مشروع: (السلام عليك أيها النبي) وكلمة سواء

منذ 2012-10-13

إن مشروع السلام عليك أيها النبي يهدف إلى التعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم وبرسالة الإسلام عبر أسلوب عصري ابتكاري، وقد اختلفت فيه الأقوال، فدبجت له المدائح من قبل ثلة من أهل العلم والسياسة.


الحمد لله حق حمده والصلاة والسلام على أشرف خلقه وبعد:

فإن مشروع السلام عليك أيها النبي يهدف إلى التعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم وبرسالة الإسلام عبر أسلوب عصري ابتكاري، وقد اختلفت فيه الأقوال، فدبجت له المدائح من قبل ثلة من أهل العلم والسياسة.
http://www.annabi.org/

وكانت المعارضة في أقوى صورها من قبل سماحة العلامة الشيخ صالح الفوزان
http://www.alfawzan.af.org.sa/node/14099

ثم العلامة عبد المحسن العباد
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=1839535

ثم من سماحة المفتي
http://kholfa.af.org.sa/node/40،

ثم فضيلة الشيخ اللحيدان
http://kholfa.af.org.sa/node/125،

وقد شغب بعضهم على المعارضين بدعوى أنهم أفتوا بالتحريم وهم لم يروا المشروع ولو رأوه لما عارضوه؛ وهذا جناية على العلم وأهله، وليس في أقوال أهل العلم والأصول أن من شروط الفتوى رؤية المفتى فيه وإنما اشترطوا تصور النازلة ثم تكييفها ومن ثم تنزيل الحكم عليها، ومن مشهور أقوالهم: "الحكم على الشيء فرع عن تصوره لا عن رؤيته، وإلا لبطلت فتاوى كثير من الأئمة في كثير من النوازل لأنهم مكفوفون، بل لبطلت بعض فتاوى المبصرين في نوازل لا يمكن رؤيتها كأطفال الأنابيب وغيرها مما أفتي فيها بعد تصورها التصور الصحيح"، وعند الرجوع إلى هذا المشروع الذي نتحدث عنه فإن من أفتى بالمنع قد تصور ما في المشروع بل وتصور ما وراءه من مقاصد ومفاسد، ويبقى محل البحث حينها في النظر في أدلتهم والرد عليها أو الاستسلام لها لا التشغيب عليهم بحجة عدم فقه الواقعة، وليت شعري يوم كنا ندفع طعون المنافقين في أهل العلم أنهم لا يفقهون الواقع ثم صارت اليوم تردد على ألسنة بعض طلاب العلم.

بقي النظر في المشروع، وللإنصاف وتحرير محل النزاع ينبغي أن يفرق في المشروع بين أمور:
الأول: الهدف وهو محل إجماع المسلمين أنه هدف عظيم وهو يأتي في سياق محبة الإسلام ونبيه والدعوة إلى سبيله.

الثاني: الوسيلة المعلن عنها لتحقيق ذاك الهدف وهي تتكون مما يلي:
1- مَكـْتَبَةُ (السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ) العالَمِيَّةُ.
2- جَامِعَةُ (السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ) العالَمِيَّةُ.
3- مَجْمُوعَةُ (السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ) الإعْلامِيَّةُ.
4- بَوَّابَةُ (السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ) اْلْإِلِكـْتُرُونِيَّةُ.
5- مَعْارِضُ (السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ) الدَّولِيَّةُ المُتَنَقِّلةُ.

وعند التأمل نجد أن الهدف والوسائل الأربع الأولى شيء مجمع عليه، لا أظن من انتقد المشروع يخالف فيها (بشرطها الشرعي)؛ فهي حينها خارج نطاق البحث والتحقيق، بقينا إذا في الوسيلة الخامسة وهي المعرض والمتحف المراد إنشاؤه في مكة والتنقل بأنموذجه دوليًا.

وحين التأمل في هذا المعرض نجد أن فيه شيئين أحدهما قد يوافقون عليه والآخر محل نظر:
فأما القسم الأول: فهو عرض السيرة النبوية والإسلام ككل بأسلوب حديث ومبتكر تُعْرَضُ فيهِ نَماذِجُ، مِن أَهَمِّ إبْداعاتِ المَوْسوعَةِ وأَفْكارِها، وَشَرْحٌ مُوجَزٌ لِعَظِيمِ أَخْلَاقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وَكـَرِيمِ آدَابِهِ وَفَضَائِلِهِ وَشَمَائِلِهِ...، ويدعم هذا العرض بإِضافَةً ابْتكاراتٍ أُخْرى وَرُسوماتٍ وَمُصَوَّراتٍ وَمُجَسَّماتٍ وَأَطالِسَ لِكُلِّ بَلَدٍ أَوْ مَوْقِعٍ لَهُ عَلاقَةٌ بِالسّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ العطرة، أَو لَهُ ذِكْرٌ في الكِتَابِ الكَريمِ وَالسُّنَّةِ الشَّريفَةِ عُمومًا.
وهذا مادة علمية مكتوبة لا تعدو أن تكون كتابًا مفتوحًا لرواد المعرض بل لطلاب العلم الذين يرومون التزود من السيرة وعلوم الإسلام في شتى مجالاته.

القسم الآخر وهو: المتحف: ويمكن تقسيم مقتنياته أيضًا إلى قسمين:
أحدهما: قسم متعلق بالأواني والأدوات وسائر المسميات في الكتاب والسنة وقد مثل لها: بـالأَثَاثُ والأَوَاني وَالمُقْتَنَياتُ وَالمَعادِنُ والسلاح والمكاييل، والعملات والأطعمة والحلي والطيب والأدوية الوَارِدُ ذِكْرُهَا فِي القُرآنِ الكَرِيمِ وفي السنة النبوية المطهرة.

وثانيهما: قسم متعلق بأدوات النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه وبيته وأهله وسيرته وقد عبر عنها في المشروع بـ(الأَثاثُ وَالمُقْتَنَياتُ المُحَمَّدِيَّةُ، المَلابِسُ المُحَمَّدِيَّة، السِّلاحُ المُحَمَّدِيُّ، الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ المُحَمَّدِيُّ، الطِّيبُ وَالعُطُورُ الـمُحَمَّدِيَّةُ، الأَدْوِيَةُ المُحَمَّدِيَّةُ، أَدَواتُ الصِّنَاعَة وَالزِّرَاعَة وَالمِهَنِ الَّتِي اسْتَخْدَمَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم)

وبعد هذا يحسن السؤال أين موضع المعارضة ومحل النزاع، وأظن والله أعلم أن المعارضة على درجتين:
الأولى: معارضة عامة لكامل المشروع ما دام أن له مقرًا واحدًا يرتبط بآثار تحاكي آثار النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن مجرد ربط الموقع باسمه صلى الله عليه وسلم قد يكون محل فتنة وغلو على المدى البعيد، وهو الذي يفهم من كلام سماحة المفتي والفوزان، والعباد، واللحيدان.

الثانية: معارضة خاصة ليس لفكرة المشروع وجمع مادة السيرة وعلوم الإسلام في مكان واحد بل لأجل ما احتواه المشروع في قسمه الثاني المتعلق بالمتحف والآثار، صحيح أنها حديثة الصنع لكن انتسابها إلى اسم النبي صلى الله عليه وسلم وجمعها في مكان واحد سيجعلها محل تعظيم وغلو مستقبلاً.

وأظن والله اعلم لو اكتفى المشروع بالتعريف العلمي المفتوح عن طريق بناء جامعة السنة لما وجد هذا المعارضة بل ولما وجد ذاك التشجيع.

بقي النظر فيما اعتمد عليه المجيزون، وغاية ما اعتمدوا عليه ثلاثة أمور:
(سلامة الهدف، وكون الوسيلة من قبيل المصالح المرسلة، وتزكية بعض أهل العلم له)

فأما سلامة الهدف فلا نقاش فيه وهو محل إجماع، لكن مشروعية الغاية لا تبرر الوسيلة إذا اكتنفها محرم أو كانت وسيلة إلى محرم.

وأما كونه من قبيل المصالح المرسلة فإن هذه المصلحة المرسلة ملغاة إذا عارضها مصلحة أصلية أو أتت على النص بالإبطال أو ترتب على تحقيقها مفسدة أعظم منها، فإن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح المقصودة فضلاً عن المرسلة كـ(منع سب آلهة المشركين) مع أن عيبها مقصود شرعًا درءًا لمفسدة وقيعة المشركين في سب الله بغير علم، كيف وقد عورضت هذه المصلحة المرسلة المدعاة في المشروع بأصول ومقاصد للشريعة ونصوص كما سيأتي، صحيح أن التعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم وتعميق فهم سيرته واستثارة محبته كلها مصالح عظيمة، لكن هذه المصالح العظيمة لا يسعى إلى تحقيقها بوسيلة قد تعود على هذه المصلحة نفسها بالبطلان..

ثم مصلحة التوحيد الذي بعث النبي صلى الله عليه وسلم لأجله أولى بالتقديم، ودعوى أن الناس يعلمون أنها مصنوعات حديثة، وأنها ليس لها علاقة بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، دعوى غير مسلمة لأنه حتى لو كانت هي هي لما جازت، فكيف بتصنيع مثيل لها وجعلها مزارًا؟! وقوم نوح كانوا يعلمون أن ما أمامهم إنما هي صور لرجال صالحين لكن تقادم الزمن ونسي العلم ثم عبدت..

وقياس هذه الوسيلة على وسائل الطاعات المستحدثة كالمكبرات في المساجد قياس غير دقيق لأن هذه الوسيلة لا تتفق مع مقصد الشريعة في درء مفاسد الغلو والشرك، وأما وسائل الطاعات كالمكبرات واستخدام السيارات للذهاب للحج والصلاة كل ذلك يؤيد مقصد الشارع في إقامة تلك الشعائر، وهذه الوسائل دلت نصوص الشريعة على مشروعيتها، فالمكبرات دل على مشروعيتها تكبير أبي بكر رضي الله عنه وراء النبي ليسمع الناس، والسيارات كان في عهد النبوة الحج على كل ضامر، ولو لم تأتِ أدلة جزئية فإنها تندرج تحت أصل عام، وأصول الشريعة تؤيد هذه الوسائل المستحدثة لأنها تحقق مقصد الشارع ولا يؤول استخدامها إلى مفسدة لا يقرها الشرع.

وأما ما جاء في المشروع من تزكيات فهي على ثلاث مراتب:
الأولى: تزكية رجال الفكر والسياسة والإعلام؛ فهذه لا وزن لها في مقام الفتوى والنظر الشرعي.
الثانية: تزكية بعض أهل العلم ممن وقع الخلاف بينهم وبين أهل السنة في أكبر مما نحن فيه ممن يسوغ بعض البدع المغلظة كـ(التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بذاته، أو بجاهه، والتبرك بالمقبور والغلو في الأولياء والصالحين)، وهذه الطائفة ينبغي أن يكون البحث معها في تلك الأصول قبل ما هو مفرع عليها كهذا المشروع.

الثالثة: طائفة من أهل السنة والعلم والفضل، وهؤلاء للتعامل مع آرائهم وقفات:
أولاً: أن رأيهم كان مجردًا عن الأدلة وبحث النازلة والتأمل فيها حتى أن أكثرهم عبر عن صدمته واندهاشه؛ فالتعويل على رأيهم الأولى والحال تلك فيه ضعف، ومن أراد تحرير رأيهم فليأخذه منهم بعد ظهور الخلاف واطلاعهم على أدلة المعارضين.

ثانيًا: أن بعضهم زكى المشروع في بداياته حينما كان يهدف إلى تحقيق القسم الأول المشار إليه سابقـًا وقبل التطوير وإضافة المتحف والمعروضات.

ثالثـًا: أن منهم من صرح مؤخرًا بتحفظه على المتحف صرح منهم بذلك الشيخ (عبد العزيز الراجحي)، وأتحفظ على الأسماء الأخرى ولعلهم حين عزمهم على المراجعة أن يتولوا إعلانه بأنفسهم.

رابعًا: لو سلمت هذه النازلة من النصوص والأدلة ولم يبق إلا التعويل على تزكية أهل العلم فإلم يقل برجحان كفة المعارضين علمًا واعتقادًا واستقامة على المنهج ولا نزكيهم على الله تعالى فلن تكون مرتبتهم أقل من رتب أولئك، فوجب التعويل حينها على الدليل فحسب.

خامسًا: وهي الأخيرة أن الواجب والحال ما ذكر أن يعرض المشروع على طاولة البحث بطريقتين عامة وخاصة، فالعامة كما نحن فيه الآن، والخاصة أن يحال إلى هيئة كبار العلماء أو اللجنة الدائمة أو أحد المجامع الفقهية.

وإذا أردنا النظر في أدلة الجواز والمنع فالذي يترجح لي على ضعفي وقلة علمي هو: القول بالمنع مطلقـًا وإن كان لا بد فالاقتصار على القسم العلمي فقط، ومستند التحفظ على المشروع يرجع إلى أمور:

1- أن هدف المشروع المشار إليه في قولهم: "إن هناك تصورات مغلوطة عن الإسلام في أذهان الكثيرين ولعل المشروع يصحح هذه التصورات"، فيقال هذه التصورات المغلوطة ليست وليدة اليوم بل هي مقارنة للإسلام منذ بزوغ فجره وقد اختار الله لدفعها أحسن الطرق وهدى لها أحسن الرسل وأيده بأحسن الصحب، وقد كان بإمكانهم جميعًا أن يصنعوا شيئًا كهذا بل أحسن منه، فقد كانت آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم الحقيقية بين أيديهم لكنهم لم يفعلوه فوجب عدم مشاقتهم بل اتباع سبيلهم وقفو أثرهم.

2- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخص آثاره ولا آثار غيره من الأنبياء إلا بشيء واحد فقط قال فيه: «إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» (البدر المنير: 314/7 على شرط مسلم)، فجعل سبيلها إلى الفقراء والمساكين لينتفعوا بها، ولو كان في حفظها هداية للناس ودفعًا للشبهات عن الإسلام وأنبيائه لدعا إلى حفظها ورعايتها، لكنه لم يصنع شيئـًا من ذلك، بل أخبر الله تعالى عن حفظ ما فيه الهداية للبشرية إلى قيام الساعة {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، الذي وصفه بقوله تعالى: {إِنَّ هَـٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تظلوا بعدي أبدا: كتاب الله وسنتي» ولم يقل مقتنياتي، صحيح أن في المشروع اعتمادًا على الكتاب والسنة لكن وسيلة هذا الاعتماد هي الحدث بنقل الكتاب والسنة من كونها منارًا وهداية إلى كونها مزارًا.

3- أن آثار النبي صلى الله عليه وسلم العلمية كتابًا وسنة، وآثاره المنسكية كالحرمين والمشاعر إذا لم تحصل بتأملها وزيارتها الهداية فلا خير فيما دونها، ولا يمكن أن يقال إن هذه الوسائل قد تجذب غير المسلمين؛ لأن المشروع في مكة ولو تنقل به في العالم فإن هداية هذا العالم إنما تكون بالقرآن الذي أخبر الله أنه هداية لجميع البشرية بقوله: {..هُدًى لِّلنَّاسِ..} [البقرة: 185]، لا بمجسم نعال للنبي صلى الله عليه وسلم.

4- أن من لوازم تجويز هذا تجويز أشياء قد لا يرتضيها أصحاب الفضيلة، وتوضيح ذلك: أن الأواني والمقتنيات المحمدية التي يراد تصنيعها محاكاة لأواني النبي صلى الله عليه وسلم بحجة أنها وسيلة فاعلة في زيادة العلم والإيمان قد يطالب بما هو أولى منها ومن ذلك: وضع صور تقريبية أو مجسمات تمثيلية لناقة النبي صلى الله عليه وسلم القصواء وهي أولى من نعاله، أو مجسمًا لحماره عفير وكلاهما -الناقة والحمار- موصوفان وصفـًا دقيقـًا، بل سيتعدى الأمر ذلك إلى المطالبة بوضع مجسم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن مجسمه أو صورته بأبي هو وأمي أقرب لتحقيق ما ادعوه من جهتين:

الأولى: أنه قد وصف وصفـًا دقيقـًا كأنما يراه السامع رأي العين، ومن ثم فتجسيده أقرب إلى الواقع من تجسيد أوانيه.

الثانية: أن ذلك سيحقق الهدف المزعوم أكثر مما تحققه الأواني والمقتنيات المحمدية.

ولا أظن عالمًا من أهل السنة حتى ممن يجيز التصوير يبيح مثل هذا الفعل، والحجة التي سيردون بها مثل هذا يرد بها ما جوزوه.

5- مما يبطل هذه الحجة: وهي الزعم بأن تصوير هذه الآثار يقرب القلوب إلى الإسلام وإلى نبيه صلى الله عليه وسلم، أن هناك آثارًا قائمة له عليه الصلاة والسلام أقرب إليه من التماثيل المحاكية، ألا وهي غاره في ثور أو غاره في حراء وكذا محل مولده، وطريق هجرته، بل وحجرته التي تؤيه وقبره الذي يحتضنه، ولا أحد من أهل السنة يجيز أن تنصب تلك أو بعضها مزارات للناس بحجة التعرف على الإسلام ونبي الإسلام عليه الصلاة والسلام.

6- أنه صلى الله عليه وسلم نهانا عن اتخاذ قبره عيدًا، وهو يحوي جسده الشريف، فكيف باتخاذ نعله بل شبيه نعله مزارًا وعيدًا.

7- أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين آثاره التي تتخذ عيدًا وغيرها، فمن آثاره التي يجب أن نتخذها عيدا أو تسن زيارته مسجده ومطافه ومواقفه في عرفة وجمع -أعني عموم الموقف لا المكان المخصوص- ورميه للجمرات وسعيه بين الصفا والمروة وركوعه وسجوده بل وتوحيده ودعوته، وهذه الآثار مسطورة في الكتاب والسنة وعلى البسيطة، فلماذا تصرف وجوه الناس عنها إلى غيرها.

8- أن الصحابة رضي الله عنهم أجهزوا على بعض آثاره الحقيقية كشجرة البيعة خوفـًا أن تتخذ مزارًا فكيف بتماثيل تحاكي الشجرة أو غيرها.

9- أن مواضع زلل الأمم السابقة لسنا معصومين عنها وقد حذرنا منها صلى الله عليه وسلم بقوله: «لتتبعن سنن من كان قبلكم» والذين من قبلنا هم اليهود والنصارى، وقد رأيت في متحف نيويورك تصاوير وبقايا مزعومة للمسيح وأمه يعكف عليها الزائرون والمريدون، فهل سنصل إلى متحف كمتحفهم.

10- أن الله تعالى لم يذكر في كتابه: {وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23] عبثـًا، وخبرهم في البخاري من حديث ابن عباس أنهم كانوا رجالا صالحين صوروا حتى يتذكر الناس عبادتهم فيقتدوا بهم، والعلة هي العلة والصورة هي الصورة، والمكلف هو المكلف، وإن فرق بين أنسي اليوم والأمس في التقنيات فلا يستقيم البتة أن يفرق بينهما في المشاعر والتعبدات بل كل سلف له خلف كما قال تعالى: {أَتَوَاصَوْا بِهِ}.

11- أن في هذا المشروع نوع مضاهاة أو مزاحمة للمشاعر والشعائر لأنه سيزار على وجه التقرب، ومن ادعى خلاف ذلك فإنه يضطر أن يدفعه بلسان لكنه لا يستطيع أن يدفع نية التقرب عن قلبه؛ لأنه يسير إليه بنية زيادة العلم بالله وبرسوله وهذه من أعظم القربات، ثم ستستتبع الرهبة والرجاء خاصة من عوام المسلمين.

وختامًا فإنني وكل مؤمن لو خُيّر بين الدنيا وما فيها وبين أن يكون خادمًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لكانت خدمته أحب إلينا، ولو وقعت يدي على شيء من آثاره ومقتنياته للثمتها وتبركت بها؛ لكن أين نحن وأين هي؟! فأرجو من إخواني ألا يظنوا بي فضلاً عن العلماء أنهم لا يحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا والله بل هو أحب إلينا من أنفسنا وما هو والله إلا حبه ورعاية دعوته التي بعث لأجلها، ولذا فلو كان لي رأي فإني لا أؤيد إقامة هذا المشروع على هذه الصورة، بل يكتفى بالمشاريع العلمية المجردة وينشأ جامعة خاصة بالكتاب والسنة وعلومهما يتلقى فيها أولاد المسلمين دينهم، وتحوي مراكز بحوث تعنى بدفع الشبهات عن العقيدة والشريعة والنبوة، إن كان القصد هو القصد، والله وحده من وراء كل قاصد وقصده، وصلى الله وسلم على رسوله وآله وصحبه.


صالح بن علي الشمراني

 
  • 1
  • 0
  • 4,873

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً