خروج المعتكف من المسجد والاشتراط فيه

منذ 2012-08-11

إنَّ الله تعالى قد علَّق فلاح العبد على تزكيته لنفسه قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [الشمس:8]. وقد جاءت هذه الآية بعد أحد عشر قَسَماً، وليس لهذا نظير في القرآن، وقد وقعت هذه الآية جواباً لهذا القسم مما يؤكد على أهمية تزكية النفوس وأنَّ الفلاح كلَّ الفلاح معلَّقٌ على هذه التزكية.


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين وبعد:

فإنَّ الله تعالى قد علَّق فلاح العبد على تزكيته لنفسه قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [الشمس:8]. وقد جاءت هذه الآية بعد أحد عشر قَسَماً، وليس لهذا نظير في القرآن، وقد وقعت هذه الآية جواباً لهذا القسم مما يؤكد على أهمية تزكية النفوس وأنَّ الفلاح كلَّ الفلاح معلَّقٌ على هذه التزكية.

وتحصيل تزكية النفوس بأمور قد جاء بيانها في الكتاب والسنة، ومن أبرزها: عبادةٌ جليلة ينقطع فيها العبد لإصلاح نفسه وتعاهدها وينقطع عن الدنيا ويتفرغ للآخرة، وهي عبادة (الاعتكاف) التي يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في المقصود منها: "عكوف القلب على الله تعالى وجمعيته عليه، والخلوة به، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه" [1].

وقد أحببت أن أكتب في أبرز مسائل هذه العبادة وهي خروج المعتكف من المسجد والاشتراط فيه نظراً لأهمية هذه المسألة، وكثرة الأسئلة والاستشكالات فيها، ولأنني لم أقف على من أفردها ببحثٍ مستقل مع أهميتها، وإن كان فقهاؤنا رحمهم الله قد تناولوها في كتبهم إلا أني أردت جمع كلامهم على اختلاف مذاهبهم وجمع الأدلة الواردة فيها وتحرير هذه المسألة بالبحث والمناقشة حتى يتجلى فيها ما أحسبه الأقرب للكتاب والسنة.

منهج البحث:
1. تصوير المسألة التي تحتاج إلى إيضاح تصويراً دقيقاً قبل بيان حكمها ليتضح المراد بها.
2. عرض الآراء في المسائل حسب الاتجاهات الفقهية، ونسبة كل رأي من قال به من أصحاب المذاهب.
3. عرض أدلة الأقوال، مع بيان وجه الدلالة إذا احتاج الأمر إلى ذلك.

4. إيراد المناقشة على الأدلة أو الاستدلال بها. ولو كانت تلك المناقشة للقول الذي ظهر رجحانه، وما أنقله من غيري أصدره بعبارة (وقد اعترض) وفي الإجابة بعبارة (وقد أجيب) وما لم أنقله من غيري أصدره بعبارة (ويمكن الاعتراض) وفي الإجابة بعبارة (ويمكن الجواب).

5. بيان ما توصلت إلى رجحانه من الآراء مع بيان سبب الترجيح.
6. ذكر أرقام الآيات وأسماء السور الواردة فيها.
7. تخريج الأحاديث من مصادرها فإن كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما فأكتفي بالعزو إليه، وإلا خرجته من كتب السنن والمسانيد والآثار مبيناً آراء المحدثين في درجته.
8. ختم البحث بخاتمة تتضمن ملخصاً للموضوع وأهم ما تتضمن من نتائج.
9. تذييل البحث بفهرس للمصادر والمراجع المستفاد منها في كتاب البحث.

وقد قسمت البحث إلى مقدمة وأربعة مباحث وخاتمة:-
مقدمة البحث وتشتمل على أهمية البحث ومنهجه وخطته.
المبحث الأول: حقيقة الاعتكاف والأصل فيه.
المبحث الثاني: اشتراط المسجد لصحة الاعتكاف.
المبحث الثالث: خروج المعتكف من المسجد.
المبحث الرابع: الاشتراط في الاعتكاف.
خاتمة البحث وتتضمن أهم نتائج البحث

وأسأل الله تعالى الإعانة والتوفيق لما يحب ويرضى وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.


المبحث الأول: حقيقة الاعتكاف والأصل فيه:
الاعتكاف من الشرائع القديمة [2] قال الله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة: 125]، وقال عز وجل عن مريم عليها السلام: {فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا} [مريم: 17]، وقال: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقا} [آل عمران: 37]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "...ولأن مريم عليها السلام قد أخبر الله سبحانه أنها جعلت محررة له أو كانت مقيمة في المسجد الأقصى في المحراب، وأنها انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً فاتخذت من دونهم حجاباً، وهذا اعتكاف في المسجد واحتجاب فيه" [3]، اهـ.

وقد كان الاعتكاف معروفاً في الجاهلية قبل بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما يدل لذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كنتُ نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أوفِ بنذرك» [4]، وحقيقة الاعتكاف لغة: تدور مادته على العين والكاف والفاء، قال ابن فارس رحمه الله: "العين والكاف والفاء أصل صحيح يدل على مقابلة وحبس، يقال: عَكَف يعكفُ ويعكِف عكوفاً، وذلك إقبالك على الشيء لا تنصرف عنه" [5]، اهـ.

والاعتكاف افتعال من عكف على الشيء يعكفُ ويعكِف، ويأتي لازماً ومتعدياً، فأمّا اللازم فمصدره العكوف، والعكوف هو الإقبال على الشيء وملازمته على سبيل التعظيم [6] له ومنه قول الله تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ} [الأعراف:138]، وقول الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء:52]، وقول الله تعالى عن موسى عليه السلام: {وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا} [طه: 97]، وقول الله تعالى: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187]، وقول الله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة:125].

وأما المتعدي فمصدره العكف ويأتي بمعنى الحبس والمنع [7]، ومنه قول الله تعالى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح:25]، قال ابن جرير الطبري رحمه الله: "أي محبوساً عن أن يبلغ محله" [8]، اهـ. والاعتكاف شرعاً مأخوذ من الفعل اللازم الذي مصدره: عكوف، قال شيخ الإسلام ابن تيمية "التاء في الاعتكاف تفيد ضرباً من المعالجة والمزاولة لأن فيه كلفة كما يقال: عمل واعتمل وقطع واقتطع" [9]، اهـ.

وحقيقة الاعتكاف شرعاً: لزوم المسجد لطاعة الله تعالى [10]، وتكاد تعاريف الفقهاء تتفق على ذلك وإن كان بينهم ثمة تفاوت في التعريف في إثبات أو حذف بعض الشروط والأركان [11].
- فقد عرَّفه الحنفية بأنه: اللبث في المسجد مع الصوم ونية الاعتكاف [12].
- وعرَّفه المالكية بأنه الاحتباس في المساجد للعبادة على وجه مخصوص [13].
- وعرفة الشافعية بأنه: اللبث في المسجد من شخصٍ مخصوص بنية [14].
- وعرفه الحنابلة بأنه: لزوم مسلم لا غسل عليه عاقلِ ولو مميزاً مسجداً ولو ساعة لطاعةٍ على صفةٍ مخصوصة [15]، وهذه التعريفات متقاربة في بيان حقيقة الاعتكاف شرعاً وتتفق على أنه: لزوم مسجد لعبادة الله تعالى من شخصٍ مخصوص على صفةٍ مخصوصة [16].

ويسمى الاعتكاف جواراً [17]، ومن ذلك ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصغي إليَّ رأسه وهو مجاور في المسجد فأرجله وأنا حائض" [18]، وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني كنتُ أجاور هذه العشر ثم بدا لي أجاور العشر الأواخر» [19]. والاعتكاف مشروع، والأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقول الله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة:125]، وقول الله تعالى: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187].

ومن السنة: أحاديث كثيرة ومنها:
- ما جاء في الصحيحين [20] عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده".
- ما جاء في صحيح البخاري[21] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان"، وجاء في معنى هذين الحديثين أحاديث كثيرة تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من هديه الاعتكاف في شهر رمضان وربما اعتكف في أول شهر شوال، وأما الإجماع على مشروعية الاعتكاف فقد نقله غير واحد من أهل العلم، فقد نقل أبو داود عن الإمام أحمد أنه قال: "لا أعلم عن أحد من العلماء خلافاً في أن الاعتكاف لمسنون" [22].

قال ابن المنذر رحمه الله: أجمعوا على أن الاعتكاف سنة لا يجب على الناس فرضاً إلا أن يوجبه المرء على نفسه نذراً فيجب عليه [23]. وقال الموفق بن قدامة رحمه الله: "لا نعلم بين العلماء خلافاً في أنه
مسنون" [24] اهـ، والأصل في الاعتكاف أنه مسنون إلا أنه يجب بالنذر بإجماع العلماء، قال النووي رحمه الله: "الاعتكاف سنة بالإجماع ولا يجب إلا بالنذر بالإجماع" [25] اهـ، وقال ابن القطان رحمه الله: "وأجمعوا على أن الاعتكاف لا يجب على الناس فرضاً إلا أن يوجبه المرء على نفسه نذراً فيجب عليه" [26] اهـ.

ويدل لذلك ما جاء في صحيح البخاري [27] عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من نَذَر أن يطيعَ الله فليطعه ومن نَذَر أن يعصي الله فلا يعصِه»، وفي الصحيحين [28]، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كنتُ نذرتُ في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أوف بنذرك ».

المبحث الثاني: اشتراط المسجد لصحة الاعتكاف:
يشترط المسجد لصحة الاعتكاف، وقد أجمع العلماء على ذلك، قال ابن القطان رحمه الله: "أجمعوا على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد" [29]، وقال الموفق بن قدامة رحمه الله: "لا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافاً" [30] اهـ، وقال القرطبي رحمه الله: "أجمع العلماء على أن الاعتكاف لا يكون إلا في مسجد" [31] اهـ. ويدل لذلك قول الله تعالى: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187]، قال النووي رحمه الله: "وجه الدلالة من الآية لاشتراط المسجد أنه لو صحَّ الاعتكاف في غير المسجد لم يخص تحريم المباشرة بالاعتكاف في المسجد؛ لأنها منافية للاعتكاف فعلم أن المعنى بيان أن الاعتكاف إنما يكون في المساجد" [32]. اهـ، ويدل لذلك أيضاً ما جاء في الصحيحين [33] عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل رأسه في المسجد فأرجَّله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفاً".

ولو كان المسجد غير مشترط لصحة الاعتكاف لم يكن هناك حاجة لئن يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم رأسه فقط لحجرة عائشة لترجَّله ولدخل بجميع بدنه...، ويؤكد هذا المعنى قولها: "وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة"، ولو كان المسجد غير مشترطٍ لصحة الاعتكاف لكان دخوله للبيت للحاجة ولغير الحاجة، ومع اتفاق العلماء على اشتراط المسجد لصحة الاعتكاف إلا أنهم اختلفوا في ضابطه بالنسبة للرجل وبالنسبة للمرأة.

وفيما يلي بيان لذلك:
1- ضابط المسجد الذي يشرع فيه الاعتكاف للرجل:
اختلف العلماء في ضابط المسجد الذي يشرع فيه الاعتكاف للرجل على أقوال:
القول الأول: "أن يكون المسجد تقام فيه الجماعة". قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وهو قول عامة التابعين ولم ينقل عن صحابي خلافه، إلا قول من خصّ الاعتكاف بالمساجد الثلاثة أو مسجد نبي" [34] اهـ.
وقال به من السلف: عروة بن الزبير، والزهري، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير وغيرهم [35]. وهو مذهب الحنفية [36] والحنابلة [37].

القول الثاني: أنه يصح الاعتكاف في كل مسجد وهو مذهب الشافعية [38]، وهو مذهب المالكية إلا أنهم يرون أنه إذا نوى اعتكاف مدة يتخللها جمعة فلا يصح اعتكافه إلا في مسجد جامع [39].

القول الثالث: أنه لا يصح الاعتكاف إلا في مسجد جامع، وقد روي هذا القول عن الزهري والحكم وحماد [40]. وهو مذهب المالكية إذا نوى اعتكاف مدة يتخللها جمعة [41]، وقول الشافعي في القديم [42].
القول الرابع: أنه لا يصح الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى، وقد روي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه [43].

الأدلة:
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب القول لقولهم بأن الاعتكاف لا يصح إلا في مسجد تقام فيه الجماعة بما يأتي:
1. قول الله تعالى: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]. ووجه الدلالة: أن لفظ (المساجد) في الآية عام فيشمل كلَّ مسجد لكن يخصَّ بالمسجد الذي تقام فيه الجماعة لأن الجماعة واجبة، واعتكاف الرجل في مسجدِ لا تقام فيه الجماعة يقضي إلى أحد أمرين: إما ترك الجماعة الواجبة، وإما خروجه إليها، فيتكرر ذلك منه كثيراً مع إمكان التحرز منه، وذلك مناف للاعتكاف، إذ هو لزوم المعتكَف والإقامة على طاعة الله فيه [44].

2. قول عائشة رضي الله عنها: "السنة في المعتكف ألا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة ولا يباشرها، ولا يخرج إلا لما لا بَّد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة" [45]، وموضع الشاهد منه قولها: "ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة"، وقد صدرت رضي الله عنها قولها بـ"السنة" وهي تنصرف عند الإطلاق إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اعترض على هذا الاستدال: بأن هذا القول مدرج من كلام الزهري وليس من كلام عائشة رضي الله عنها كما ذكر ذلك الدار قطني وغيرها [46].

3. أن هذا القول هو المأثور عن الصحابة رضي الله عنهم، فقد روي هذا القول عن علي وعائشة وابن عباس رضي الله عنهم [47]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "لم ينقل عن صحابي خلافه إلا قول من خصَّ الاعتكاف بالمساجد الثلاثة أو مسجد نبي" [48] اهـ.

أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب هذا القول لقولهم بأنه يصح الاعتكاف في كل مسجد وإن لم تقم فيه الجماعة بما يأتي:
1. عموم قول الله تعالى: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] قالوا: فلفظ (المساجد) في الآية عام فيشمل كلَّ مسجد.

ويمكن الاعتراض على هذا الاستدال بأن لفظ (المساجد) في الآية وإن كان عاماً إلا أنه لا بدَّ من تخصيصه بالمساجد التي تقام فيها الجماعات، لأن اعتكاف الرجل في مسجد لا تقام فيه الجماعة يفضى إلى ترك الجماعة الواجبة عليه أو خروجه المتكرر لأداء الصلاة مع الجماعة، وهذا الخروج المتكرر الذي يمكن الاحتراز منه ينافي الاعتكاف [49].

2. حديث حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كل مسجدٍ له مؤذن وإمام فالاعتكاف فيه يصلح" [50]، وقد اعترض على هذا الاستدلال بأن هذا الحديث ضعيف جداً لا تقوم به حجة [51].

أدلة القول الثالث:
استدل أصحاب هذا القول لقولهم بأنه لا يصح الاعتكاف إلا في مسجد جامع بما يأتي:
1. قول عائشة رضي الله عنها: "السنة في المعتكف ألا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بدَّ منه، ولا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع" [52].
وموضع الشاهد قولها: "ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع". وقد صدرت رضي الله عنها قولها بـ"السنة" وهي تنصرف عن الإطلاق إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم فتكون السنة قد دلت على أن الاعتكاف لا يصح إلا في مسجد جامع.

واعترض عليه بما سبق من هذا القول مدرج من كلام الزهري وليس من كلام عائشة رضي الله عنها [53].
2. أن الاعتكاف في غير المسجد الجامع يفضي إلى خروج المعتكف من معتكفه لأداء صلاة الجمعة، وهذا الخروج يبطل اعتكافه لكونه خروج يمكن التحرز منه باعتكافه في المسجد الجامع، وبناء على ذلك لا يصح الاعتكاف إلا في مسجد جامع [54]، واعترض على هذا التعليل بعدم التسليم بأن خروج المعتكف لأداء صلاة الجمعة يبطل اعتكافه، بل هو خروجٌ مأذون له فيه، قال الموفق بن قدامة رحمه الله: "القول باشتراط موضع تقام فيه الجمعة لا يصح، للأخبار، ولأن الجمعة لا تتكرر فلا يضر وجوب الخروج إليها، كما لوا اعتكفت المرأة مدة يتخللها أيام حيضها، ولو كان الجامع تقام فيه الجمعة وحدها ولا يصلى فيه غيرها لم يجز الاعتكاف فيه" [55]، اهـ.

أدلة القول الرابع:
استدل أصحاب هذا القول لقولهم بأنه لا يصح الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة بحديث حذيفة رضي الله عنه أنه قال لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "قوم عكوف بين دارك ودار أبي موسى لا تنهاهم، وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة فقال عبد الله: لعلك نسيت وحفظوا أو أخطأت وأصابوا" [56].

ووجه الدلالة أن قوله صلى الله عليه وسلم: "لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة" يدل على أنه لا يصح الاعتكاف إلا في هذه المساجد الثلاثة إذ الأصل في النفي أن يحمل على نفي الصحة، ومما يؤكد هذا المعنى أن حذيفة رضي الله عنه ما كان لينكر على ابن مسعود رضي الله عنه وهو يعلم علمه وفضله على سكوته وعدم إنكاره على المعتكفين في المساجد بين الدور إلا لأنه قد استقر عنده ما فهمه من النبي صلى الله عليه وسلم من أنه لا اعتكاف صحيح إلا في المساجد الثلاثة [57].

واعترض على هذا الاستدلال من عدة وجوه:
الوجه الأول: أنه ضعيف لا يثبت مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم [58].
الوجه الثاني: أن هذا الحديث لو كان ثابتاً مرفوعاً لاشتهر بين الصحابة رضي الله عنهم، لأنه مما توافر الدواعي لنقله واشتهاره، وقد كان أكابر الصحابة يفتون بخلافه، فقد أفتى علي بن أبي طالب وعائشة وابن عباس رضي الله عنهم بأن الاعتكاف يكون في كلَّ مسجدٍ تقام فيه الجماعة [59]، ولم يثبت عن أحدٍ من الصحابة مخالف في ذلك بل كان العمل مشهوراً بينهم في كل الأمصار دون نكير إلا ما روي عن حذيفة رضي الله عنه.
الوجه الثالث: أنه لو قيل بموجب هذا الحديث لكان جملاً للآية الكريمة {{وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} على النادر وهذا من معايب الاستدلال [60].

الوجه الرابع: على تقدير ثبوته فيحمل النفي في هذا الحديث على نفي الكمال فيكون المعنى: لا اعتكاف كامل، جمعاً بين هذا الحديث وأدلة أصحاب القول الأول [61].

الترجيح:
بعد عرض أقوال العلماء في هذه المسألة وأدلتهم يظهر -والله أعلم- أن القول الراجح في هذه المسألة هو القول الأول، وهو أن الضابط في المسجد الذي يشرع الاعتكاف فيه للرجل هو المسجد الذي تقام فيه الجماعة، لقوة أدلة هذا القول، ولضعف أدلة الأقوال الأخرى، ثم إن هذا القول هو الذي عليه أكابر الصحابة كعلي وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم، وهم أعلم الناس بمدلول النصوص الشرعية والله تعالى أعلم.

ثانياً: ضابط المسجد الذي يشرع للمرأة الاعتكاف فيه:
تختلف المرأة عن الرجل في أنها لا تجب عليها صلاة الجماعة عند جميع العلماء، ومن هنا لم يقل أحد من العلماء بأن المرأة يلزمها الاعتكاف في مسجدٍ تقام فيه الجمعة أو الجماعة وإنما اختلفوا في اشتراط اعتكافها في أي مسجد أو أن ذلك لا يشترط وأنّ لها أنْ تعتكف في مسجد بيتها على قولين مشهورين:

القول الأول: يشترط لصحة اعتكاف المرأة أن تعتكف في أي مسجد وإن لم تقم فيه الجماعة، وليس لها أن تعتكف في مسجد بيتها، وإليه ذهب جمهور العلماء من المالكية [62]، وهو الصحيح من مذهب الشافعية [63]، والحنابلة [64].

القول الثاني: لا يشترط لصحة اعتكاف المرأة أن تعتكف في المسجد بل يجوز لها أن تعتكف في مسجد بيتها، وهو مذهب الحنفية [65] [66] وقول الشافعي في القديم [67].

الأدلة:
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب هذا القول لقولهم باشتراط المسجد لصحة اعتكاف المرأة وأنه ليس لها أن تعتكف في مسجد بيتها بما يأتي:
1- قول الله تعالى: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187].
ووجه الدلالة: أن المراد بالمساجد في الآية، المواضع التي بنيت للصلاة فيها، وموضع صلاتها في بيتها ليس بمسجد، لأنه لم يبن للصلاة فيه فلا يثبت له أحكام المسجد الحقيقية وإن سمي مسجداً فهو كقول النبي صلى الله عليه وسلم: «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً» [68] [69].

2- أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم استأذنَّه في الاعتكاف في المسجد فأَذِن لهن [70]، ولو لم يكن موضعاً لاعتكافهن لما أذن فيه، ولو كان الاعتكاف في غيره أفضل لدلَّهنَّ عليه ونبههنَّ عليه [71].
ويمكن الاعتراض على هذا الاستدلال بأنه غاية ما يدل عليه أنه يجوز للمرأة أن تعتكف في المسجد، لكن ليس فيه دلالة على أنَّ المرأة لا يصح أن تعتكف في مسجد بيتها.

ويمكن الإجابة عن هذا الاعتراض بأنه لو كان يصح للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها لبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لأزواجه ولنساء الأمة كما بيَّنَ ذلك بالنسبة للصلاة بقوله: «وبيوتهن خير لهن» [72]، خاصة وأنه قد وقع بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم شيء من التنافس على الاعتكاف في المسجد، ولو كان الاعتكاف في البيت يصح لبينَّ النبي صلى الله عليه وسلم لهن ذلك، لأنَّ فيه قطعاً للتنافس بينهن على الاعتكاف في المسجد لكنه عليه الصلاة والسلام قال: «آلبَّر أردن بهذا ما أنا بمعتكف» فرجَعَ فلما أفطر اعتكف عشراً من شوال[73].

3- أنَّ الاعتكاف عبادة وقربة يشترط لها المسجد في حق الرجل فيشترط في حق المرأة كالطواف [74].
4- أنه يشترط لصحة الاعتكاف أن يكون في مسجد باتفاق العلماء، ومسجد بيت المرأة وإن سمي مسجداً لغة إلا أنه ليس بمسجدٍ شرعاً ولا تترتب عليه أحكام المساجد بدليل جواز تغييره ومكث الجنب فيه [75].

أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب هذا القول لقولهم بصحة اعتكاف المرأة في مسجد بيتها بما يأتي:
1. عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر: "أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان فاستأذنته عائشة فأذن لها، وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب بنت جحش أمرت ببناء فبُني لها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه فأبصر الأبنية فقال: «ما هذا؟» قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب، فقال رسول الله صلى الله عيه وسلم: «آلبرَّ أردن بهذا؟ ما أنا بمعتكف» فرجع فلما أفطر اعتكف عشراً من شوال [76].

ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الاعتكاف في المسجد لما رأى أبنية أزواجه فيه وقال «آلبرَّ تردن؟» فدل ذلك على أن المرأة ممنوعة من الاعتكاف في المسجد، وحيث إن الاعتكاف مشروع للمرأة كما هو مشروع للرجل -كما سبق- فتكون مشروعيته في مسجد بيتها [77].

واعترض على هذا الاستدلال بعدم التسليم بأنَّ ترك النبي صلى الله عليه وسلم للاعتكاف لما رأى أبنية أزواجه فيه وكراهيته لاعتكافهن لأجل أن المرأة ممنوعة من الاعتكاف في المسجد، إذ لو كان الأمر كذلك لما أَذِنَ لهن أصلاً وقد استأذنَّه في الاعتكاف في المسجد فأذن لهن، لكن كراهيته عليه الصلاة والسلام لاعتكافهن لما رأى من تنافسهن الذي يخشى معه سوء القصد والنية، ولهذا لما أمر بنزع الأخبية لم يأمرهن بالاعتكاف في بيوتهن، قال الموفق بن قدامة رحمه الله: "إنما كره اعتكافهن في تلك الحال -حيث كثرت أبنيتهن- لما رأى من منافستهنَّ ولذلك قال: «آلبرَّ تردن» منكراً لذلك، أي لم تفعلن ذلك تبرراً، ولذلك ترك الاعتكاف لظنه أنهن يتنافسن في الكون معه، ولو كان للمعنى الذي ذكروه لأمرهنَّ بالاعتكاف في بيوتهن، ولم يأذن لهنَّ في المسجد" [78] اهـ.

2. أن الصلاة أخصَّ بالمساجد من الاعتكاف لأنها بنيت لها، فإذا كره لها الصلاة في المسجد فالاعتكاف من باب أولى، وإذا ثبتت كراهية الاعتكاف في المسجد، وهذه العبادة يستوي فيها الرجال والنساء فلا بَّد أن تكون لها حالة لا تكره فيها وهي اعتكافها في مسجد بيتها [79]، واعترض على هذا التعليل بأن حاصله قياس الاعتكاف على الصلاة ولا يصح هذا القياس لأمرين:

الأول: أنه قياس في مقابلة النص فهو فاسد الاعتبار.
الثاني: أنه قياس مع الفارق فإن صلاة الرجل للنافلة في بيته أفضل ومع ذلك لا يصح اعتكافه فيه باتفاق العلماء [80].

3. أن الاعتكاف يمتد زمنه في الغالب، وتختلف فيه أحوال المعتكف من النوم إلى الجلوس إلى القيام والأكل، فلا يؤمن معه من الإطلاع على المرأة من الرجال الأجانب، واعتكافها في بيتها أستر لها [81].
ويمكن الاعتراض على هذا التعليل بأنه تعليل في مقابلة النص فلا يلتفت إليه.

الترجيح:
بعد عرض قولي العلماء في هذه المسألة، وأدلتهم يظهر -والله أعلم- أن الراجح في هذه المسألة هو قول الجمهور، وهو أنه يشترط لصحة اعتكاف المرأة أن تعتكف في مسجد، ولا يصح أن تعتكف في مسجد بيتها، لقوة أدلة هذا القول، ودلالة السنة الصحيحة الصريحة له، ولضعف أدلة أصحاب القول الثاني كما يظهر ذلك من مناقشتها.

المبحث الثالث: خروج المعتكف من المسجد:
سبق القول بأنه يشترط لصحة الاعتكاف أن يكون في المسجد على اختلاف بين العلماء في ضابط المسجد الذي يشرع الاعتكاف فيه، والأصل مقام المعتكف في المسجد وعدم خروجه منه، إذ أن هذه هي حقيقة الاعتكاف، لكن هناك أحوال يباح للمعتكف الخروج معها من المسجد، والأحوال التي يباح للمعتكف معها الخروج من المسجد والأحوال التي لا يباح للمعتكف الخروج من المسجد – بمعنى أنها تبطل الاعتكاف - يمكن حصرها في الأقسام الآتية:

القسم الأول: الخروج لأمر لا بّد منه طبعاً أو شرعاً.
القسم الثاني: الخروج لغير حاجة أو لأمرٍ ينافي الاعتكاف.
القسم الثالث: الخروج لأمر طاعةٍ لا تجب عليه.

وفيما يأتي بيان لهذه الأقسام:
القسم الأول: الخروج لأمرٍ لا بّد منه طبعاً أو شرعاً:
يجوز للمعتكف أن يخرج لأمر لا بد منه، وهذا أمر متفق عليه بين أهل العلم في الجملة، قال الموفق بن قدامة رحمه الله: "لا خلاف في أنّ له الخروج لما لا بد له منه" [82] اهـ.
ومن أمثلة ما لا بد منه طبعاً أن يخرج لقضاء حاجة البول والغائط وقد اتفق العلماء على ذلك، قال ابن المنذر رحمه الله: "أجمعوا على أن للمعتكف أن يخرج من معتكفه للغائط والبول" [83] اهـ.

وقال ابن القطان رحمه الله: "أجمعوا على أن للمعتكف أن يخرج من معتكفه للغائط والبول" [84] اهـ.
وقال الماوردي: "خروج المعتكف للبول والغائط جائز إجماعاً" [85] اهـ.

وكذا نقل الإجماع على ذلك غيرهم، ومستند هذا الإجماع هو ما جاء في الصحيحين [86] عن عائشة رضي الله عنها قالت: "...وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل رأسه وهو في المسجد فأرجله وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفاً"، وهذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم: وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان.
قال الحافظ بن حجر رحمه الله: "وفسرها الزهري بالبول والغائط، وقد اتفقوا على استثنائها واختلفوا في غيرها من الحاجات" [87] اهـ. ولأن البول والغائط مما لا بد للإنسان منهما، ولا يمكن فعلها في المسجد فلو بطل الاعتكاف بخروجه إليهما لم يصح الاعتكاف [88].

وفي معناهما الحاجة إلى المأكول والمشروب إذا لم يكن له من يأتيه بهما، فله الخروج للإتيان بالمأكول والمشروب متى احتاج إليهما سواءٌ كان ذلك بالذهاب لمنزله والإتيان بهما أو بشرائهما [89].
إما إذا وجد من يأتيه بالأكل فهل له الخروج من المسجد إلى منزله للأكل؟ اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: "ليس له الخروج من المسجد في هذه الحال فإن خرج بطل اعتكافه"، وإليه ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية [90]، والمالكية [91]، والحنابلة [92]، وهو وجه عند الشافعية [93].

القول الثاني: "له الخروج من المسجد إلى منزله للأكل وإن أمكنه ذلك في المسجد". وهذا هو الصحيح من مذهب الشافعية [94]، وقول عند الحنابلة [95].

الأدلة:
أدلة القول الأول:
استدل الجمهور لقولهم بأنه ليس للمعتكف الخروج من المسجد للأكل ومادام يمكنه ذلك في المسجد بما يأتي:
1. حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفاً [96]. وقولها "إلا لحاجة الإنسان" كناية عن البول والغائط فدل ذلك على أنه صلى الله عليه وسلم لا يخرج للأكل والشرب مع قرب بيته من المسجد.

2. ولأن الأصل في الاعتكاف لزوم المسجد والمكث فيه وعدم الخروج منه إلا لحاجةٍ ملحة، ومادام المعتكف يوجد من يأتي له بالأكل فقد أمكن قضاء حاجة الأكل في المسجد، فيكون خروجه في هذه الحال خروجاً لغير حاجة، والخروج لغير حاجة ينافي الاعتكاف [97].

أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب هذا القول لقولهم بأن المعتكف له الخروج من المسجد إلى منزله للأكل وإن أمكنه ذلك في المسجد بتعليلات حاصلها:

قالوا: "إن في الأكل في المسجد دناءة وتركاً للمروءة، والمسلم مأمور بالصيانة، ثم إنه قد يكون في أكله في المسجد مشقة عليه فإن من الناس من يخفي جنس قوته على الناس، ثم إنه قد يكون في المسجد غيره فيستحي أن يأكل دونه، وربما إن أطعمه لم يكفهما، ثم إنه قد يحتشم من أكله المصلون، وربما دعاهم ذلك إلى الخروج" [98]، واعترض على الاستدلال بهذه التعليلات بأن من ذكر ليس بعذر يبيح الخروج من المسجد والإقامة في المنزل للأكل، وإلا لو ساغ ذلك لساغ الخروج من المسجد للنوم في المنزل، إذ أن ما يرد على الأكل في المسجد مما ذكر يرد على النوم [99]، وما ذكر من أن في الأكل في المسجد دناءةً وتركاً للمروءة غير مسلم، إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله وهو من أبعد الناس عما يخدش المروءة.

الترجيح:
بعد عرض قولي العلماء في هذه المسألة وما استدل به أصحاب كل قول يظهر -والله أعلم- أن الراجح فيها هو قول الجمهور وهو أن المعتكف ليس له الخروج من المسجد إلى منزله للأكل مادام أنه يمكنه ذلك في المسجد، وذلك لقوة أدلته، ولضعف ما استدل به أصحاب القول الثاني كما يظهر ذلك من المناقشة، وبناء على قول الجمهور إذا خرج المعتكف للأكل في منزله بطل اعتكافه والله تعالى أعلم.

وأما خروج المعتكف من المسجد لشرب الماء في منزله مع إمكان ذلك في المسجد فلا يجوز في قول أكثر الفقهاء [100]، حتى عند الشافعية، [101] وبعض الحنابلة الذين يجيزون للمعتكف الخروج إلى منزله للأكل وقد فرقوا بين الأكل والشرب في المسجد بأنه في الأكل في المسجد تبذلاَّ ونقص مروءة بخلاف الشرب فليس فيه ذلك، ولهذا فإن استطعام الطعام مكروه واستسقاء الماء ليس بمكروه، وأكل الطعام في المسجد مما قد يستحيا منه بخلاف شرب الماء فليس مما يستحيا منه، قالوا: وقد استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم الماء ولم يستطعم الطعام [102]، والصحيح أنه لا فرق بين الأكل والشرب، وكلاهما ليس بمسوغٍ للمعتكف الخروج من المسجد إلا إذا لم يجد من يأتيه بهما، وما ذكره من المعاني التي لأجلها سوّغوا للمعتكف الخروج من المسجد للأكل في منزله قد سبقت الإجابة عنها.

ومن أمثلة الخروج من المسجد لما لا بد منه شرعاً الخروج للوضوء أو لغسل الجنابة أو لصلاة الجمعة إذا كان اعتكافه في غير مسجد جامع، أما الخروج للوضوء وغسل الجنابة فإن لم يمكنه الإتيان بهما في المسجد جاز له الخروج باتفاق الأئمة قال ابن هبيرة رحمه الله: "وأجمعوا على أنه يجوز للإنسان الخروج إلى ما لا بد منه لحاجة الإنسان والغسل من الجنابة..." [103].

وإذا كان بقرب المسجد سقاية أو ما يسمى في وقتنا الحاضر بدورات المياه فهل له الخروج إلى منزله للوضوء وغسل الجنابة؟

اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: "ليس له الخروج إلى منزله في هذه الحال ويلزمه التطهر في سقاية (دورات مياه) المسجد".
وإليه ذهب الحنفية [104]، والشافعية إلا أنهم يستثنون الوضوء إذا كان بعد قضاء الحاجة [105].
القول الثاني: "له الخروج إلى منزله في هذه الحال والإتيان بالطهارة الواجبة"، وإليه ذهب المالكية [106].
القول الثالث: "التفصيل فإن كان لا يحتشم من دخول سقاية المسجد (دورات المياه) فليس له الخروج إلى منزله أو إن كان يحتشم من دخولها فله الخروج إلى منزله والتطهر فيه. وإليه ذهب الحنابلة" [107].

الأدلة:
أدلة القول الأول:
علل أصحاب هذا القول بعدم جواز خروج المعتكف للتطهر في منزله مادام يمكنه ذلك في سقاية المسجد بأنّ خروجه في هذه الحال خروج لأمرٍ منه بدّ، فبإمكانه أن يأتي بالطهارة الواجبة في سقاية المسجد أشبه خروجه إلى منزله للنوم ونحوه [108]، ونوقش هذا التعليل بعدم التسليم بأن خروجه في هذه الحال خروج لأمرٍ منه بد، بل هو لأمرٍ ليس منه بد، إذ قد يلحقه الضرر إذا كان يحتشم من ذلك [109].

أدلة القول الثاني:
علل أصحاب هذا القول لقولهم بجواز خروج المعتكف إلى منزله للإتيان بالطهارة الواجبة بأن هذا في معنى الحاجة المذكورة في حديث عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل البيت إلا لحاجة" [110]، إذ لا فرق في الخروج من المسجد بين أن يكون لقضاء حاجة البول أو الغائط، أو يكون للإتيان بالطهارة الواجبة [111]، ويمكن مناقشة هذا التعليل بأن ما ذكر إنما يسلم به لو لم يكن بقرب المسجد سقاية أو كان لكنه يحتشم من دخولها أما إذا كان يوجد بقرب المسجد سقاية ولا يحتشم من دخولها فلا حاجة لخروجه إلى منزله حينئذ.

أدلة القول الثالث:
علل أصحاب هذا القول لقولهم بأنه كان المعتكف لا يحتشم من دخول سقاية المسجد فليس له الخروج إلى منزله بأنه لا حاجة لخروجه في هذه الحال، والأصل في المعتكف لزومه المسجد وعدم خروجه منه إلا لحاجة، أما إذا كان المعتكف يحتشم من دخول سقاية المسجد فله الخروج إلى منزله للإتيان بالطهارة الواجبة قال الموفق بن قدامة رحمه الله: "إذا خرج لحاجة الإنسان، وبقرب المسجد سقاية أقرب إلى منزله لا يحتشم من دخولها، ويمكنه التنظف فيها لم يكن له المضي إلى منزله، لأن له من ذلك بد، وإن كان يحتشم من دخولها أو فيه نقيصة عليه أو مخالفة لعادته، أو لا يمكنه التنظف فيها، فله أن يمضي إلى منزله، لما عليه من المشقة في ترك المروءة... قال المروذّي: سألت أبا عبد الله عن الاعتكاف في المسجد الكبير أعجب إليك أو مسجد الحي؟ قال: المسجد الكبير، وأرخص لي أن أعتكف في غيره، قلت: يتوضأ الرجل في المسجد؟ لا يعجبني أن يتوضأ في المسجد" [112] اهـ.

الترجيح:
بعد عرض أقوال العلماء في هذه المسألة ووجهة كل قول يظهر -والله أعلم- أن الراجح في هذه المسألة هو القول الثالث وهو أن المعتكف إذا كان يحتشم من دخول سقاية المسجد -دورات المياه- فله الخروج إلى منزله للإتيان بالطهارة الواجبة، وإن كان لا يحتشم من دخولها فليس له الخروج إلى منزله، والله أعلم.
وأما خروج المعتكف لصلاة الجمعة فقد سبق ترجيح القول بأنه يشترط لصحة الاعتكاف أن يكون في مسجدٍ تقام فيه الجماعة، ولا يشترط أن يكون في مسجدٍ جامع [113]،

وبناء على ذلك من اعتكف في مسجدٍ تقام في الجماعة دون الجمعة يلزمه الخروج إلى الجمعة باتفاق العلماء، ولكن هل خروجه للجمعة يبطل اعتكافه؟ اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: "أن خروج المعتكف للجمعة لا يبطل اعتكافه"، وهو مذهب الحنفية [114]، والحنابلة [115]، ووجه عند الشافعية [116]، وقول عند المالكية [117].
القول الثاني: "أنَّ خروج المعتكف للجمعة يبطل اعتكافه"، وهو مذهب المالكية [118]، والصحيح من مذهب الشافعية [119].

الأدلة:
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب هذا القول لقولهم: "بأن خروج المعتكف للجمعة لا يبطل اعتكافه" بما يأتي:
1. عموم الأدلة الدالة على مشروعية الاعتكاف في مسجدٍ تقام فيه الجماعة، والتي سبق ذكرها [120].
ووجه الدلالة: أن الشارع أذن بالاعتكاف في مسجدٍ تقام فيه الجماعة مع إيجاب صلاة الجمعة، فدلّ ذلك على إذنه للخروج لصلاة الجمعة، وما ترتب على المأذون غير مضمون [121].
2. أن الجمعة فرض عين ولا يمكن إقامتها في كلَّ مسجد فكان خروج المعتكف للجمعة خروج لما لا بد منه كالخروج لقضاء حاجة الإنسان [122].

3. أن الجمعة تقام مرة واحدة في الأسبوع فلا يضر الخروج إليها كما لو اعتكفت المرأة مدة يتخللها أيام حيضها [123].

أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب هذا القول لقولهم بأن خروج المعتكف للجمعة يبطل اعتكافه بأن الخروج من المسجد في الأصل منافٍ للاعتكاف ويستثنى من ذلك الخروج لما لا بد للإنسان منه كقضاء الحاجة، والخروج للجمعة منه بدّ ويمكن الاحتراز منه بالاعتكاف في المسجد الجامع فإذا لم يفعل بطل اعتكافه [124]، ويمكن مناقشة هذا التعليل بأن الشارع قد أذن في الاعتكاف في مسجدٍ تقام فيه الجماعة ون لم يكن مسجد جامع [125]، وإذا اعتكف الإنسان في مسجدٍ غير جامع فخروجه للجمعة خروج لما لا بد منه.

الترجيح:
بعد عرض قولي العلماء في هذه المسألة وما استدل به أصحاب كل قول يظهر -والله أعلم- أن القول الراجح فيها هو القول الأول وهو أنَّ خروج المعتكف للجمعة لا يبطل اعتكافه لقوة أدلة هذا القول ولضعف أدلة أصحاب القول الثاني كما يظهر ذلك من مناقشتها.

القسم الثاني: الخروج من المسجد لغير حاجة أو لأمر ينافي الاعتكاف:
اتفق العلماء على أنّ خروج المعتكف من المسجد لغير حاجة يبطل الاعتكاف، قال ابن رشد: "اتفقوا على أنه لا يجوز للمعتكف الخروج من المسجد إلا لحاجة الإنسان أو ما هو في معناها مما تدعو إليه الضرورة" [126].
ومن أمثلة الخروج لغير حاجة: الخروج للبيع والشراء والاكتساب والنزهة ونحو ذلك، ويدل لهذا حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني إليّ رأسه لأرجّله وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة" [127]. ولأن الاعتكاف هو اللبث في المسجد فإذا خرج منه لغير عذر فقد فعل ما ينافيه فبطل، كما لو أكل في الصوم [128]، وإذا كان الخروج لغير حاجة مبطلاً للاعتكاف، فإن الخروج لأمرٍ ينافي الاعتكاف -كالخروج لجماع أهله أو مباشرتهم- مبطلّ للاعتكاف من باب أولى.

القسم الثالث: الخروج لأمر طاعةٍ لا تجب عليه:
اختلف الفقهاء في خروج المعتكف لأمر طاعةٍ لا تجب عليه كعيادة المريض وشهود جنازة فمنهم من أجازه ومنهم من منعه من أجازه إذا اشترط المعتكف ذلك في ابتداء اعتكافه...، وحيث إن هذه المسألة تتعلق بحكم اشتراط المعتكف وأثر ذلك الاشتراط، وهذا الحكم هو محل البحث في المبحث الآتي فسوف نؤجل الحديث عن هذا القسم إلى ما بعد المبحث الآتي.

المبحث الرابع: الاشتراط في الاعتكاف
الاشتراط في الاعتكاف معناه: أن يشترط في ابتداء اعتكافه الخروج من المسجد لأمرٍ لا ينافي الاعتكاف.
وهذا الأمر قد يكون عاماً وقد يكون خاصاً، ولهذا يمكن تقسيم الاشتراط في الاعتكاف إلى قسمين:
(القسم الأول) أن يكون عاماً كأن يقول: "إذ اعرض لي عارض أو مرضت خرجت"، نحو ذلك.

(القسم الثاني) أن يكون خاصاً وهذا الخاص إما أن يكون أمر طاعة لا تجب عليه كعيادة المريض أو شهود الجنازة، أو يكون أمراً مباحاً مما يحتاج إليه كأن يشترط تناول العشاء أو المبيت في منزله أو نحو ذلك [129].
وقد اختلف العلماء فيه -بقسميه- قال ابن رشد: "والسبب في اختلافهم تشبيههم الاعتكاف بالحج في أن كليهما عبادة مانعة لكثير من المباحات" [130] اهـ.

وفيما يأتي عرض لأقوال العلماء في المسألة:
القول الأول: "جواز الاشتراط وصحته". وقد روي هذا القول عن الحسن وقتادة وعطاء والنخعي [131]، وهو مذهب الحنفية [132]، والشافعية [133]، والحنابلة [134].

القول الثاني: "عدم جواز الاشتراط في الاعتكاف وعدم صحته"، وهذا هو مذهب المالكية [135] [136].
الأدلة:

أدلة القول الأول:
استدل أصحاب هذا القول لقولهم بجواز الاشتراط في الاعتكاف وصحته بما يأتي:
1. ما جاء في الصحيحين [137] عن عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب فقالت: يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «حجي واشترطي أنّ محلي حيث حبستني»"

ووجه الدلالة: أن الإحرام ألزم العبادات بالشروع ويجوز مخالفته بالشرط، فالاعتكاف من باب أولى [138].
واعترض على هذا الاستدلال بأنَّ حاصله قياس الاشتراط في الاعتكاف على الاشتراط في الحج، والاشتراط في الحج الذي دلّت السنة على مشروعيته إنما هو في حق من حصل له مانع من إتمام الحج فقط، ولهذا لا يصح أن يشترط في الحج شروطاً أخرى كترك بعض الواجبات أو فعل بعض ما ينهى الحاج عن فعله، وعلى هذا القياس ينبغي أن يقتصر المعتكف في شرطه على المانع الذي يمنعه من إتمام الاعتكاف كما في الحج (وهذا إنما يكون على قول من يرى لزوم ما نواه من الاعتكاف إذا شرع فيه)، وهذا لا يقول به المصححون للاشتراط حيث يرون أن المعتكف له أن يشترط أفعالاً في اعتكافه من فعل بعض الطاعات كعيادة المريض أو بعض المباحات مما لا ينافي الاعتكاف كتناول العشاء في أهله..، وبهذا يتبين أنه لا يستقيم هذا الاستدلال [139].

2. حديث عمرو بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المسلمون على شروطهم» [140]، وهذا عام يشمل الاعتكاف وغيره [141]، ويمكن مناقشة هذا الاستدلال بأن هذا الحديث إنما هو في غير العبادات مما يقبل الاشتراط كالبيوع والأنكحة ونحوها، أما العبادات فلا يدخلها الاشتراط إلا في الحج في حق من حصل له مانع من إتمامه فقط، وإلا لو فتح باب الاشتراط في نوافل العبادات وأجيز للمتنفل اشتراط ما يخالف أحكام هذه النوافل لأدى ذلك إلى تغيير هيئات هذه النوافل وفعل كثير من الأمور التي نهى الشارع عنها مما يخل بهذه العبادات [142].

3. ولأن المعتكف إنما يفعل الاعتكاف من قبل نفسه وليس بواجب عليه في أصل الشرع، فكان الشرط فيه إليه كالوقف [143]، واعترض على هذا القياس بأنه قياس مع الفارق فإن شروط الواقف لا تخالف ما شرع في الوقف من أحكام، وإنما هي شروط وتفصيلات تتعلق بكيفية توزيع علة الوقف ونحو ذلك مما جعله الشارع حقاً للواقف بخلاف الاشتراط في الاعتكاف فإن ما يشترطه المعتكف يخالف الأصل في الاعتكاف وهو لزوم المسجد والمكث فيه [144].

4. ولأن الاعتكاف لا يختص بقدرٍ فإذا اشرط الخروج فكأنه نذر القدر الذي أقامه[145].
ويمكن مناقشة هذا التعليل بأنه وإن سلم بأن الاعتكاف لا يختص بقدرٍ إلا أنه إذا اشترط الخروج فيه فهو خروج يتخلل الاعتكاف في أمرٍ له من بدّ فيبطله، ثم إنه يلزم على هذا التعليل أنه لو اشترط الخروج إلى بيته لجماع أهله صح،لأنه قد شرط ذلك فكأنه نذر القدر الذي أقامه ولا قائل بذلك من أهل العلم.

أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب هذا القول لقولهم بعدم جواز الاشتراط في الاعتكاف وعدم صحته بما يأتي:
1. أن الاشتراط في الاعتكاف لم يرد في الشرع ولم يصح عن أحدٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال به، والأصل في العبادات التوقيف، قال الإمام مالك رحمه الله: "لم أسمع أحداً من أهل العلم يذكر في الاعتكاف شرطاً، وإنما الاعتكاف عمل من الأعمال مثل الصلاة والصيام والحج وما أشبه ذلك من الأعمال ما كان من ذلك فريضة أو نافلة، فمن دخل في شيءٍ من ذلك فإنما يعمل فيه بما مضى من السّنة في ذلك، وليس له أن يحدث في ذلك غير ما مضى عليه الأمر بشرطٍ يشترطه أو بأمر يبتدعه، إنما الأعمال في هذه الأشياء بما مضى فيها من السنة، وقد اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرف المسلمون سنة الاعتكاف" [146] اهـ.

2. ولأن موجب الاعتكاف لزوم المسجد واللبث فيه والاشتراط في الاعتكاف ينافي هذا المعنى فلم يصح [147].
3. ولأن الاعتكاف عبادة اشترط فيها خلاف موجب عقدها المطلق ونقيضه فلم يصح كالصلاة الصيام [148].

الترجيح:
بعد عرض قولي العلماء في هذه المسألة وما استدل به أصحاب كل قول وما أورد من مناقشة يظهر -والله أعلم- أنّ الأقرب في هذه المسألة هو: القول الثاني لقوة ما استدل به أصحاب هذا القول، ولأن الاعتكاف عبادة، والأصل في العبادات الحظر والمنع إلا ما ورد الدليل بمشروعيته، ولم يرد في الكتاب ولا في السنة ما يدل على صحة الاشتراط في الاعتكاف، وما ذكره أصحاب القول الأول من عمومات بعض الأدلة ومن القياس والتعليلات قد جرى مناقشته وبيان أنه لا يستقيم به الاستدلال.

فائدة الاشتراط:
فائدة الاشتراط عند القائلين به:
1. إذا كان الاعتكاف مستحباً ففائدته عدم بطلانه بالخروج لأجل الشرط [149].
2. إذا كان الاعتكاف واجباً بنذرٍ ففائدته عند الشافعية تكون في الاعتكاف المتتابع فلا يلزمه تدارك ما فاته فكأنه قال: نذرت هذا الزمن، والمشروط مستثنى منه [150].
وفائدته عند الحنابلة: سقوط القضاء في المدة المعينة كاعتكاف شهر رمضان، وأما في المدة المطلقة كنذر شهر متتابع ففائدة الشرط البناء على ما سبق مع سقوط الكفارة [151].

وبعد هذا العرض لهذه المسألة نعود للقسم الثالث من أقسام خروج المعتكف وهو الخروج لأمر طاعةٍ لا تجب عليه أو لأمرٍ مباح مما لا ينافي الاعتكاف، وقد أرجأنا الحديث عن هذا القسم، لأنَّ من أهل العلم من يجيزه بشرط ولا يجيزه بدون شرط فكان من المناسب أن يتقدم بحث مسألة الاشتراط في الاعتكاف على الحديث عن هذا القسم [152].

وحيث إنه قد ترجح القول بعدم صحة الاشتراط في الاعتكاف فلا يجوز خروج المعتكف لما ذكر بشرط، ويبقى النظر في خروجه لها بدون شرط وفي ذلك تفصيل:

1. إن كان خروجه لأمرٍ مباح مما لا ينافي الاعتكاف بدون شرط كأن يخرج للمبيت في منزله ونحوه جاز ذلك في الاعتكاف المستحب، وينقطع هذا الاعتكاف بخروجه، لأن اعتكاف التطوع يجوز قطعه كسائر التطوعات في قول جماهير أهل العلم، أما إن كان الاعتكاف واجباً بالنذر فلا يجوز ذلك الخروج -بدون شرط-، ولو خرج بطل اعتكافه ولزمه استئنافه.

2. إن كان خروجه لأمر طاعةٍ لا تجب عليه كعيادة مريض وشهود جنازة بدون شرط فهل يجوز ذلك الخروج؟
أما إذا كان اعتكافه تطوعاً فيجوز له الخروج، قال الموفق بن قدمة رحمه الله: "...أما إن كان الاعتكاف تطوعاً وأحبّ الخروج منه لعيادة مريض أو شهود جنازة جاز، لأن كلَّ واحدٍ منهما تطوع، فلا يتحتم واحد منهما، لكن الأفضل المقام على اعتكافه" [153] اهـ. أما إذا كان اعتكافه واجباً بالنذر فهل يجوز له الخروج لقربة لا تجب عليه كعيادة المريض وشهود الجنازة خمن غير اشتراط؟

اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: "لا يجوز له الخروج في هذه الحال، فإن خرج بطل اعتكافه ولزمه استئنافه"، وإليه ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية [154]، والمالكية [155]، وهو المشهور من مذهب الشافعية [156]، وهو الصحيح من مذهب الحنابلة [157].

القول الثاني: "له الخروج في هذه الحال من غير اشتراط لا يبطل اعتكافه"، وهو رواية عند الحنابلة [158].
القول الثالث: "التفصيل: فإن كان للمريض أو للميت حق متأكد على المعتكف كأن يكون ذا رحم ونحوه جاز له الخروج وإلا فلا"، وهو قول الشافعية [159].

الأدلة:
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب هذا القول لقولهم بعدم جواز الخروج لقربة لا تجب عليه كعيادة المريض وشهود الجنازة من غير اشتراط بما يأتي:
1. حديث عائشة رضي الله عنها: "إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفاً" [160].

فعلم أن هذه سنة الاعتكاف، وأن الخروج المباح للمعتكف: الخروج لقضاء الحاجة، وما في معنى ذلك من الطهارة الواجبة وصلاة الجمعة ونحو ذلك، دون الخروج لسائر القرب، وفعله صلى الله عليه وسلم يفسر الاعتكاف المذكور في القرآن [161]، ويمكن مناقشة هذا الاستدلال بأن عيادة المريض وشهود الجنازة هي في معنى حاجة الإنسان خاصة إذا كان ذلك المريض أو الميت من ذوي رحمه.

2. قول عائشة رضي الله عنها: "السنة في المعتكف ألا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه" [162]، واعترض على هذا الاستدلال بأن هذا القول مدرج من كلام الزهري وليس من كلام عائشة كما سبق بيان ذلك [163].
3. حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالمريض هو معتكف فيمر كما هو ولا يعرَّج يسأل عنه" [164].

واعترض على هذا الاستدلال بأن هذا الحديث ضعيف لا يصح [165].
4. قول عائشة رضي الله عنها: إن كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه فما أسأل عنه إلا وأنا مارَّة [166].
ووجه الدلالة: أن عدم سؤال عائشة رضي الله عنها عن المريض إلا وهي مارَّة دون تعريج عليه إذا دخلت البيت للحاجة دليل على عدم قصد الخروج لعيادة المريض من باب أولى [167].
5. ولأن هذه القربة ليست واجبة عليه فلم يجز ترك الاعتكاف الواجب من أجلها كالمشي مع أخيه في حاجةٍ يقضيها له [168].

أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب هذا القول لقولهم بجواز خروج المعتكف لعيادة المريض وشهود الجنازة من غير اشتراط بما يأتي:
1. حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المعتكف يتبع الجنازة ويعود المريض» [169]، واعترض على هذا الاستدلال بأن هذا الحديث ضعيف لا تقوم به حجة [170].
2. عن علي رضي الله عنه قال: "المعتكف يعود المريض ويشهد الجنازة ويشهد الجمعة" [171].
3. عن عمرو بن حريث رضي الله عنه قال: "المعتكف يشهد الجمعة ويعود المريض ويمشي مع الجنازة ويجيب الإمام" [172].

أدلة القول الثالث:
جمع أصحاب هذا القول بين أدلة القول الأول وأدلة القول الثاني فقالوا: يجوز للمعتكف عيادة المريض وشهود الجنازة إذا كان لهذا المريض أو الميت حقٌ عليه كأن يكون ذا رحم واستدلوا بأدلة القول الثاني وحملوها على هذا الحال، أما إذا كان المريض أو الميت ليس له حقُّ على المعتكف فليس له الخروج من المسجد واستدلوا بأدلة القول الأول وحملوها على هذا الحال.

الترجيح:
بعد عرض أقوال العلماء في هذه المسألة وأدلتهم وما أورد من مناقشة يظهر -والله أعلم- أن القول الراجح فيها هو القول الثالث، وهو: "أن المعتكف يجوز له الخروج لعيادة المريض وشهود الجنازة إذا كان للمريض أو الميت حق عليه، من غير اشتراط ولا يجوز ذلك إذا لم يكن للمريض أو الميت حق عليه"، لاجتماع الأدلة والآثار بهذا القول، فإن هذه المسألة لم يثبت فيها شيء صريح صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأثار عند الصحابة مختلفة، فالأثر المروي عن عائشة يعارضه ما روي عن علي وعمرو بن حريث رضي الله عنهم، ويبقى القول بتخصيص جواز عيادة المريض وشهود الجنازة بمن كان للمعتكف حق متأكد عليه هو الأقرب للأصول والقواعد الشرعية.

وإذا كان يجوز للمعتكف الاعتكاف الواجب الخروج لعيادة المريض وشهود الجنازة إذا كان للمريض أو الميت حق عليه من غير اشتراط فإنه يجوز له ذلك في اعتكاف التطوع ولا ينقطع الاعتكاف بهذ الخروج -من غير اشتراط- من باب أولى.. والله تعالى أعلم.

خاتمة البحث:
أختم هذا البحث بذكر أهم النتائج التي توصلت إليها:
1. الاعتكاف من الشرائع القديمة، وقد كان معروفاً في الجاهلية قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ويسمى جواراً.

2. حقيقة الاعتكاف شرعاً: لزوم مسجدٍ لعبادة الله تعالى من شخصٍ مخصوص على صفةٍ مخصوصة.
3. يشترط لصحة الاعتكاف أن يكون في مسجد، وقد اتفق العلماء على ذلك واختلفوا في ضابط المسجد الذي يشرع الاعتكاف فيه، والذي ترجح للباحث: بالنسبة للرجل: أن يكون المسجد تقام فيه الجماعة، وبالنسبة للمرأة: أي مسجد وإن لم تقم فيه الجماعة، ولا يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها.

4. يجوز للمتعكف الخروج من المسجد لقضاء حاجة البول والغائط.
5. يجوز للمعتكف الخروج من المسجد للإتيان بالمأكول أو المشروب سواء كان بالذهاب لمنزله أو بشرائهما، وإذا وجد من يأتيه بهما فليس له الخروج من المسجد.

6. يجوز الخروج للوضوء وغسل الجنابة إن لم يمكنه ذلك في دورات مياه المسجد، فإن أمكنه فهل الخروج للوضوء والغسل في منزله؟ هذا محل خلافٍ بين الفقهاء، والذي ترجح للباحث أن المعتكف إذا كان لا يحتشم من دخول دورات المياه فليس له الخروج إلى منزله للتطهر فيه، أما إن كان يحتشم من دخولها فيجوز له الخروج والتطهر من منزله.

7. لا يبطل الاعتكاف بانتقال المعتكف من مسجد تقام فيه الجماعة إلى مسجد جامع لأداء صلاة الجمعة.
8. خروج المعتكف من المسجد لغير حاجة يبطل الاعتكاف، وخروجه لأمر ينافي الاعتكاف مبطل له من باب أولى.

9. اختلف العلماء في الاشتراط في الاعتكاف والذي ترجح للباحث أنه لا يصح لعدم وروده في الشرع والأصل في العبادات التوقيف.

10. يجوز للمعتكف أن يخرج لأمرٍ مباحٌ بدون شرط في اعتكاف التطوع لكن ينقطع اعتكافه بذلك الخروج، ولا يجوز ذلك في الاعتكاف الواجب بالنذر.

11. يجوز للمعتكف الخروج لأمر طاعةٍ لا تجب عليه كعيادة المريض وشهود الجنازة من غير اشتراط إذا كان اعتكاف تطوع، أما في الاعتكاف الواجب بالنذر فقد اختلف العلماء في ذلك، والذي ترجح للباحث أن ذلك الخروج يجوز إذا كان للمريض أو للميت حق على المعتكف كأن يكون ذا رحم، ولا ينقطع اعتكاف التطوع بذلك الخروج، ولا يجوز ذلك إذا لم يكن له حقٌ عليه، وينقطع اعتكاف التطوع بذلك الخروج..


[1] زاد المعاد (2/86).
[2] ينظر: الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (5 / 427)
[3] شرح العمدة (2 / 748).
[4] أخرجه البخاري في صحيحه (4 / 274) رقم (2032) أو مسلم في صحيحه (3/1277) رقم (1656).
[5] معجم مقاييس اللغة (4/108) (مادة عكف).
[6] ينظر: مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني (ص579)، النهاية في غريب الحديث والأثر (3/284)،
المصباح المنير (ص 219)، لسان العرب (9 / 341)، القاموس المحيط (ص 1084).
[7] ينظر: لسان العرب (9 / 341).
[8] جامع البيان (13 / 27 / 95)، وانظر: تفسير ابن كثير (4 / 196)
[9] شرح العمدة (2 / 707).
[10] المطلع على أبواب المقنع (ص 157).
[11] ينظر: فقه الاعتكاف لخالد المشيقح (ص 24).
[12] وهذا هو تعريف القدوري كما في الكتاب (1/175)، وانظر: الاختيار لتعليل المختار (1 / 136)، البناية
في شرح الهداية (3 / 741).
[13] وهذا هو تعريف القرافي في الذخيرة (2 / 534)، وانظر: مواهب الجليل (2 / 454)، بلغة السالك لأقرب المسالك (1 / 469).

[14] وهذا هو تعريف النووي في المجموع (6/474) وانظر: النجم الوهاج (3/369)، مغني المحتاج (1/449).
[15] وهذا تعريف البهوتي في شرح منتهى الإرادات (2/393)، وانظر: المغني (4/455)، الروض المربع
(4/414).
[16] ينظر: فقه الاعتكاف للمشيقح (ص 25)
[17] ينظر: المجموع (6/474)، النجم الوهاج (3/369)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام لابن الملقن (5/427)، شرح منتهى الإرادات (2/393).
[18] أخرجه البخاري في صحيحه (4 / 272، 273) رقم (2028).
[19] أخرجه البخاري في صحيحه (4/259) رقم (2018)، ومسلم في صحيحه (2/824) رقم (1167).
[20] صحيح البخاري (4/271) رقم (2026)، صحيح مسلم (2/830) رقم (1172).

[21] (4 / 271) رقم (2025).
[22] فتح الباري (4 / 272).
[23] الإجماع (ص 53).
[24] المغني (4/456).
[25] المجموع (6/475).
[26] الإقناع في مسائل الإجماع (1/243).
[27] صحيح البخاري (12/581) رقم (6696).
[28] صحيح البخاري (4/274) رقم (2032)، صحيح مسلم (3/1277).
[29] الإقناع في مسائل الإجماع (1/242).
[30] المغني (4/461).

[31] الجامع في أحكام القرآن (2/333).
[32] المجموع (6/483) وانظر: فتح الباري (4/272).
[33] صحيح البخاري (4/273) رقم (2029)، صحيح مسلم (1/244) رقم (297).
[34] شرح العمدة (2/734).
[35] ينظر: مصنف عبد الرزاق (4/346)، مصنف ابن أبي شيبة (2/503).
[36] ينظر: التجريد (للقدوري) (3/1596)، بدائع الصنائع (12/113)، الاختيار لتعليل المختار (1/137)،
البناية في شرح الهداية (3/746).

[37] ينظر: المغني (4/461)، الإنصاف (3/364)، منتهى الإرادات (2/45)، الروض المربع (4/423)
[38] ينظر: الحاوي الكبير (3/485)، المجموع (6/480)، النجم الوهاج (3/372)، مغني المحتاج (1/450).
[39] ينظر: الذخيرة (2/535)، القوانين الفقهية (ص 95)، مواهب الجليل (2/455)، بلغة السالك (1/470).
[40]المصنف لابن أبي شيبة (12/ 503، 504).
[41] ينظر: المراجع السابقة في الحاشية رقم (6).
[42] ينظر: فتح العزيز (6/502)، المجموع (6/480).
[43] المصنف لابن أبي شيبة (2/503) وانظر: المحلى (5/194)
[44] ينظر: المغني (4/461)، المجموع (6/483)، شرح العمدة (4/721).
[45] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (4/315) والدار قطني في سننه (2/201)، وأخرجه بنحوه أبو داود في
سننه إلا أنه قال: "ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع" بدل: مسجد جماعة.

[46] قال الدار قطني رحمه الله في سننه (2/201): "إن قوله "وأن السنة للمعتكف... إلى آخره ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم (أي ليس من قول عائشة) ومن أدرجه في الحديث فقد وهم" اهـ. وقد نقل ابن القيم رحمه الله كلام الدار قطني السابق في تهذيب السنن (7/145) ثم قال: "...ولهذا -والله أعلم- ذكر صاحب الصحيح أوله وأعرض عن هذه الزيادة" اهـ.
ومراد ابن القيم بأوله قول عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده". وقد أخرجه البخاري في صحيحه (4/271) رقم (2026) ومسلم في صحيحه (2/830) رقم (1172) وقد أعرض الشيخان عن تتمته "والسنة في المعتكف ألا يعود مريضاً.." الخ ولعل ذلك لعلة الإدراج المذكورة والله أعلم.

[47] ينظر: مصنف عبد الرزاق (4/346)، المحلى (5/196).
[48] شرح العمدة (2/734).
[49] ينظر الغني (4/461).
[50] أخرجه الدار قطني في سننه (2/200) وابن حزم في المحلى (5/196).
[51] فقد أخرجه الدار قطني وابن حزم من طريق جويبر الأزدي عن الضحاك بن مزاحم عن حذيفة مرفوعاً، قال ابن حزم في المحلى (5/196) "جويبر هالك، والضحاك ضعيف ولم يدرك حذيفة" اهـ. وقال الحافظ ابن حجر في التقريب (ص 143) (جويبر ضعيف جداً) اهـ. وقد حكم بعض العلماء على هذا الحديث بأنه موضوع. انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة (9/117) رقم (4116).

[52] سبق تخريجه.
[53] سبق الكلام عليه.
[54] ينظر: المغني (4/462)، مواهب الجليل (2/455).
[55] المغني (4/463).
[56] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (4/316) وابن حزم في المحلى (5/195) والطحاوي في مشكل الآثار (7/201).

[57] ينظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة (6/669) رقم (2786).
[58] قد روي هذا الحديث مرفوعاً وموقوفاً، أما المرفوع فقد أخرجه ابن حزم في المحلى (5/195) من طريق سعيد بن منصور عن سفيان بن عيينه عن جامع بن أبي اشد عن شقيق بن سلمة عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة» أو قال: «مسجد جماعة» قال ابن حزم: "هذا شك من حذيفة أو ممن دونه ولا يقطع على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشك، ولو أنه عليه السلام قال: لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة لحفظه الله تعالى علينا ولم يدخل فيه شك فصح يقيناً أنه عليه السلام لم يقله قط" اهـ. وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (4/316). من طريق محمود بن آدم المروزي عن سفيان به، وأخرجه الطحاوي في المشكل (7/201) من طريق هشام بن عمار، وأخرجه الإسماعيلي في معجمه من طريق محمد بن الفرج كلاهما عن سفيان.

وأخرجه الفاكهي في أخبار مكة من طريق سعيد بن عبد الرحمن ومحمد بن أبي عمر قالا حدثنا سفيان به، قال محمد ناصر الدين الألباني: "وبالجملة فاتفاق هؤلاء الثقات الخمسة على رفع الحديث دون أي تردد فيه لبرهان قاطع على أن الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم وأن تردد سعيد بن منصور في رفعه لا يؤثر في صحته" اهـ. لكن قد روى هذا الحديث موقوفاً عبد الرزاق في مصنفه (4/348) عن سفيان بن عيينه به.
انظر: تهذيب الكمال (2/239)، سلسلة الأحاديث الصحيحة (6/667) رقم (2786).

[59] سبق الكلام عليه.
[60] ينظر: فقه الاعتكاف للمشيقح (ص 122) وقد نقل هذا الوجه عن الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
[61] المرجع السابق (ص 123).
[62] ينظر: التلقين في الفقه المالكي (1/195)، الذخيرة (2/535)، مواهب الجليل (2/455)، بلغة السالك
(1/470).
[63] ينظر: الحاوي الكبير (3/485)، المجموع (6/480)، النجم الوهاج (3/372)، مغني المحتاج (1/450)
[64] ينظر: المغني (4/464)، الشرح الكبير (7/580)، الإنصاف (3/364)، التوضيح في الجمع المقنع والتنقيح (1/466).

[65] ينظر: الكتاب (1/137)، بدائع الصنائع (2/113)، الاختيار لتعليل المختار (1/137)، البناية في شرح الهداية (3/746).
[66] وكثير من الحنفية يرون أن اعتكافها في المسجد مكروه. انظر: التجريد (3/1582).
[67] ينظر: المجموع (6/480)، روضة الطالبين (2/398)، النجم الوهاج (3/372)، مغني المحتاج
(1/450).

[68] أخرجه البخاري في صحيحه (1/435) رقم (335)، ومسلم في صحيحه (1/370) رقم (521).
[69] ينظر: المغني (4/464).
[70] أخرجه البخاري في صحيحه (4/285) رقم (2045)، ومسلم في صحيحه (2/831) رقم (1173).
[71] ينظر: الشرح الكبير على المقنع (7/581).
[72] أخرجه أبو داود في سننه (565) وأحمد في مسنده (2/76) وابن خزيمة في صحيحه (1684) والحاكم في المستدرك (1/327) والبيهقي في السنن الكبرى (3/131) وقال الحاكم:"حديث صحيح على شرح الشيخين" اهـ. وقال النووي في المجموع (4/197): "إسناده صحيح على شرط البخاري" اهـ.
وفي سنده حبيب بن أبي ثابت قيل إنه لم يسمع من ابن عمر رضي الله عنهما -وهو الراوي لهذا الحديث- ثم هو مدلس لكن للحديث شواهد متعددة لعله يصح بمجموعها، وأصل الحديث في الصحيحين بلفظ «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» بدون زيادة «وبيوتهن خير لهن» صحيح البخاري: (2/382) رقم (900)، صحيح مسلم: (1/327) رقم (442)، انظر: صحيح سنن أبي داود لمحمد ناصر الدين الألباني (3/103 – 105) الحديث رقم (576).

[73] سبق تخريجه.
[74] ينظر: الحاوي الكبير (3/485)، المغني (4/464).
[75] ينظر: بدائع الصنائع (2/113)، مغني المحتاج (1/451).
[76] سبق تخريجه.
[77] ينظر: التجريد (3/1582، 1583).
[78] المغني: 4/464).
[79] ينظر: التجريد (3/1583).
[80] ينظر: المغني (4/465)، فقه الاعتكاف للمشيقح (ص 126).
[81] ينظر: التجريد (3/1583).
[82] المغني (4/466).
[83] الإجماع (ص 54).
[84] الإقناع في مسائل الإجماع (1/243 9.
[85] الحاوي: الكبير (3/492).
[86] صحيح البخاري (4/273) رقم (2029)، صحيح مسلم (1/244) رقم (297).
[87] فتح الباري (4/273).
[88] ينظر: المغني (4/466).
[89] المجموع (6/514)، الروض المربع (4/436).
[90] ينظر: بدائع الصنائع (2/117)، البناية في شرح الهداية (3/751).
[91] ينظر: مواهب الجليل (2/456)، بلغة السالك (1/470).
[92] ينظر: المغني (4/468)، الإنصاف (3/372).
[93] ينظر: الحاوي الكبير (3/492)، المجموع (6/504).
[94] ينظر: الحاوي الكبير (3/492)، المجموع (6/504).
[95] ينظر: الشرح الكبير عل المقنع (7/602)، الإنصاف (1/372).

[96] سبق تخريجه.
[97] ينظر: المغني (4/468)، البناية في شرح الهداية (3/751).
[98] ينظر: الحاوي الكبير (3/493)، المغني (4/468)، فتح العزيز (6/532).
[99] ينظر: المغني (4/468).
[100] بدائع الصنائع (2/117)، مواهب الجليل (2/456)، روضة الطالبين (2/404)، كشاف القناع (2/356)
[101] وفي وجهٍ عند الشافعية أن ذلك يجوز لكن الصحيح عندهم عدم الجواز. انظر: الحاوي الكبير (3/493)، فتح العزيز (6/532)، المجموع (6/505)
[102] ينظر: الحاوي الكبير (3/493)، المغني (4/468)، المجموع (6/505) مغني المحتاج (1/454).
[103] الإفصاح (1/259).

[104] ينظر: الاختيار لتعليل المختار (1/138)، حاشية ابن عابدين (2/132).
[105] ينظر: فتح العزيز (6/534)، المجموع (6/503).
[106] ينظر: مواهب الجليل (2/462)، جواهر الإكليل (1/159).
[107] ينظر: المغني (4/468)، الإنصاف (3/372).
[108] ينظر: حاشية ابن عابدين (2/132)، فقه الاعتكاف للمشيقح (ص 146).
[109] ينظر: فقه الاعتكاف للمشيقح (ص 146).
[110] سبق تخريجه.

[111] ينظر: جواهر الإكليل (1/159).
[112] المغني (4/468، 469) وانظر: شرح منتهى الإرادات (2/403).
[113] سبق الكلام عليه.
[114] ينظر: التجريد (3/1596)، بدائع الصنائع (2/114).
[115] ينظر: الشرح الكبير (7/600)، الإنصاف (3/372).
[116] ينظر: فتح العزيز (6/450)، المجموع (6/513).
[117] ينظر: المعونة على مذهب عالم المدينة (1/493)، الذخيرة (2/536)
[118] ينظر: الذخيرة (2/536)، مواهب الجليل (2/455).
[119] لكن قيد الشافعية البطلان فيما إذا كان الاعتكاف تطوعاً أو نذراً متتابعاً أما إذا كان نذراً غير متتابع لم يبطل اعتكافه. انظر: الحاوي الكبير (3/491)، المجموع (6/513).

[120] سبق الكلام عليه.
[121] ينظر: فقه الاعتكاف (ص 153).
[122] ينظر: بدائع الصنائع (2/114)، المجموع (6/513)
[123] ينظر: المغني (4/463)
[124] ينظر: بدائع الصنائع (2/114)، المجموع (3/513).
[125] سبق الكلام عليه.
[126] بداية المجتهد (1/231) وانظر: الموسوعة الفقهية (الكويتية) (5/220)
[127] سبق تخريجه.
[128] ينظر: المهذب للشيرازي (6/499).
[129] ينظر: المغني (4/471)، التوضيح في الجمع المقنع والتنقيح (1/467)، فقه الاعتكاف (ص 170).
[130] بداية المجتهد (1/232).
[131] ينظر: مصنف عبد الرزاق (4/355)، مصنف ابن أبي شيبة (2/501) / المغني (4/471).
[132] ينظر: حاشية ابن عابدين (2/134)، الفتاوى الهندية (1/212).
[133] ينظر: الحاوي الكبير (3/489)، المجموع (6/537).
[134] ينظر: الشرح الكبير (7/611)، منتهى الإرادات (2/50)
[135] ينظر: المدونة الكبرى (1/228)، المعونة على مذهب عالم المدينة (1/491)، الإشراف (1/214، 215)

[136] نسب ابن رشد في بداية المجتهد (1/232) والعكبرى في رؤوس المسائل الخلافية (2/545) هذا القول لأكثر العلماء. وهو محل نظر، فلم يذهب لهذا القول سوى المالكية بينما الجمهور على القول الآخر.
[137] صحيح البخاري (9/132) رقم (5089)، صحيح مسلم (2/868) رقم (1207).
[138] ينظر: فقه الاعتكاف (ص 169).
[139] ينظر: شرح عمدة الفقه للجبرين (ص 611).

[140] أخرجه الترمذي في سننه (4/584)، والحاكم في المستدرك (4/101)، الدارقطني في سننه (3/27)، من حديث عمرو بن عوف مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفي سنده: كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف قال عنه ابن عدي: "عامة أحاديثه لا يتابع عليه"، وقال عنه الشافعي: "من أركان الكذب"، وقال عنه ابن حبان: "له عن أبيه عن جده نسخة موضوعة.." وقال الدارقطني: "متروك"، ومع ذلك فقد قال الترمذي عن هذا الحديث: (حديث حسن صحيح) اهـ، وقد انتقد الترمذي لتصحيحه هذا الحديث، قال الحافظ الذهب في ميزان الاعتدال (3/407): (أما الترمذي فقد روى هذا الحديث وصححه، فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي) اهـ. لكن قال الحافظ بن حجر في الفتح (4/451) (كثير بن عبد الله ضعيف عند الأكثر، لكن البخاري ومن تبعه كالترمذي وابن خزيمة يقوون أمره) اهـ، وقال في بلوغ المرام (ص183): (كأنه اعتبره – أي الترمذي – بكثرة طرقه) اهـ.

وقد روي هذا الحديث من طرق متعددة، فروي من حديث عمرو بن عوف، ومن حديث أبي هريرة، ومن حديث عائشة، ومن حديث أنس بن مالك، ومن حديث رافع بن خديج، ومن حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ولذلك فقد ذكره البخاري في صحيحه (1/4/451) معلقاً بصيغة الجزم، وقال الشوكاني في نيل الأوطار: (ولا يخفى أن الأحاديث المذكورة والطرق يشهد بعضها لبعض، فأقل أحوالها أن يكون المتن الذي اجتمعت عليه حسناً) اهـ، وقد تكلم محمد ناصر الدين الألباني في إرواء الغليل (5/142 – 146) عن طرق وشواهد الحديث بالتفصيل ثم قال: "وجملة القول أن الحديث بمجموع هذه الطرق يرتقي إلى درجة الصحيح لغيره.." اهـ. وانظر: نصب الراية (4/112).

[141] ينظر: شرح الزركشي على مختصر الخرقي (3/10).
[142] ينظر: شرح عمدة الفقه للجبرين (ص 611).
[143] ينظر: المغني (4/471)، الواضح في شرح مختصر الخرقي (1/626).
[144] ينظر: شرح عمدة الفقه للجبرين (ص 611)
[145] ينظر: المغني (4/471)
[146] المدونة الكبرى (1/288)، الموطأ مع شرح الزرقاني (2/207).
[147] 2 – ينظر: المعونة على مذهب عالم المدينة (1/491).
[148] ينظر: المغني (4/463)
[149] ينظر: فقه الاعتكاف (ص 173).
[150] ينظر: روضة الطالبين (2/402).
[151] ينظر: الإنصاف (3/376).
[152] سبق الكلام عليه.

[153] المغني (4/470، 471) وانظر: شرح الزركشي على مختصر الخرقي (3/11)، المجموع (6/510).
[154] ينظر: بدائع الصنائع (2/114)، البناية في شرح الهداية (3/751).
[155] ينظر: الذخيرة (2/539)، مواهب الجليل (2/456).
[156] ينظر: الأم (2/105)، روضة الطالبين (2/405).
[157] ينظر: الإنصاف (3/375)، كشاف القناع (2/358).
[158] وقد نص عليه الإمام أحمد في رواية الأثرم. انظر: الواضح في شرح مختصر الخرقي (1/625)، الإنصاف (3/375).

[159] ينظر: الحاوي الكبير (3/495)، المجموع (6/511).
[160] سبق تخريجه.
[161] ينظر: فقه الاعتكاف (ص 164).
[162] سبق تخريجه.
[163] سبق الكلام عليه.
[164] أخرجه أبو داود في سننه (7/143) رقم (2455).
[165] في سنده: ليث بن أبي سليم وهو ضعيف. انظر: المجموع (6/512).
[166] أخرجه مسلم في صحيحه (1/244) رقم (297).
[167] ينظر: فقه الاعتكاف (ص 165).
[168] ينظر: الواضح في شرح مختصر الخرقي (1/625).

[169] أخرجه ابن ماجه في سننه (1777).
[170] قال النووي في المجموع (6/512): "هو من رواية هياج الخراساني عن عنبسة بن عبد الرحمن وهما ضعيفان متروكا الحديث لا يجوز الاحتجاج برواية واحدٍ منهما" اهـ. وانظر: الفروع (5/175).
[171] أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (4/356)، وابن أبي شيبة في مصنفه (2/500)، قال ابن مفلح في الفروع (5/175) " وإسناده صحيح "اهـ.
[172] ذكره ابن عبد البر في التمهيد (8/331) عن الحسن الحلواني.
 

سعد بن تركي الخثلان

استاذ الفقه في جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض

  • 9
  • 0
  • 34,883

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً