أحكام الأضحية
الأضحية من شعائر الإسلام العظيمة، ومن أعظم القربات والطاعات، وهي شعار على إخلاص العبادة لله وحده، وامتثال أوامره ونواهيه، ومن هنا جاءت مشروعية الأضحية في الإسلام، وقد تكلم أهل العلم في أحكامها ...
- التصنيفات: ملفات الحج وعيد الأضحي -
الأضحية من شعائر الإسلام العظيمة، ومن أعظم القربات والطاعات، وهي شعار على إخلاص العبادة لله وحده، وامتثال أوامره ونواهيه، ومن هنا جاءت مشروعية الأضحية في الإسلام، وقد تكلم أهل العلم في أحكامها التي يمكن إجمالها فيما يلي:
مشروعيتها:
الأضحية هي ما يذبح من بهيمة الأنعام في يوم النَّحر وأيام التشريق تقرباً إلى الله تعالى، وهي عبادة مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع.
فأما الكتاب فقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر 2]، وأما السنة فقوله عليه الصلاة والسلام: «من ذبح بعد الصلاة تم نُسُكه، وأصاب سنة المسلمين» [رواه البخاري]، "وثبت أنه صلى الله عليه وسلم ضحَّى بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمَّى وكبَّر، وَ وضع رجله على صفاحهما" [متفق عليه]. وأجمع المسلمون على مشروعية الأضحية، وكونها من شعائر الدين.
وقد وردت أحاديث عديدة في فضلها وعظم أجرها، وهذه الأحاديث وإن كانت لا تصل إلى درجة الصحة، إلا أن الأضحية تبقى من شعائر الله التي أمر بتعظيمها، كما أن فيها تأسياً بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي واظب على فعلها ولم يتركها.
حكمها:
الذي عليه جمهور أهل العلم أن الأضحية سُنَّة مؤكدة في حق القادرين، لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث أم سلمة: «إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يُضحّي فلا يَمسّ من شعره وبشره شيئاً» [رواه مسلم]، فقد فوَّض صلى الله عليه وسلم الأضحية إلى إرادة المكلف، ولو كانت الأضحية واجبة لم يكل ذلك إلى الإرادة.
ثم إنه ثبت أنه صلى الله عليه وسلم ضحى عمن لم يضح من أمته كما في سنن الترمذي وغيره، فأسقط بذلك الوجوب عنهم.
وذهب بعض أهل العلم إلى وجوبها مستدلين بحديث: «على أهل كل بيت أُضحية»، وحديث: «من وجد سعة ولم يضحِّ فلا يقربنّ مصلانا» [رواهما أحمد في مسنده].
ولذلك فإن الاحتياط للمسلم أن لا يترك الأضحية مع القدرة عليها، لما فيها من تعظيم الله وذكره، ولما في ذلك من براءة الذمة.
شروط الأضحية:
وللأضحية شروط لا بد من توفرها حتى تكون مجزئة مقبولة:
الشرط الأول:
أن تكون من بهيمة الأنعام وهي الإبل، والبقر، والغنم، ضأنها ومعزها لقول الله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج 34[، ولقوله صلى الله عليه وسلم : «لا تذبحوا إلا مُسنّة، إلا أن تعسُر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن» [رواه مسلم].
والمُسنّة هي: الثنيّة من الإبل والبقر والغنم، ولم ينقل عنه عليه الصلاة والسلام أنه ضحّى بغير هذه الأجناس، ولا أمر أصحابه بأن يضحّوا بغيرها، فوجب اتباعه فيها.
الشرط الثاني:
أن تبلغ السن المعتبر شرعاً، بأن تكون ثنياً إذا كانت من الإبل أو البقر أو المعز، وجذعاً إذا كانت من الضأن، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المُتقدِّم: «لا تذبحوا إلا مُسنّة، إلا أن تعسُر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن» [رواه مسلم].
والثني من الإبل ما تم له خمس سنين، والثني من البقر ما تم له سنتان، و الثني من الغنم ما تم له سنة، والجذع من الضأن ما تم له نصف سنة، وأفضل الأضحية الإبل، ثم البقر، ثم الضأن، وتُجزئ الإبل والبقر عن سبعة أفراد، ولا يُجزئ الضأن إلا عن واحد فحسب، والانفراد بذبيحة أفضل من الاشتراك مع غيره فيها.
الشرط الثالث:
أن تكون خالية من العيوب التي تمنع من الإجزاء، وهي الواردة في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه مرفوعاً: «أربع لا تجوز في الأضاحي» -وفي رواية-: «لا تجزئ العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والكسيرة التي لا تُنقي»، وجاء في رواية ذكر «العجفاء» بدل «الكسيرة» [رواه أصحاب السنن بسند صحيح].
وهناك عيوب مكروهة ولكنها لا تمنع من الإجزاء يفَضَّل أن تخلو الأضحية منها، كأن تكون مقطوعة القرن، أو الأذن، أو الذنب ونحو ذلك.
والأفضل في الأضحية ما توافرت فيها صفات التمام والكمال كالسمن، وكثرة اللحم، وجمال المنظر، وغلاء الثمن لقوله تعالى: {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]، قال ابن عباس رضي الله عنه: "تعظيمها: استسمانها، واستعظامها، واستحسانها".
الشرط الرابع:
أن يكون الذبح في الوقت المعتدّ به شرعاً، ويبتدئ من بعد صلاة العيد إن كان المضحي في موضع تُقام فيه الصلاة، وأما من لا يستطيع الصلاة لسفر ونحوه، فوقتها قدر ما يكفي للصلاة، فمن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله، كما في حديث البراء رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل هذا فقد أصاب سنتنا، ومن نحر قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النُّسُك في شيء ...» [رواه البخاري]، وفي رواية «من ذبح قبل الصلاة فإنما ذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تمَّ نُسُكَه وأصاب سنة المسلمين».
ويمتدُّ وقت الذبح على الصحيح حتى غروب شمس آخر يوم من أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، فتكون مدة الذبح أربعة أيام، لقوله صلى الله عليه وسلم: «كل أيام التشريق ذبح» [رواه أحمد وحسنه الألباني].
ذبح الأضحية:
الأولى للمضحي أن يذبح أضحيته بنفسه إن كان يُحسن الذبح، لأن الذبح قربة وعبادة، وله أن ينيب عنه غيره، فقد نحر صلى الله عليه وسلم بيده ثلاثاً وستين بَدَنة، واستناب علياً في نحر ما تبقى.
وينبغي أن يراعي آداب الذبح كالإحسان إلى الذبيحة وإراحتها، وأن يستقبل القبلة، وإن كانت الأضحية من الإبل فإنها تنحر قائمة معقولة يدها اليسرى، وهو معنى قوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36]، وإن كانت من غير الإبل فإنها تذبح مضجعة على جنبها الأيسر.
ويستحب وضع الرجل على صفحة عنقها، ويقول: بسم الله الله أكبر، ويسأل الله القبول.
وتجزئ الأضحية الواحدة عن الرجل وأهل بيته وإن كَثِروا، لحديث أبي أيوب رضي الله عنه قال: "كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يُضحّي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون" [رواه الترمذي].
ويستحب للمُضحّي أن يأكل من أضحيته، ويهدي، ويتصدّق، والأمر في ذلك واسع من حيث المقدار، لكن المختار عند أهل العلم أن يأكل ثلثاً، ويهدي ثلثاً، ويتصدق بثلث.
ويُحرم بيع شيءٍ من الأضحية من لحم أو جلد أو صوف أو غيره لأنها مال أخرجه العبد لله تعالى، فلا يجوز الرجوع فيه كالصدقة.
ولا يُعطي الجزار شيئاً منها في مقابل أجرته، لحديث عليٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره ألاَّ يعطي في جزارتها شيئاً كما عند البخاري، ولأن ذلك بمعنى البيع، وأما إن أعطاه شيئاً على سبيل الصدقة أو الهدية بعد أن يعطيه أجرته فلا حرج في ذلك.
والسنة لمن أراد أن يُضحّي -إذا دخلت عشر ذي الحجة- أن لا يأخذ من شعره ولا من بشرته، ولا من أظفاره شيئاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: «إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وأراد أحدكم أن يُضحّي فليمسك عن شعره وأظفاره»، وفي رواية: «فلا يَمسّ من شعره وبشره شيئاً»، وفي رواية: «حتى يُضحّي».
وعلى المُضحّي أن يستحضر نيّة التقرب إلى الله بفعله، فيخرجها طيبةً بها نفسُه، وأن يتتبّع في هديته وصدقته أقرب الناس إليه، وأحوجهم إلى الصدقة.