جريمة المعبر.. وعلاقتها بكامب ديفيد

منذ 2012-08-07

إن أبجديات تأمين سيناء هو توطين ملايين المصريين فيها، ومضاعفة تعداد قواتها الحامية لدرع مصر الشرقي، وهذا لن يكون إلا بإعادة النظر في بنود اتفاقية كامب ديفيد الظالمة والمقيدة.






قتلوهم وهم يفطرون!

ما المبرر؟ سيقال:مجموعة تكفيرية تتعاطى "الجهاد" بمفهوم خاطئ أرادت أن تنفذ عملية ضد الكيان الصهيوني؛ فاختارت له ذكرى معركة بدر لتنفذ عمليتها، وهي أرادت أن تحصل على مدرعتين للعبور بهما إلى داخل حدود فلسطين لتنفيذ عملية ضد الصهاينة؛ فقتلت في طريقها جنوداً مصريين!

وهذا في حقيقته تسطيح شديد لما حصل على الحدود المصرية مع أرض فلسطين التي تحتلها "إسرائيل"؛ فأيا ما كان المنفذون، أكانوا كوماندوز "إسرائيلي" متمكن عبر الحدود لتنفيذ تلك العملية أو استخدم مجموعات منحرفة فكريا عبر وسطاء فلسطينيين عملاء لتل أبيب؛ فإن المحصلة في كل واحدة؛ إذ لن نبحث عن البندقية المستأجرة وإنما عمن استخدمها على وجه التحديد..


لكن دعونا أولا نجول في محيط العملية، لنستكشف مناخها الذي وقعت فيه؛ فالعملية التي أسفرت عن مذبحة لضباط وجنود مصريين تمت بعد أيام قلائل من الإعلان عن عزم السلطات المصرية التخفيف من إجراءات دخول الفلسطينيين، وإثر زيارة وفد من حركة حماس لمصر ولقائهم رئيسها في القصر الجمهوري، وتحسين إجراءات التعامل على معبر رفح، وتنادي أصوات قريبة من الملياردير المصري نجيب ساويروس بالدعوة إلى مقاومة شراء الفلسطينيين المزعوم لأراضي بسيناء وما يدعى عن مخططات لتوطين الغزاويين بسيناء، وهو الملياردير الذي طالبه النائب العام الفلسطيني في رام الله أحمد المغني باسم السلطة الفلسطينية قبل أيام بتجميد التداول في الأسهم التي تعود لمحمد رشيد، مستشار الرئيس الراحل، ياسر عرفات، وكذلك محمد دحلان القيادي الفتحاوي المفصول المتهم بعلاقته بالموساد "الإسرائيلي"، وبتمويله لبعض الجماعات التكفيرية المناوئة لحماس في غزة.

والعملية تأتي في ظل ما يقال عن تحسن العلاقات بين المؤسستين الرئاسية والعسكرية في مصر على إثر الاتفاق الذي أدى إلى تشكيل الحكومة المصرية بتركيبتها الحالية، والإشادة المستمرة من الرئيس المنتخب بالمؤسسة العسكرية التي قال أمس في الإفطار الذي دعته إليه قيادة الجيش الثاني الميداني إنها سبب في كونه أصبح رئيساً لمصر.


وتم تنفيذها قبل أسبوعين من تنفيذ مخطط لاضطرابات ومظاهرات بغرض إسقاط الرئيس وحركة الإخوان، وبالتزامن مع اعتداءات على مقارات للجماعة ولحزبها السياسي في أكثر من مكان..

ومن جهة أخرى؛ فإن الجريمة قد وقعت على إثر مساعٍ لتنشيط السياحة المصرية قام بها الرئيس المصري ووزير السياحة في حكومته، وعقب احتجاز فوجين في مطار مرسى علم، والأهم أنها تلت تحذيراً "إسرائيليا" من أكثر من جهة بشأن أمن "الإسرائيليين" في شبه جزيرة سيناء ودعوات إليهم بمغادرتها فوراً لاحتمال وقوع "عمليات إرهابية"..

أما الأخطر فهو ما يتعلق بمطالب تتصاعد في "إسرائيل" بتعديل اتفاقية كامب ديفيد بحيث تبسط بها "إسرائيل" هيمنتها على سيناء بشكل مباشر.


هذا المناخ، أما العملية ذاتها فيلاحظ فيها ما يلي:

أولاً: سرعة رد الفعل الصهيوني، وهو يعني أحد أمرين:
إما أن الكيان الصهيوني لديه علم بهذه العملية قبل وقوعها، أي أنه حصلت بإيعاز منه.
أو أن جهوزيته عالية جداً للحد الذي جعل رد فعله أسرع بكثير من رد الفعل المصري، وهذا يضعنا أمام استحقاق أخطر.. أننا أمام ثغرة حقيقية يمكن أن ينفذ منها العدو في أي لحظة.

ثانياً: ما يحيط بالجريمة من ملابسات تتعلق بإفطار رمضان (لا يحبذ هذا التوقيت عادة إلا أحد النظامين الصهيونيين في تل أبيب ودمشق، أو من يواليها)، وما يتعلق بحرفية الفاعلين، وجهوزية الإعلام الصهيوني والساسة للادعاء فوراً أن ثمة متسللين يعني أن لدى "إسرائيل" ما تعرفه أكثر مما يبدو لأول وهلة.

ثالثاً: سرعة رد الفعل الإعلامي المتصهين في مصر، وجهوزيته العالية أيضاً لتحميل أطراف مصرية مسؤولية ما حصل، لا أعني بهم قفاز المجرم، وإنما المجرم ذاته، وهو هناك قابع في تل أبيب يضحك على فداحة الخسائر في الجانب المصري وخلوه جانبه منها تماماً.

رابعاً: سرعة رد الفعل الرسمي بإغلاق معبر رفح الحدودي، وهو وإن كان إجراءً أمنياً احترازياً لفترة من الوقت؛ فإن أخوف ما يخشى أن يستغل للإساءة للشعب الفلسطيني وللتضييق عليه في تلك الأيام المباركة، وقبل أيام من عيد الفطر.


نحن إذن أمام عملية خطيرة، ينجم عنها ما يلي:
1 ـ الإشعار بأن مصر دولة فاشلة لا يمكنها السيطرة على حدودها بما يستدعي فكرة "مشاركة إسرائيل" وغيرها في تأمين تلك الحدود.

2 ـ تسهيل مهاجمة الرئيس المنتخب و"الإسلاميين" عموماً تحت ذريعة التساهل مع حركة حماس بما أفضى إلى وقوع جريمة كهذه.

3 ـ إحباط محاولة "تطبيع" العلاقة مع غزة، والإبقاء على حصارها إجبارياً، وتسميم العلاقة كلية مع الفلسطينيين بعد حصول انفراجة، بل ومعاقبة الفلسطينيين على احتفالهم بخلع مبارك.


وبدلاً من التفكير في حل حقيقي للمشكلة؛ فإن البعض يستهويه منا أن يفكر بعكس الاتجاه وبطريقة سطحية؛ فمن الطبيعي أن يتجه التفكير ابتداءً إلى بسط الأمن على ربوع سيناء وملاحقة كل المظاهر المسلحة لاسيما التكفيرية منها، وكذلك من البدهي أن تغلق المعابر لفترة احترازياً، لكن المنطقي أن أي بلد لا يشعر بأن حدوده آمنة لا يعتبر أن الحل الجذري لتأمينها هو بإغلاق الحدود والمعابر! لأن حدود الدول ليست محالاً تجارية ليجري تأمينها عند الخطر بالإغلاق، وإنما تأمينها بمضاعفة أعداد الجنود، وزيادة تسليحها وتدريبها، وتوفير الآليات الملائمة والمناسبة لإنجاز هذا التأمين.

الأسهل أن تغلق معبراً حدودياً، لكن غلق المعابر عبر التاريخ لم يمنع غزواً، ولم يكبح طامعاً، إنما علينا أن نتجه مباشرة إلى الحل الحقيقي الصعب الذي يدركه الجميع ولا يقدمون عليه..


إن أبجديات تأمين سيناء هو توطين ملايين المصريين فيها، ومضاعفة تعداد قواتها الحامية لدرع مصر الشرقي، وهذا لن يكون إلا بإعادة النظر في بنود اتفاقية كامب ديفيد الظالمة والمقيدة.

ستسعى "إسرائيل" يوماً ما إلى توطين صهيوني فيها إن ظلت فارغة، وفي أفضل الأحوال ستطرد الفلسطينيين إليها، وسنبكي حينها على جزء غالٍ من وطنٍ أضعناه..


ربما ستتملك بعضنا الجرأة لنقد التأمين الحدودي المصري عسكرياً، لكن في الحقيقة، جيشنا محكوم باتفاقية سياسية أبرم في لحظة تجاوز فيها القرار السياسي كل المحظورات ووقع عليها على نحوها الظالم هذا، وصارت بنودها سيفاً مسلطاً على المصريين، عسكرييهم ومدنييهم، وآن الأوان أن نعيد الوضع إلى طبيعته، أن تكون حدودنا آمنة في كل رقعة..

نعم، إننا نثق كل الثقة في قواتنا المسلحة وقدرتها على حماية مصر، ولذا نحن نطالب بأن تطلق يدها على حدودنا كلها دون استثناء حتى لا تحدث اختراقات كهذه..

أما التفات الجوقة الإعلامية إلى مسألة المعابر؛ فهي حيلة الضعفاء والانهزاميين؛ فلا استقلال لمصر دون سيادة على أراضيها، وأولى تلك الأراضي هي سيناء المباركة..


18/9/1433 هـ
 

  • 2
  • 0
  • 3,104

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً