العظماء .. دروس تهدي الأمة
« <span style="color: #3366FF">بشّر المشّائين في الظلم بالنور التام يوم القيامة</span> ».<br />
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..
كثيرٌ هم من يدّعون الإيمان .. لكن المؤمنين منهم قليل ..
كثيرٌ هم من يدّعون العظمة .. لكن العظماء منهم قليل ..
كثيرٌ هم من يدّعون القوة .. لكن الأقوياء منهم قليل ..
كثيرٌ هم من يدّعون الكرامة .. لكن أصحاب الكرامة منهم قليل ..
كثيرٌ هم من يدّعون السيادة .. لكن السادة منهم قليل ..
كثيرٌ هم من يدّعون الزعامة .. لكن الزعماء حقاً منهم قليل ..
الإيمان، العظمة، القوة، الكرامة، العزة، السيادة، الزعامة.. أقلّ ما يمكن أن يوصف به قائدٌ شهمٌ من قيادات أمتنا، وبطلاً من أبطال عزتنا..
بطلاً عاش واقفاً كالطود لا يتزحزح ولا يلين، ومات واقفاً شامخاً كما يموت الرجال والأبطال..
إنها أقل ما يوصف به أسدٌ من أسود الله ورسوله، فإن لله ولرسوله أسوداً في كل زمان يذودون عن حمى الإسلام وكرامة الأمة، فكان حمزة بن عبدالمطلب على عهد رسول الله أسد الله وأسد رسوله، وكان القائد قتيبة بن مسلم أسد الله وأسد رسوله، وكان الظاهر بيبرس وصلاح الدين ومحمد الفاتح أسوداً لله ولرسوله في أزمانهم، وفي زماننا وعصرنا هذا كان أسد الله واسد رسوله هو شيخنا المجاهد الشهيد أحمد ياسين عليه رضوان الله ورحمته، شيخنا الذي ما مات والله، فمن خلّف من بعده رجالاً وأسوداً..
ما مات، من خلّف بعده مجاهدين وأبطالاً.. ما مات، من خلّف عقيدة وإيماناً في القلوب. ما مات، من خلّف فكرة مضيئة تسري في الأمة.. ما مات ..
كيف يموت أحمد الياسين وقد خلّف لنا أسداً آخر وبطلاً آخر أقض مضاجع الأعداء وألهب حماس الأمة ووقف شامخاً كالطود في وجه المحتلين الغاصبين، بطلاً لا يرفعه إلاّ إيمانه بربه وثقته بنصره وتأييده، كيف يموت الياسين وقد خلّف بعده أسداً من اسود الله ورسوله الشهيد عبدالعزيز الرنتيسي عليه من الله الرحمة والرضوان، الأسد الذي قدّم حياته ومماته لله رب العالمين وفاءً بما يقوله في كل صلاة { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }..
عبدالعزيز، وثار جسمُك ثورةً |
في وجه كل منافق يتشدّقُ |
|
عبدالعزيز، وفي الشهادة مولدٌ |
والمسكُ من جسد المجاهد يعبقُ |
|
اخلع ثياب الأرض في ساح الفدا |
والبس، فهذا سندسٌ واستبرقُ |
|
عبدالعزيز، وللشهيد منازلٌ |
أولى به بين الأنام وأخلقُ |
|
عبدالعزيز، ومنك يمتليء المدى |
عزّا.. وينتفضُ الكيانُ المُطْرقُ |
|
ألَحِقْتَ شيخك؟! لم تُطق من بعده |
عيشاً .. فيا للجمع حين يحلّقُ!! |
|
أسدَ الجهاد، وفي خطابك نبرةٌ |
شمّاء تلهج بالشموخ فتصدقُ |
رحمك الله يا أبا محمد.. ورحم شيخك وقائدنا الشيخ أحمد ياسين..
ولكن العظماء من القادة والأبطال ليست حياتهم وحدها عظيمة، بل وكذلك موتهم؛ فحياتهم حياة للأمة، وموتهم مشعل الزيت الذي يشعل روح الأمة وينير دروبها.
لذا كم أنتم عظماء يوم وقفتم في خطوط المواجهة الأمامية تذودون عن مقدساتنا وكرامتنا، وتشعروننا ببعض من العزة في زمن المذلة والهوان، يوم أن كنتم أنتم وأبناؤكم ونساؤكم وشبابكم وأطفالكم أصحاب الزعامة والقرار، يوم تخلى أدعياء الزعامة والقرار.
وكنتم أكثر عظمة يوم أن وحدتم بموتكم مشاعر الأمة، فخرجت تهتف باسم الجهاد وحماس والمقاومة ورفض الاستسلام.
عظماء أيضاً يوم أن أعطيتمونا دروساً، حريٌ بالمسلم أن يتوقف عندها ليعلم كيف يأتي هذا الصمود وهذه الشجاعة، ليس الوفاء للشهداء بتلاوة بيانات الشجب والتنديد والاستنكار، وإنما الوفاء الحقيقي بالسير على طريقهم بالوقوف على الدروس المضيئة في حياتهم باستلهام العبر والمواعظ التي تعود بالنفع علي وعليك وعلى أسرنا ومجتمعاتنا وأمتنا.
لذا نقف مع بعض الدروس من حياة واستشهاد هذين القائدين المغوارين..
درسنا الأول نأخذه من شيخنا الذي يعلمنا أن سر العظمة والشموخ والقوة والعزة هي بالاتصال الوثيق مع صاحب القوة المطلقة والعزة والعظمة، إنه توثيق الصلة بالله عز وجل، تمتين العلاقة معه سبحانه.
انظر إلى شيخنا المقعد محافظٌاً على صلاة الفجر في جماعة المسجد.. انظر إليه تاليًا كتاب الله.. انظر إليه خاشعًا في صلاته وسجوده لله..
وثََّقْتَ باللهِ اتصالكَ حينما |
صلََّيْتَ فجرك تطلب الغفرانا |
|
وتَلَوْتَ آياتِ الكتاب مرتِّلاً |
متأمِّلاً تتدبَّر القرآنا |
|
ووضعت جبهتك الكريمةَ ساجداً |
إنَّ السجود ليرفع الإنسانا |
صلاة الفجر.. ملتقى الأبرار وزاد الأبطال وسر العظمة والرفعة.. وكأن التاريخ يعيد نفسه ليخبر المسلم أن صلاة الفجر هي مصنع الرجال والمجاهدين، وسر من أسرار النصر والتمكين. اسمع للتاريخ يروي لنا كيف مات عمر بن الخطاب وهو يصلي الفجر، وعثمان يموت بعد صلاة الفجر وعلي بن أبي طالب يقتل وهو خارج لصلاة الفجر. وهاهو أحمد الياسين يستشهد بعد صلاة الفجر..
إنها ملتقى العظمة وملتقى الرفعة، فحريٌ بك أخي وحري بنا جميعاً أن نضيء طرقاتنا إلى صلاة الفجر حتى يضيء الله لنا دروبنا في الدنيا والآخرة، « بشّر المشّائين في الظلم بالنور التام يوم القيامة ».
درس آخر من شيخنا المقعد في الهمّة والبذل، فكم منّا من صحيحً معافىً، ولكنه قعيد الهمّة محطم الإرادة، كم منّا اليوم يضيع طاقته وقوته في غير مرضاة الله، كم من ألوف بل ملايين شباب المسلمين اليوم يسخّرون طاقاتهم وتفكيرهم فيما لا ينفعهم بل يضرهم؟! إن أحمد الياسين سيكون شاهداً علينا وعلى شباب أمتنا يوم القيامة، هذا الرجل المقعد منذ صغره لا يتحرك فيه إلاّ رأسه قدم ما ترون، فماذا قدمتم يا شباب؟ أين أنتم في بيوت الله؟ أين انتم وكتاب الله؟ أين أنتم وأخلاق الإسلام؟ أين انتم والدعوة إلى الله؟
شبابنا اليوم ضائع بين القنوات والمجلات ومحلات الإنترنت، ضائع في برامج سخيفة تافهة، الهدف منها مسخ الهوية وتمييع الجيل، وكم هي كثيرة على محطاتنا.
يا أحمدُ الياسين، كنتَ مفوَّهاً |
بالصمت، كان الصَّمْتُ منكَ بيانا |
|
ما كنتَ إلا همّةً وعزيمةً |
وشموخَ صبرٍ أعجز العدوانا |
درس آخر من أسد الله ورسوله، الشهيد الرنتيسي، الذي كان طبيباً حاصلاً على شهادة الماجستير في طب الأطفال.
درّس في التضحية درساً في المعنى الحقيقي للحياة والمستقبل، فحياته كان من الممكن أن تكون حياة رفاهية ونعيم لو أنه ركن إلى الدنيا واقبل عليها وترك الجهاد، ولكنه أبى إلاّ أن يعلمنا أن الحياة الحقيقية هي حياة العزة..
لا تسقني كاس الحياة بذلّةٍ |
بل فاسقني بالعز كأس الحنظلِ |
وأن المستقبل الحقيقي ليست هذه الدنيا الفانية وإنما الآخرة وما عند الله.
لذا أيها الأحبة علام يجري أحدنا اليوم هنا وهناك، بل علام اليوم نقاطع بعضنا بعضاً؟ علام يتقاتل الناس؟ علام يهجر الأخ أخاه؟ علام يتقاتل الناس ويكذبون على بعضهم ويخونون بعضهم؟ أليس على الدنيا الفانية؟! إن الرجال يعلمون علم اليقين أن المستقبل هناك في الدار الآخرة.
وهنا أيضاً درس آخر في أن المتعلمين هم طليعة الجهاد، حملة الشهادات العالية هم من يحملون الرايات ويقودون الكتائب في طريق الجهاد، وهذا يرد على زعم المغرضين أن من يقاوم الاحتلال إنما هم من الفاشلين اليائسين الذين ليس لهم خيار إلاّ هذا، وتنبيه لشباب المسلمين أن طلب العلم والدراسة لا يتعارض مع الدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله بل يدعم بعضهما بعضاً، وتنبيه أيضاً أن لكل مسلم دور في نصر الأمة؛ فللطبيب دور كما للمهندس كما للمدرس كما...
درسُ آخر تعلمنا إياه زوجة الشهيد البطل الرنتيسي السيدة (أم محمد) وأبناء الشهيد، هذه السيدة التي هزت بكلماتها الملايين، لقد أصيبت بأعظم مصاب زوجها شريك عمرها وغبنها فلذة كبدها، فما هي ولْولت ولا هي صرخت ولا أصيبت بنكسة نفسية، بل إنه الإيمان الذي جعل هذه الزوجة المفجوعة والأم الثكلى ترفع رأسها فخورة سعيدة أن نال زوجها مراتب الشهداء، إنها حفيدة فاطمة وأسماء ونسيبة، إنها تخاطب كل نساءنا عن الدور الحقيقي الذي ينبغي أن يكون للمرأة في بيتها، في تربية أبناءها، في إخراج أبناء متربين على الإسلام فخورين به عاملين له يضحون لأجله، إن (أم محمد) ما هي إلاّ واحدة من بوارق الأمل في هذه الأمة التي فقدت الأمل، إنها هي وأخواتها على أرض الإسراء من يجعلننا نشعر بالفخر والعزة، ولكن أيضاً يشعرننا بالخجل أن ملايين الرجال من هذه الأمة لم يصنعوا عُشر ما صنعته هذه الزوجة المجاهدة والأم الصابرة، لم يصنعوا معشار معشار ما صنعت أم البطل القسّامي محمد فرحات التي قدّمت ابنها فداء للأقصى والإسلام، وبعد استشهاده فتحت بيتها لاستقبال الناس لا للعزاء؛ ولكنها كانت تقول من جاءنا معزياً فليدبر ومن جاءنا مهنئاً فليقبل.
لذا أيها الأحبة كيف نحن وبيوتنا وقضية فلسطين، من منا يعلّم أولاده حبَّ الأقصى؟ من منا يعلّم أبناءه حب الجهاد؟ من منا يعلّم أبناءه معاني التضحية؟ من منّا في بيته حصالة للنقود يضع فيها الخمسة والعشرة ريالات لأجل الأقصى ويربي أبناءه على ذلك؟
من منّا يكحّل ناظري أبناءه بمنظر المسجد الأقصى، كي يعيش الصغير مع هذه الصورة وتسري في دماءه، علّه يكون من جند جيش تحرير الأقصى؟؟ من منّا يشعل الحماسة في ابنه بأناشيد الحماسة والجهاد وأغاني القدس والتحرير، لا الأغاني الماجنة والبرامج الهدّامة؟
كثيرة هي الدروس التي تستقيها الأمة من موت العظماء..
نسأل الله أن يوفقنا ويحفظ أمتنا ويهيئ لها قائداً ربانياً يقودها إليه، إن الله على كل شيءٍ قدير ..
- التصنيف:
amatullaah
منذ