دعـاة الثورات، والفتن هداهم الله!!
حامد بن عبد الله العلي
إن كان لسقوط الطغـاة أسبابٌ عدة، فإنَّ سببَ الأسباب -بعد الطغيان نفسه- هو تخلُّف السلطة عن مواكبة تطوّر الشعوب في وعيها، وفي قدرتها على التغيّير والتأثيـر في الأحداث، في عصـرٍ أصبحت فيه المعرفة هي أسهل وأسرع متنقـل من البشـر، وغدا التغيـُّر فيه كلمح البصر، أو هو أقـرب!
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
الحمد لله القائل في محكم التنزيل {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّـهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88].
إن كان لسقوط الطغـاة أسبابٌ عدة، فإنَّ سببَ الأسباب -بعد الطغيان نفسه- هو تخلُّف السلطة عن مواكبة تطوّر الشعوب في وعيها، وفي قدرتها على التغيّير والتأثيـر في الأحداث، في عصـرٍ أصبحت فيه المعرفة هي أسهل وأسرع متنقـل من البشـر، وغدا التغيـُّر فيه كلمح البصر، أو هو أقـرب!
ولهذا تجد الأنظمة المتخلّفـة، لازالـت تستعمل نفس الوسائل الأمنية التي عفـا عليها الدهـر، مما كـان قبـل (النيوميديا)، في قمع المناديـن بالإصلاح، والحريـّات، ومطالب الشعوب العادلة! وهـي:
أولًا: تشويه سمعتهم، برميهم بأنهم دعاة (ثورات الفتن)، و(الخوارج)، و(المخربون)، و(المستوردون للأفكار الهدّامة من الخارج) لتدمير الوطن! ولنشر الضلال، والفسـاد!!
وثانيًا: بعزلهم بالاعتقال، أو غيره، لئلا تسمع الآذان، ولئلا يدخل العقول، غير صوت السلطة، وأبواقهـا التي تقلب لها الحقَّ باطلًا، والباطل حقًا!
وثالثًا: بإبقاء الشعوب تحت مخدّر خطاب التخويف الديني المزيـّف من مجرد التفكير بالمطالبة بالعدالة، والحقوق، وبالتطوير السياسي النافـع! وأنَّ ذلك كلَّه ليس سوى الفتنة، والخراب، والدمار، والضلال، وأفكار الخوارج, واتباع سبيل الكفرة!!
وقالوا إنّ البرلمانات، والانتخابات، والنقابات، ووسائل الاحتجاج السلمي، وفصل السلطات، ومراقبة، ومحاسبة السلطة، ووضع الشعب لدستور يضمن حقوقه، ويكفل له دوره، أنّ ذلك كلّه جاء من الكفّار، وهو من البدع المضـلّة!!
فعجبًا!! كيف عميت عيونهم عن كلّ المصائب المنهدرة كالسيول من الفساد، والإفساد، الذي تأتي من بلاد الكفار، فلم يرفعوا بها رأسها! ولما جاءت الوسائل النافعـة التي تحقّق الخير للناس، وشريعتنا تدخلها في المصالح المرسلـة، صارت من سبيل الكفار؟!
أغفلـوا عـن أنَّ الشعوب أصبحت أذكى من أن تنطلي عليها هذه (الهرطقات) البالية، وأنها قفزت إلى مستويات من الإدراك تفوق بكثيـر مستوى الاستبداد ، وعقول من يوظفهم لشرعنـته؟! فيما يلي حصيلة نقاشات عدّة جـرت بيني، وبين شريحة عريضة، هم في مرحلة الشباب، وما بعدهـا إلى العقد الخامس من العمر، ممن لا يحملون أفكارًا مسبقة موجَّهـة من أيّ طرف؟ وهذا هو الأهم!
وقد أعطتني فكرة عن فهمهم لما يجري في المشهد المدوِّي، والعنوان الأكثر حضورا في عالمنا العربي، أعني رياح الربيع العـربي، ويمكن تلخيص تلك الحصيلة بهذه النقـاط:
1ـ فتيل الثورات ومشعلها هو: المظالم الاجتماعية، وانتهاك الكرامة، ومصادرة الحقوق، وإذلال الشعب، وتهميشه، وملء المعتقلات بالمعارضين السياسيين، وإهانتهم لأنهم أرادوا كلمة الإصلاح! وأنَّ هذه هي الفتنة بعينها، ومن لا يريد إصلاحها هم دعاة الفتـنة لا غيرهم.
2ـ العقلاء، وأهل الحكمة، والإصلاح، هم الذين ينادون بربيع إصلاحي سلمي يجذّر الإصلاحات، والعدالة، قبل فوات الأوان، وهؤلاء ليسوا هم دعاة الفتنة، ولا مؤجّجي الثورات، ولاهم يحزنـون، بل هم دعاة الإنقـاذ. ووحدهُ الإصلاح الشامل الذي يفعّل دور الشعوب لا سيما السياسي، ويعزّز مكانتها، ويجعل السلطة مراقبة منها، وينشر الشفافية، هو الذي يقوي الجبهة الداخلية، ويؤسس القوة العسكرية التي تحمينا من أعداء الخارج، ويحقق الاستقـرار.
3ـ لتتنازل السلطات بروح التواضع، مستمعـة لشعوبها بصدر رحب، ولتُبعد المنافقين الذين لا يريدون سوى بقاء الفساد على ما هو عليه! فهذه الطريقة هي أقـرب وسيلة لإصلاح شامل تسعد به الشعـوب.
4ـ لتجتمع السلطات مع النخب الإصلاحية، لوضع دساتير جديدة عادلة، وملزمة، وحقيقية، تشرك الشعوب سياسيًا، وتحفظ للمواطن كلَّ حقوقه، وتمنع النهب، وتعزّز الهوية في مجتماعنا، فإننا نشعر بالضياع بغير ضمانات تطمئننا على مستقبلنا، ومستقبـل أولادنا.
5ـ قد حان الوقت لترك الوسائل الأمنية الباليـة لعزل، وتشويه سمعة من يطالب بالإصلاح، بأنهم أهـل فتن، وفساد، وخوارج.. إلـخ، ثـمّ سوقهم للمعتقلات، ثم تكميم أفواه كل مطالب بالإصلاح والعدالة، فقد أصبحت الشعوب واعية لهذه الأساليب المفضوحة.
6 ـ تسمية هذه المطالب السلمية الحقّة، والعادلة، والفكر المستنير الإصلاحي دعوة لثورات الفتن، هـو ضرب من الجهالة، والتخلّف، والعمى عن التدهور للهاوية.
7ـ قبـول مطالب الشعـوب العادلة وتحويلها إلى واقـع تعيشـه، بتطوير الحياة السياسية لتصبح كفيلة بإكرام المواطن، ومنحه كلّ حقوقه، من غير منّة أحد، أو إذلال، ليس عيبًا، ولا نقصًا، ولا هزيمة، بل هو عين العقل، والحكمة. والبلاء كلّ البلاء، و الفتنة كلّ الفتنة، فيمن يرفضها، فهؤلاء لا يريدون الخير بنا، ولا بمجتمعاتنا، ولا بأوطاننـا، وإنما هدفهم إرضاء شهواتهم الخاصة، وتحصيل أطماعهـم الشخصية على حساب حقوق الناس العادلة، ومصلحة الأمة.
8 ـ وأما الخطر الإيراني، فوالله ما قوي وهددننا، وابتلع العراق، وسوريا، ولبنان، وانتشر عبر الخليج، واليمن، إلاّ بسبب انتشار الفساد السياسي، والمالي، والإداري، وضعف دولنـا، وعجزها، وإهدار الثروة، وتهميش دور الشعـوب، بل إلغاؤه! فاتخاذه ذريعةً لبقاء الحالة المتدهورة على ما هي عليه، ما هو إلاّ استغفال لعقولنا! انتهـى.
ولاريب أنّ هذا الذي يقوله هؤلاء بفطرتهم السليمة، وبمنطق عقولهم المستقيمة، هو دلالة شريعتنا السمحة، وهداية ديننا الحنيـف. فليعلم هؤلاء الذين جنَّدوا أنفسهم للدفاع عن بقاء واقعنا البئيس كما هو، ولبثَّ خطاب التخلّف، والتسبيح بحمد الاستبداد، ومحاربة الإصلاح، والمصلحين، حتى ينفجـر البركان على من فيه، أنهـم والله هـم رؤوس الفتنة، ودعاتها، ومحشُّوا نارها، أراح الله المسلمين من شـرّ فتنهـم، وسوء صنيعهـم في الأمّـة آمين وحسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى، ونعم النصيـر.