مهلاً يا فضلاء فلسنا غوغاء

منذ 2012-10-02

اطلعت على ما كتبه الكثيرون عن ردود الأفعال التي حدثت إثر تداعيات الفلم المسيء لمقام النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ولست بصدد النقاش حول حقيقة الفلم ومن يقف خلفه، ولا حول مضمونه وافتراءاته، لكني سأقف عند قضيه واحدة؛ وهي وصف الكثيرين لردود الأفعال في كثير من أقطار العالم الإسلامي بأنها غوغائية!


اطلعت على ما كتبه الكثيرون عن ردود الأفعال التي حدثت إثر تداعيات الفلم المسيء لمقام النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ولست بصدد النقاش حول حقيقة الفلم ومن يقف خلفه، ولا حول مضمونه وافتراءاته، لكني سأقف عند قضيه واحدة؛ وهي وصف الكثيرين لردود الأفعال في كثير من أقطار العالم الإسلامي بأنها غوغائية!

حديثي هذه المرة ليس عن تصرف بذاته، ليس عن قتل السفير الأمريكي في ليبيا -إن صح أنه قتل بأيدي مسلمين ولذات القضية- ولا عن إحراق مطاعم وأعلام وتهديدات ونحوها من أفعال الاحتجاج على مستوى العالم.

وإنما سأتحدث عن القراءة النفسية الثقافية للمشهد وما خلّفه من ردود أفعال؛ فلم يترك البعض نعتًا مشينًا إلا وألصقه بالمسلمين، بدءًاً من نفسيتنا المتأزمة، وعدائنا المتأصل للآخر -على حد تعبيرهم- إلى وصفنا بأنا لسنا حضاريين في ردود أفعالنا، بل ومحاكمة منطقيتنا وعقلانيتنا، ولم يتوان الكثيرون أيضًا عن عقد المقارنات بين مقام النبوة وقضايانا الكبرى في مجال السياسة والاقتصاد ونحوها. ولي مع هذه الحادثة وقفات أوجزها فيما يلي:

1. التعدي على مقام النبوة ليس كغيره من القضايا المصيرية مهما بلغت، وإذا كان الإيمان لا يتم حتى يكون صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من أنفسنا وأبنائنا فإن الغضبة له عليه الصلاة والسلام يجب أن تكون أقوى من غضبتنا لسلب أموالنا ونهب خيراتنا وقتل أبنائنا وكل ذلك عند الله عظيم لكن كمال الإيمان يقتضي ذلك.

2. الغضبة الإسلامية لأجل أمرٍ مقدس يجب ألا تقل عن الغضبة السياسية في ثورات الربيع العربي، فالشعوب الحانقة مارست حقها في الاحتجاج في سبيل الحرية أو الديموقراطية، ولم نسمع أحدًاً يتهم المتظاهرين بالغوغائية أو يتهم البوعزيزي رمز الثورة التونسية مثلاً بالحماقة لإحراق نفسه! بل أصبح رمزًا خلدت ذكراه في أعمالٍ فنية وأدبية ورمزية. وهذه المظاهر كلها مع التحفظ على أوصافها الشرعية وأحكامها الخاصة إلا أنها تشكل تعبيرًا رمزيًا عن الاحتجاج في سائر الثقافات ولدى كل الشعوب.

3. في بعض الطروحات إلزامٌ بما لا يلزم، وربطٌ بين أمور لا تلازم بينها، فالموقف من سوريا بكافة حيثياته السياسية يختلف تمامًا عن الموقف من الإساءة لمقام النبوة، وهل يلزم من الضعف أو التقصير في مقام أن يصبح حالة مستديمة لكل أمرٍ مهما عظم؟!

4. يقول البعض بأن المشهد جعلنا أضحوكة العالم، والحقيقة أن الأضحوكة هي حالة الهزيمة النفسية التي نعاني منها قبل كل شيء، ذلك أن العالم المتحضر -وأقولها عن تجربة وخلطة- ليس مستعدًاً للضحك فقط، بل يستفيد من كل حدث ولو كان من سوءاته، ولا أدل على ذلك من الإقبال على قراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد هذه الحادثة وأمثالها من الحوادث السابقة كالرسوم المسيئة وحادثة التهديد بإحراق القرآن من قبل القسيس المتعصب جونز ونحوه. وهذا ما جعل المنصفين من الغرب ينظرون إلى حالة الاحتجاج الشعوري الراهنة بنوع من التأمل والدراسة واستنباط الدروس السياسية بل وحتى الثقافية بصورة أكثر عدلاً من قراءة بعض مثقفينا لها.

ولقد تعودنا من بعض مثقفينا أن يكونوا كأبي رغال يعينون علينا ولا يعينونا وينسون أن الآخر الذي ينافحون عن صورتهم أمامه لن يكون أكرم من أبرهة وجنوده حين كافأ أبي رغال بالخلاص منه حين انتهت مهمته، وأن العقول تواطأت على أن من فقد ولاءه لدينه ولمبادئه لن يكون أوفى لغيرها على مدى الأيام.

5. في جانب الحقوق والمواثيق الدولية يجب أن يستصدر قانونٌ يجرم الإساءة لمقام النبوة تحديدًا، وإذا كانت الأمم المتحدة قد أصدرت قانونًاً خاصًاً بمعاداة السامية، وعدم التعرض لذكرى الهولوكوست المزعوم بسوء، فإن هذا لم يتناقض لديهم مع الحريات، ولم يصبح مثار سخرية من فضلائنا المعترضين اليوم. وإني أناشد سائر المهتمين وذوي الرأي والتأثير، أن يطالبوا بمثل هذا القانون الدولي، فإن تاريخ الإسلام على مدى أربعة عشر قرنًا لم يتضمن إساءة واحدة لنبيٍ من الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام.

6. في مقام النبوة لم يكن موقف المسلمين متناقضًا ولا متحيزًا والإيمان بسائر الرسل شرط للإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا فإن غاية ما ينادي به المسلمون هو التأدب مع مقام النبوة.

7. لا شك أن الصراع بين الشر والخير ماض إلى قيام الساعة ولكن مقام النبوة عظيم، ومازال الغرب والشرق يسخر من سائر التشريعات كالحجاب واللحى والجهاد وتعدد الزوجات وأمور كثيرة لم تكن محل استنكار وغضب عارم؛ لأن المساس بمقام الأنبياء أمرٌ لا تقبله كافة الشرائع السماوية.

أخيرًا:

لست مع الغوغائية بوصفها الصحيح، ولا مع جلد الذات، واستنكار ردود الأفعال التي لا تختلف حجمًا وكيفًا عن مسبباتها وإن اختلفت في الطريقة والأسلوب تبعًا لاختلاف الثقافات. لكني -بحق- أرفض تجريد الظاهرة الإيمانية من بعدها الديني، وسلب كرامة وقدسية مقام النبوة بشعارات زائفة ليس لها على أرض الواقع وجود، فالتسامح غير المتناهي على الطريقة الغاندية أمرٌ لا تقبله الفطرة ولا الكرامة الإنسانية التي أقل ما يمكن أن يتبقى لها من معاني الحياة أن تضطرب عند الذبح!

والله غالبٌ على أمره.


مها الجريس
 

المصدر: شبكة نور الإسلام
  • 0
  • 0
  • 2,892

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً