اليوم الوطني بعد هدوء العاصفة

منذ 2012-10-06

..مع تعدد الأسباب التي يراها المعارضون لاحتفالات اليوم الوطني إلا إن أساس ومحور المعارضة والرفض كان ولا زال للحكم الشرعي في هذا الاحتفال والذي أفتى به علماء هذه البلاد المعتبرون.


أيا كانت الأسباب التي دفعت البعض إلى اتخاذ موقف رافض للاحتفال باليوم الوطني في المملكة العربية السعودية ومهما اتسعت دائرة الرافضين أو ضاقت، إلا إنه مما لا يمكن تجاهله هو الاتساع الملحوظ لدائرة الرفض لتلك الاحتفالات بعد اليوم الثالث والعشرين من شهر سبتمبر في كل عام وهو اليوم الذي يصادف الإعلان عن قيام المملكة العربية السعودية 1932م والذي اختير فيما بعد ليكون يوماً وطنياً.

ومع تعدد الأسباب التي يراها المعارضون لاحتفالات اليوم الوطني إلا إن أساس ومحور المعارضة والرفض كان ولا زال للحكم الشرعي في هذا الاحتفال والذي أفتى به علماء هذه البلاد المعتبرون.

فقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية بحرمة الاحتفال بالأعياد المحدثة أو التي فيها تشبه بالكفار كالاحتفال بعيد المولد، وعيد الأم، والعيد الوطني (فتوى رقم 9403- 3/59).

وحتى مؤسس المملكة العربية السعودية، الملك عبد العزيز يرحمه الله وبعد مرور خمسين عاماً على دخوله مدينة الرياض. وبعد أن وُضعت الترتيبات والاستعدادات للاحتفال بهذه بالمناسبة استفتى علماء الدين في ذلك، فأفتوا بأنه ليس من سنن المسلمين، ولا يجوز أن يتخذ المسلمون عيداً إلا عيدي الفطر والأضحى. فألغى الملك رحمه الله المراسم والترتيبات.

وقبيل الاحتفال باليوم الوطني لهذا العام انتقد الأمين العام لرابطة علماء المسلمين فضيلة الشيخ ناصر العمر هذا الشكل من أشكال الوطنية الذي يفرز هذا الكم الهائل من المصائب والجرائم والتطاول ووصفه بالزور الذي نهى الله عنه: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 72].

ومع تأكيد الشيخ على حرمة الأعياد الوطنية مهما تغيرت مسمياتها فقد اعتبر أنه حتى لو لم يكن الاحتفال باليوم الوطني حراما لوجب على العلماء الإفتاء بحرمته لما يترتب عليه من مفاسد اجتماعية وأمنية كما هو المشاهد في تلك الأعياد في كل عام.

وكبداية، ليس أدل على كلام الأمين العام لرابطة علماء المسلمين -وحتى قبل بدء الاحتفالات- وأكثر وضوحا من إصدار إمارة الرياض توجيهاً للأسواق بالإغلاق مساء اليوم الوطني في إجراء مشابه لما فعلته العام الماضي، إذ يتزامن أمر الإغلاق مع الاستنفار الأمني من كافة الأجهزة داخل المملكة في هذا اليوم تحسباً لما يصحبه هذا اليوم من ممارسات (غير مقبولة).

حوادث مأساوية:
وبالفعل، انطلقت تلك الاحتفالات تصاحبها الكثير من التصرفات غير المقبولة ما إن بدأت حتى بدأت معها شبكات التواصل الاجتماعية في نقل صور وأخبار ومقاطع مرئية للكثير من التجاوزات والتعديات والحوادث المأساوية.

ولعل من أول تلك الحوادث و أبرزها ما تعرضت له أسرة البروفيسور طارق الحبيب، الطبيب النفسي والمستشار الأسري من حادث مروع إثر اصطدام سيارتهم بسيارتين عابثتين مما نجم عنه إصابه ابنه طارق ذو العشر سنوات بكسور في الجمجمة دخل على إثرها في غيبوبة.

وفي حادثة أخرى شهدت مدينة جدة سقوطاً مميتاً لشاب من فوق إحدى الكباري وذلك بعدما تعطّلت سيارته في أعلى الجسر مما حدا به النزول من مركبته ومحاولة إصلاحها، إلا أن سيارة أحد المتهورين العابثين صدمته من الخلف، ليسقط من أعلى الجسر ويلقى مصرعه، كما تعرض الشاب زياد الأحيدب لحادثة شبيهة وظهرت له صورة وهو يرقد على السرير الأبيض إثر اصطدام سيارة شاب به.

ولا تكاد تخلو تلك الاحتفالات من تعديات على الممتلكات العامة والخاصة، يكون ضحيتها في الغالب أصحاب السيارات والمحال التجارية فيستهدفها العابثون بالتحطيم والنهب والتخريب.

وقد شهدت محافظة خميس مشيط جنوبي البلاد هذا العام تعدٍّ من العابثين على محل خاص بالوجبات السريعة، وقاموا بتهشيم واجهته الزجاجية وسرقة عصائره ومأكولاته، بالإضافة إلى الاعتداء على العاملين داخل المحل.

وليس أخطر من الانفلات الأمني في هذه الاحتفاليات، إلا الانفلات الخلقي، خاصة في المجتمع السعودي والذي تحكم أبناءه وبناته ضوابط من الشرع والعرف والقبلية، إلا أن الأجواء السائدة في هذه الاحتفالية تحديداً تخلق جواً غير اعتيادي يدفع بالبعض إلى تخطي الكثير من هذه الضوابط.

فلقد بات من المألوف أن تشاهد في الميادين والمجمعات التجارية والطرق الرئيسية في مدن المملكة الرئيسية، جماهير المحتفلين وقد خرجت تصرفاتهم عن الحدود المسموح بها، فمن فوضى وإغلاق للشوارع وتعطيل للمصالح ومخاطرة بالسيارات وتساهل بالأرواح، إلى رفعٍ لأصوات الغناء وتبرج وسفور واختلاط بين الجنسين وتراقص النساء بينهن أو مع الرجال، وقد يصل الأمر إلى تحرشات علنية ومضايقات واعتداء على العوائل داخل السيارات وانفلات أخلاقي من قبل بعض النساء وصل إلى حد التجرد من الحياء.

لقد أثارت هذه المظاهر حفيظة الكثيرين من أبناء هذا البلد، لما آلت إليه هذه الاحتفالات من الخروج عن روح الوطنية ومفاهيمها الحقة إلى إهدار للمكتسبات والمجاهرة بالمعاصي وبالمنكرات، وتخطي العادات والتقاليد.

وعبّر الكثير من خلال مواقع التواصل الاجتماعي عن استيائهم من تلك الأفعال المشينة، والسلوكيات غير اللائقة والتصرفات الهمجية، مطالبين بإيجاد حلول للقضاء على تلك التجاوزات، وإلغاء أي مظهر من مظاهر الاحتفال باليوم الوطني مؤكدين على أن من يعارض الاحتفال باليوم الوطني ليس بأقل وطنية وانتماءً لهذا الوطن ممن يؤيده.

فقد قال الدكتور طارق الحبيب، الذي أصيب ابنه بسبب شباب كانوا يستعرضون بسياراتهم، على حسابه في تويتر: في يومك يا وطن شباب الوطن يكسرون عظام جمجمة ابني في استعراض بسياراتهم مصطدمين بسيارة أسرتي، هو في غيبوبة بسبب احتفال اليوم الوطني.

وقال الإعلامي عبد الرحمن الدحيم إنه إذا كانت احتفالاتنا سنوياً بيوم الوطن بهذا الشكل من عبث، فأقترح أن تكون احتفالاتنا محلها القلب. وإنما الأعمال بالنيات. لا بارك الله في المخربين.

وقال محمد المطيري: إن نهاية اليوم الوطني‏: طرق مغلقة ورقص وتأخير للناس عن بيوتها وحوادث مرورية، وناس دخلت مستشفيات بسبب عدم وجود مقرات للاحتفال بدل النزول للشوارع والطرقات.

وقال أيمن الزهراني: إن بعد احتفالات أمس واستخفاف شبابنا وبناتنا بشهادة التوحيد الموجودة على العلم، يجب علينا منع هذه المظاهر السيئة لأنها تُعبّر عن أخلاق من يقومون بها.

وقالت نورة العبد الحافظ: اليوم الوطني قسم الناس إلى ثلاث فئات مسافرون عن الوطن وعابثون بمكتسبات الوطن ومحاصرون في منازلهم خوفا من شباب الوطن.

وانتقد ناشطون أيضاً على شبكات التواصل الاجتماعي أجواء اللهو والعبث التي يحدثها الاحتفال باليوم الوطني، في حين لا يزال الكثيرون ينتظرون من وطنهم الوقوف إلى جانبهم في تخطي أزمات الغلاء والبطالة ومكافحة الفساد وإطلاق ذويهم الموقوفين. كما تعجبوا كيف تخرج الأمور عن سيطرة الأمن في مواجهة هذه الجماهير وهي محتفلة مبتهجة فكيف ستكون عليه الأمور لو كانت ثائرة غاضبة؟

وبغض النظر عن كون الاحتفال باليوم الوطني صار يضاهي الأعياد الشرعية بل ويتخطاها، وبغض النظر عن أن يكون حب الوطن بالإمكان اختزاله في يوم واحد أو لا. إلا أن المنكرات والمخالفات الشرعية والسلبيات والآثار والمفاسد المتكررة والمتزايدة لهذا الحدث عام بعد عام والتي وصل الحال معها إلى حد الانفلات الأمني والأخلاقي ليؤيد دعوى المطالبين بإلغاء هذه الاحتفالات عملاً بفتوى كبار العلماء وحفاظاً على الأخلاق والمكتسبات.


حسين عبد الكريم - 13/11/1433 هـ
 
  • 12
  • 1
  • 2,224

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً