرة أن يموت - يوم يموت في أي جنب وفي أي موضع - والله عز وجل عليه راض، ليلقى الله ثابا على طريقه غير مبدل ولا مغير.
يحيى البوليني - 25/7/1433 هـ
- التصنيف:
- المصدر: