همسات للمغنين والمغنيات
ملفات متنوعة
- التصنيفات: النهي عن البدع والمنكرات -
الحمد الله الذي امتنّ على عباده بالأسماع والأبصار ، وكرّم الإنسان
ورفع له المِقدار ، أحمده سبحانه خلق المنطِق واللسان ، وأمر بالتعبد
وطاعة الرحمن ، ونهى عن الفواحش ومنكر البيان ، وصلى الله وسلم على
محمد صاحب الحجة والبيان ، نصره بالسيف والسنان ، وعلى آله وصحبه
والسلام .. أما بعد :
هذه همسات من حديث الحب ، ونفحات من عبير الورد ، وأشجان من قطوف الزهر ، فاضت بها النفس ، وجاد بها القلب ، وسطرها البيان ، وترجمها البنان ، أزفها إلى مسلم تعلّق قلبه بالمعازف والألحان ، هاجت لها أحاسيسه وتعلقت بها أنفاسه ، قد علا منه صوته ، وهاجت منه حركته ، وتمايل كتمايل السكران ، وتكسر كتكسر النسوان ، همسات أنثرها إلى قلوب مزقها الغناء ، وفرّقها الشجا ، قضوا حياتهم لذة وطربا ، واتخذوا دينهم لهوا لعبا ، أزفها إلى عقل نيّر وقلب زكي ، نعم .. أزفها إليك أنت يا من أعلم أنك مسلم موحّد ، يشتاق قلبك إلى الجنات ، وتهتز روحك إلى الدرجات العاليات ، وتعظم رب الأرض والسماوات ، فأنا لا أكتمك سرا فأنت من أغلى خلانّي وأسمى أحفادي ، ومن أجل إخواني وأعز أصحابي ، ولئن كان الشيطان قد تغلّب عليك تارة فأنت أهلٌ أن تغلبه تارات وتارات ، وأرجوا أن نجتمع سويا في الجنات وبجانب سيد الأنام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم .
أخي الكريم ..
هل علمت يوما أن الغناء الذي أنت تمارسه وتقضي معه أعزّ وأثمن الأوقات أنه صوت العصيان ، وعدو الرحمن ومزمار الشيطان ، نعم .. هو وربي قرآن الشيطان ، ما أدمن عليه عبد إلا استوحش من القرآن والمساجد ، وفرّ عن كل راكع وساجد ، وغفل عن ذكر الرب المعبود ، واستأنس بأصوات النصارى واليهود ، فَسَلْ ذا خبرة ينبيك عنه لتعلم كم خبايا في الزوايا ، ألم ترى أنه تغلّب على بعض العقول وطغى ، وزاد في الضلال وبغى ، وما خلقك لهذا ..!
نعم .. لم يخلقك ربك لأجل الغناء والألحان ، والهُيام والأشجان ، لا وألف لا ، بل خلقك لأجل أن تعبده وتدعوه ، وتنصر دينه وتحميه ، نعم .. فهل أدركت سرّ وجودك في هذه الحياة ، فعشتَ لأجله ومت ، وانظر رعاك الباري إلى شباب مثلك يعيشون للإسلام ويحيون لأجله ويموتون لأجله ، ويسفكون دماءهم لأجله ، أُناس مثلك خلقهم الله كغيرك صالحون فُطَنَا ، طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا ، بذلوا لربهم حياتهم ، وأنفقوا لهم أموالهم ، وأذلّوا بين يديه جِباههم ، وفارقوا لأجله أوطانهم ، شباب عرفوا للخالق حقه ، فصدقوا في حبه ، وتنعموا بقربه ، وشكروا له نعمته ، كلما ازدادت نعم الله عليهم ، ازدادوا لفضله شكرا ، وله حبا وتعبدا ، تسامت نفوسهم عن الهوى والألحان ، وتعلقوا بنعيم الجنان ، فلم يجرّهم الشيطان إلى شهوات ، ولا إلى مجالسِ المنكرات ، فلما كانوا كذلك أسكنهم ربهم فسيح الجنات ، مع الحور العين واللذات ، فما التفت وربي أحدهم إلى لهو ومعازف ، ولم يدنس دينه ولم يقارف ، بل سمت نفسه إلى سماع الرحمن ، والتقلب في الجنان ، حتى قال عنهم من خلقهم وسواهم { يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم }
ولك في هذه القصة عِبْرِة وعَبْرة ، طلب ملك الروم من أحد الخلفاء أن يُرسل إليه رسولا عاقلا ، فأرسل إليه الإمام أبا بكر الباقلاَّني ، فلما حضر مجلس ملك الروم ، أمروه أن يدخل من الباب راكعا ، فأبى عليهم وأقسم أنه لن يركع إلا لله الذي خلقه من عدم ، وصوره فأحسن صورته ، فلما دخل عند الملك ، أمر الملك عازفا عنده أن يضرب بآلة معه ، وكان لا يسمعها أحد إلا تمايل لها وطرب واهتزّ ، فلما ضرب العازف بآلته ، وسمعها الباقلاَّني التفت إلى الناس فإذا هم يتمايلون ، فلما رآهم كذلك ، مال على أصبعه واجتهدَ حتى جرحها فسال الدم ، فأشغله ألم الجُرح عن سماع الغناء .
أيها المبارك ..
أما سمعت قول الرب الحكيم وهو يقول في القرآن الكريم عن إبليس الرجيم بعد أن أقسم على ربه أن يفسد الخلائق { واستفزز من استطعت منهم بصوتك } [ والصوت هنا صوت الشيطان وهو الغناء ]
ألا ترى أنه يُثير الغرائز والآثام ، ويدعوا إلى الاختلاط وأنواع الحرام ، ولعمر الله كم من حرّة صارت بالغناء من البغايا ، وكم من حرٍّ صار به عبدا للصبيان والصبايا ، وكم من غيور تبدّل به اسما قبيحا بين البرايا ، وكم من معافا أحلّ به أنواع البلايا ، نعم ..
قل لي بربك أيها العاقل هل سمعت يوما مغنيا يغني بالتحذير من الزنا وشرب المسكرات ، أو بالغض عن البصر والعفة عن الشهوات ، أو شهود صلاة الجماعة مع المؤمنين والمؤمنات ، كلا وربي ، فما سمعنا ولا سمعت أنت بشيء من ذلك بل يصف الخدّ والقدّ والعينين والوَجنتين ، والحب والغرام ، والعشق والهيام وهذا ظاهر إذا تأملت كلامات الأغاني ، مع ما فيها من فتنة النساء بأصوات الرجال وفتنة الرجال بأصوات النساء أضف إلى ذلك كثرة التغنُّجٍ والدلال ، والتمايل والضحكات ، والغمزات والهمسات فتُاثر عندها الغرائز والشهوات وتدعوا إلى سيء الأخلاق والمنكرات ، وهؤلاء قد توعدهم الله بالعذاب الأليم والجزاء الوبيل يوم القيامة قال الله { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين أمنوا لهم عذاب في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون } وهذا الوعيد فيمن أحب ، فكيف بمن يعمل على إشاعتها ؟ إنه وربي الغناء .
رقية الزنا وداعية الخنا ، ومزمار الفساد وضلال العباد ، أفتأمن بعد هذا أن تُسْلب حلاوة القرآن ، والخشوع والأحزان ، وبيع الجزيل من الجنات بالقليل من اللذات ، أفتأمن بعد هذا هدام اللذات ، ومنغص الشهوات ، وميتم الأولاد والبنات ، فكأنه جاءك على غِرَّة ، فأبكم منك اللسان ، وهدَّ منك الأركان ، وقرّب منك الأكفان ، أفتأمن بعد هذا أن تُفاجئ بالقَضى ، وجمرٍ كالغَضى ، وسياطٍ وزقوم ، وتهويل ورجوم .
يا من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا ..
لقد قرن رسولك صلى الله عليه وسلم بين الغناء والخمر والزنا فقال « ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرَّ [ أي الزنا ] والحرير والخمر والمعازف » [ رواه البخاري ] وقال صلى الله عليه وسلم « نُهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند نعمة بلهو ولعب ومزاميرِ شيطان ، وصوت عند مصيبة لطمِ وجوهٍ وشقِ جيوب » [ رواه الترمذي ]
وسئل بن مسعود عن قوله تعالى { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله }
فقال : والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء ، وسئل محمد بن الحنفية عن قوله تعالى { والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما }
فقال : الزور هو الغناء لأنه يميل بك عن ذكر الله ، ووصف الله عبّاد الأصنام عند البيت الحرام بالغناء والتصفيق ..
فقال { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية } [ والمكاء والتصدية نوع من المعازف والغناء ]
وقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم سُمَّاع الأغاني بالمسخ والخسف والقذف فقال « سيكون في أمتي خسف وقذف ومسخ ، قيل متى ؟ قال : إذا ظهرت القينات [ أي المغنيات ] والمعازف واستحلت الخمر » [ رواه البخاري ]
وقال عليه الصلاة والسلام « ليكونن من أمتي أناس يشربون الخمر ويُعزف على رؤوسهم بالقيان يمسخهم الله قردة وخنازير » [ رواه الترمذي ]
نعم .. هذا شأن الغناء ولم يبقى إلا أن يتحقق الوعيد بالخسف والمسخ والقذف بالحجارة والحديد ، وقد تواتر كلام الأئمة الأطهار والعلماء الأبرار ، فعن عمر رضي الله عنهما خرج يوما في حاجة ، فمرّ في طريق فسمع زُمَّارةَ راعٍ فوضع أصبعه في أذنيه حتى جاوزه [ رواه أحمد ]
قل لي بالله عليك : أزماّرةُ راع أولى بالتحريم أم هذا الغناء الذي يتغنّج فيه المطرب والمطربة فيفتِنُ القلوب ، ويُشغل الأرواح عن علام الغيوب .
وقال عمر بن عبد العزيز لأبنائه أحذركم الغناء ، أحذركم الغناء ، أحذركم الغناء ، فما استمعه عبد إلا أنساه الله القرآن .
وجاء رجل إلى بن عباس رضي الله عنهما فقال يا بن عباس : أرأيت الغناء أحلال هو أم حرام ؟ فقال له : أرأيت الحق والباطل إذا جاء يوم القيامة ، فأين يكون الغناء ؟ قال الرجل : يكون مع الباطل ، فقال بن عباس ، فماذا بعد الحق إلا الضلال ..! اذهب فقد أفتيت نفسك !
وسأل رجل الإمام مالك عن الغناء فقال : ما يفعله عندنا إلا الفسّاق ، وسُئل الإمام أحمد عن الغناء فقال : الغناء ينبت النفاق في القلب ، وسماه الإمام الشافعي دياثه ، وأبو حنفية أفتى بتحريمه ، وأجمع العلماء على تحريمه ، فهل بعد هذه الأقوال من إباحة لهذه الآفة ؟ وبقول من تقتنع إن لم تقتنع بقول هؤلاء وكلام الرحمن وسيد الأنام .؟
كيف لا .. والغناء مبدأه من الشيطان ، وعاقبته سخط الرحمن ، وهو يحرك النفوس إلى كل قبيح ، ويسوقها إلى كل وصف مليحة ومليح ، فإذا سمع به أحد قلّ حياؤه ، وفرح به شيطانه ، واشتكى إلى الله إيمانه ، وثقل عليه قرآنه ، وتراه يميل برأسه ، ويهزَُ بمنكبه ، ويضرب الأرض برجليه ، ويصفق بيديه ، ويتأوَّه تأوُّه الحبيب ، ويصرخ كالمجانين ، فما من مطرب إلا ويترنَّح حوله نفر من الراقصات ، وما من مطربة إلا وحولها نفر من الرجال ، يتراقصون ويتمايلون ، اختلاط وسفور وتعرية للنحور ، فمن يجيز مثل هذا يا شباب الإسلام ..؟
فنعوذ بالله من هذه الأحوال ..
أيها الحبيب ..
أما كلمات الأغاني فهي والله أعجب من أن تتصور ، فيها من المحادة لله ورسوله والشرك الأكبر والأصغر والتعدي على الرسل الكرام ، والاعتراض على رب العالمين وعلى ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ ، فهذا أحدهم يقول " جئت لا أعلم من أين .. ولكني أتيت .. ولقد أبصرتُ قُدّامي طريقا فمشيت .. وسأبقى سائرا فيه شئت هذا أم أبيت .. كيف جئت .؟ كيف أبصرت طريقي .. لست أدري " وتقول أخرى " لبست ثوب العيشِ ولم أُستشر " [ أي خلقني ربي ولم يستشيرني نعوذ بالله من هذا الكفر ]
ويقول آخر " عشتُ لك وعلشانك " والله يقول " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين "
وهذا يقول " أعشق حبيبي وأعبد حبيبي " وآخر يقول " الحب في الشرع فرض على الجميع ارتِياده ، قلت المحبة عندي لو تعلمين عباده "
وبعضهم يكذب على الله فيقول أحدهم " الله أمر .. لعيونك أسهر " والله يقول " قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون "
وهذا يعتدي على نبي من أنبياء الله لما فقد محبوبته " صبَرت صبْر أيوب ، وأيوب ما صبر صبري " وهذا يعترض على قضاء الله وقدره ويتهمه فيقول " ليه القسوة ليه ، ليه الظلم ليه ، ليه يا رب ليه "
وهذا يصرِّح باستعداده دخول النار ما دام أنه مع محبوبته فيقول " يا تعيش وايّاي في الجنة ، يا أعيش وإياك في النار ، بطّلت أصلي وأصوم ، بدّي أعبد سماك ، بجهنم ماني برايح ، إلا أنا وإياك "
وآخر يقول " علشانك أنتِ ، أنكوي بالنار ، وألقِّح جثتي ، وأدخل جهنم وأقول : آه يالهوتي " وآخر يقول " خذي الجنة ، وعطيني النار ، ما دام هذا كل ما تشتيهنه " وهذا يعترض على ما كتبه الله في اللوح المحفوظ فيقول " الفرح مسطّر غلط مكتوب " وهذا يستهزئ بالموت فيقول " أُوصي أهلي وخلاني حين أموت ، يضعوا في قبري ربابة وعود " وهذا يستهزئ بالقرآن فيقول " حبك سقر ، وما أدراك ما سقر ..؟ "
فيا أخي العاقل : ألا ترى أن هؤلاء المغنون قد اعتدوا على الشريعة وعلى ربهم وعلى رسله وأنبيائه ، فانظر إلى أشرطة الغناء واقرأ أشرطة المغنين تجد أنهم نصارى أو مسلمين كفرة فجرة ، لا يصلون ولا يعظمون الدين .
أيها المسلم الكريم ..
إن مما يعينك على ترك هذا الغناء ، الرغبة في دار أخرى فيها متع عظيمة ، إنها الجنة وما أدراك ما الجنة ، نور يتلألأ ، وريحانة تهتز ، وقصر مشيد ، ونهر مضطرب ، وثمرة نضيجة ، وحلل كثيرة ، وزوجة حسناء جميلة ، وفاكهة وخضرة ، وحبرة ونعمة ، في حلة عالية بهيَّة ، في جنة عدن عند مليك مقتدر ، بناها الله تعالى لعباده المتقين فأحسن بناءها ، وملأها من كرامته ورحمته ورضوانه ؛ لبنة من ذهب ولبنة من فضة ، مِلاطها المسك ، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت والجوهر ، وترابها الزعفران ، وسقفها عرش الرحمن ، غرفها مبنية يُرى ظاهرها من باطنها ، ويرى باطنها من ظاهرها ، من دخلها ينعم فلا يبأس ، ويخلد فلا يموت ، لا تبلى ثيابه ، ولا يفنى شبابه ، أما أشجارها فما من شجرة هناك إلا ولها ساق من ذهب ، وأخرى من فضة ، وأما ثمارها فألين من الزبد ، وأحلى من العسل ، وأما ورقها فورق من رقائق الحلل ، وأما تصفيق الرياح لذوائب أغصانها ، فيستفز من لا يطرب بالطرب ،
والحور العين ينظر الرجل إلى خدها فيرى وجهه في خدها ، ويعتنقها أربعين سنة فلا يُحس بضيقها ، ويمصُّ ريقها فهو عنده أحلى من العسل ، وأما أنهارها : فأنهار من ماء غير آسن ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وأنهار من خمر لذة للشاربين ، وأنهار من عسل مصفى ، وفوق ذلك ظلُّها ممدودٌ ، وطلحُها منضود ، ألْيَن من الزبد ، وأحلى من العسل ، وأما ماؤها ، فمسكوب ، حدائق وأعناب ، وكواعب وأتراب ، فاكهة مما يتخيرون ، ولحم طير مما يشتهون ، شرابهم التسنيم والزنجبيل والكافور، وآنيتهم الذهب والفضة في صفاء القوارير، فيها ما تشتهيه الأنفس ، وتلذُّ الأعين ، مَن يدخلها يخلد أبدًا ، روح وريحان ورب راضٍ غير غضبان ، ذُلِّلت قطوفُها تذليلا ، يتكئ أهلها على الأرائك { لا يرون فيها شمسًا ولا زمهريرًا } ، و { لا يسمعون فيها لغوًا ولا تأثيمًا إلا قيلا سلامًا سلامًا }
{ ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون . فأما الذين أمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يُحبرون }
فلماذا أخي لا تفيق وتعود إلى العزيز الحميد .
وأخيرا ..
يا لاهيا بالغناء { ألم يأن للذين امنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون }
يا لاهيا بالغناء { ماغرك بربك الكريم ، الذي خلقك فسوك فعدلك ، في أي صورة ما شاء ركبك }
يا لاهيا بالغناء { إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا }
يا لاهيا بالغناء { واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون }
يا لاهيا بالغناء : تصوّر نفسك وأنت بين زملائك في لهو طرب وإعراض وزمر ، فإذا بملك الموت قد حل بك ، فكيف يكون جوابك ومصيرك أمام الجبار جل جلاله ،
يا لاهيا بالغناء : أرأيت لو سلب الله سمعك ، فصرت تجلس بين الناس ، لا تدري عنهم إذا تكلموا ولا تفهم مرادهم إذا ضحكوا ، تتلفت بينهم بعينيك ، وتشير لهم بيديك ، يا لاهيا بالغناء أين أنت من المؤمنين { الذين إذ ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا }
يا لاهيا بالغناء ، أما تخشى سوء الخاتمة ، فتلقى الله سامعا أو مغنيا أو عازفا ،
يا لاهيا بالغناء أما علمت أنك عبد لله ، وكل ذرة من ذرات جسمك وكل نفس من أنفاسك لا يتحرك إلا بإذن خالقك وقد جعل الله لك عينين ولسانا وشفتين فهل سألت نفسك يوما كيف علاقتي معه ؟ هل هو راض عني أولا ؟ كيف سيكون اللقاء يوم القيامة ؟
يا لاهيا بالغناء أما فكرت يوما مع من تجتمع معه ، وقد رحل منهم من رحل ، فهل تتمنى أن تجتمع معهم في مكان واحد يوم القيامة ..؟ والموت إن لم ينزل بك اليوم نزل بك غدا ، فأين وجهك يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ؟
أين وجهك يوم يعلم نبيك صلى الله عليه وسلم أن أمته قد عكفت على الغناء والموسيقى بسببك ؟
أين تذهب بوجهك يوم تعلم أن الناس سهروا على الغناء إلى الفجر بصوتك وزمرك ؟
أين تذهب بوجهك إذا بعثر ما في القبور ، وحُصّل ما الصدور ؟
أين تذهب بوجهك إذا سال عرقك ، وانتفض جسدك ، وطار فؤادك ، فيا أخي ..
يا من بارز الله بهذه المعصية ..
يا من أعجبه بشبابه ، وألهته ثيابه ، وغرّه صوته وجماله ..
هذه نسماتي وهمساتي .. هذه أزهاري ووردي .. زففتها إليك ، وبثثتها بين يديك .. وقد سمعت ما سمعت .. فكن ممن سمع واتعظ ، فالعاقل من وُعظ بغيره لا به .. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته .
هذه همسات من حديث الحب ، ونفحات من عبير الورد ، وأشجان من قطوف الزهر ، فاضت بها النفس ، وجاد بها القلب ، وسطرها البيان ، وترجمها البنان ، أزفها إلى مسلم تعلّق قلبه بالمعازف والألحان ، هاجت لها أحاسيسه وتعلقت بها أنفاسه ، قد علا منه صوته ، وهاجت منه حركته ، وتمايل كتمايل السكران ، وتكسر كتكسر النسوان ، همسات أنثرها إلى قلوب مزقها الغناء ، وفرّقها الشجا ، قضوا حياتهم لذة وطربا ، واتخذوا دينهم لهوا لعبا ، أزفها إلى عقل نيّر وقلب زكي ، نعم .. أزفها إليك أنت يا من أعلم أنك مسلم موحّد ، يشتاق قلبك إلى الجنات ، وتهتز روحك إلى الدرجات العاليات ، وتعظم رب الأرض والسماوات ، فأنا لا أكتمك سرا فأنت من أغلى خلانّي وأسمى أحفادي ، ومن أجل إخواني وأعز أصحابي ، ولئن كان الشيطان قد تغلّب عليك تارة فأنت أهلٌ أن تغلبه تارات وتارات ، وأرجوا أن نجتمع سويا في الجنات وبجانب سيد الأنام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم .
أخي الكريم ..
هل علمت يوما أن الغناء الذي أنت تمارسه وتقضي معه أعزّ وأثمن الأوقات أنه صوت العصيان ، وعدو الرحمن ومزمار الشيطان ، نعم .. هو وربي قرآن الشيطان ، ما أدمن عليه عبد إلا استوحش من القرآن والمساجد ، وفرّ عن كل راكع وساجد ، وغفل عن ذكر الرب المعبود ، واستأنس بأصوات النصارى واليهود ، فَسَلْ ذا خبرة ينبيك عنه لتعلم كم خبايا في الزوايا ، ألم ترى أنه تغلّب على بعض العقول وطغى ، وزاد في الضلال وبغى ، وما خلقك لهذا ..!
نعم .. لم يخلقك ربك لأجل الغناء والألحان ، والهُيام والأشجان ، لا وألف لا ، بل خلقك لأجل أن تعبده وتدعوه ، وتنصر دينه وتحميه ، نعم .. فهل أدركت سرّ وجودك في هذه الحياة ، فعشتَ لأجله ومت ، وانظر رعاك الباري إلى شباب مثلك يعيشون للإسلام ويحيون لأجله ويموتون لأجله ، ويسفكون دماءهم لأجله ، أُناس مثلك خلقهم الله كغيرك صالحون فُطَنَا ، طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا ، بذلوا لربهم حياتهم ، وأنفقوا لهم أموالهم ، وأذلّوا بين يديه جِباههم ، وفارقوا لأجله أوطانهم ، شباب عرفوا للخالق حقه ، فصدقوا في حبه ، وتنعموا بقربه ، وشكروا له نعمته ، كلما ازدادت نعم الله عليهم ، ازدادوا لفضله شكرا ، وله حبا وتعبدا ، تسامت نفوسهم عن الهوى والألحان ، وتعلقوا بنعيم الجنان ، فلم يجرّهم الشيطان إلى شهوات ، ولا إلى مجالسِ المنكرات ، فلما كانوا كذلك أسكنهم ربهم فسيح الجنات ، مع الحور العين واللذات ، فما التفت وربي أحدهم إلى لهو ومعازف ، ولم يدنس دينه ولم يقارف ، بل سمت نفسه إلى سماع الرحمن ، والتقلب في الجنان ، حتى قال عنهم من خلقهم وسواهم { يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم }
ولك في هذه القصة عِبْرِة وعَبْرة ، طلب ملك الروم من أحد الخلفاء أن يُرسل إليه رسولا عاقلا ، فأرسل إليه الإمام أبا بكر الباقلاَّني ، فلما حضر مجلس ملك الروم ، أمروه أن يدخل من الباب راكعا ، فأبى عليهم وأقسم أنه لن يركع إلا لله الذي خلقه من عدم ، وصوره فأحسن صورته ، فلما دخل عند الملك ، أمر الملك عازفا عنده أن يضرب بآلة معه ، وكان لا يسمعها أحد إلا تمايل لها وطرب واهتزّ ، فلما ضرب العازف بآلته ، وسمعها الباقلاَّني التفت إلى الناس فإذا هم يتمايلون ، فلما رآهم كذلك ، مال على أصبعه واجتهدَ حتى جرحها فسال الدم ، فأشغله ألم الجُرح عن سماع الغناء .
أيها المبارك ..
أما سمعت قول الرب الحكيم وهو يقول في القرآن الكريم عن إبليس الرجيم بعد أن أقسم على ربه أن يفسد الخلائق { واستفزز من استطعت منهم بصوتك } [ والصوت هنا صوت الشيطان وهو الغناء ]
ألا ترى أنه يُثير الغرائز والآثام ، ويدعوا إلى الاختلاط وأنواع الحرام ، ولعمر الله كم من حرّة صارت بالغناء من البغايا ، وكم من حرٍّ صار به عبدا للصبيان والصبايا ، وكم من غيور تبدّل به اسما قبيحا بين البرايا ، وكم من معافا أحلّ به أنواع البلايا ، نعم ..
قل لي بربك أيها العاقل هل سمعت يوما مغنيا يغني بالتحذير من الزنا وشرب المسكرات ، أو بالغض عن البصر والعفة عن الشهوات ، أو شهود صلاة الجماعة مع المؤمنين والمؤمنات ، كلا وربي ، فما سمعنا ولا سمعت أنت بشيء من ذلك بل يصف الخدّ والقدّ والعينين والوَجنتين ، والحب والغرام ، والعشق والهيام وهذا ظاهر إذا تأملت كلامات الأغاني ، مع ما فيها من فتنة النساء بأصوات الرجال وفتنة الرجال بأصوات النساء أضف إلى ذلك كثرة التغنُّجٍ والدلال ، والتمايل والضحكات ، والغمزات والهمسات فتُاثر عندها الغرائز والشهوات وتدعوا إلى سيء الأخلاق والمنكرات ، وهؤلاء قد توعدهم الله بالعذاب الأليم والجزاء الوبيل يوم القيامة قال الله { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين أمنوا لهم عذاب في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون } وهذا الوعيد فيمن أحب ، فكيف بمن يعمل على إشاعتها ؟ إنه وربي الغناء .
رقية الزنا وداعية الخنا ، ومزمار الفساد وضلال العباد ، أفتأمن بعد هذا أن تُسْلب حلاوة القرآن ، والخشوع والأحزان ، وبيع الجزيل من الجنات بالقليل من اللذات ، أفتأمن بعد هذا هدام اللذات ، ومنغص الشهوات ، وميتم الأولاد والبنات ، فكأنه جاءك على غِرَّة ، فأبكم منك اللسان ، وهدَّ منك الأركان ، وقرّب منك الأكفان ، أفتأمن بعد هذا أن تُفاجئ بالقَضى ، وجمرٍ كالغَضى ، وسياطٍ وزقوم ، وتهويل ورجوم .
يا من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا ..
لقد قرن رسولك صلى الله عليه وسلم بين الغناء والخمر والزنا فقال « ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرَّ [ أي الزنا ] والحرير والخمر والمعازف » [ رواه البخاري ] وقال صلى الله عليه وسلم « نُهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند نعمة بلهو ولعب ومزاميرِ شيطان ، وصوت عند مصيبة لطمِ وجوهٍ وشقِ جيوب » [ رواه الترمذي ]
وسئل بن مسعود عن قوله تعالى { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله }
فقال : والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء ، وسئل محمد بن الحنفية عن قوله تعالى { والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما }
فقال : الزور هو الغناء لأنه يميل بك عن ذكر الله ، ووصف الله عبّاد الأصنام عند البيت الحرام بالغناء والتصفيق ..
فقال { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية } [ والمكاء والتصدية نوع من المعازف والغناء ]
وقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم سُمَّاع الأغاني بالمسخ والخسف والقذف فقال « سيكون في أمتي خسف وقذف ومسخ ، قيل متى ؟ قال : إذا ظهرت القينات [ أي المغنيات ] والمعازف واستحلت الخمر » [ رواه البخاري ]
وقال عليه الصلاة والسلام « ليكونن من أمتي أناس يشربون الخمر ويُعزف على رؤوسهم بالقيان يمسخهم الله قردة وخنازير » [ رواه الترمذي ]
نعم .. هذا شأن الغناء ولم يبقى إلا أن يتحقق الوعيد بالخسف والمسخ والقذف بالحجارة والحديد ، وقد تواتر كلام الأئمة الأطهار والعلماء الأبرار ، فعن عمر رضي الله عنهما خرج يوما في حاجة ، فمرّ في طريق فسمع زُمَّارةَ راعٍ فوضع أصبعه في أذنيه حتى جاوزه [ رواه أحمد ]
قل لي بالله عليك : أزماّرةُ راع أولى بالتحريم أم هذا الغناء الذي يتغنّج فيه المطرب والمطربة فيفتِنُ القلوب ، ويُشغل الأرواح عن علام الغيوب .
وقال عمر بن عبد العزيز لأبنائه أحذركم الغناء ، أحذركم الغناء ، أحذركم الغناء ، فما استمعه عبد إلا أنساه الله القرآن .
وجاء رجل إلى بن عباس رضي الله عنهما فقال يا بن عباس : أرأيت الغناء أحلال هو أم حرام ؟ فقال له : أرأيت الحق والباطل إذا جاء يوم القيامة ، فأين يكون الغناء ؟ قال الرجل : يكون مع الباطل ، فقال بن عباس ، فماذا بعد الحق إلا الضلال ..! اذهب فقد أفتيت نفسك !
وسأل رجل الإمام مالك عن الغناء فقال : ما يفعله عندنا إلا الفسّاق ، وسُئل الإمام أحمد عن الغناء فقال : الغناء ينبت النفاق في القلب ، وسماه الإمام الشافعي دياثه ، وأبو حنفية أفتى بتحريمه ، وأجمع العلماء على تحريمه ، فهل بعد هذه الأقوال من إباحة لهذه الآفة ؟ وبقول من تقتنع إن لم تقتنع بقول هؤلاء وكلام الرحمن وسيد الأنام .؟
كيف لا .. والغناء مبدأه من الشيطان ، وعاقبته سخط الرحمن ، وهو يحرك النفوس إلى كل قبيح ، ويسوقها إلى كل وصف مليحة ومليح ، فإذا سمع به أحد قلّ حياؤه ، وفرح به شيطانه ، واشتكى إلى الله إيمانه ، وثقل عليه قرآنه ، وتراه يميل برأسه ، ويهزَُ بمنكبه ، ويضرب الأرض برجليه ، ويصفق بيديه ، ويتأوَّه تأوُّه الحبيب ، ويصرخ كالمجانين ، فما من مطرب إلا ويترنَّح حوله نفر من الراقصات ، وما من مطربة إلا وحولها نفر من الرجال ، يتراقصون ويتمايلون ، اختلاط وسفور وتعرية للنحور ، فمن يجيز مثل هذا يا شباب الإسلام ..؟
فنعوذ بالله من هذه الأحوال ..
فدع صاحبَ المزمار والدُفِّ والغناء |
وما اختاره عن طاعةِ الله مذهبا |
|
ودعه يعش في غيِّه وضلاله |
على تنتنا يحيا ويُبعث أشيبا |
|
وفي تنتنا يوم المعاد تسوقه |
إلى الجنة الحمراء يُدعى مقرَّبا |
|
سيعلم يوم العرض أيَّ بضاعةٍ |
أضاع وعند الوزنِ ما خفَّ أو ربا |
|
ويعلم ما قد كان فيه حياته |
إذا حُصِّلت أعماله كلِّها هبا |
|
دعاه الهدى والغيّ من ذا يجيبه |
فقال لداعي الغيّ أهلا ومرحبا |
|
وأعرَضَ عن داع الهدى قائلا له |
هواي إلى صوتِ المعازف قد صبا |
أيها الحبيب ..
أما كلمات الأغاني فهي والله أعجب من أن تتصور ، فيها من المحادة لله ورسوله والشرك الأكبر والأصغر والتعدي على الرسل الكرام ، والاعتراض على رب العالمين وعلى ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ ، فهذا أحدهم يقول " جئت لا أعلم من أين .. ولكني أتيت .. ولقد أبصرتُ قُدّامي طريقا فمشيت .. وسأبقى سائرا فيه شئت هذا أم أبيت .. كيف جئت .؟ كيف أبصرت طريقي .. لست أدري " وتقول أخرى " لبست ثوب العيشِ ولم أُستشر " [ أي خلقني ربي ولم يستشيرني نعوذ بالله من هذا الكفر ]
ويقول آخر " عشتُ لك وعلشانك " والله يقول " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين "
وهذا يقول " أعشق حبيبي وأعبد حبيبي " وآخر يقول " الحب في الشرع فرض على الجميع ارتِياده ، قلت المحبة عندي لو تعلمين عباده "
وبعضهم يكذب على الله فيقول أحدهم " الله أمر .. لعيونك أسهر " والله يقول " قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون "
وهذا يعتدي على نبي من أنبياء الله لما فقد محبوبته " صبَرت صبْر أيوب ، وأيوب ما صبر صبري " وهذا يعترض على قضاء الله وقدره ويتهمه فيقول " ليه القسوة ليه ، ليه الظلم ليه ، ليه يا رب ليه "
وهذا يصرِّح باستعداده دخول النار ما دام أنه مع محبوبته فيقول " يا تعيش وايّاي في الجنة ، يا أعيش وإياك في النار ، بطّلت أصلي وأصوم ، بدّي أعبد سماك ، بجهنم ماني برايح ، إلا أنا وإياك "
وآخر يقول " علشانك أنتِ ، أنكوي بالنار ، وألقِّح جثتي ، وأدخل جهنم وأقول : آه يالهوتي " وآخر يقول " خذي الجنة ، وعطيني النار ، ما دام هذا كل ما تشتيهنه " وهذا يعترض على ما كتبه الله في اللوح المحفوظ فيقول " الفرح مسطّر غلط مكتوب " وهذا يستهزئ بالموت فيقول " أُوصي أهلي وخلاني حين أموت ، يضعوا في قبري ربابة وعود " وهذا يستهزئ بالقرآن فيقول " حبك سقر ، وما أدراك ما سقر ..؟ "
فيا أخي العاقل : ألا ترى أن هؤلاء المغنون قد اعتدوا على الشريعة وعلى ربهم وعلى رسله وأنبيائه ، فانظر إلى أشرطة الغناء واقرأ أشرطة المغنين تجد أنهم نصارى أو مسلمين كفرة فجرة ، لا يصلون ولا يعظمون الدين .
أيها المسلم الكريم ..
إن مما يعينك على ترك هذا الغناء ، الرغبة في دار أخرى فيها متع عظيمة ، إنها الجنة وما أدراك ما الجنة ، نور يتلألأ ، وريحانة تهتز ، وقصر مشيد ، ونهر مضطرب ، وثمرة نضيجة ، وحلل كثيرة ، وزوجة حسناء جميلة ، وفاكهة وخضرة ، وحبرة ونعمة ، في حلة عالية بهيَّة ، في جنة عدن عند مليك مقتدر ، بناها الله تعالى لعباده المتقين فأحسن بناءها ، وملأها من كرامته ورحمته ورضوانه ؛ لبنة من ذهب ولبنة من فضة ، مِلاطها المسك ، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت والجوهر ، وترابها الزعفران ، وسقفها عرش الرحمن ، غرفها مبنية يُرى ظاهرها من باطنها ، ويرى باطنها من ظاهرها ، من دخلها ينعم فلا يبأس ، ويخلد فلا يموت ، لا تبلى ثيابه ، ولا يفنى شبابه ، أما أشجارها فما من شجرة هناك إلا ولها ساق من ذهب ، وأخرى من فضة ، وأما ثمارها فألين من الزبد ، وأحلى من العسل ، وأما ورقها فورق من رقائق الحلل ، وأما تصفيق الرياح لذوائب أغصانها ، فيستفز من لا يطرب بالطرب ،
والحور العين ينظر الرجل إلى خدها فيرى وجهه في خدها ، ويعتنقها أربعين سنة فلا يُحس بضيقها ، ويمصُّ ريقها فهو عنده أحلى من العسل ، وأما أنهارها : فأنهار من ماء غير آسن ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وأنهار من خمر لذة للشاربين ، وأنهار من عسل مصفى ، وفوق ذلك ظلُّها ممدودٌ ، وطلحُها منضود ، ألْيَن من الزبد ، وأحلى من العسل ، وأما ماؤها ، فمسكوب ، حدائق وأعناب ، وكواعب وأتراب ، فاكهة مما يتخيرون ، ولحم طير مما يشتهون ، شرابهم التسنيم والزنجبيل والكافور، وآنيتهم الذهب والفضة في صفاء القوارير، فيها ما تشتهيه الأنفس ، وتلذُّ الأعين ، مَن يدخلها يخلد أبدًا ، روح وريحان ورب راضٍ غير غضبان ، ذُلِّلت قطوفُها تذليلا ، يتكئ أهلها على الأرائك { لا يرون فيها شمسًا ولا زمهريرًا } ، و { لا يسمعون فيها لغوًا ولا تأثيمًا إلا قيلا سلامًا سلامًا }
{ ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون . فأما الذين أمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يُحبرون }
فلماذا أخي لا تفيق وتعود إلى العزيز الحميد .
وأخيرا ..
يا لاهيا بالغناء { ألم يأن للذين امنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون }
يا لاهيا بالغناء { ماغرك بربك الكريم ، الذي خلقك فسوك فعدلك ، في أي صورة ما شاء ركبك }
يا لاهيا بالغناء { إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا }
يا لاهيا بالغناء { واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون }
يا لاهيا بالغناء : تصوّر نفسك وأنت بين زملائك في لهو طرب وإعراض وزمر ، فإذا بملك الموت قد حل بك ، فكيف يكون جوابك ومصيرك أمام الجبار جل جلاله ،
يا لاهيا بالغناء : أرأيت لو سلب الله سمعك ، فصرت تجلس بين الناس ، لا تدري عنهم إذا تكلموا ولا تفهم مرادهم إذا ضحكوا ، تتلفت بينهم بعينيك ، وتشير لهم بيديك ، يا لاهيا بالغناء أين أنت من المؤمنين { الذين إذ ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا }
يا لاهيا بالغناء ، أما تخشى سوء الخاتمة ، فتلقى الله سامعا أو مغنيا أو عازفا ،
يا لاهيا بالغناء أما علمت أنك عبد لله ، وكل ذرة من ذرات جسمك وكل نفس من أنفاسك لا يتحرك إلا بإذن خالقك وقد جعل الله لك عينين ولسانا وشفتين فهل سألت نفسك يوما كيف علاقتي معه ؟ هل هو راض عني أولا ؟ كيف سيكون اللقاء يوم القيامة ؟
يا لاهيا بالغناء أما فكرت يوما مع من تجتمع معه ، وقد رحل منهم من رحل ، فهل تتمنى أن تجتمع معهم في مكان واحد يوم القيامة ..؟ والموت إن لم ينزل بك اليوم نزل بك غدا ، فأين وجهك يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ؟
أين وجهك يوم يعلم نبيك صلى الله عليه وسلم أن أمته قد عكفت على الغناء والموسيقى بسببك ؟
أين تذهب بوجهك يوم تعلم أن الناس سهروا على الغناء إلى الفجر بصوتك وزمرك ؟
أين تذهب بوجهك إذا بعثر ما في القبور ، وحُصّل ما الصدور ؟
أين تذهب بوجهك إذا سال عرقك ، وانتفض جسدك ، وطار فؤادك ، فيا أخي ..
يا من بارز الله بهذه المعصية ..
يا من أعجبه بشبابه ، وألهته ثيابه ، وغرّه صوته وجماله ..
اعتزل ذكر الأغاني والغزل |
وقل الفصل وجانب من هزل |
|
إنّ أهنا عيشةٍ قضيّتَها |
ذهبت لذاتها والإثم حلّ |
هذه نسماتي وهمساتي .. هذه أزهاري ووردي .. زففتها إليك ، وبثثتها بين يديك .. وقد سمعت ما سمعت .. فكن ممن سمع واتعظ ، فالعاقل من وُعظ بغيره لا به .. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته .
المصدر: موقع صيد الفوائد