عشر خواطر حول تطبيق الشريعة
الشريعة ليست حملاً ثقيلاً أو عبئاً على الأنفس. الهزيمة النفسية هي التي صورتها لنا كذلك. الشريعة رحمة في أحكامها ورحمة في مآلاتها. غياب الشريعة يعني فوضى تبتعد بالخلق عن خالقهم وحالة من الدخول في التيه والظلام في غياب النور الساطع.
الدعوة لتطبيق الشريعة تعني بناء الدولة وأدواتها في ذات الوقت للقيام بدورها في حماية المشروع الإسلامي وصيانته، فعندما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قواعد دولة الإسلام في المدينة، سعى لشراء بئر من أحد اليهود لتأمين مصادر المياه، وسعى في ذات الوقت لإنشاء سوق للمسلمين بعد أن كان اليهود يحتكرون التجارة، كما أقام سلسلة من الإصلاحات الاجتماعية انتهت بقيام مجتمع متكامل الأركان.
الصورة النمطية عن تطبيق الشريعة التي تحملها بعض الأذهان حيث يهمل أصحاب المشروع كل جوانب الحياة يتحمل وزرها الحملة الإعلامية الشرسة على الإسلام، وإن كان هذا لا يعفي دور بعض أصحاب المشروع أنفسهم نتيجة لأخطائهم السياسية والفكرية الفادحة.
---------------------------
الشعوب لا تخشى الشريعة بدليل انحيازها للإسلام كلما كان الموقف واضح المفاصلة. الشعوب تخشى أفكاراً وهمية زرعها كارهي الشريعة، وأخطاء سياسية وقع فيها بعض ممثلي الإسلام السياسي. الدليل العملي هو الشعبية الجارفة للشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل مع وضوحه التام في مسألة الشريعة.
---------------------------
للإخوة الذين يبررون عدم السعي لتطبيق الشريعة بفساد المجتمع، راجعوا غزوة أحد وقول الله تعالى تعقيبا على ما لاقاه المسلمون في غزوة أحد: {قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ} [آل عمران: 165]. الفهم الصحيح للآية يجب أن يكون من خلال فعل النبي صلى الله عليه وسلم. فبعدها لم يترك الرسول صلى الله عليه وسلم الدعوة و الجهاد ويتفرغ للتربية كما يحلو للبعض أن يستخدم هذه الآية لتبرير التقاعس عن نصرة الشريعة، بل جمع صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام لغزوة حمراء الأسد في اليوم التالي، واستمرت رحلة التربية والجهاد والدعوة.
المجاهدة لتطبيق الشريعة وإعلاء كلمة الله تعني أيضاً أن هناك معالجة للمجتمع للداخل يجب أن تسير في نفس الوقت، وتصور أن المجتمع يجب أن يكون مثالياً ليصلح لتطبيق الشريعة هو تصور موهوم ليس له أصل من شرع أو عقل.
مظاهر الفساد في المجتمع ليست فردية ولم أقل أبداً أنها فردية، بل هي مظاهر راسخة في المجتمع رسوخ الفهم الخاطىء المجتزىء، وفي المجاهدة لتطبيق الشريعة يجب عدم إغفال جهاد المفاهيم الكارثية الموجودة لدى بعض الدعاة أنفسهم.
---------------------------
تطبيق الأحكام الشرعية يجب أن يكون مرتبطاً بقدرة المجتمع على التحمل، وإعداده لتلقي الحكم الشرعي والتمهيد له هو من الشريعة نفسها.
---------------------------
الدعوة لتطبيق الشريعة ستجعل كل من لديه شبهة يلقي بها، وحينها سيتم الرد عليها وتفنيدها، تماماً كما واجه القرآن جميع الشبه وأفحم أصحابها {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 18]. أما المواربة في جانب الشريعة فسيبقي على الشبه في النفوس. وصدقني بعض هذه الشبه موجودة في نفوس أصحاب المشروع الإسلامي أنفسهم، أعرف ذلك يقينا. تصفية النفوس من هذه الشبهات لا يأتي إلا بالمواجهة المباشرة. أما إن كنت غير قادراً على المواجهة وحمل المشروع الإسلامي، فتنحى جانباً فهذا دين الله، وسيهيىء له من يدافع عنه ويحمل لواءه.
----------------------------------
المصارحة بالسعي لتطبيق الشريعة في وقت المحنة سيجمع حولك نواة صلبة من المخلصين الذين لديهم استعداد لا متناهي للبذل والعطاء. وهؤلاء سيشكلون نواة صلبة تستطيع بها اقتحام الصعاب -أولاد أبو إسماعيل كمثال-.
----------------------------------
الإسلام ليس مسئولاً عن أخطاء أي شخص ينتسب إليه، فالإسلام حاكم والأشخاص محكوم عليهم. الإسلام لا يعطي قدسية للأشخاص كما في النصرانية. رسول الله صلى الله عليه وسلم تبرأ إلى الله من خطأ خالد بن الوليد رضي الله عنه في إحدى السرايا، والقرآن نزل واضحاً صريحاً ليبني المجتمع ويقوم الأعوجاج عندما يحدث. نحن من نتبني أوهاماً ومفاهيماً خاطئة، ثم نختلق لها المبررات للدفاع عنها.
----------------------------------
عالِم الشريعة ليس بالضرورة عالماً بكل شيء، وعندما يتحدث في السياسة فيجب عليه أن يمتلك أدواتها أو يعتذر عن الحديث فيها. وعالم الشريعة قد تجده فقيها في السياسة كالشيخ حازم أبو إسماعيل، وقد تجده جاهلاً بأدواتها كبعض أفاضل العلماء. جهل الشيخ بأدوات السياسة لا يعيبه في شيء إن اعتزلها، فليس بالضرورة أن يدرك المرء المنتهى في كل شيء.
----------------------------------
الشريعة ليست حملاً ثقيلاً أو عبئاً على الأنفس. الهزيمة النفسية هي التي صورتها لنا كذلك. الشريعة رحمة في أحكامها ورحمة في مآلاتها. غياب الشريعة يعني فوضى تبتعد بالخلق عن خالقهم وحالة من الدخول في التيه والظلام في غياب النور الساطع.
----------------------------------
السؤال التقليدي عن تعارض المصلحة مع الحكم الشرعي يعكس جهلاً بحقيقة هذا الدين. هذا الدين رحمة في كل ما جاء به. فكل ما أمرنا الله به فهو خير وإن لم تبد للبعض الحكمة، وكل ما نهانا عنه هو رحمة بنا، وإن بدت لنا مشقة ظاهرة.
كمثال طبيعة العلاقة المتحفظة بين الرجل والمرأة كما أتى بها الإسلام، هي صيانة للرجل وللمرأة والمجتمع {وَاللَّـهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا. يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 27-28].
وكمثال آخر، تحريم الربا الذي له من الفوائد الاقتصادية والاجتماعية ما استبان حتى لغير المسلمين بعد اشتداد الأزمات الاقتصادية العالمية.
----------------------------------
ولا زالت الخواطر مستمرة...
محمد نصر
- التصنيف: