الرئيس إماماً: أحلام ومخاطر
قرأ الدكتور مرسي آيات من سورة الأنفال في صلاة العشاء، ويمكن بسهولة -خاصة لمن يهتم بقراء القرآن- أن يتبين جوانب في شخصية الرجل من قراءته للقرآن، ولكن ندع هذا جانبا وننظر في كلمته -أو خطبته- التي ألقاها.
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
فاجأنا الدكتور محمد مرسي بحضوره الليلة الماضية في مسجد الفاروق بالتجمع الخامس، حيث أمً المصلين في صلاة العشاء وصلى معهم التراويح وألقى كلمة طويلة في الاستراحة بمنتصف صلاة التراويح.
قرأ الدكتور مرسي آيات من سورة الأنفال في صلاة العشاء، ويمكن بسهولة -خاصة لمن يهتم بقراء القرآن- أن يتبين جوانب في شخصية الرجل من قراءته للقرآن، ولكن ندع هذا جانبا وننظر في كلمته -أو خطبته- التي ألقاها.
جهز إمام المسجد المكتب الذي عادة ما تلقى عليه المحاضرات ولكن الدكتور مرسي رفض وفضل أن يلقي كلمته واقفا، ربما لأنه نوى بالفعل أن تكون خطبة.
جاء الكلام حماسياً تعلوه نبرة الصدق -والله حسيبه- ولم تكن كلمة روتينية طلباً للبركة. الرجل يحمل هماً واضحاً ويريد أن يشرك الناس في هذا الهم، والرجل يثق بقدرات هذا الشعب وإمكانية نهضته إذا جد واجتهد وخلع عن نفسه عباءة التراخي أو انتظار المساعدة أو العون من غيره.
تكلم الدكتور مرسي عن شمولية الإسلام وأنه لا ينحصر في العبادات فقط، وأن رسالة نشر الإسلام والدعوة إليه تقتضي أن تكون هذه الأمة قوية تكره الضعف والخور والهشاشة، وقد حكى قصة عبد الرحمن بن عوف ومؤاخاته لسعد بن الربيع رضي الله عنهما، حين قال له سعد: أخي، أنا أكثر أهل المدينة مالا، فانظر شطر مالي فخذه، ولي امرأتان، فانظر أيتهما أعجب إليك حتى أطلقها لك، فقال عبد الرحمن بن عوف: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق. فدلوه على السوق، فاشترى، وباع، فربح كثيرًا. وصف الدكتور مرسي موقف الرجلين فأثنى على مروءة سعد ثم وصف موقف ابن عوف بالرجولي.
جاءت كلمات الدكتور مرسي مناسبة للزمان والمكان، فربط كلامه بشهر رمضان، شهر العطاء والجهد، وحاول أن يستنهض همم المصلين حتى لا يكتفوا بصلاح أحوالهم، ولكن أن يكونوا صالحين مصلحين، فالدال على الخير كفاعله.
مشاعر جميلة كأنها حلم من أحلام اليقظة، وأنت تصلي خلف رئيس الجمهورية، وكنا في العصر البائد نتحسر عندما نقرأ في سيرة سلفنا الصالح، وكان خليفة المسلمين هو الذي يصلي بالناس ويخطب فيهم الجمعة... كنا نتحسر ونحن نرى رئيس الدولة يحارب الدين ويلاحق المتدينين ويرهب أولادهم ونساءهم. إنها نعمة عظيمة أن يولي الله علينا من يهتم بشرعه ويعظم شعائر دينه، هي نعمة تستوجب شكرها، ومن شكرها إعانة هذا الرجل على المهمة الصعبة التي تواجهه وعلى الإرث الثقيل الذي يتحمله... ثم على الحلم الكبير الذي يراوده لنهضة هذا البلد الكريم.
بقي أمر أرجو أن يأخذه الدكتور مرسي بعين الاعتبار، وهو أن تواجده اليومي وسط جماهير الناس -برغم فوائده الكبيرة- إلا أنه يحمل معه أخطاراً محدقة. إن الأمر لا يحتاج لخبراء أمنيين لنرى أن هذه الحركة اليومية يصعب جدا حمايتها وتأمينها بالشكل المطلوب، والبلاد ما زال فيها بقايا النظام السابق يكيدون لها ليل نهار، وأهل الباطل لن يرقبوا في هذا الشعب إلا ولا ذمة. ثم إن هذا الأمر لا تقتضيه ضرورة شرعية ولا سياسية. يكفي للرئيس أن يتخذ مُصلى في محل إقامته، يعين له إمام راتب ولا بأس أن يدعى إليه طوائف من الناس من آن لآخر لإدامة هذا التواصل الجميل بين الرئيس والناس، ولكن في بيئة تكون تحت السيطرة الأمنية المقبولة. هذا من الأسباب التي لا ينبغي التهاون فيها، والله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين.
د. محمد هشام راغب