المشهد المصري والحلقة المفقودة

منذ 2012-11-06

إننا نحذر من دراكولا من نوع جديد، دراكولا لا يعرف المبادئ الثورية ولا المحكمة الدستورية ولا الجمعية التأسيسة بل كل ما يعرفه إرواء فقره بأي ثمن.


تتزاحم الأحداث في مصر الثورة، ويتطلع الجميع لأفق المستقبل الذي يكاد عمليا لا يراه أحد، خاصة طبقة المعدمين من هذا الشعب والتي قارب تعدادها على النصف .. يذكر أن هذه الجموع الغفيرة الفقيرة هرولت -وبجدية تامة- تجاه صندوق الانتخابات التي لم تعرفه طيلة عمرها، في محاولة لأداء دورها المطلوب منها، كي تتشكل النخب السياسية التي ستقود البلد في أسرع وقت ممكن، من أجل أن تبدأ عملية الإصلاح والتغيير على قدم وساق كما وعدوها في برامجهم على شاشات الفضائيات.

وبالفعل تكون أنزه مجلس شعب عرفته مصر والمنطقة العربية بأسرها، إلا أن بعض النخب القضائية التي ترفل في نعيم الرواتب الفلكية حكمت ببطلان اللعبة الانتخابية وقرروا أعادتها من جديد !!.

ثم تولى أشرف رئيس عرفته مصر إلا أن بعض النخب الإعلامية التي ترفل في نعيم الدخول الجنونية تبنت خطة إعلامية هوجاء مولها الفلول حول أخونة الدولة وضرورة التصدي للمشروع الإسلامي ومساوئ انفراد فصيل واحد بالحكم حتى لو أتى عبر صناديق الانتخابات .. وغيرها من القضايا الكلامية والتنظيرية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

ثم تكونت الجمعية التأسيسية لو ضع دستور إلا أن قادة الثورة المضادة والليبراليين من طبقات المترفين هاجوا وماجوا وصالوا وجالوا من أجل إجهاض مشروع الدستور.


وبدأ المواطن تقرع أذنه هيئات كانت تعد من أصحاب القبور كالمحكمة الدستورية والنائب العام ونادي القضاة .. والقائمة تطول من شلة المنتفعين الذين يخافون من طوفان العدالة الاجتماعية الذي سيجتث من رواتبهم ومميزاتهم الكثير.
لكن المحصلة أن العملية السياسية في واد والمواطن في واد آخر، فالسياسة باتت لعبة المترفين، وحديث المتخمين، والمواطن الغلبان صار لا يعنيه تلك المكلمة السوفسطائية التي تنعقد كل ليلة بين المنظرين السياسيين على شاشات الفضائيات.

لكن لو بدأنا برصد الأحوال من الشارع المصري، من طبقة البسطاء، من سكان المقابر وطوابير الخبر ومعاناة المرضى ... لأدركنا مدى اليأس الذي ينتاب النفوس بعدما داعبها الأمل في تحسن الأحوال.

رئيس منتخب وحكومة أتت والإنجازات التي تلوح في الأفق ما هي إلا سراب خادع، وكل الحديث عن الخزينة الحكومية الفارغة والاقتصاد المنهار والفساد المستشري.

لكن الحقيقة أن حجة «التعثر الاقتصادي» شماعة لا تستطيع أن تحمل كل هذه الإخفاقات، فالكثير من الإصلاحات لا تتطلب سياسات مالية واقتصادية، لأنها كيانات قائمة بالفعل تحتاج لتطهير وحسن ترتيب لأوضاعها فقط لا غير.


إن المستشفيات الحكومية قائمة بالفعل ولكنها قبور للموتى وكل ما تحتاجه المزيد من الترتيب وتحسين الخدمات وتواجد الأطباء لخدمة الجماهير الغفيرة، لكن واقع الحال أن الأساتذة لا تراهم إلا في عياداتهم الخاصة فقط.
وهيئة التأمين الصحي العملاقة قائمة بالفعل والكل يعلم أن الأدوية التي تصرفها لجموع المرضى خالية من المادة الفعالة أو ضعيفة نسبتها.
والمخابز قائمة بالفعل لكنها لا تعرف أي شيء عن الشروط الصحية، وأذكر أن ماسورة الصرف الصحي بأحد المخابز سربت محتوياتها ليلا على العجين وتم خبزه للناس في الصباح دون أن يشعر أحد.
والهيئة القضائية العملاقة التي تستنزف رواتبها خزينة الدولة قائمة بالفعل ولا مبرر لوجود 25 مليون قضية متراكمة بالمحاكم.
وأقسام الشرطة قائمة بالفعل لكنها لا تنصف مظلوما ولا تجلب حقا، وهي كما هي في عصرها البائد.
والمدارس الحكومية منتشرة في كافة ربوع الوطن لكنها خالية من الطلاب لعدم ثقتهم في العملية التعليمية من أساسها.
ودواوين الحكومة منتشر كالوباء في كل مكان، تعطل مصالح الناس بقوانين روتينية وأنظمة بيروقراطية لم تتغير حتى الآن.

إن الاقتصاد المصري برئ من كثير من الأزمات الحياتية اليومية براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
إن التغيير الحقيقي الشمولي هو الحلقة المفقودة في السياسة المصرية الراهنة، وهو الآن تغيير مختزل مبتور، تغيير فوقي عام يهتم بإصلاح الاقتصاد المتعثر وجلب الاستثمارات والأموال المهربة لكنه في نفس الوقت يتجاهل الانتشار والتعميم في كافة القطاعات، ويسير بنفس العقلية القديمة، عقلية حكومة الفرد الواحد «رئيس الجمهورية» والباقي في انتظار الأوامر لكي يتحرك.

إن الحكومة المصرية الآن عبارة عن توليفة من وزراء فشلة لا يعرفون طريقهم، وزراء غير مهنيين ولا مبادرين ولا طموحين ولا عارفين لمعنى حكومة ثورية تنشد نشل المجتمع من أتون الفساد والمعاناة.
وزراء تربوا على فكر الزعيم الملهم والحاكم الإله الذي ينتظرون إشارته وتوجيهاته وتعليماته، وبات على الدكتور مرسي أن يفهم في الصرف الصحي والسياسة الزراعية والطاقة النووية والعملية التعليمية والنوادي الرياضية ... يفهم في كل شيء لكي يحرك هذه الأحجار الصماء التي على رقعة الوزارة.

إننا على أبوبا ثورة جياع ستأكل الأخضر واليابس وتلتهم أكباد النخب وتشرب من دمائهم.
ثورة لن يردعها الدستور ولا سيادة القانون ولا سائر القضايا الكلامية التي تستحوذ على الزخم الإعلامي المصري.
ثورة لا تعرف الفلول ولا الإخوان ولا السلفيين، ولا مكان لها في ميدان التحرير ولا سائر الميادين، بل مكانها قصور النخب في التجمع الخامس ومدينه الشيخ زايد والساحل الشمالي.

ثورة ترويها دماء الأثرياء التي لا تعاني من الأنيميا ولا اللوكيما، بل هي عامرة بكافة الفيتامينات والمغذيات.

إننا نحذر من دراكولا من نوع جديد، دراكولا لا يعرف المبادئ الثورية ولا المحكمة الدستورية ولا الجمعية التأسيسة بل كل ما يعرفه إرواء فقره بأي ثمن.


د/ خالد سعد النجار
[email protected]
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 2
  • 1
  • 3,220

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً