إسرائيل من شعار: من النيل للفرات. إلى: من جدار إلى جدار!

منذ 2012-11-15

تكشف فكرة بناء الجُدر العازلة عن أمرٍ غاية في الأهمية؛ وهو انكماش المشروع الصهيوني الذى بدأ بفكرة وخرافة من النيل للفرات لتصل إلى: من جدار إلى جدار أَمنك يا إسرائيل.



إذا كان إقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين مشروعاً اعتمدته أوربا منذ القرن 17م؛ مستندةً إلى نصوص وردت في العهد القديم تربط اليهود بفلسطين وتعلمهم بأنهم ورثوها بوعد إلهى بحسب ما جاء في (سفر التكوين 15/18): "لنسلك أعطى هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات".
وبشكل واضح؛ صرَّح بن جوريون سنة 1952، عن حدود إسرائيل فقال: "أن إسرائيل -فلسطين- ليست إلاّ جزءاً من وطننا".

ويؤكد ايجال آلون على ارتباط احتلال فلسطين بوعد الله لليهود، فيقول: "جاء اليهود إلى البلاد لكي يستردوا الأرض التي يعتقدون أنها أرض أباءهم التي وعد الله لهم ولذراريهم في العهد القديم المبرم قبل آلاف السنين بين الله وإبراهيم" كما ذكرت في النص السابق من سفر التكوين.

ولن أخوضَ هنا في التفسير الديني المختلف عليه بين اغسطين وبين تفسير الصهيونية لهذا الوعد بل والأعجب؛ حتى عند هرتزل نفسه حيث كان يرغب في إيجاد وطن بعيداً عن فلسطين في أمريكا اللاتينية أو في افريقيا... الخ، وقال هرتزل صراحة: "إذا قامت لليهود دولة في فلسطين فسوف يعانى اليهود معاناة شديدة؟"

لكن ما الذى حدث لهذا الحلم اليهودي من شعار: من النيل للفرات. إلى: من جدار إلى جدار! وما هي علاقة بناء الجُدر العازلة بالشخصية اليهودية وثقافتها الدينية وتاريخها الاجتماعي في إطار العلاقة مع الأغيار؟!

فوفقاً لتعاليمِ اليهود الدينية ينظر اليهود لغيرهم باعتبارهم أغيار وجوييم وإلى أنفسهم على أنهم شعب الله المختار، أو الشعب المقدس، وأنهم متميزون ومتفردون عن غيرهم؛ وهذا اعتقادٌ راسخ في الشخصية اليهودية، انعكس ذلك على سلوكهم الاجتماعي عبر التاريخ في كل الأماكن التي وجدوا فيها.

و ساعده هذا الشعور الديني وطقوسه على فكرة العزلة والتي اخذت بفكرة الجيتوهات كصورة معبرة عن الانعزال عن الأغيار، فكان أول جيتو لليهود في البندقية بحسب ما ذكره الأستاذ الدكتور عبد الله الشامي في كتابه (الروح العدوانية للشخصية اليهودية)، وذكره غيره .

ففي سنة 1516، قام أول جيتو فى البندقية بإيطاليا اختياريا، لكن أصبحت حياةَ اليهود فى الجيتوهات بعد ذلك إجبارياً بحسب توصية البابا بولس الرابع سنة 1550ـ1559. كان من نتيجة فكرة العزلة والحياة فى الجيتوهات والبُعد عن الأغيار أن تتجسد في العقلية اليهودية فكرة التحدي للعالم الخارجي.

وبحكم أن هذه الفكرة موروث اجتماعي وديني لليهود برزت سريعا سنة 67، و التي بدأ بعدها التوسع اليهودي يتمدد في أرض فلسطين بعيداً عن التجمعات الفلسطينية ومجتمعاتها، وفكر ساعتها في بناء الجُدر العازلة حول المستوطنات التي أقامها على أنقاض الملكيات الفلسطينية إضافة لمحاولة إضفاء الصبغةِ اليهودية عليها.

وبمقتضى هذا التوسع المستمر، ومصادرة الأراضي الفلسطينية برزت فكرة الجدار لعازلة لتحقيق عدة اهداف:

1ـ ضم مزيدٍ من الأراضي الفلسطينية وتحويلها لصالح اليهود؛ ففي مدينة القدس وبعد بناء الجدار العازل حولها تم مصادرة 136كم2 من الأراضي الفلسطينية.

2ـ الهدف الثاني إحداث خلخلة في التوازن الديمغرافي للسكان لصالح اليهود؛ فقد تم طرد 154 ألف مقدسي بعد بناء الجدار حول القدس، كما يساعد هذا على فرض أمر واقع على الأرض وعلاج المشكلة الديمغرافية بنقص المواليد والهجرة التي يعانى منها.

3ـ الهدف الاقتصادي:
فبسبب الجُدر العازلة المتحكمة في مداخل ومخارج المدن؛ يتحكم الكيان الصهيوني في كل الواردات والصادرات للمدن الفلسطينية ومثال ذلك غزة، ففي حال قيام ما يُسمى دويلة فلسطينية لن تستطيع حتى الاستقلال الاقتصادي الكامل إلا بأمر من الكيان الصهيوني .

4ـ كما يوجد هدف آخر من بناء هذه الجُدر العازلة؛ وهو طمس المعالم، والآثار الدينية والحضارية للفلسطينيين؛ وذلك من خلال ما يحدث أثناء الحفر من تحطيم للآثار، وهدمٍ للمعالم الدينية، كما يحدث الآن في القدس. تهيئة لبناءِ الهيكل حتى وصل الأمر إلى تهديد هذه الحفريات للأقصى نفسه في محاولة لطمس هويته الإسلامية فضلاً عن هدم آلاف المنازل للفلسطينيين ومصادرة الآخر منها.

5ـ كما يهدف العدو الصهيوني من بناء الجُدر العازلة إلى مزيد من التعذيب للفلسطينيين؛ فيحتاج إلى ساعات وأيام للمرور من مدينة إلى مدينة، أو من قرية إلى قرية، ربما قبل الجدار تستغرق المسافة دقائق أو ساعات بدلاً من الأيام، ويموت المرضى على الحواجز بسبب هذا الجدار؟

وهذا قمة العنصرية والإجحاف بكل معايير حقوق الإنسان الفلسطيني.

6ـ وتعكس الجُدر العازلة بشكل واضح تناقض الشخصية اليهودية؛ فهي تدعى أنها أقامتها لطلب الأمن، وأنها تحمي نفسها بهذه الجُدر من الفلسطينيين؛ فهي مضطهدة ومظلومة، وفي نفس الوقت تمارس الغطرسة والتدمير لكل مقومات الحياة للشعب الفلسطيني، حجر وشجر وشيوخ وأطفال ونساء ، وهذه الصفة متلازمة وملازمة للشخصية اليهودية عبر تاريخها الاجتماعي الطويل في كل أنحاء العالم ومن راجع تاريخهم عَرف هذا عنهم.

7ـ الجُدر العازلة والحرب النفسية:
الجدار العازل يأتي من جملة أدوات الحرب النفسية للفلسطينيين المقصود منها أن يُصاب المجتمع الفلسطيني بإحباط نفسي يصل به إلى درجة الاستسلام للأمر الواقع، وأن يترك خيار المقاومة وأن ينزل على شروط عدوه وقاتله، ويدخل فى هذا تعجيز القيادة المقاومة عن تلبية الضرورات الأساسية للمجتمع فيدفعه للانقلاب على قيادة المقاومة تحت ضغط الضرورات الحياتية والعلاجية .
ففكرة إنشاء الحواجز والجُدر العازلة؛ فكرة لصيقة بالمشروع الصهيوني. وكيف لا ونشأةُ هذا الكيان نفسه جاءت في إطار إيجاد حاجز بشري يهودي معادٍ للمسلمين والعرب؛ يعمل لمصلحة الغرب ويحقق له حلم التوراة الزائف.

لهذا علينا أن نفهم:

أن حقيقة المفاوضات المسماةِ سلمية يَقصد بها اليهود: حل مشكلاته ليبقى محافظاً على نقاءه العنصري، ويُأمّن كيانه وأن يتم ترحيل الفلسطينيين إلى دول الجوار: مصر والأردن ولبنان وسوريا؛ فيما يُعرف بخريطة الدم الأمريكية؟

وأخيراً:

تكشف فكرة بناء الجُدر العازلة عن أمرٍ غاية في الأهمية؛ وهو انكماش المشروع الصهيوني الذى بدأ بفكرة وخرافة من النيل للفرات لتصل إلى: من جدار إلى جدار أَمنك يا إسرائيل.

والله غالبٌ على أمره ولكنَّ أكثر الناسِ لا يعلمون.
 

المصدر: مجلة القدس
  • 1
  • 0
  • 6,808

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً