صور بلا ملامح ..
منذ 2005-04-15
منّا المعتدل، ومنهم المعتدل! منا المنصف، ومنهم المنصف! هكذا نرى
أنفسنا، وهكذا يرون أنفسهم!
والنقاش في الحيثيّات المتعلقة باعتماد مقياس عالميّ يحدّد من هو المنصف، ومن هو دون ذلك يطول ويتشعب، ولن ينتهي بنا إلى اتفاق تامّ المعالم، مهما حاولنا، وجاهدنا للوصول إليه، فالاختلاف أمر بشريّ فُطرنا عليه، وقُدّر علينا نحن البشر، هذه حقيقة علينا التعامل معها بتعقل وتبصّر لنصل إلى أهدافنا كأمة مسلمة ترفع شعار لا اله إلا الله محمد رسول الله، قال سبحانه: { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } [هود:118]
كما قال تعالى:{ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } [المائدة:48].
إنّ هذا الاختلاف الذي نقرّه ولا ننكره، لا يعفينا من تبيان حقيقة معتقدنا وسموّه، ولا الدفاع عن معطياته الإلهيّة، ولا يعفينا من حوار محدّد السبل والأهداف؛ فلعنا بذلك -وعلى الأقل- نصل إلى نقطة اتفاق ولو نسبيّ، يكون أساس علاقات إنسانيّة مثمرة، فديننا الإسلامي عالمي النزعة والهدف، وما أصابه من تشوّه هو بفعل أيدينا؛ إهمالاً وتجاهلاً ورفضاً لذلك الآخر، الذي بادر -وبشغف وحتى قبل إبداء الأسباب- لرسم صور مشوّهة عن حقيقة دينٍ إسلاميٍ سامٍ، وإنسانه المتميز في تطلّعاته وآفاقه المستقبليّة، ضخّم نقاط ضعف قد تواجدت بفعل بعضنا، غافلاً عن زوايا رائعة لمن اتخذ الإسلام دستوراً وفكراً.
فعل ذلك وقد أمسك بزمام الحياة الماديّة بمعظم أبعادها.
إنّ ذلك كله لا يعني الخنوع والجري في سياق من يظنّ أنه متفوّق لا لشيء إلا لأنه يملك أدوات ماديّة يحاول بها تحريك العالم، مهملاً بدوره حقّ الآخر في الاختلاف، فارضاً فكره، معلناً العولمة، التي يرى أنها لن تكون مجدية إلا إذا اكتست بمفاهيمه، منكراً على الآخر تمسّكه بخصائصه الذاتيّة سواء كانت دينيّة أو وطنيّة، سياسيّة منها أم اقتصاديّة أم اجتماعيّة. كما أن اعترافنا بالتقصير النسبيّ تجاه الآخر لا يعني الإذلال والقبول بتطاول نفوس فُطرت على الإساءة سواء لمن استذلّ لها، أو ترفّع عن مواجهاتها بصُراخ وعويل لا يغني من الحقّ شيئاً، أما من صمد أمام تيارها فحدّث ولا حرج، فقد وقع بهذا الصمود على صكّ عداء دائم، فكيف له أن يصمد أمام من عدّ نفسه سيّد العالم بلا منازع..؟!
وإن كنا اعترفنا بهذا التقصير فلا يعني ذلك أيضاً أنّ غيرنا معفيّ من عنصريّة مقيتة معترف بها من قبل أهلها، ومحارَب لأجلها، فرفضهم للآخر أشدّ ظلمة لرفض بعضنا، وإن كانت الأنظار قد غُضّت اليوم عن عنصريّة أولئك، فالتضخيم كان من نصيب من ينتسبون لهذا الدين دون منازع.
في الآونة الأخيرة تابعت -وبأسًى- ضعف بعضنا تجاه الآخر، وأنا في حقيقة الأمر لا أفهم مردّ هذا الضعف وأساسه، فهم يتباهون بالإعلان أن الآخر كامل بالجملة ونحن المتقهقرون بالجملة، والمضحك في هؤلاء أن الجهل ثم الجهل ثم الجهل وراء قناعتهم تلك. فقد تأهّلوا لإصدار أمثال هذه الأطروحات المضحكة، بعد حفظهم لعدد بسيط من المصطلحات الفلسفية القديمة منها والحديثة، والتي في جملتها غامضة، وبالكاد يفهمها الخاصة فكيف بالعامة؟!
لقد اعتقدوا أنهم كلّما تحدّثوا بما لا يُفهَم دلّ ذلك على تفرّدهم وتفوّقهم، وأنهم بهذا أوجدوا لأنفسهم مكاناً مع أولئك! الحقّ معهم فقد أوجدوا لهم مكاناً هناك، ولكنه مكان يوازي وضع الكائنات الطفيليّة التي تقتات على جهد غيرها، بغض النظر عن موافقة الآخرين لهذا التطفل من رفضه.
سيبقون مرفوضين طفيليّين، ولو لم يظهر العالم لهم ذلك، سيبقون كالأيتام، لا بل كالخدام على موائد اللئام.
إن عقدة النقص في هذه الفئة هو المحرك الأساسي لفكرها وحديثها وقلمها، فهي تعتمد لإلصاق نفسها بمجتمعات مغايرة؛ ظناً منها أنها بذلك تعلن ولاء الطاعة، وأنها ستصل بهذا الخنوع لمرحلة الرضا التام من سيدها المطاع.
ولهؤلاء أقول: الإصلاح الذي تدّعون أنكم تطالبون به ينبع من الداخل لا بتوصيات خارجيّة، فوصفة الإصلاح الغربيّة لا ولن تجدي نفعاً.
ولهؤلاء أقول: الآخر الذي تدورون في فلكه قد لا يرضى عمّن ينافسه، ولكنه لا يملك أمام ثباته إلا أن يحترمه.
وأخيراً أقول لهم: لقد ضاعت دروبكم؛ فلا أنتم لهؤلاء ولا لأولئك، ولا لغيرهم، أنتم صورة بلا ملامح..
والنقاش في الحيثيّات المتعلقة باعتماد مقياس عالميّ يحدّد من هو المنصف، ومن هو دون ذلك يطول ويتشعب، ولن ينتهي بنا إلى اتفاق تامّ المعالم، مهما حاولنا، وجاهدنا للوصول إليه، فالاختلاف أمر بشريّ فُطرنا عليه، وقُدّر علينا نحن البشر، هذه حقيقة علينا التعامل معها بتعقل وتبصّر لنصل إلى أهدافنا كأمة مسلمة ترفع شعار لا اله إلا الله محمد رسول الله، قال سبحانه: { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } [هود:118]
كما قال تعالى:{ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } [المائدة:48].
إنّ هذا الاختلاف الذي نقرّه ولا ننكره، لا يعفينا من تبيان حقيقة معتقدنا وسموّه، ولا الدفاع عن معطياته الإلهيّة، ولا يعفينا من حوار محدّد السبل والأهداف؛ فلعنا بذلك -وعلى الأقل- نصل إلى نقطة اتفاق ولو نسبيّ، يكون أساس علاقات إنسانيّة مثمرة، فديننا الإسلامي عالمي النزعة والهدف، وما أصابه من تشوّه هو بفعل أيدينا؛ إهمالاً وتجاهلاً ورفضاً لذلك الآخر، الذي بادر -وبشغف وحتى قبل إبداء الأسباب- لرسم صور مشوّهة عن حقيقة دينٍ إسلاميٍ سامٍ، وإنسانه المتميز في تطلّعاته وآفاقه المستقبليّة، ضخّم نقاط ضعف قد تواجدت بفعل بعضنا، غافلاً عن زوايا رائعة لمن اتخذ الإسلام دستوراً وفكراً.
فعل ذلك وقد أمسك بزمام الحياة الماديّة بمعظم أبعادها.
إنّ ذلك كله لا يعني الخنوع والجري في سياق من يظنّ أنه متفوّق لا لشيء إلا لأنه يملك أدوات ماديّة يحاول بها تحريك العالم، مهملاً بدوره حقّ الآخر في الاختلاف، فارضاً فكره، معلناً العولمة، التي يرى أنها لن تكون مجدية إلا إذا اكتست بمفاهيمه، منكراً على الآخر تمسّكه بخصائصه الذاتيّة سواء كانت دينيّة أو وطنيّة، سياسيّة منها أم اقتصاديّة أم اجتماعيّة. كما أن اعترافنا بالتقصير النسبيّ تجاه الآخر لا يعني الإذلال والقبول بتطاول نفوس فُطرت على الإساءة سواء لمن استذلّ لها، أو ترفّع عن مواجهاتها بصُراخ وعويل لا يغني من الحقّ شيئاً، أما من صمد أمام تيارها فحدّث ولا حرج، فقد وقع بهذا الصمود على صكّ عداء دائم، فكيف له أن يصمد أمام من عدّ نفسه سيّد العالم بلا منازع..؟!
وإن كنا اعترفنا بهذا التقصير فلا يعني ذلك أيضاً أنّ غيرنا معفيّ من عنصريّة مقيتة معترف بها من قبل أهلها، ومحارَب لأجلها، فرفضهم للآخر أشدّ ظلمة لرفض بعضنا، وإن كانت الأنظار قد غُضّت اليوم عن عنصريّة أولئك، فالتضخيم كان من نصيب من ينتسبون لهذا الدين دون منازع.
في الآونة الأخيرة تابعت -وبأسًى- ضعف بعضنا تجاه الآخر، وأنا في حقيقة الأمر لا أفهم مردّ هذا الضعف وأساسه، فهم يتباهون بالإعلان أن الآخر كامل بالجملة ونحن المتقهقرون بالجملة، والمضحك في هؤلاء أن الجهل ثم الجهل ثم الجهل وراء قناعتهم تلك. فقد تأهّلوا لإصدار أمثال هذه الأطروحات المضحكة، بعد حفظهم لعدد بسيط من المصطلحات الفلسفية القديمة منها والحديثة، والتي في جملتها غامضة، وبالكاد يفهمها الخاصة فكيف بالعامة؟!
لقد اعتقدوا أنهم كلّما تحدّثوا بما لا يُفهَم دلّ ذلك على تفرّدهم وتفوّقهم، وأنهم بهذا أوجدوا لأنفسهم مكاناً مع أولئك! الحقّ معهم فقد أوجدوا لهم مكاناً هناك، ولكنه مكان يوازي وضع الكائنات الطفيليّة التي تقتات على جهد غيرها، بغض النظر عن موافقة الآخرين لهذا التطفل من رفضه.
سيبقون مرفوضين طفيليّين، ولو لم يظهر العالم لهم ذلك، سيبقون كالأيتام، لا بل كالخدام على موائد اللئام.
إن عقدة النقص في هذه الفئة هو المحرك الأساسي لفكرها وحديثها وقلمها، فهي تعتمد لإلصاق نفسها بمجتمعات مغايرة؛ ظناً منها أنها بذلك تعلن ولاء الطاعة، وأنها ستصل بهذا الخنوع لمرحلة الرضا التام من سيدها المطاع.
ولهؤلاء أقول: الإصلاح الذي تدّعون أنكم تطالبون به ينبع من الداخل لا بتوصيات خارجيّة، فوصفة الإصلاح الغربيّة لا ولن تجدي نفعاً.
ولهؤلاء أقول: الآخر الذي تدورون في فلكه قد لا يرضى عمّن ينافسه، ولكنه لا يملك أمام ثباته إلا أن يحترمه.
وأخيراً أقول لهم: لقد ضاعت دروبكم؛ فلا أنتم لهؤلاء ولا لأولئك، ولا لغيرهم، أنتم صورة بلا ملامح..
المصدر: د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة 2/3/1426 - 11/04/2005
- التصنيف:
اسماعيل
منذ