نظرة فاحصة لردود الأفعال على الفيلم المسيء

منذ 2012-09-19

لو أردنا أن نقيم تأثير الدول الإسلامية والعربية على القرار السياسي الغربي لوجدنا أنه شبه معدوم وهو ما يؤدي إلى تجرؤ الافراد والهيئات والمؤسسات الغربية على المسلمين ومقدساتهم دون أدنى تفكير في العواقب..


أثارت قضية الفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم الذي صنعه أقباط وصهاينة في الولايات المتحدة, العديد من الأمور الهامة التي ينبغي الالتفات إليها في ظل التوتر والتشنج الغالب على معظم ردود الافعال..


ومن أهم هذه الامور النظر لردود الافعال وتباينها ومدى فاعليتها, وهل تخدم القضية الرئيسية أم تضر بها؟ كما تثير أمر آخر أكثر أهمية وهو وزن المسلمين على الصعيد الدولي ومدى تأثيرهم على القرار السياسي في العواصم الكبرى, وهل يتناسب مع عددهم وثرواتهم؟ وأسباب ذلك؟..تنوعت ردود الفعل على الفيلم المسيء بين بيانات خرجت من جهات علمية وقوى سياسية وشعبية أدانت بشدة وطالبت بحسم, وبين احتجاجات ومظاهرات عنيفة سقط فيها عدد من القتلى والجرحى وشملت حرق للعلم الامريكي ومطالبات بطرد السفير وقطع العلاقات, كما تضمنت إدانات واستنكارات على الصعيد الرسمي من مسؤولين ورؤساء وملوك, كما شهدت دعوات لاتخاذ مواقف ايجابية بشأن التعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم في الغرب وإجراءات لتجريم ازدراء الأديان على الصعيد الدولي, والملاحظ أن أكثر هذه الردود النظرية تمت من قبل عندما تم نشر الرسوم المسيئة في الدانمارك ولم تمنع تكرار ما حدث, أما المطالبات الفعلية فلم يتم اتخاذ خطوات واضحة فيها فقط يتم الحماس لها في وقتها ثم تزول الحماسة, أما الردود الرسمية فهي لا تتابع فمثلا مسألة تجريم ازدراء الأديان ما هي الخطوات الحاسمة التي اتخذتها الدول العربية والإسلامية في هذا الاتجاه منذ عدة سنوات؟ وما هي وسائل الضغط التي اتبعتها في سبيل ذلك؟

ولنضرب مثالا حتى تتضح الامور: لو تم إهانة أحد الانظمة العربية والإسلامية في الغرب وتوجيه انتقادات مسيئة له في أي دولة غربية عدة مرات متتالية على الصعيد الرسمي أو الإعلامي هل يمكن أن ترى علاقات سياسية أوتجارية أو اقتصادية نشطة بين هذا النظام وهذه الدولة أو تبادل زيارات أو حديث عن منافع ومصالح مشتركة؟ لا يمكن طبعا بل ستتجمد مثل هذه العلاقات وتضغط على صناع القرار في هذه الدولة الغربية وسينسون فورا مزاعم "حرية الرأي واستقلال القضاء" كما حدث في قضية نجل الزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي في سويسرا قبل قتله عندما غضت "أعظم دولة قانون وحريات" ـ كما يقول الليبراليون ـ النظر عن نجل القذافي بعد تهديدات والده بسحب استثمارات وأرصدة ليبية من هناك, وهو ما حدث بين ليبيا وعدة دول أوربية أخرى مثل بريطانيا وفرنسا في قضايا مشابهة..


إذن الغرب يتراجع إذا وجد من الطرف المقابل شدة وحسم في اتخاذ المواقف أما مجرد التصريحات والمطالبات فلن تؤدي إلى استجابة حقيقية....النظر أيضا إلى بعض ردود الافعال يجد أنها تخدم الغرب وهو الجانب المعتدي وتقدم المبررات له لكي يتدخل في شؤون الدول العربية والإسلامية مثل حادثة قتل السفير في ليبيا وما تبعها من إرسال قوات مارينز وسفن حربية لشواطئ ليبيا بدعوى حماية السفارة, وطبعا ستقوم بعمليات هجومية تسفر عن مقتل مدنيين أبرياء بالعشرات أو بالمئات كما يحدث في باكستان والعراق وأفغانستان..


الاحتجاجات السلمية مطلوبة ولكنها لا تكفي وحدها بل تحتاج لضغط شعبي على صناع القرار لاتخاذ خطوات ملموسة ضد الدول المسيئة لتجريم ذلك بالقانون كما يجرمون الإساءة لليهود بالقانون ويحاكمون كل من يتجاوز في حقهم..من اللافت أيضا أنه في الوقت الذي لم تهدأ فيه الاحتجاجات في العالم الإسلامي على الفيلم المسيء قررت مجلة فرنسية أن تنشر رسوما مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم, وليس من المستبعد أن تتبعها مجلات وصحف أخر وتُصنع أفلام أيضا في دول أوروبية على نفس الطريقة وينتفض المسلمون ثم يهدأون دون أن يحدث ردع لهؤلاء المسيئين لسبب بسيط هو أن وزن المسلمين على الصعيد الدولي لا يتناسب مع عددهم ولا ثرواتهم بسبب ضعفهم وتفرقهم وتشتت مصالحهم...

لو أردنا أن نقيم تأثير الدول الإسلامية والعربية على القرار السياسي الغربي لوجدنا أنه شبه معدوم وهو ما يؤدي إلى تجرؤ الافراد والهيئات والمؤسسات الغربية على المسلمين ومقدساتهم دون أدنى تفكير في العواقب, والعواقب هي حقيقة ما يمثله الوزن السياسيي والاقتصادي للمسلمين مجتمعين فأين هذه الهيئة التي تجمعهم وتوحد مصالحهم على الاقل في القضايا المتفق عليها مثل قضية ازدراء المقدسات..لقد سرق اليهود فلسطين من بين أيادي المسلمين دون أن يتحركوا حتى أصبح وجود الكيان الصهيوني عند الكثيرين "أمر واقع", والآن يتم إهانة دينهم ورسولهم صلى الله عليه وسلم فهل يتحول إلى "أمر واقع" أيضا؟!


خالد مصطفى - 4/11/1433 هـ

 

  • 2
  • 0
  • 3,088

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً