قاعدة في الأعياد
منذ 2012-10-25
إن الزمان والمكان ظرفان جامدان لا تعظيم لهما إلا ما عظمته الشريعة، والتفات القلب إلى تعظيم شيء منها واعتباره والاحتفاء به إما أن يكون قربة لله وضرباً من العبودية له؛ لأن شريعته عظمته، أو أن يكون بعداً عنه وضرباً من عوائد الوثنية؛ حيث كانت تعظم الجمادات ثم اخترعت في تعظيمها ما لم يأذن به الله..
الحمد لله وحده، أما بعد..
فإن الزمان والمكان ظرفان جامدان لا تعظيم لهما إلا ما عظمته الشريعة، والتفات القلب إلى تعظيم شيء منها واعتباره والاحتفاء به إما أن يكون قربة لله وضرباً من العبودية له؛ لأن شريعته عظمته، أو أن يكون بعداً عنه وضرباً من عوائد الوثنية؛ حيث كانت تعظم الجمادات ثم اخترعت في تعظيمها ما لم يأذن به الله.
والقاعدة في هذا أن كل قول أو فعل يقصد فيه الزمن، ويتكرران بعودة ذلك الزمن فهو عيد محدث في الشريعة؛ وإن غيَّر الناس تسميته، ويزداد الوصف تأكيداً إذا ظهرت فيه أعمال أخرى؛ كالاجتماع لأجله، والتهاني، أو الألعاب، أو المآكل والمشارب.
وبرهان ذلك أن البدعة تدخل في الدين المنزل المحدد بسمات تعبدية محضة؛ كالصلاة والحج والصيام، ويكون دخول البدعة فيها بأحد أمرين:
الأول:
التغيير في بنيتها أو زمانها أو مكانها؛ فمن زاد ركعة في الصلاة، أو جعلها في غير وقتها، أو في غير مكانها على الدوام فقد ابتدع.
والأمر الثاني:
فعل عبادة أخرى مضاهية لها ولو لم يُغير في الواردة بشيء؛ كمن أحدث صلاة سادسة تؤدى ضحىً، ويجتمع الناس لها في المساجد.
وإذا أردنا أن نتصور مسألة المضاهاة هذه فلنضرب لها مثالاً: فلو أن أحداً أراد أن يُعظِّم أباه فكان عند استيقاظه يقف صامتاً متوجهاً إلى منزل والده، وهو مع ذلك يتمتم ببيت معين من الشعر، ويحرك يديه بطريقة معينة يداوم عليها؛ فإذا سُئل عن ذلك قال: هذه مجرد عادة لا مدخل فيها لبدعة، ولي أن أعظم والدي بأي طريقة أراها!
فلا ريب أن كل منصف سيقول: إن هذا الفعل يشبه العبادة المشروعة، وسيقرّر أن هذا من أعظم المحدثات والبدع.. وذلك كله رغم أنه لم يركع ولم يسجد ولم يتلُ آية واحدة، كل هذا يدل على أن مضاهاة العبادة المحضة بدعة محرمة.
والأعياد الشرعية؛ كالفطر والأضحى جاءت بسمات التعبد المحضّ وذلك في اختيار الشريعة لزمانها على وجه لا يعقل له معنى على التفصيل؛ فوجب أن يُسلك بها سبيل العبادات المحضة ؛ فنقول فيها ما قلناه في الشرائع المحددة بأنه لا يجوز أن نغير في زمانها؛ فنجعل عيد الفطر -مثلاًـ في ذي القعدة، ولا أن نجعل صلاة العيد بعد المغرب ولا أن نحوله حزناً؛ فهذا إحداث في بنيّة العيد وزمانه، وهو الأمر الأول الممنوع في العبادات المحضة ويُوصف بالبدعة.
أما في الأمر الثاني وهو المضاهاة فلا يجوز أن نُحدث عيداً ثالثاً؛ ولو لم نُغيّر في الأعياد الواردة؛ كالذي قلناه في الصلاة السادسة.
وهذه هي النتيجة المطلوبة في هذه المسألة.
ومما يؤيد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم سمّى أيام التشريق -كما سيأتي في الحديث- سماها بالعيد؛ وذلك لأجل قصد الفعل أو القول أو المكان في الزمن المعين المختار من الشريعة على وجه التعبُّد.
وقد ذهب إلى اعتبار عدم معقولية المعنى لجريان حكم البدعة الإمام الشاطبي رحمه الله؛ فقال في ["الموافقات" (2/222)]: "..التعبُّد راجع إلى عدم معقولية المعنى وبحيث لا يصحّ إجراء القياس، وإذا لم يَعقل معناه دلّ على أن قصد الشارع فِي الوقوف عند ما حدّه لا يُتعدّى..".
وقال رحمه الله: "..لأن ما لا يُعقل معناه على التفصيل من المأمور به أو المنهي عنـه؛ فهو المراد بالتعبُّدي، وما عُقل معناه وعُرفت مصلحته أو مَفسدتـه فهو المراد بالعادي".
وقال في ["الاعتصام" (1/347)]: "فإن كان مقيداً بالتعبد الذي لا يعقل معناه فلا يَصحّ أن يُعمل به إلا على ذلك الوجه".
وفي ["الشرح الكبير" (1/672)] قال الدردير رحمه الله: "..إن الشارع إذا حدد شيئاً كان ما زاد عليه بدعة" أهـ .
وإنما دخل الإشكال على البعض في هذا الباب حين ظنّوا أن البدعة لا تدخل إلا عملاً يُرادُ به القربة؛ كالصلاة والصيام والحج، وقد بينت في بحث نُشر على الشبكة بعنوان: "ضابط البدعة وما تدخله" ما يدلُّ على بطلان ذلك؛ فآمل مراجعته؛ لأن تصوّر مسألة هذا السؤال لا يتم إلا بتصور هذه المقدمة العظيمة.
وقد دلت الشريعة في باب الأعياد على صحة هذا الاتجاه ؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قَدِم رسول الله المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال صلى الله عليه وسلم: «مَا هَذَانِ اليَوْمَانِ؟» قالوا: كنا نلعب فيهما فِي الجاهلية ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَبْدَلَكُمْ يَوْمَيْنِ خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ» [رواه أبو داود في "سننه" (1/295)]. وقال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَيَوْمَ النَّحْرِ، وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ، عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» [رواه أحمد من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه].
فقوله: «أَبْدلَكُم» دليل على إبطال كل عيد وإلا لزادهم من أعياد الإسلام دون إِبطال الأعياد الحالية. وقوله: «عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلامِ» دليل على أن ما سواها أعيادُ غير أهل الإسلام.
ثم تأيّدت هذه الأدلة بالهدي الظاهر للسلف؛ فلم يظهر في ديار الإسلام بعد إيقاف الرسول صلى الله عليه وسلم الأعياد السابقة، وإبدالها بأعياد الإسلام أي عيد طيلة القرون الثلاثة المفضلة تعبّديّة كانت أو عادية، حتى أحدث العبيديون عيد المولد؛ وذلك رغم أن للأمم المجاورة أو المخالطة للمسلمين أعياداً تعبُّديّة وعادية؛ يقصد منها الاحتفاء بزمان أو شخص؛ كعيد الشعانين ومولد عيسى عليه السلام للنصارى، والنيروز للفرس وغيرها من الأعياد؛ لاسيما والأمة فِي هذه القرون كانت تأخذ الكثير من المفيد النافع من الأمم الأخرى؛ فتركها لهذه الأعياد رغم وجودها دليل على إعراضها عنها ديانة.
ولو قال قائل: إن هذا إجماع لكان له وجه، وحتى لو لم يصحّ إجماعاً فإنه ظاهر جليّ في فهم السلف لهذه النصوص، وأنها تدلّ على عدم مشروعية الأعياد المحدثة.
هذا وليس من الأصول المُعتبرة ولا المشارع الصحيحة عند أهل العلم إجراء القياس فيما سبيله التعبد المحضّ؛ لوجوه:
الوجه الأول:
أن إجراء القياس مسألة عقلية، والعبادات مبناها على التعبد المحضّ المنافي للمناسبات العقلية التفصيليّة؛ فلا قياس.
وبيانه أن القياس يقوم على إعمال العقل لاستنباط العلة من الأصلّ المقيس عليه، وإعمال العقل مرة أخرى لتحقق وجود هذه العلة فِي الفرع المقيس له. فحيث لم يُعقل المعنى امتنع القياس فِي جعلها أصلاً أو فرعاً.
قال النووي فِي ["المجموع"(3/342)]: "..الصلاة مبناها على التعبُّد والاتباع والنهي عن الاختراع, وطريق القياس منسدة..".
وقال الشاطبي فِي ["الاعتصام" (2/62)] عن العبادة: "..ولذلك حافظ العلماء على ترك إجراء القياس فيها..".
وقال البهوتي فِي ["كشاف القناع" (2/478)]: ".. ولا يصحّ القياس إلا فيما عُقل معناه، وهذا تعبدي محضّ".
وانظر ["البحر المحيط"(7/133)، و"شرح الكوكب المنير" (537)].
الوجه الثاني:
أن الصحابة والتابعين والعلماء في القرون المفضلة لم يستعملوا القياس ليُصحّحوا عِبادة جديدة أو يزيدوا فيها بذلك.
الوجه الثالث:
أن من شرط صحة القياس أن لا يعارض نصاً من الكتاب أو السنة، وكل قياس لإنشاء عبادة أو الزيادة فيها فهو معارِض للنص القطعي العام المانع من الإحداث. فالعبادة المحضة التي تركها الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف مع قيام المقتضي لفعلها وانتفاء المانع منه هو كالنص منهم على النهي عن ذات الفعل فيُعتبر القياس معارضاً لهديهم؛ فهو باطل .
الوجه الرابع:
أن القياس لا يُعمل إلا عند الضرورة؛ ولا ضرورة لإحداث عبادة لم تأتِ بِها الشريعة؛ بل الضرورة تقتضي ترك الإحداث.
جاء فِي ["المدخل" (1/119) لابن بدران]: "..عن أحمد قال: سألتُ الشافعي عن القياس؟ فقال: إنما يُصار إليه عند الضرورة". وكلام الإمام الشافعي رحمه الله يدلّ على أن القياس إنما يُباح للضرورة حتى فِي المعاملات؛ فما بالك فِي منعه له فِي العبادات.
لذلك ترى أكثر العلماء الراسخين لا يُحسِّنون شيئاً من هذه المحدثات، أو يُعلنون محبتها، أو يعملونَها، أو يتولون الحديث عنها تنظيراً وقياساً وتأليفاً ودرساً. وقد رأى بعض العلماء المعاصرين أن مناط الحكم بالمنع من الاحتفال بهذه المناسبات أو بعضها هو التشبّه بالكفار في هذه الأعياد، وفيه نظر كبير؛ فلو كان هذا هو سبب منعها الوحيد لم تكن هذه الأعياد ممنوعة مُحرّمة؛ لأن القاعدة في التشبّه: أن ما لم يكن من خصائص مَنْ نُهينا عن التشبّه بهم فلا يُعتبر تشبّهاً مذموماً، وهذه الأعياد لم تعدّ من خصائص الكفار؛ بل صار يشترك فيها المسلم والكافر؛ كبعض الملابس التي كانت خاصة بهم ثم صارت مُشاعة بين الأمم؛ فلم يعدّ لبسها تشبُّهاً.
وإنما سبب المنع ما ذُكر من المقدمتين:
الأولى: أن الأعياد الشرعية من جملة التعبدات المحضة، وهي من الدين المنزل المحدود.
الثانية: أن مضاهاة هذا النوع من الدين بإحداث أعياد زائدة: بدعة في الشريعة.
فإذا تبينا كون هذه الأقوال والأفعال حدثا في الدين فلنحذر من فعل البدعة وقولها، قال الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]، وقال: صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» [رواه البخاري ومسلم].
وهذا عرض لبعض ما وقع فيه النزاع من الأعياد مع بناء الكلام فيها على هذه القاعدة:
عيد مولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:
إن سِمَة التعبُّد المحضّ في عيد المولد ظاهرة في اختيار الزمان دون معنى معقول، وفي هذا مضاهاة للمشروع. يُوضّح هذا أنه لا معنى عقلياً لاختيار الزمان ليكون وقتاً لتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم، فما المعنى العقلي المفهوم من قصر الاحتفاء بما ذُكر في زمان دون آخر؟ بل إن المناسبة العقلية الصحيحة هي في اختيار غير الزمان الذي وقع فيه الحدث الذي يُراد الاحتفاء به؛ لأنه وقت نسيانه، ولأن زمان حدوثه هو: وقت تذكره؛ فالصمود إلى الزمان المعين نوع تحكم وتصميم لم يُعهد إلا من الشريعة في اختيار الأزمنة والأمكنة؛ فههنا كانت المضاهاة التي تحيل العمل العادي إلى عبادة مبتدعة.
ومما استدلّ به بعضهم لتصحيح عيد المولد ما أخرجه أحمد بسندٍ صحيح إلى ابن سيرين رحمه الله قال: "نبئت أن الأنصار قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قالوا: لو نظرنا يوماً فاجتمعنا فيه فذكرنا هذا الأمر الذي أنعم الله به علينا.. وفيه أنهم اختاروا الجمعة؛ فاجتمعوا فِي بيت أبي أمامه أسعد بن زرارة؛ فذُبحت لهم شاة فكفتهم".
وقالوا بأن هذا في حقيقته احتفال بالنبي صلى الله عليه وسلم في يوم معين.
فالجواب يكون بعدم التسليم أن ذلك احتفال بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولو سُلِّم لكان قبل شرع صلاة الجمعة وخطبتيها؛ حيث جاء فِي رواية عبدالرزاق بسند صححه ابن حجر أن ابن سيرين قال: "وقبل أن تنْزل الجمعة"، وفيها: فأنزل الله فِي ذلك بعدُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9].
فتركهم لهذا الاجتماع على يوم محدد -بعد نزول الجمعةـ دليل على عدم مشروعية أي اجتماع آخر له سِمَة العيد، وفيه دليل أيضاً على أنهم يعرفون مثل تلك الأعمال؛ فتركوها اكتفاء بما شرعه الله يوم الجمعة من الصلاة والتذكير والوعظ في خطبتيها.
ثم إن هذا الاجتماع في دار أسعد بن زرارة إنما هو درس، ولم يكن الزمان مقصوداً فيه؛ فلا يُسلم أنه عيد.
كما أورد بعضهم على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الإثنين: «ذَلِكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ» [رواه الطبراني]، بأنه صلى الله عليه وسلم احتفل بيوم مولده بالصيام؛ فالجواب أنه تقرر أن الأعياد الشرعية من الدين المنزل المحدد؛ ولا مجال للقياس في العبادات المحضة؛ فاحتفالنا المشروع بمولده صلى الله عليه وسلم إنما يكون على الصفة الواردة، وهي صيام الإثنين فقط.
ولو صحّ هذا المنهج للزم أن نزيد ركعات في الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ، فَمَنْ شَاءَ اسْتَقَلَّ، وَمَنْ شَاءَ اسْتَكْثَرَ» [رواه أحمد والطبراني والحاكم وصحّحه، وحسّنه الألباني]. والذين يقيمون الموالد وإن كان الدافع لهم على ذلك محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه، ويُشكرون على هذه المحبة فإنه ينبغي أن نعلم أن أعظم محبته هو ترسم منهجه والسير على طريقه.
الأعياد القومية:
وذلك كعيد النيروز أو عيد الجلوس أو عيد الثورة أو عيد الاستقلال وغيرها من الأعياد التاريخية والقومية والعرقية.
فسمة العيد شرعاً وعرفا ظاهرة في هذه المناسبات فهي ممنوعة، وتعدّ مُحدثة مبتدعة. وتقدم الكلام أن تخلف نية التعبد عن مثل هذه الأعياد لا تُغير شيئاً في وصفها بالبدعة الشرعية.
إن حبّ الوطن والعناية به -في حدود ما أقرته الشريعةـ وكذلك تفضيله على غيره دون مُعارض شرعي لا تثريب فيه، ولكن الإحداث يحصل بتخصيص يومٍ معين للاحتفاء به دون سائر الأيام.
الوعظ عن مناسبة في يوم حدوثها:
كالحديث عن غزوة بدر في السابع عشر من رمضان، أو عن الإسراء والمعراج في السابع والعشرين من رجب، أو عن الهجرة في أول السنة الهجرية؛ فهذا من جنس المحدثات. وكان سبب قيام وصف البدعة هنا هو الصمود إلى زمان معين دون مناسبة معتبرة شرعاً ولا عقلاً، وقد تقدّم أن المناسبة العقلية تقتضي ذكر الشيء في يوم نسيانه لا في يوم تذكره.
وإذا كانت بعض الأحكام ظاهرة في وصفها بالشيء نفياً أو إثباتاً فإن هذه المسألة لا تعدّ كالمسائل التي اجتمعت فيها سِمات العيد كالمذكورة آنفاً، ولكنها في نظري أقرب إلى أن تُلحق بما وُصف بالبدعة؛ لما تقدّم تعليله، ولأنه قول ربط بزمن دون مناسبة عقلية معتبرة. وحريّ بمن أراد أن يستبريء لدينه أن يدعَ قصد الزمان في هذه المواعظ، ويمكنه أن يُؤجلها أو يُقدمها عن التاريخ بالقدر الذي يقطع الارتباط الذهني بعلاقة الموعظة أو خطبة الجمعة بذلك التاريخ.
ولنحذر في هذا المقام من استمزاج الشيء والارتياح له بما يؤدي إلى استحسانه ومحبته، وربما تشديد النكير على من أنكره؛ لأن هذا الارتياح هو الذي حمل أهل الموالد والأعياد المحدثة إلى استحسان بدعهم، والمسلم الموفق هو الذي يحمل نفسه على الأصول الشرعية دون اعتبار لذوقه وارتياحه.
تخصيص أيام الأعياد والجُمع لزيارة المقابر:
وذلك بدعوى عموم أدلة مشروعية الزيارة مطلقة أو عامة؛ وهذا مسلك غير صحيح؛ فيجب أن تبقى على عمومها أو إطلاقها ولا تقيد أو تخصّ بالرأي؛ فعليه حينئذٍ أن يعود نفسه على زيارة المقابر حسب الاتفاق من الفراغ والنشاط.
أما إذا كان وقت الزيارة هو وقت الفراغ أو النشاط؛ دون أن يكون الزمان مقصوداً للزائر فلا شيء فِي ذلك؛ كمن لا يجد فراغاً إلا يوم الخميس أو الجمعة مثلاً؛ فله أن يجعل الزيارة فِي هذا الوقت؛ لأنها صارت معقولة المعنى فلم ينطبق عليها حدّ البدعة.
عيد الزواج:
فما يكون في الأسرة أو خارجها في هذا اليوم من الاجتماع، أو تبادل التهاني، أو الهدايا، أو إحداث أي تغيير في الحياة اليومية التفاتاً إلى كون اليوم هو تاريخ الزواج هو في الحقيقة عيد زماني مُحدَث ضاهى فيه المحتفل العيد الشرعي فكان ممنوعاً.
حفلات تكريم الطلبة:
تُقام حفلات تكريم الجامعيين وطلبة حِلق تحفيظ القرآن العظيم؛ فهل تُعتبر بدعة لكونها تشبّه العيد؟
ذهب إلى ذلك بعض أهل العلم، والأظهر أن ذلك مرجوح؛ لكون هذه الحفلات معقولة المعنى على التفصيل، والزمن غير معين، ولا يُقصد لذاته؛ كما هي الحال في الأعياد الشرعية وغير الشرعية، وإنما المقصود خاتمة الفترة الدراسية؛ فلو تأخّرت أو تقدّمت تبعتها في ذلك، وهذا معقول المعنى معروف العلة فلم يكن بدعة.
عيد القرقيعان:
وهو من الأعياد المُحدثة؛ بل اجتمعت فيه أكثر سِمات العيد من اختيار الزمان وهو اليوم الرابع عشر من رمضان، وإلباس الأطفال الملابس الجديدة، وتهادي المكسرات والتسالي، والاجتماع لأجله.
عيد الأم:
وفيه يقع اختيار يومٍ معين، ويحصل التهادي والتهاني، وربما الاجتماع؛ فلا يكون مشروعاً.
وأمثال هذه الأعياد كثير؛ كعيد الحب والشعبنة، ويوم المعلم وغيرها، وإذا عرفنا القاعدة سَهُل ردّ الفروع المتجدّدة إليها.
والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد.
- التصنيف: