لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ}
من المسائل الجوهرية التي تحرص عليها الشريعة رعاية الأمانة وحفظها وعدم تضييعها قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ} [الأحزاب: 72]، وقد نهى الله المؤمنين عن خيانة الأمانة فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الانفال: 27]، كما أمر بأداء الأمانات إلى أهلها فقال: {إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا} [النساء: 58]، وجعل رعاية الأمانة من الصفات الموجبة وراثة الفردوس فقال في وصفهم: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المعارج: 32]، حتى كان تضييع الأمانة علامة ودليل على فساد الحياة وقرب قيام الساعة، فقد سأل أحد الصحابة رضي الله تعالى عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «متى الساعة، فأجابه بقوله: فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» (أخرجه البخاري في صحيحه رقم 59).
والأمانة ما ائتمن الله عباده على القيام به مما شرعه لهم في دينه واستودعهم إياه وأمر بحفظه، فأعلى الأمانات حفظ كلمة التوحيد والسعي في نشرها بن الخلائق وطمس الشرك والسعي في إخماده، وكل ما كان فيه حفظ للتوحيد ونشره أو طمس للشرك وإخماده فهو من الأمانة المأمور بحفظها، وكل ما كان فيه تضييع للتوحيد وتوهينه في النفوس أو تزيين للشرك ووسائله فهو من تضييع الأمانة وخيانتها.
ونحن نوقن يقينا جازما لا شك فيه أن كلمة الله الباقية التي لم يخالطها شيء من غيرها موجودة حصرا في كتاب الله القرآن الكريم المحفوظ كما قال ربنا تبارك وتعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، وما عداه من كتب تنسب إليه كالتوراة والإنجيل دخلها التحريف بالزيادة فيها والنقص منها أو التغيير والتبديل في داخلها ومن ثم فإن هذه الكتب اختلط الحق والباطل فيها ومن ثم فلا عصمة لها، ومن ثم كان من حفظ الأمانة تعظيم القرآن وتوقيره ونشره بين العالمين وكذلك عدم التعويل على ما في الكتب المحرفة لاختلاط الحق والباطل فيها مع عدم إهانتها أو تحقيرها مراعاة لما فيها من بقية الحق المنزل.
وعلى ذلك أقول ليس من الدين في شيء أن يقرر في المناهج الدراسية لأبناء المسلمين فقرات من الكتب المحرفة تأليفا لقلوب أصحابها أو للظهور بمظهر المعتدلين أو المتسامحين، حتى لو كانت الفقرات المختارة متعلقة بالأخلاق أو المسائل المتفق عليها بين الرسالات السماوية، لأن مسائل تأسيس اليقين والعقائد في نفوس وعقول النشأ لا يصلح فيها المنهج التوفيقي.
فالكتب السماوية المنزلة كالتوراة والإنجيل المحرفتين ليستا موثوقا بهما ولا يمكن بطريقة يقينية عمل فصل تام بين المنزل منهما وبين المحرف الذي عملته أيدي البشر، فما الذي يدعو إلى النقل من أحدهما فليس هناك ضرورة تدعو لذلك ونحن في الوقت نفسه لا نأمن أن نقتبس نصا محرفا قد تدخلت فيه أيدي البشر ثم إن تقرير شيء من هذه الكتب في مناهج الطلبة المسلمين يكون دعوة لطلبة المسلمين للثقة في هذه الكتب والنقل عنها وهذا من أعظم الخيانة لله ولرسوله وللإسلام والمسلمين.
ونحن جميعا في سلوكنا العام نقوم بذلك في أمورنا الخاصة فلو كان هناك طعامان بأحدهما سم ولا نعلم أيهما فإننا نجتنب الأثنين معا، وما في الكتب المحرفة من خطر على عقيدة المسلم أشد فتكا من الضرر الواقع على الجسم من تناول الطعام المسموم، وهذا لا يعارض ما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» (أخرجه البخاري في صحيحه رقم3461 وغيره)، كما قد يظن البعض، لأن التحديث هنا عن أخبارهم أو ما علم عدم مخالفته لما في كتاب الله وسنة رسوله أو ما كان من أمرهم مما لا نعلم مخالفته لما عندنا.
قال الشيخ عبد القادر الأرناؤوط: "والحاصل أن الأخبار الإِسرائيلية ثلاثة أنواع:
الأول: ما وافق القرءآن والسنة موافقة صريحة، فهذا مما ينبغي روايته وتبليغه لأنه حق وصدق لا شك فيه.
الثاني: ما لم يرد في ذلك في الكتاب أو السنة ولا يعارضهما، فهذا يحتمل الصدق والكذب كسائر الأخبار العادية، ويجوز روايته للموعظة والاعتبار، شريطة أن لا يؤخذ على أنه قضية مسلمة، أو يستدل به على حكم شرعي، أو يقدَّم على حقيقة من الحقائق العلمية الثابتة.
الثالث: ما عارض الكتاب أو السنة، فهو كذب محض، لا تجوز روايته إلاّ لتفنيده وتكذيبه، وذلك لما فيه من تكذيب لله ورسوله. مطابقة" (منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري 4/213).
وينبغي أن يعلم أن هناك فرقا بين ذكر خبر عنهم في مجلس عابر وبين جعل هذه الأخبار تدرس في منهج دراسي على الطلاب، وقد وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورقة من التوراة بيد عمر يقرأ فيها فغضب الرسول الأمين وقال لعمر: «أمته وكون فيها يا ابن الخطاب لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي»، وقد قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "يا معشر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب، وكتابكم الذي أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم أحدث الأخبار بالله، تقرءونه لم يشب، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا ما كتب الله وغيروا بأيديهم الكتاب، فقالوا: {هَـٰذَا مِنْ عِندِ اللَّـهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} [البقرة: 79]، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم، ولا والله ما رأينا منهم رجلا قط يسألكم عن الذي أنزل عليكم " (أخرجه البخاري في صحيحه رقم 2685).
ومن ثم نقول: لا لتدريس شيء من الكتب المحرفة في المناهج للطلبة المسلمين.
- التصنيف: