الرئيس إذ يواجه سيناريو سبتمبر مبكراً
أمير سعيد
لا أحد يدعو إلى الاستبداد على الشعب، لكن يَتوجب أخذ الرئيس صلاحياته كاملة، ويرد صلاحيات المؤسسات المنتخبة.. هذا إن أردناها ثورة واستقلالاً..
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
قبل قرار الرئيس محمد مرسي بإلغاء قرار حل البرلمان، كنت أوشك أن أكتب مقالاً بعنوان "أيلول الأسود (سبتمبر) المصري".. بعد كتابة العنوان فوجئتُ كغيري بالقرار الشجاع للرئيس مرسي.
والسبب!
كان النظام الحاكم فعلياً في مصر قد رسم خطته ووضع كل سيناريوهاتها قبل أيام من الإعلان عن نجاح الرئيس مرسي في الانتخابات، ووضعت التفاصيل على تكسير عظام الرئيس تدريجياً من قبل الإعلام دون التصعيد إلا بعد شهرين تماماً من تولي الرئيس منصبه.
فضلت الخطة أن تأتي الضربة القاصمة للرئيس المنتخب بعد شهرين كاملين من العرقلة التنفيذية والعمل العكسي ضد مشروع النهضة، وجُندت أكثر من عشر فضائيات لتحويل كل إنجاز صغير أو كبير إلى نكسة وخراب.. لكن من دون التصعيد السافر، إذ عَمِدوا إلى أن تمر الفترة الأولى في أجواء احتفالية توحي بأن الرئيس قد تمتع بكافة صلاحياته وأن علاقاته بالحكام الحقيقيين على ما يرام، وأن ليست هناك معوقات تقف في طريق الرئيس، واستحسن البعض شَغْل الرئيس بمسائل هامشية مثلما حصل في البرلمان؛ بحيث لا يتفرغ أبداً لتحقيق أجندته وتنفيذه وعوده للمائة يوم الأولى من ولايته، مع استمرار النقد المتدحرج ضد الرئيس في وسائل الإعلام دون أن يبلغ حد المواجهة.
تم تأجيل كافة القضايا المرفوعة أمام المحاكم "المستقلة" لتتزامن مع ساعات الحسم في سبتمبر ليكون بحق "أيلول الأسود" للثورة المصرية، (يُطلق مسمى أيلول الأسود على الصدام بين المنظمات الفلسطينية والنظام الأردني عام 1970، وظل الشهر عنواناً للصدام الداخلي إن في الأردن أو مصر1981)، وقد كان الجدول الزمني يترك مساحة لشهر رمضان وأسابيع جس النبض بعد الأيام الاحتفالية الأولى، ويتجنب إظهار رغبة نافذين في السلطة في عدم تمكين الرئيس من أداء مهامه منذ اللحظة الأولى، وإتاحة الفرصة لإظهار عجز الرئيس عن ممارسة سلطاته كفشل ذاتي وتسلط مزعوم من جماعة الإخوان على مرتكزات الحكم!
إلا أن كل هذا قد جوبه برغبة من الرئيس مرسي في تقديم موعد المواجهة؛ فبادر خصومه ربما لأول مرة منذ أن بدأ "الإسلاميون" والوطنيون في مصر إثر التنحي وحتى اليوم يتلقون الضربات من قبل السلطة ويقومون برد الفعل عليها..
الرئيس مرسي قدّم موعد المواجهة؛ فانتبهت المحكمة الإدارية إلى أن موعد إبطال التأسيسية في سبتمبر ليس مناسباً (باعتبارها محكمة غير مسيسة!)؛ فقدّمت موعدها من سبتمبر إلى الأسبوع القادم خلافاً لما مُتعارف عليه في المحاكم حيث التأخير هو السائد، وليس التقديم، وبدأت الحملة الإعلامية في الوصول لأعلى نقطة في منحناها في لحظة واحدة، وبدا زمرة من "الفقهاء الدستوريين" يتصايحون في الفضائيات منتفخي الأوداج غاضبين في أقصى درجات الغضب، لحد تجاوز طريقة سائقي التوكتوك الذين أغضب الطبقة المخملية الإعلامية حديث الرئيس المتواضع عنهم وعن آمالهم وأحلامهم، وبدا أن بعض "الفقهاء" لا يستطيعون التحكم في كلماتهم فخرجت من بين شفتيهم كلمات بذيئة واتهامات للرئيس يعاقب عليها القانون.. لو تم تطبيقه يوما ما.. بخلاف أساطين الدستور والقامات الرفيعة أمثال د.عاطف البنا ود.ثروت بدوي والمستشار زكريا عبد العزيز.
الجميع قرر تعديل الخطة على إثر قرارات الرئيس، وما يتوقع منه من قرارات حاسمة خلال الأيام القليلة القادمة،وبالطبع فإن النافذين لديهم مرونة عالية في تعديل خططهم، لاسيما بعد أن صاح الجميع مضطرباً "الثغرة.. الثغرة"!
حتى مواعيد محاكمات النظام السابق أصبحت كذلك مختلة، لكنها أهون "الشرور"؛ وأمرها أقلَّ من الاهتمام بها إلى جانب "الثغرة".
سبتمبر أصبح يوليو الآن، وما أعد.. تقدم، وفي مقابل ذلك؛ فإن ما توجب أن ينجزه الرئيس مرسي على التراخي أمسى حاجة ملحة على الفور، لاسيما أن تأسيسية الدستور ستصير عدما بعد أيام، وسيُصار إلى إعادة تشكيلها، بما يتراءى للحكام الحاليين المتحالفين الآن مع القسم الأكبر ممن يسمون بالتيار المدني (العلماني)، وعليه فسنكون أمام دستور يتوفر على ما يلي:
1 ـ أبدية حكم العسكر، وضمان فوقية وسيادة مجلس الدفاع الوطني الذي سيصير بمثابة حكم المرشد الأعلى للثورة الإيرانية أي سلطة فوق سلطة الرئيس (أقول ذلك لمن يظنون أن الرئيس مرسي سيكون تحت حكم المرشد بديع، لا، بل سيصير تحت حكم المرشد العسكري).
2 ـ التراجع عن بند المادة الثانية للدستور الذي يجعل الأزهر مفسراً لكلمة "مبادئ" الشريعة الإسلامية بدلاً من المحكمة الدستورية التي بان توجهها الواضح، وتشابهها مع المحكمة العليا التركية القيمة على العلمانية التركية.
3 ـ إقالة الرئيس مرسي عبر مادة معيبة ستُوضع غالباً في مواد الدستور غير الشرعي القادم عبر تأسيسية معينة تعيد إجراء الانتخابات الرئاسية وفقاً للدستور الجديد.
4 ـ التشديد على منع تكوين الأحزاب على أُسسّ دينية أو تلك التي تَحوي برامجها أدنى إشارة للشريعة الإسلامية، وفتح الباب أمام حلّ الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية التي تمثل الغالبية في المجلس الشرعي الحالي، ويتوقع أن تمثل كذلك أي غالبية في أي مجلس قادم يختاره الشعب المصري المتدين.
5 ـ تحصين الاستثمارات والمزايا غير المرئية وغير الخاضعة للرقابة الشعبية في مصر.
6 ـ تحصين المجالس والمناصب غير المُنتخبة والمزمنة والتي يُعد أصحابها امتداداً للنظام السابق الذي ظلّ يعد "الكنز الاستراتيجي".
وأمام وضع كهذا؛ فليس في الوارد أنصاف الحلول، حيث تقلصت الخيارات المَّرة أمام الرئيس المصري الشرعي المنتخب، وصار لِزاماً عليه اتخاذ إجراءات تحافظ على أمن مصر واستقرارها واستقلالها وتجربتها الديمقراطية.
ومع الاعتراف بأن الخيارات شديدة المرارة والصعوبة؛ فإن المبادرة إليها لم يعد محلّ اختيار، وأولها إلغاء الإعلان الدستوري المكمِّل أو في أسوأ الفروض الاستفتاء العام عليه، وضرورة تشكيل حكومة وطنية شاملة من قبل الرئيس، بحيث تكون قادرة على تنفيذ برنامج الرئيس، وتملك الصلاحيات التنفيذية كاملة، وتطهير أجهزة الدولة ومؤسساتها من بقايا النظام السابق بكل ما تُتيحه سلطات الرئيس من إمكانات..
لا بديل آخر، صاحب الفخامة د.محمد مرسي رئيس مصر الشرعي المنتخب..
لقد اهتزت الدولة يوماً في يد هارون الرشيد وتملكها البرامكة؛ فناصحه شاعر أديب (أبو العود) مذكراً بالبيتين لعمر بن أبي ربيعة:
واستبدتْ مرة ً واحدة ً *** إنما العاجز من لا يستبدْ
لا أحد يدعو إلى الاستبداد على الشعب، لكن يَتوجب أخذ الرئيس صلاحياته كاملة، ويرد صلاحيات المؤسسات المنتخبة.. هذا إن أردناها ثورة واستقلالاً..
23/8/1433 هـ