الجمعة الأولى للرئيس
لقد نجحَ الرئيس مرسي حتى الآن في صناعة لفتات إنسانية وشعبية؛ رَفعتْ مكانَته عند الشعب المصري بشكلٍ كبير، لكن الناس دائماً تنتظرُ الأفعال وليس الأقوال، وتنتظرُ من الأفعال ما يُمسَّ حياتها وَواقعها واحتياجاتها.
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
ذهبتُ كعادتي حينما أكون في مصر لصلاة الجمعة في مسجد الحمد، حيث أسكن في القاهرة الجديدة، ولأنني متعود على الدخول من باب معين فقد وجدت أمام الباب سيارتين بدا أنهما من السيارات الرسمية يقفان على جانب الطريق، وأمين شرطة، ورجال أمن بالزي المدني، توقعت أن يكون أحد المسئولين قد جاء ليُصلي في المسجد، لكنني تساءلت: أي مسئول يمكن أن يَأتي لصلاة الجمعة في هذا المسجد؟ لا يوجد سوى رئيس الدولة هو الذى يَسكن قريباً، سألت رجال الأمن: لماذا تغلقون هذا الباب؟ قال لي أحدهم: الرئيس يصلي هنا، قلت له: متى سيأتي للصلاة؟، قال: بالفعل هو داخل المسجد.
دخلتُ من الباب الآخر دون أن أَجد أي مظاهر أمنية لافتةٍ أو دلائلَ على وجود الرئيس، ولأنني عادةً ما أذهب قُبيلَ أذان الظهر فيكون نصف المسجد فارغاً، وجدتُ المسجد على حاله الذى أراه عليه دائماً؛ نِصفَه فارغْ باستثناءِ تجمّع قرب محرابِ المسجد، قلتُ من المؤكد أن الرئيس يجلسُ وسَطه، أخذتُ مكاني بين الصفوف وصَعد الخطيب المعتاد للمنبر؛ حيث يتبادل الخطباء كل جمعة على الخطبة في هذا المسجد، وبدا أن شيئاً لم يتغير على الإطلاق، وبعد الصلاة قام المصلون الذين كانوا حول الرئيس وعرفوا بوجوده ليسلموا عليه، هنا فقط عَرف معظم من في المسجد أن الرئيس محمد مرسي كان يصلي بينهم، وهذه هي الجمعة الأولى للرئيس مرسي بعد أدائه القسم يوم السبت الذي قبلها أمام المحكمة الدستورية.
وقفتُ مكاني أُراقب ردود فعل الناس؛ فهذه هي المرة الأولى في عمرِ كل من في المسجد تقريباً أن يروا فيها رئيس الجمهورية الذي انتخبوه يصلي بينهم مثله مثل أي منهمٍ دون أي مظاهر أمنية لافتة أو تفتيش أو انتشار للمخبرين ورجالَ الأمن في المسجد؛ حيث كان مبارك ومن قبله يصلون وسط حشد من رجال الأمن والمخبرين وفي أماكن مختارة مع إجراءات أمنية مشددة، كما كان الرئيس يجلس دائماً وراءه حائط ومعه موكبٌ من وسائل الإعلام، أما هنا فلا وجود لأية وسائل إعلام ولا تليفزيون ولا كاميرات ولا أي شيء.
بدا مرسي مثله مثل كل مصلٍ جاء ليؤدي فرضَ ربه وجلس بين الناس، سلّم عليَّ أحد المصلين وقال لي: ما رأيك في هذا المشهد؟ قلت له: ما رأيك أنت؟، قال: أنا غير مُصدق، لكنِّي أدعو له أن يظل هكذا وأن يُبعد الله عنه البطانة الفاسدة التي تعزِله عن الناس.
جاءني شاب وسلّم عليَّ بحرارة وقال لي: أنا سعيدٌ جداً بما أراه، لقد كنتُ أُصلي عل مَقربةٍ من الرئيس ولم أعرف أنه موجودٌ على الإطلاق؛ إلا بعد انتهاء الصلاة حينما وقف الناس يُسلِّمون عليه ويلتقطون الصور على الهواتف معه، الآن أنا لستُ نادماً أني أعطيته صوتي وتكفي هذه اللفتة منه..
مصلٍ آخر في أواخر الخمسينات قال لي بحدة: أُريد أن أسألك سؤالاً، قلت له: تفضل، قال: هل سينجح هذا الرجل؟، قلت له: سينجح بشعبه، أما وحده فلن يحقق شيئاً، شدَّ على يديّ وقال: لكني أخشى من بِطانةَ السوءِ التي تُغير الناس، في هذه اللحظة اختطف المشهد أحد المصلين الذين أحاطوا بالرئيس وأخذ يدعو له بصوتٍ مرتفع ويؤمنّ الناسُ مِن حوله وكان التركيز في الدعاء على البطانة الصالحة.
من مكاني رأيت الفرحةَ في نفوسِ الشباب أكثرَ من غيرهم، والتعليقات لم تنقطع، حتى أن كثيرين كانوا مذهولين وغير مصدقين أن هذا هو الرئيس.
وجدتُ الحراسة الخاصة بالرئيس ضائعة ومُبعثرة بين المصلين، وحينما همَّ الرئيس بالخروج من المسجد كان المصلون يحيطون به؛ حيث كانوا هم حُراسه وحماته.
لقد نجحَ الرئيس مرسي حتى الآن في صناعة لفتات إنسانية وشعبية؛ رَفعتْ مكانَته عند الشعب المصري بشكلٍ كبير، لكن الناس دائماً تنتظرُ الأفعال وليس الأقوال، وتنتظرُ من الأفعال ما يُمسَّ حياتها وَواقعها واحتياجاتها.
فنسأل الله أن يوفق مرسي لترجمة أقواله إلى أفعال.
أحمد منصور