لماذا يُسِيئُون إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟

منذ 2012-09-29

{قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}


انتشر في بحر هذا الأسبوع على المواقع الإلكترونية شريط "فيلم" مسيء للإسلام، عنوانه "براءة المسلمين"، من إنتاج وإخراج كاتب أمريكي يهودي، مدته ساعتان، شارك فيه قرابة 60 ممثلاً، و45 مصوراً، وكلّف خمسة ملايين دولار، تبرع بجُزءٍ منها 100 يهودي. وكان قد عُرض في هوليود قبل ثلاثةِ أشهر دون أن يأبه به أحد، حتى انتشرت -مؤخراً- نسخة منه مدبّلجة بالعربية، ليعرفه الناس، ولتشتعلَ ردودِ الأفعال تجاهه.

ولقد حشد فيه المؤلف من أصناف الإساءة، والطعن، والتشويه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته، وأمهات المؤمنين، والمسلمين قاطبة، ما لم يجرؤ أحد قبله أن يفعله؛ فقد صور رسولَ الله صلى الله عليه وسلم طفلاً لقيطاً، لا يعرف له أبّ ولا أُمّ، وسمّوه محمد بن أبيه. ثم جعله رجلاً شاذاً شهوانياً، مهووساً بالنساء، حتى تزوّج منهن إحدى وستين امرأة -زعم-، وأنه ألغى التبني ليتزوج زينب بنت جحش التي كانت زوجة لزيد بن حارثة. وجعله شغوفاً بالقتل والاعتداء، مُسخراً الأطفال في حاجاته الشخصية، ليبيعهم بعد ذلك، همّه جمع المال عن طريق فرض الجزية.

وصور الصحابة الكرام عصابة قتلةٍ فجرة، يفرحون بالظلمِ والانتقام، ويبتسِمون عند ذكر النساء.

وقدم أمنا خديجة رضي الله عنها على أنها امرأة شهوانية لا أخلاق لها، تظهر أمام الرجال شبه عارية، وأنها أرادت الرفعة لزوجها، فأمرت ورقة بن نوفل أن يحقق لها ذلك، فوعدها بتأليف كتاب له يُسمّى قرآنا، جمعه له من التوراة والإنجيل.

وأن الحمار يعفور هو أول مسلم من الحيوانات. ليعمل في النهاية على تعميق الفتنة بين اليهود والمسلمين، عن طريق الانتصار إلى أن فلسطين مِلْك لليهود، ولا دخل للمسلمين فيها. ويختم المؤلف تعليقاً له على جريمته بأن "الإسلام سرطان". {قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آلِ عمران من الآية: 118].

لهذه الأسباب، ثار بعض الشباب المتحمسين في بلدان مجاورة، فتجاوزوا حدودَ الاحتجاج السلمي، والتعبير الحضاري، إلى ردودِ أفعالٍ لا يُوافق عليها العلماء، ولا غير العلماء ممن لهم بَصَر بمآلات الأمور.

فقد سارع المجلس الأعلى لبلدنا -مشكوراً- على غرار ما سلكه كثير من علماء المسلمين في بلدان إسلامية، بإصدار بلاغ يُدينُ بشدّة ما يعرضه الفيلم من إهانة للرسول صلى الله عليه وسلم وللأمة الإسلامية، وأنه فعلٌ شنيع يدل على المكر وإرادة الفتنة، ليخلص إلى القول: "إن رد الإساءة لا يكون بالإساءة، ومقابلة الاستفزاز لا يكون بالعنف والجريمة، وإنما يكون بالحكمة والمُجادلة بالتي هي أحسن، وبالتفاهم بين حكماء العالم من جميع الشعوب والأديان، من أجل التشاور والتعاون على صِيانة الحرمات، وإقرار التفاهم بين البشر، وتجنب أسباب التنافر والعدوان".

وطالب مفتي إحدى البلاد العربية الأمين العام للأمم المتحدة، بضرورة السعي في إبرام اتفاقية، يوقع عليها كافة الأعضاء، لتجريم التطاول على الأديان، والرموز، والمقدسات الدينية، كما دعا المستشار الإعلامي لهذا البلد المسلمينَ إلى أن تتميز مواقفهم بالرُّقي والحضارة، بتحويل الغضب إلى طاقةِ بناءٍ وإبداع، وتفكير في الحلول المناسبة للتعريف بالإسلام، كتنظيم لقاءات، وندوات، وإنشاء مواقع إلكترونية، وقنوات فضائية، تبث برامج علمية رصينة، تظهر سماحة الإسلام، ودعوته السلمية، وإنكاره على المعتدين والمتجاوزين، وتركز النظر على شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، المُفعمة بالمَحبة والإخاء.

فها هو نبينا صلى الله عليه وسلم يتعرض للحصار الاقتصادي والاجتماعي في السنة السابعة من البعثة، ويدوم الحصار ثلاث سنوات، أكل فيها المسلمون ورق الشجر، وسمع بكاء صبيانهم، وعضتهم النوائب، وكان من المسلمين حمزة بن عبد المطلب، وعمر بن الخطاب، فضلاً عن أبي بكر وعثمان رضيَ الله عنهم.. وهُم مَنْ هُم في القوةِ والشدّة وردّ الصاعِ صاعين، ومع ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم أنصاره بالصبر على الإواء، وتحمُّل الابتلاء، حتى لا يكونوا سبباً في إشعالِ فتيلة المعارك والمواجهات، إلى أن قيّض الله من قريش من يَطعن في وثيقة الحصار، ويُلغي العمل بها، لترجع بعد ذلك للمسلمين هيبتَهم ومكانتهم.

ولما اعتدى مشركو الطائف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقي من الأذى الشيء الكثير، شتماً، وضرباً، ورجماً بالحجارة، قيّض الله له ملَك الجبال، الذي قال له:«قَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ، فَمَا شِئْتَ؟ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمِ الأَخْشَبَيْنِ؟». فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:«بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ الله مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً» [متفق عليه].

ولما قَدِمَ طُفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِىُّ وَأَصْحَابُهُ عَلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ دَوْساً عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا. فقال الرجل:{إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، هلكت دوس و ربُّ الكعبة". وذكر ابن عبد البر أنهم قوم انتشر فيهم الزنا. فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ورفع يديه وقَالَ:«اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْساً وَائْتِ بِهِمْ» [متفق عليه]. قال الكرماني:"هم طلبوا الدعاء عليهم، ورسول الله دعا لهم، وذلك من كمال خلقه العظيم، ورحمته على العالمين".

وكان من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما قاله لعائشة رضي الله عنها: «يَا عَائِشَةُ ارْفُقِي، فَإِنَّ الرِّفْقَ لَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ زَانَهُ، وَلاَ نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ شَانَهُ» [رواه مسلم].
 

بنيت لهم من الأخلاق ركنا *** فخانوا الركن فانهدم اضطرابا
وكان جنابهم فيها مهيبا *** وللأخلاق أجدر أن تهابا



د. محمد ويلالي
 

  • 2
  • 0
  • 2,987

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً