فلسطينيو العراق وتسع سنوات من الكارثة
كُنّا نَظن أن نكبة عام 1948 وصلت من البشاعة والإجرام والانتهاكات وطمس الحقائق وتزوير التاريخ، ما لم يصدقه عقل أو يسبقهُ مثيل، بما فيها من تهجير وتشريد قرابة 800 ألف فلسطيني، وطردهم من قراهم ومدنهم ومساكنهم، واحتلالها من قبل الكيان اليهودي، مع عشرات المجازر والفظائع وسرقة الممتلكات، وتدمير 478 قرية بالكامل، وتحويل شعب بمعظمه إلى لاجئين، حتى أصبح هذا المصطلح -النكبة- ذو دلالات ومغازي كبيرة بمفرده!
وعندما هُزمت الجيوش العربية عام 1967، واحتل الصهاينة أراضي عربية جديدة، أصبح يطلق على هذه المأساة (النكسة) حتى باتت هذه المصطلحات وما تبعها من أحداث علامات وإشارات، على المحنة والأزمة والضعف والتقهقر الذي تمر به الأمة لا سيما اللاجئين الفلسطينيين وما مروا به من ويلات وحُقب مظلمة.
لكن عندما عشنا فصول المأساة ومراحل المحنة بأدق تفاصيلها في العراق، بعد احتلاله عام 2003م، حصلت كارثة فاقت النكبة والنكسة، ما زالت ملفاتها مفتوحة لهذه اللحظة، لأن الظلم والقتل والتهجير والاضطهاد والإجرام، الذي وقع على فلسطينيي العراق بأيدي ميليشيات عراقية ذات ولاءات صفوية وغطاء صهيو أميركي وسكوت دولي أممي، وصمت عربي وإهمال فلسطيني، فاق التصورات والمخيلات وليس الخبر كالمعاينة.
لم يكن في الحسبان رؤية جنود المحتل تمشي في شوارع بغداد، بعدها استحضرنا أن الاحتلال لا يأت بخير أبدًا، لتبدأ مرحلة حرجة للغاية تنوعت فيها الويلات، إلا أن تسع سنوات -كأنها قرن- كشفت المستور وأظهرت المخفي، كانت الحقيقة التي لا شك فيها أن أكثر من 90% من الانتهاكات التي تعرضنا لها، تقاسمتها الميليشيات الطائفية الصفوية والأجهزة الأمنية العراقية، غالبية تلك الممارسات موثقة مؤرشفة مثبتة وما خفي أعظم!
تسع سنوات على الزلزال والكارثة أفرزت نتائج مدمرة، بفعل الممارسات السادية الهمجية البربرية، أبرزها الهدية المجانية المقدمة للكيان اليهودي من قبل العصابات الفئوية العنصرية العراقية الحاقدة، وهي إضعاف الهوية الفلسطينية وإبعادهم عن عمقهم العربي والإسلامي، وإذابتهم وإضاعتهم في مجتمعات جديدة وعادات مختلفة وتراث غريب، ولا زالت الرقعة تتسع!
تجاوز عدد الفلسطينيين في العالم (11 مليون نسمة) أكثر من نصفهم بالخارج، بسبب الاحتلال الصهيوني وممارساته، أما فلسطينيو العراق فعددهم عام 2003م بلغ 25 ألف ولو فرضنا أن نسبة النمو الطبيعي 3% سنويًا، بمعنى أن العدد الفعلي الكلي الآن يقدر 32 ألف، والمتواجدون حاليًا في العراق لا يتجاوزون ستة آلاف!
بِلُغَة النِسب فإن 19% فقط من مجموع عدد فلسطينيي العراق متواجدين فيه حاليًا، وأكثر من 80% تم تهجيرهم هجرات متكررة تصل بعضها إلى خمس مرات، توزعوا على قرابة خمسين دولة غالبيتها أجنبية! أوضاع أكثرهم غير مستقرة، فهل نصدّق بعد اليوم شعارات الدولة الصفوية "الموت لأمريكا الموت لإسرائيل"؟!
المشروع الصهيو صفوي في العراق حقق مكاسب متقدمة، بتهجير وتشريد هذه النسبة الكبيرة من العائلات الفلسطينية، التي كانت تطمح وتطمع حتى ترجع من العراق لأرضها المغتصبة فلسطين، إلا أن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، لكن عزائنا أن عدة منح ظهرت في ثنايا هذه المحن، أظهرها كذب دعاوى من يدعون أنهم حماة القدس ومحبيها ومحرريها وفضح عوارهم وكشف زيفهم وتسلقهم على مقدساتنا!
بعد تسع سنوات من الفاجعة التي تعرضنا لها، ينبغي أن يكون كل فلسطيني ومسلم -وعربي خصوصًا- وإنسان في قلبه إنصاف عمومًا سفيرًا لتلك القضية، ولا يُعذَر كل من تنصّل أو تخلى عن مسؤوليته، سواء بالسكوت والصمت أو التبرير لتلك الجرائم، وتلميع أبرز عتاتها ومرتكبيها، أو التخذيل وتقزيم الأمور على طريقة الانتهازيين والوصوليين.
يفترض أن تكون نقلة نوعية بقضيتنا، ولا نكتفي بالصراخ والبكاء والعويل لما حصل، فالجزار الذي قام بتلك المجازر ينطلق من عقيدة وأيديولوجية، ويعتبر ما فعله إنجاز وانتصار فلا يلام بحسب تفكيره، لكن اللوم والعتب على من اجتاز بر الأمان ووقف متفرجًا على أهله وبني جلدته، لأن مشكلته انتهت أو ليس لديه مشكلة أصلاً، في الوقت الذي لديه سعة من التنقل والحركة والمطالبة بالحقوق، وحل كثير من الإشكاليات، لكن كثير منا ارتضى أن يكون مثله:
تسع سنوات مرت بما فيها من محن ولئواء وضيق ومشقة، توالت مراحلها ابتدأت بتحديات المحتل الأمريكي وممارساته ضدنا لإرضاء الكيان اليهودي، ثم تسلمت الراية ميليشيات وعصابات مبرمجة صفويًا، لتصبح في الأعوام الثلاثة الأخيرة تكتيكات حكومية لتصفية من تبقى من لاجئين فلسطينيين مغلوبين على أمرهم.
من سمع واستمع لشهادات المعتقلين الفلسطينيين في السجون العراقية، يرى العجب العجاب والحقد الدفين وانتقام واضح، فشتى أصناف التعذيب والذل والإهانة والتلفيق، في كارثة وفاجعة لم نعهدها في سجون الاحتلال اليهودي، وقد التقيت بفلسطيني منذ فترة وجيزة مفرج عنه من قبل الصهاينة، والله لم أسمع منه معشار ما حصل لأهلنا في معتقلات الداخلية العراقية!
أخيرًا وحتى نقف على حجم المأساة والتشرذم والشتات والتفرق المقيت، إليكم أعداد تقريبية وأماكن تواجد هذا العدد القليل من فلسطينيي العراق، بعد تلك الكارثة..
العدد التقريبي:
5000-6000 العراق، السويد.
2500-3000 سوريا.
2000-2500 أميركا، قبرص.
1000-1500 النرويج، الأردن.
500-1000 الإمارات، كندا، أستراليا.
250-500 اليمن، أندونيسيا، بريطانيا، تركيا، غزة والضفة.
100-250 ماليزيا، تشيلي، الدنمارك، فلندا، هولندا، السعودية، نيوزيلندا، البرازيل، إيطاليا.
50-100 الهند، سويسرا، ألمانيا.
أقل من 50 عمان، البحرين، مصر، لبنان، الجزائر، ليبيا، المغرب، تونس، روسيا، الصين، سريلانكا، آيسلندا، بلجيكا، النمسا، فرنسا، اليونان، بلغاريا، تايلاند.
مؤقت ومرور: رومانيا، سلوفاكيا.
- التصنيف: