الشيخ عمر عبد الرحمن في دهاليز الدولة العميقة
بقلم /علا محمود سامي
منذ 19 عامًا، والداعية الأزهري الشيخ عمر عبد الرحمن لا يزال قيد الحبس في السجون الأمريكية بدعوى اتهامات ظالمة، كان ضحية فيها لوشايات النظام المصري المخلوع، عندما أوعز إلى البيت الأبيض أنه بالقبض على الشيخ الجليل، فإنه يمكن بذلك أن يقوض ركنا من أركان الإرهاب، على حد زعمه وافتراءه.
وطوال السنوات التي تكاد تقترب من العقدين نظمت أسرة الشيخ وأنصاره ومحبيه وتلاميذه العديد من الفعاليات، وقاموا بتوجيه النداءات المختلفة لإطلاق سراح شيخهم، وظنوا في ثورة 25 يناير بأن تعمل على مساعدة الشيخ في إطلاق سراحه، غير أن هذا لم يحدث، إلى أن كان انتخاب البرلمان بغرفتيه، ذات الأغلبية الإسلامية، وقتها ظن كثيرون أن هذا البرلمان سيعمل على إطلاق سرح الشيخ المجاهد، غير أن هذا أيضًا لم يحدث.
ومع انتخاب الرئيس الدكتور محمد مرسي ظن كثيرون أن الرئيس سيعمل على إطلاق سراح الشيخ، واستبشروا خيرا بحديث الرئيس نفسه ووعده بحل قضية الشيخ، عند زيارته لميدان التحرير، إلا أن هذا لم يحدث، حتى صرحت وزير الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بأنه لا يجوز التدخل في أحكام قضاء بلادها، إلى أن كان الرفض الأكيد من كلينتون خلال زيارتها لمصر أخيرًا بأنها لم تبحث مع الرئيس المصري إطلاق سراح الداعية الأزهري، ليظل قابعًا في سجنه، دون أنيس أو جليس له في محبسه، سوى ربه وكتابه الكريم، ليشكو المقصرين في حقه إلى الله تعالى.
وعلى الرغم من كافة النداءات التي ظلت تصدح على مدى السنوات الماضية بإطلاق سراح الشيخ، إلا أن كل ذلك لم يشفع لسجانه في إطلاق سراحه، ليظل قابعًا في سجنه وحيدًا، لم يمنعه فقدان بصره من رؤية ما يدور حوله بنور ربه.
وكما كان صبره في سجون الطغاة جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك، فقد كان صبره أشد من صبر الأصحاء في سجون باراك أوباما، فلا يزال صابرًا محتسبًا، وهو القعيد الذي عذره الله تعالى من فوق سبع سموات، كعادته دائمًا في الصبر على البلاء، وعدم الارتكان إلى رغد العيش، فتاريخه يؤكد دعمه للمجاهدين والدعوة إلى الله، كحاله في دعم المجاهدين في أفغانستان، بل أنه كثيرا ما سافر إليها لدعمهم في الحرب ضد الروس، علاوة على دعمه المطلق للفلسطينيين في جهادهم ضد الصهاينة، إلى غيرها من مواطن جهاد الشيخ لدعم المسلمين في اراكان والفلبين وأرتريا والصومال، خلاف حرصه الدائم على التجوال في دول العالم للدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ونبذ العنف.
وعلى الرغم من وعود أعلى سلطة في الدولة المصرية، وهو رئيس الجمهورية على تبني قضية الشيخ، إلا أن السلطة الموازية المتمثلة في الدولة العميقة، والتي يقودها المجلس الأعلى للقوات المسلحة تقف حجر عثرة ضد إطلاق سراح الشيخ الجليل، الأمر الذي يعني أن ثورة 25 يناير لا تزال بحاجة إلى موجات عدة لانتزاع أهدافها، والقضاء على الثورة المضادة وتقويض أركان الدولة العميقة.
وخلال استقبال الرئيس المصري محمد مرسي لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، في زيارة هي الأولي لها بعد الاستحقاق الرئاسي، والثانية بعد ثورة 25 يناير، فكانت توصف هذه الزيارة بأنها يمكن أن تكون انعكاسًا لرغبة أمريكية في تحسين صورتها بالعالم العربي والإسلامي بإطلاق سراح الشيخ، إلا أن الغطرسة الأمريكية لا تزال قائمة، تعززها العنصرية الداعمة لإهدار حقوق الإنسان والتصدي للحريات، وإقامة ديمقراطيات وفق المزاج الأمريكي.
وحالت الدولة العميقة دون أن تكون قضية الداعية الشيخ عمر عبد الرحمن مفصلية في العلاقة البلدين، على الرغم مما وعد به د. مرسي أثناء إلقائه لخطابه في ميدان التحرير بعد فوزه في انتخابات الرئاسة، بإطلاق سراح الشيخ عبد الرحمن وتبنيه لخطوات في ذلك السياق، وهو ما قابله تصريح من كلينتون ذاتها بأن هذا الأمر في أيدي القضاء، بدعوى أنه يتمتع باستقلال في بلادها، وأنه لا تدخل في شئونه وهو ما ردت عليه مؤسسة الرئاسة المصرية بأن مطالبة مرسي بإطلاق سراح الشيخ عمر عبد الرحمن كان بغرض إنساني دون أن يتجاوزه إلى التدخل في شأن القضاء الأمريكي.
ومع تبني فعاليات ثورية لقضية إطلاق الشيخ عمر عبد الرحمن، ومعها تيارات إسلامية، إلا أن الدولة العميقة حالت دون أن يجد مرسي نفسه مدفوعا للحديث عن قضية الشيخ مع كلينتون، على الرغم من تعهده لهذه الفعاليات -والتي سبق وأعلنت عن دعمها له في ماراثون السباق الانتخابي- لإطلاق سراح الشيخ عبد الرحمن.
غير أنه وعلى الرغم من عمق هذه الدولة، فإن أسرته تنظم اعتصامًا مفتوحًا يدخل عامه الثاني بحلول شهر رمضان المقبل أمام السفارة الأمريكية بالقاهرة، للضغط على الجهات المعنية لإطلاق سراحه، وهو الاعتصام الذي زاره عدد من النشطاء السياسيين، منهم الناشط جورج إسحاق الذي أعلن تأييده لإطلاق سراح الشيخ الأزهري، وتضامن معه المرشح الرئاسي السابق هشام البسطويسي، عندما خاطب السفارة الأمريكية أخيرًا في ذكرى الاستقلال مهنئًا إياها، وداعيًا إلى إطلاق سرح عبد الرحمن.
وبحسب المراقبين: فإن الفرصة أصبحت مواتية للإدارة الأمريكية لكي تقيم علاقة متوازنة مع مصر بعد الثورة بإطلاق سراح الشيخ عمر عبد الرحمن، وأن تعمل على تجميل صورتها في العالم الإسلامي باعتبار الشيخ الجليل أحد علماء المسلمين ودعاة الأزهر.
ويعرف أن الدكتور عمر عبد الرحمن تم سجنه قبل منتصف تسعينيات القرن الماضي لاتهامات ملفقة، منها نيته في محاولة قتل الرئيس المخلوع حسني مبارك أثناء زيارته لنيويورك، علاوة على دعوته لتفجير مركز التجارة العالمي بذات المدينة.
وعلى الرغم من براءة الشيخ من كافة التهم التي وجهت إليه، إلا أنه تم استحضار عقوبة السجن مدى الحياة لتطبيقها على الشيخ، على الرغم من أن هذه العقوبة لم يتم العمل بها في الولايات المتحدة منذ نحو 75 عامًا، ليظل الشيخ قابعًا في سجنه، تحول ديكتاتورية الولايات المتحدة دون إطلاقه، ودهاليز الدولة العميقة من المساهمة في تحريره.
- التصنيف:
- المصدر: