من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه

منذ 2005-04-22

« <span style="color: 3366ff">تبَسُّمك في وجه أخيك صدقة</span> »

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فإن للشهوات سلطاناً على النفوس، واستيلاء وتمكناً في القلوب، فتركها عزيز، والخلاص منها عسير، ولكن من اتقى الله كفاه، ومن استعان به أعانه { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } وإنما يجد المشقة في ترك المألوفات والعوائد من تركها لغير الله، أما من تركها مخلصاً لله فإنه لا يجد في تركها مشقة إلا أول وهلة؛ ليمتحن أصادق في تركها أم كاذب، فإن صبر على تلك المشقة قليلاً استحالت لذة، وكلما ازدادت الرغبة في المحرم، وتاقت النفس إلى فعله، وكثرة الدواعي للوقوع فيه عظم الأجر في تركه، وتضاعفت المثوبة في مجاهدة النفس على الخلاص منه.

ولا ينافي التقوى ميل الإنسان بطبعه إلى الشهوات، إذا كان لا يغشاها، ويجاهد نفسه على بغضها، بل إن ذلك من الجهاد ومن صميم التقوى، ثم إن من ترك لله شيئاً عوضه الله خيراً منه، والعوض من الله أنواع مختلفة، وأجل ما يعوض به: الأنس بالله، ومحبته، وطمأنينة القلب بذكره، وقوته، ونشاطه، ورضاه عن ربه تبارك وتعالى، مع ما يلقاه من جزاء في هذه الدنيا، ومع ما ينتظره من الجزاء الأوفى في العقبى.

نماذج لأمور من تركها لله عوضه الله خيراً منها:

1- من ترك مسألة الناس، ورجائهم، وإراقة ماء الوجه أمامهم، وعلق رجاءه بالله دون سواه، عوضه خيراً مما ترك فرزقه حرية القلب، وعزة النفس، والاستغناء عن الخلق « ومن يتصبر يصبره الله ومن يستعفف يعفّه الله ».

2- ومن ترك الاعتراض على قدر الله، فسلم لربه في جميع أمره رزقه الله الرضا واليقين، وأراه من حسن العاقبة ما لا يخطر له ببال.

3- ومن ترك الذهاب للعرافين والسحرة رزقه الله الصبر، وصدق التوكل، وتحقق التوحيد.

4- ومن ترك التكالب على الدنيا جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة.

5- ومن ترك الخوف من غير الله، وأفرد الله وحده بالخوف سلم من الأوهام، وأمنه الله من كل شيء، فصارت مخاوفه أمناً وبرداً وسلاماً.

6- من ترك الكذب، ولزم الصدق فيما يأتي ويذر، هدي إلى البر، وكان عند الله صدّيقاً، ورزق لسان صدق بين الناس، فسودوه، وأكرموه، وأصاخوا السمع لقوله.

7- ومن ترك المراء وإن كان محقاً ضمن له بيت في ربض الجنة، وسلم من شر اللجاج والخصومة، وحافظ على صفاء قلبه، وأمن من كشف عيوبه.

8- ومن ترك الغش في البيع والشراء زادت ثقة الناس به، وكثر إقبالهم على سلعته.

9- ومن ترك الربا، وكسب الخبيث بارك الله في رزقه، وفتح له أبواب الخيرات والبركات.

10- ومن ترك النظر إلى المحرم عوضه الله فراسة صادقة، ونوراً وجلاءً، ولذة يجدها في قلبه.

11- ومن ترك البخل، وآثر التكرم والسخاء أحبه الناس، واقترب من الله ومن الجنة، وسلم من الهم والغم وضيق الصدر، وترقى في مدارج الكمال ومراتب الفضيلة { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }.

12- ومن ترك الكبر، ولزم التواضع كمل سؤدده، وعلا قدره، وتناهى فضله، قال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم في الصحيح: « ومن تواضع لله رفعه ».

13- ومن ترك المنام ودفأه ولذته، وقام يصلي لله عز وجل عوضه الله فرحاً، ونشاطاً، وأنساً.

14- ومن ترك التدخين، وكافة المسكرات والمخدرات أعانه الله، وأمده بألطاف من عنده، وعوضه صحة وسعادة حقيقية، لا تلك السعادة الوهمية العابرة.

15- ومن ترك الانتقام والتشفي مع قدرته على ذلك، عوضه الله انشراحاً في الصدر، وفرحا في القلب؛ ففي العفو من الطمأنينة والسكينة والحلاوة وشرف النفس، وعزها، وترفعها ما ليس شيء منه في المقابلة والانتقام.

قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: « وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً ».

16- ومن ترك صحبة السوء التي يظن أن بها منتهى أنسه، وغاية سرور، عوضه الله أصحاباً أبراراً، يجد عندهم المتعة والفائدة، وينال من جراء مصاحبتهم ومعاشرتهم خيري الدنيا والآخرة.

17- ومن ترك كثرة الطعام سلم من البطنة، وسائر الأمراض، لأن من أكل كثيراً شرب كثيراً، فنام كثيراً، فخسر كثيراً.

18- ومن ترك المماطلة في الدين أعانه الله، وسدد عنه بل كان حقا على الله عونه.

19- ومن ترك الغضب حفظ على نفسه عزتها وكرامتها، ونأى بها عن ذل الاعتذار ومغبة الندم، ودخل في زمرة المتقين { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ }.

جاء رجل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أوصني! قال: « لا تغضب » رواه البخاري.

قال الماوردي - رحمه الله -: " فينبغي لذي اللب السوي والحزم القوي أن يتلقى قوة الغضب بحلمه فيصدها، ويقابل دواعي شرته بحزمه فيردها؛ ليحظى بأجل ِّالخيرة، ويسعد بحميد العاقبة ".

وعن أبي عبلة قال: " غضب عمر بن عبد العزيز يوماً غضباً شديداً على رجل، فأمر به، فأحضر وجُرِّد، وشُدَّ في الحبال، وجيء بالسياط، فقال: خلوا سبيله؛ أما إني لولا أن أكون غضباناً لسؤتك، ثم تلا قوله تعالى:{ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ }."

20- ومن ترك الوقيعة في أعراض الناس والتعرض لعيوبهم ومغامزهم، عُوِّض بالسلامة من شرهم، ورزق التبصر في نفسه.

قال الأحنف بن قيس- رضي الله عنه-: " من أسرع إلى الناس في ما يكرهون قالوا فيه مالا يعلمون ".

وقالت أعرابية توصي ولدها: " إياك و التعرض للعيوب فتتخذ غرضاً، و خليق ألا يثبت الغرض على كثرة السهام و قلما اعتورت السهام غرضاً حتى يهي ما اشتد من قوته ".

قال الشافعي- رحمه الله -:

المرء إن كان مؤمناً ورعاً

أشغله عن عيوب الورى ورعه

كما السقيم العليل أشغله

عن وجع الناس كلهم وجعه



21- ومن ترك مجاراة السفهاء، وأعرض عن الجاهلين حمى عرضه، وأراح نفسه، وسلم من سماع ما يؤذيه { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } [الأعراف: 199].

22- ومن ترك الحسد سلم من أضراره المتنوعة؛ فالحسد داء عضال، وسم قتَّال ومسلك شائن، وخلق لئيم، ومن لؤم الحسد أنه موكل بالأدنى فالأدنى من الأقارب، والأكفاء، والخلطاء، والمعارف، والإخوان.

قال بعض الحكماء: " ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحسود، نفس دائم، وهم لازم، وقلب هائم ".

23- ومن سلم من سوء الظن بالناس سلم من تشوش القلب، واشتغال الفكر، فإساءة الظن تفسد المودة، وتجلب الهم والكدر، ولهذا حذرنا الله عز وجل منها فقال: { يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } . وقال صلى الله عليه وسلم: « إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث » رواه البخاري ومسلم.

24- ومن اطَّرح الدعة والكسل، وأقبل على الجد والعمل، علت همّته، وبورك له في وقته، فنال الخير الكثير في الزمن اليسير.
ومن هجراللذات نال المنى..
ومن أكب على اللذات عض على اليد..

25- ومن ترك تطلب الشهرة وحب الظهور رفع الله ذكره، ونشر فضله، وأتته الشهرة تُجَرِّرُ أذيالها.

26- ومن ترك العقوق، فكان بَرَّاً بوالديه، رضي الله عنه، ورزقه الله الأولاد الأبرار وأدخله الجنة في الآخرة.

27- ومن ترك قطيعة أرحامه، فواصلهم، وتودد إليهم، واتقى الله فيهم، بسط الله له في رزقه، ونَسَأ له في أثره، ولا يزال معه ظهير من الله مادام على تلك الصلة.

28- ومن ترك العشق، وقطع أسبابه التي تمده، وتجرَّع غصص الهجر، ونار البعاد في بداية أمره وأقبل على الله بكليته رُزِقَ السلوَّ، وعزة النفس، وسلم من اللوعة والذلة والأسر، ومُليء قلبه حريةً ومحبة لله - عز وجل - تلك المحبة التي تلم شعث القلب، وتسد خلته، وتشبع جوعته، وتغنيه من فقره؛ فالقلب لا يسر ولا يفلح، ولا يطيب ولا يسكن، ولا يطمئن إلا بعبادة ربه، وحبه والإنابة إليه.

29- ومن ترك العبوس والتقطيب، واتصف بالبشر والطلاقة - لانت عريكته، ورقت حواشيه، وكثر محبوه، وقل شانؤوه.
قال - صلى الله عليه وسلم -: « تبَسُّمك في وجه أخيك صدقة » أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب.
قال ابن عقيل الحنبلي: " البشر مُؤَنِّسٌ للعقول، ومن دواعي القبول، والعبوس ضده ".
وبالجملة فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
فالجزاء من جنس العمل { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ.وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ }
مثال على "من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه"

وإذا أردت مثالاً جلياً، يبين لك أن من ترك شيئاً لله عوضه خيراً منه، فانظر إلى قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز، فلقد راودته عن نفسه فاستعصم، مع ما اجتمع له من دواعي المعصية، فلقد اجتمع ليوسف ما لم يجتمع لغيره، وما لو اجتمع كله أو بعضه لغيره لربما أجاب الداعي، بل إن من الناس من يذهب لمواقع الفتن بنفسه، ويسعى لحتفه بظلفه، ثم يبوء بعد ذلك بالخسران المبين، في الدنيا والآخرة إن لم يتداركه الله برحمته.

أما يوسف عليه السلام فقد اجتمع له من دواعي الزنا ما يلي:

1- أنه كان شاباً، وداعية الشباب إلى الزنا قوية.

2- أنه كان عزباً، وليس له ما يعوضه ويرد شهوته.

3- أنه كان غريباً، والغريب لا يستحيي في بلد غربته مما يستحيي منه بين أصحابه ومعارفه.

4- أنه كان مملوكاً، فقد اشتري بثمن بخس دراهم معدودة، والمملوك ليس وازعه كوازع الحر.

5- أن المرأة كانت جميلة.

6- أن المرأة ذات منصب عال.

7- أنها سيدته.

8- غياب الرقيب.

9- أنها قد تهيّأت له.

10- أنها غلقت الأبواب.

11- أنها هي التي دعته إلى نفسها.

12- أنها حرصت على ذلك أشد الحرص.

13- أنها توعدته إن لم يفعل بالصغار.

ومع هذه الدواعي صبر إيثاراً واختياراً لما عند الله، فنال السعادة والعزّ في الدنيا، وإن له للجنة في العقبى، فلقد أصبح السيد، وأصبحت امرأة العزيز فيما بعد كالمملوكة عنده، وقد ورد أنها قالت: " سبحان من صير الملوك بذل المعصية مماليك، ومن جعل المماليك بعز الطاعة ملوكاً ".

فحري بالعاقل الحازم، أن يتبصّر في الأمور، وينظر في العواقب، وألا يؤثر اللذة الحاضرة الفانية على اللذة الآجلة الباقية.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

12 / 7 / 1425 هـ

المصدر: www.toislam.net

محمد بن إبراهيم الحمد

دكتور مشارك في قسم العقيدة - جامعة القصيم

  • 54
  • 4
  • 148,008
  • qwerty

      منذ
    بارك الله فيكم
  • medoo

      منذ
    رضيت بالله رباوبالاسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا عليه افضل الصلاه والسلام
  • عبادة

      منذ
    [[أعجبني:]] بالإضافة لأنه درس ايماني عقائدي عند قراته بالنسبة لنا الشباب خارج الوطن وغير متأهلين تعود الينا مخافة الله في السر اي بيني وبين نفسي ويذكرنابأن الله مع الصابرين ختاماً نرجوا دعائكم لنا بالتوفيق لما يرضي الله وعباده والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته [[لم يعجبني:]] الإيجاز لأني احب التعمق اكثر والله يجزيك الخير
  • أم خالد

      منذ
    [[أعجبني:]] مقاله جدا مفيده وتريح القلب وتحسم أمور كثيره في حياة كل إنسان
  • هاله محمد سليمان

      منذ
    [[أعجبني:]] جزاك الله خيرا موضوع جميل جدا ما شاء الله الله يحفظك إن شاء الله
  • الهدى

      منذ
    [[أعجبني:]] جزاك الله كل خير موضوع رائع واسمح لي بنشره بارك الله فيك
  • أماني

      منذ
    [[أعجبني:]] لا أعجبني كثيرا
  • رحاب

      منذ
    [[أعجبني:]] جزاك الله خيرا
  • عاشقة القرآن

      منذ
    [[أعجبني:]] جزاك الله الف خير وابدلك اللهم بكل حرف .......حسنه مجزيه عند الله بعشر امثالها
  • ابو شيماء

      منذ
    [[أعجبني:]] تركيز المقال-والاخلاص فيه

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً