إلى كل مسؤول: (لو رتعتَ لرتعت الرعية)

منذ 2012-11-18

هذه رسالة عاجلة إلى كل مسؤول في مصر... إلى رئيس الدولة، ورئيس الوزراء، والوزراء، ورؤساء الشركات والمؤسسات... إلى كل مسؤول في كل مكان في مصر: "لو رتعت لرتعت الرعية".


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذه رسالة عاجلة إلى كل مسؤول في مصر... إلى رئيس الدولة، ورئيس الوزراء، والوزراء، ورؤساء الشركات والمؤسسات... إلى كل مسؤول في كل مكان في مصر: "لو رتعت لرتعت الرعية".

إن صلاح السلطة سبب في صلاح المجتمع وفسادها سبب في إفساده: "لما فتح المسلمون القادسية أخذوا الغنائم ودفعوها إلى عمر رضي الله عنه وجيء إليه بتاج كسرى وهو مرصع بالجواهر وبساطه منسوج بالذهب واللآلئ، وكان كسرى إذا جاء يدخل تحت تاجه ويجلس على عرشه وتاجه معلق بسلاسل الذهب؛ لأنه لا يستطيع حمله على رأسه من ثقله وكثرة ما فيه من الذهب والجواهر المرصعة، وملابس كسرى مرصعة بالجواهر، ولما رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه مقدار ما وصل إليه من أموال إلى المدينة، بكى وحمد الله وقال: (إن قومًا أدوا هذا لأمناء)، فأجابه علي رضي الله عنه: عففت فعفّوا ولو رتعتَ يا أمير المؤمنين لرتعت أمتك".

فالإيمان والعبودية وأداء الأمانة وتقوى الله من أهم أسباب الاستخلاف في الأرض كما قال تعالى: {[وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ]} [النور:55]، وقد تحقق وعد الله لرسوله وأصحابه رضي الله عنهم، واستخلفهم الله في الأرض فأذلوا الأكاسرة وأهانوا القياصرة، وتحولوا من رعاة في الصحراء للإبل والغنم في أرض الجزيرة إلى سادة وقادة للدول والأمم.

ولذلك لما دخل قائد جيش المسلمين سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قصر كسرى أخذ يتلو قوله تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ . وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ . كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ} [الدخان:2528].

فلا بد لكل مسؤول أن يكون قدوة حسنة لرعيته؛ لأن من طبيعة النفس البشرية أنها دائمًا مولعة بتقليد الأقوى سواء كان في الخير أو الشر، وحيث إن الإمام أو الحاكم أو الرئيس هو الذي في يده زمام السلطة والتدبير فإن نفوس الرعية تكون مولعة فيما يذهب إليه؛ لذلك وجب عليه أن يكون قدوة حسنة لأتباعه حتى يسيروا على نهجه ويقلدوه في سنته الحسنة؛ لأن عيونهم معقودة به وأبصارهم شاخصة إليه، فإن أي صغيرة تبدو منه تتجسم لدى العامة، ويتخذون منها ثغرة ينفذون منها إلى الانحراف، وقلَّ أن يردهم بعد ذلك نصح أو تخويف.

قَال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "يا أمير المؤمنين لو وسعت على نفسك في النفقة من مال الله تعالى، فقال له عمر: أتدري ما مثلي ومثل هؤلاء؟ كمثل قوم كانوا في سفر فجمعوا منهم مالاً وسلموه إلى واحد منهم ينفقه عليهم، فهل يحل لذلك الرجل أن يستأثر عنهم من أموالهم؟"، لذلك أصلح الله الرعية لعمر رضي الله عنه.

ولما توالت الأموال على الصحابة غنائم جهاد، وأعطيات وعمر رضي الله عنه يعدل ويقسم على المسلمين، وعمر كيف كان حاله؟ لما فتحت عليهم الدنيا كيف كان حالهم؟ كيف كان حال الصحابة بعد أن صاروا أمراء على البلدان؟ هل طغوا وبغوا؟ هل غيرتهم الأموال؟ هل غيرتهم الدنيا؟ خليفتهم كان في إزاره اثنتا عشرة رقعة، وفي ردائه أربع رقع، كل رقعة مختلفة عن الأخرى، وكان باستطاعته أن يأكل لحمًا مشويًّا كل يوم، ولكنه كان يأكل زيتًا وخبزًا وملحًا.

ولما تولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة مضى من يومه يريد أن يعمل ويتكسب من تجارته، فقالوا: "قد وليت أمرنا فافرغ لنا"، -أي تفرغ لإدارة شئون البلاد- فقال: "قوتي وقوت عيالي"، قالوا: "نفرض لك من بيت مال المسلمين"، فقدر لنفسه أقل القليل من طعام وشراب فحسب!

فكان فعله وفعل غيره من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فيه مراقبة لله وأداء للأمانة، قال أبو بكر رضي الله عنه للمرأة الأحمسية -أحمس اسم قبيلة- لما سألته: "مَا بَقَاؤُنَا عَلَى هَذَا الأَمْرِ الصَّالِحِ الَّذِي جَاءَ اللَّهُ بِهِ بَعْدَ الجَاهِلِيَّةِ؟" قَالَ: "بَقَاؤُكُمْ عَلَيْهِ مَا اسْتَقَامَتْ بِكُمْ أَئِمَّتُكُمْ" (رواه البخاري).

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إن الناس لم يزالوا مستقيمين ما استقامت لهم أئمتهم وهداتهم"، وقال: "الرعية مؤدية إلى الإمام ما أدى الإمام إلى الله، فإن رتع الإمام رتعوا"؛ لذلك كان من سيرته رضي الله عنه كما ذكر ذلك سالم بن عبد الله عن أبيه قال: "كان عمر إذا أراد أن ينهى الناس عن شيء تقدَّم لأهله فقال: لا أعلمن أحدًا وقع في شيء مما نهيت عنه إلا أضعفت له العقوبة".

فإذا صلح الرئيس وصلح الوزير، وصلح المدير صلحت الرعية بإذن الله تعالى.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


زين العابدين كامل
 

  • 14
  • 0
  • 42,270

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً