تعازينا يا باتريك
لست أدري بأي لسان أواسيك عزيزي باتريك في وفاة صغيرتك، كل ما أستطيع قوله لك يمكنك أن تحمد الله أنها قد ماتت بيد كارثة طبيعية، لم تمت بيد واحدة من طائرات الأباتشي التي يصنعها مواطنوك، وتمثل جزئا مهما من عوائد الضرائب الأمريكية.
لست أدري بأي لسان أواسيك عزيزي باتريك في وفاة صغيرتك، كل ما أستطيع قوله لك يمكنك أن تحمد الله أنها قد ماتت بيد كارثة طبيعية، لم تمت بيد واحدة من طائرات الأباتشي التي يصنعها مواطنوك، وتمثل جزئا مهما من عوائد الضرائب الأمريكية.
يمكنك أن ترتاح فما حدث لها لا علاقة له بالإهمال الحكومي المتعمد، الذي تعاني منه دول العالم المتخلف الجائع الذي ساهمت سياساتكم الاستعمارية في إبقائه جائعا متخلفا حتى اليوم.
يمكنك أن تقر عينك أن ابنتك لم تمت لأن سيارة الإسعاف لم تتأخر عليها؛ لأن بعض الفاسدين قرروا سرقة الوقود المدعم الذي تسير به السيارة، أو استبدلوا العشرات من سيارات الإسعاف بسيارات لكبار المسئولين، هؤلاء الفاسدين للأسف حكوماتك المتعاقبة التي تنتخبها هي نفسها التي حمتهم وأمدتهم بالسلاح والتدريب لحماية أنفسهم؛ ليصبحوا شرطيوا المنطقة الغلاظ على أهلهم!
يمكنك أن تهدأ عزيزي باتريك، على الأقل ابنتك لم تعاني ما عاناه (إبراهيم سيد بلال) الذي لا أحسبك تعرفه ولن تعرفه وهو طفل في عمر ابنتك، قدر الله له أن يذوق مرارة اليتم على يد الجلاوذة والمجرمين الذين تلقوا تدريباتهم في أجهزتكم الأمنية، وباستخدام الصواعق الكهربائية التي تبيعها شركاتكم لحكومتنا.
يمكنك أن تحمد الله أن ابنتك لم تعاني مصير (فان ثي كام) الفتاة الفيتنامية التي كانت من عمر ابنتك، واحترق جسدها بالكامل بفعل قنبلة نابالم ألقاها مواطنوك على بلدها في السبعينيات، وظلت حية بعد ذلك حتى اليوم! ليس من داع لأخبرك أنها قطعا أفضل مصيرا بكثير من الفتيات في مثل أعمارها الذين كانوا يجهلون أن الألعاب بريئة المظهر التي ألقتها عليهم طائرات الفانتوم في الصباح مجرد قنابل شديدة التفجير..!
ليس من داع لتذكيرك أيضا: أن ابنتك لم تمت بيد واحدة من قنابل الفوسفور التي تقذفها ربيبتك إسرائيل على أهل غزة البسطاء، ولا داعي لأن أحكي لك من هي إسرائيل وتحت أي غطاء قانوني تتحرك وبحماية أي بلطجي تحديدا!
يمكنك أيضا: أن تحمد الله أن ابنتك لم تمت بين ذراعيك مثل محمد الدرة -لو كنت تعرفه- الذي توسل والده كثيرا جدا لقتلته حتى لا يقتلوه ورغم ذلك لم يرحموا توسلاته، ولم تحرك فيكم هذه الصورة أي شئ!
شئ أخر يقلل من حزنك أن ابنتك لم تهلك جوعا تحت وطأة الحصار الظالم، ولم تمت لأنها لم تجد حقنة مضاد حيوي أو دواء للسيولة كما حدث لأطفال السودان والعراق بعد قصف مصانع الأدوية بالطائرات!
يمكنك أيضا: أن تشعر أنك أفضل حالا لأن ابنتك لم تمت تحت وطأة قصف طائرات (البي 52) التي كانت تلقي قذائفها زنة النصف طن على المناطق السكنية في العراق!
لن يواسيك هذا كثيرا أيضا، ولكن لتحمد الله أن ابنتك ليست من سكان مدينة هيروشيما اليابانية، لست أتحدث بالطبع عمن مات في اللحظات الأولى لانفجار قنبلتكم في هذه المدينة الآمنة بل أتحدث عن الأطفال الذين عانوا من اللوكيميا وماتوا من الألم بسبب إجرام مواطنيك!
يمكنك أن تسعد أيضا: أيا كانت الطريقة التي ماتت بها ابنتك فهي أفضل كثيرا من الطريقة التي مات بها 30 طفلا مصريًا في قصف مدرسة -لم تخطئ قراءة الكلمة- اسمها (بحر البقر) في محافظة الشرقية!
يمكنك كذلك أن تحمد الله أن ابنتك لم تكبر فتعاني من مصير العراقيات اللاتي تعرضن للاغتصاب في أبي غريب، ثم أكمل مواطنوك إذلالهن بتصوير ذلك صوتًا وصورة، ثم أكملت جرائدكم الحرة الجريمة بنشر صور هذه الفتيات..
قد لا تدرك كثيرًا معنى هذا بالنسبة للفتاة الشرقية أو المسلمة، ولكن يكفيك أن تعرف أن ثلث ما حدث كفيل بإنهاء حياتها تماما، الجميل أنك العام التالي مباشرة كافئت المجرم جورج بوش بانتخابه رئيسا للولايات المتحدة للمرة التالية على التوالي!
سامحني يا عزيزي (باتريك) كنت أتمنى أن أبدي معك تعاطفا أكبر، ولكن من العسير علي أن أتعاطف مع أقل من عشرين ضحية لإعصار، في حين أن هذا الرقم يعتبر فضلا الأرقام بالنسبة لحوادثنا التقليدية من احتراق القطارات وغرق العبارات واحتراق المسارح.
من العسير علي أن أبتلع منطق التعاطف معك في عشرين ضحية في الوقت الذي يموت فيه ثلاثة أضعاف هذا الرقم يوميا في حوادث الطرق في مصر!
طبعا لا داعي للحديث عن الفارق بين التعويضات التي ستنالها أنت تدفعه لك حكومتك -التي ليس من ذنبها ما أصابك- وبين الخمسة آلاف جنيه -أقل من سعر هاتف المحمول أي فون الجديد- التي نالها أهل كل غريق غرق في عبارة السلام، أو محترق في قطار الصعيد، فالحديث عن الماديات لا مبرر له عند ذكر الموت!
فقط ما أريد قوله لك قبل أن أتركك تغمض عينيك: ابنتك وقبل أن يتسابق متنافسي الرئاسة في توديعها، وقبل أن يهرول إليك سادة العالم ورؤساءه لعزائك خوفًا وطمعًا أذكرك أنك دائما ما تختار باختيارك لأباء كثر أن يغمضوا أعين أبنائهم وبناتهم وكلهم دعاء عليكم أن يبتليكم الله ببعض ما بليتمونا به.
مروان عادل
- التصنيف: