نتنياهو لم ينم
لم ينتبه كثيرون إلى أصداء الانتخابات الرئاسية المصرية في إسرائيل، أو في العالم العربي، وقد أشرت قبلاً إلى بعض هذه الأصداء الأخيرة، في حين لاحظت أن صحفنا عنيت بإبراز ما نشرته الصحافة العالمية حول الحدث الكبير.
لم ينتبه كثيرون إلى أصداء الانتخابات الرئاسية المصرية في إسرائيل، أو في العالم العربي، وقد أشرت قبلاً إلى بعض هذه الأصداء الأخيرة، في حين لاحظت أن صحفنا عنيت بإبراز ما نشرته الصحافة العالمية حول الحدث الكبير.
إلا أن أغلب الظن أن المصريين الذين سهروا يتابعون النتائج حتى فجر أول أمس (الاثنين 18/6) لم يخطر على بالهم أن بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل لم يغمض له جفن في تلك الليلة، وإنما ظل ساهرًا يتابع النتائج حتى أدرك مع طلوع شمس الاثنين أن الفوز كان من نصيب الدكتور محمد مرسي، وأن الفريق أحمد شفيق، خياره الذي تمناه، لم يحالفه التوفيق في المعركة.
ليس ذلك استنتاجا من عندي، ولكنه خبر بثه التلفزيون الإسرائيلي في نشرة أخبار الساعة السابعة صباح الاثنين، إذ ذكر: "أن نتنياهو ظل إلى ساعة الفجر الأولى يتابع نتائج الانتخابات المصرية، وأنه أجرى مشاورات عاجلة مع مستشاريه بعد إعلان فوز الدكتور مرسي".
لم يكن ذلك هو الصدى الوحيد، لأن وسائل الإعلام الإسرائيلية أبرزت الحدث في اليوم ذاته -الاثنين- على صدر صفحاتها الأولى وفي مقدمة عناوينها، ومما قالته قناة التلفزة الثانية في نشرة أخبار السابعة صباحًا: "أن نتنياهو كان قد حث الرئيس الأمريكي أوباما على قيادة حملة دولية تشارك فيها بعض الدول العربية لمساندة الفريق شفيق وإنجاحه في مهمته إذا فاز في الانتخابات".
وكان مراسل التلفزيون الإسرائيلي في واشنطن قد ذكر: "أن العديد من الدول بذلت جهودًا هائلة من وراء الكواليس لإنجاح الفريق شفيق في الانتخابات". هل يستدعي ذلك العديد من الأسئلة المثارة حول حملته الانتخابية الباذخة، والتفاف عدد من شخصيات النظام السابق حوله؟!
في نشرة الساعة السابعة صباحًا من ذات اليوم -الاثنين- ذكرت الإذاعة العبرية أن الأوساط السياسية الإسرائيلية أصيبت بصدمة كبيرة، بعدما توالت الأنباء التي رجحت فوز الدكتور مرسي، خصوصًا أن التقييمات المسبقة التي نقلتها واشنطن إلى تل أبيب كانت تؤكد أن فوز الفريق شفيق حتمي، وأنه سيصبح رئيس مصر المنتخب.
معلق الإذاعة العبرية ذكر صبيحة اليوم ذاته (18/6): "أنه يجب رفع القبعة تقديرًا للشعب المصري، لإصراره على التحول الديمقراطي، رغم شعورنا بالمرارة لاختياره مرسي تحديدا". إلا أن إذاعة الجيش الإسرائيلي نقلت في نشرة الثانية عشرة ظهرًا تصريحًا لوزير الخارجية (أفيجدور ليبرمان) قال فيه إن: "مصر أصبحت أخطر مئات المرات من إيران، ويجب على إسرائيل أن تستعد لمواجهة الواقع الجديد".
الوزير الإسرائيلي الأسبق بنيامين بن أليعازر (مهندس العلاقات مع مبارك) قال للإذاعة العبرية، في تصريح بثته في الساعة الحادية عشرة صباحًا: "إن مصالح إسرائيل والغرب باتت متعلقة بمدى قدرة المجلس العسكري في مصر على الحفاظ على صلاحياته، لذلك فإن احتفاظ المجلس بمعظم الصلاحيات يمثل مصلحة قومية لنا، وإضعافهم يضر بنا". وأضاف قوله: "إن فوز الدكتور مرسي يعني تغيير البيئة الإستراتيجية بشكل كارثي لإسرائيل، وعليها الاستعداد لمواجهة أسوأ السيناريوهات".
رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق (جيورا أيلاند) صرح للإذاعة العبرية في نشرة الساعة الثانية بعد ظهر الاثنين: "بأن فوز مرسي سيفاقم المخاطر الإستراتيجية على إسرائيل، خصوصًا في حال سقوط نظام الأسد في المستقبل".
وسط هذه الأجواء التي خيمت على إسرائيل، تناقلت وكالات الأنباء في نفس اليوم (18/6) أن مواطنًا إسرائيليًا قتل جراء إطلاق النار عليه في منطقة نيتسانا في النقب الغربي، على امتداد الحدود الإسرائيلية المصرية،
وعلى الفور خرج وزير الدفاع إيهود باراك ليصرح من خلال راديو (صوت إسرائيل) بأن: "الحادث مؤشر على تصعيد خطير وتدهور في السيطرة المصرية على الأوضاع الأمنية في سيناء". ثم استطرد موجهًا حديثه إلى الرئيس المصري الذي أسفرت نتائج الانتخابات عن نجاحه قائلاً: "إنه يتعين عليه العمل على استعادة السيطرة الأمنية على شبه جزيرة سيناء لوضع حد للهجمات الموجهة ضد إسرائيل".
وفي الوقت ذاته دعاه إلى الالتزام بجميع التعهدات الدولية بما فيها اتفاقية السلام المبرمة بين البلدين والترتيبات الأمنية المترتبة عليها، الرسالة واضحة فإسرائيل التي صدمت بإسقاط مبارك كانت مطمئنة إلى فوز الفريق شفيق وثقتها كبيرة في أنه سيعود بمصر إلى سياسة حليفها وكنزها الإستراتيجي السابق.
وحين خاب أملها فإنها لجأت إلى الابتزاز وبدأت التلويح بضعف السيطرة الأمنية على سيناء، بما يهدد أمن إسرائيل، ولوحت بالضغط على الرئيس المصري الجديد لكي يقوم بدور الحارس لأمنها والمدافع عنها، بصرف النظر عما تفعله هي من جرائم يومية ترتكب بحق الفلسطينيين، تستهدف تصفية القضية وتهدد الأمن القومي المصري.
لقد كنت ومازلت أدعو إلى ترحيل ملف العلاقات المصرية الإسرائيلية في الوقت الراهن، والتركيز على استعادة عافية الوضع الداخلي أولاً، لكننا أحيانًا نصادف موقفًا نصبر فيه على الهم لكنه يصر على أن يلاحقنا ويفرض نفسه علينا، ولست أدعو في هذه الحالة إلى الاستسلام إلى هذه الملاحقة الخبيثة، لكنني أدعو فقط إلى فهم ما يجري والانشغال باستعادة العافية المصرية، وليس بالأمن الإسرائيلي.
وفي الوقت نفسه، أرجو أن ينتبه الذين أيدوا الفريق شفيق إلى حقيقة المعسكر الذي انضموا إليه والصف الذي التحقوا به.
فهمي هويدي
- التصنيف:
Hassan Braimi
منذ