ثلاث رسائل.. إلى شعب العراق، الشعب الإسلامي وشعوب العالم

منذ 2005-05-02

18/2/1425هـ ـ 8/4/2004م

الرسالة الأولى: إلى الشعب العراقي

أيها الشعب المسلم الشجاع الأبيّ، لقد ابتليت بمحن كثيرة من حكم كثير من أبنائك، وآخرهم النظام الذي أطيح به قبل عام.
ولكن البلاء الأشد جاء من بعض أبنائك الذين باعوك وباعوا وطنك وعزّتك وخيراتك واقتصادك ومقدساتك وعرضك، عندما ذهبوا يستجدون البيت الأبيض، ليزيح النظام السابق، ويعتلون هم كرسي الحكم في العراق، على سُلَّمٍ أجنبيٍّ، هو الدبابة الصليبية الأمريكية، لأن غالبهم كانوا يعلمون أن الشعب لا يمكن أن يقبل عملاء أعدائه الذين يتّخذون أولئك العملاء همزة وصل تسقط عند الدرج، أو محللين كمحلل المطلّقة ثلاثاً لمن طلقها..

وكان أولئك العملاء يظنّون أنهم سينعمون تحت مظلة الجيش الأمريكي، بحكم مستبد جديد، اسمه الحرية والديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان، ويصدرون القوانين والأنظمة باسمهم، بعد أن يتلقوا التوجيهات بها من ولي الأمر الحقيقي !

ولم تخفَ على عقلاء الشعب وأحراره -قبل الاحتلال وبعده- أهداف الحملة الأمريكية الظالمة، وهي السيطرة على العراق والشعوب العربية والإسلامية، واستغلال خيرات المنطقة، وإيجاد الفرقة والشقاق بين أهلها، ومحاربة الإسلام باسم الإرهاب، وتمكين الدولة اليهودية من السيطرة على الشرق الإسلامي، باسم الشرق الأوسط الكبير، كل ذلك تحت الشعارات الكاذبة السابقة.

واليوم يا شعب العراق، ظهر للعالم كله سوء النوايا المبيتة ممن باعك من أبنائك، وممن قتلك وشردك وانتهك مقدساتك وعرضك، ودمّر كل مرافقك، إضافة إلى السيطرة على خيراتك.

وعندما سقط تمثال حاكم العراق السابق في وسط بغداد، كان كل من له عقل رشيد سليم، يعلم أن احتلال العراق ليس نزهة يتمتع بها العدو المغتصب، لأن العراق هو العراق في القديم وفي الحديث، وإلي ذلك أشار الكاتب، بهذا العنوان صباح سقوط بغداد:
وبقي العراق!

ولقد أثبت الشعب العراقي أنه باق، لم تخضع الأسلحة الفتاكة ولا الجيوش المتوحشة، والمُشاهد هو البرهان..
اعتدى العدو الأجنبي الظالم على الشعب العراقي في بلده، فوقف وقفة المعتدى عليه المظلوم، خذله إخوانه وأهله المحيطون به، فلا نصير له إلا ربّه، ثم إيمانه وجهاده وصبره ومصابرته، وتلك هي أسس عوامل نصره..

واليوم عرف المعتدون أنهم في ورطة لم يكونوا يتوقعونها، ولم تنبئهم بها استخباراتهم وأقمارهم التجسّسية، لأن القوة العراقية لم تكن تحت ضوء الشمس حتى تنقل لهم استخبار اتهم وجواسيسهم صورها، وإنما كانت في نفوس العراقيين وقلوبهم، فأبانت عن نفسها في وقتها !

اليوم عادت الطائرات الحربية والصواريخ والأسلحة الثقيلة تدمّر على أهل العراق بيوتهم، وتقتلهم قتلاً جماعياً في شوارعهم وأسواقهم ومنازلهم ومستشفياتهم ومساجدهم، لا تفرق بين كبير وصغير وامرأة ورجل. وهم يناشدون إخوانهم العرب والمسلمين والجامعة العربية وهيئة الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي، أن يستنكروا ( فقط ! ) ظلم حكّام أمريكا وعدوانهم، فلم يجدوا من تلك المؤسسات من يستجيب لندائهم..

اليوم نقول لك يا شعب العراق، لا تنتظر من أولئك كلهم نصراً، فقد سبقك الشعب الفلسطيني الذي ينادي هذه النداءات منذ أكثر من خمسين عاماً، ولم يتلق إلا الخذلان، لأن أمريكا قد قالت لهم جميعاً، كما قال فرعون: "أنا ربكم الأعلى".

ولم يبق لك أيها الشعب إلا توكّلك على ربّك واللجوء إليه ونصح كل رجل وكل امرأة وكل طفل، أن يتقرّبوا إلى الله بالصلاة والدعاء ليلاً ونهاراً، بأن ينزل الله عقابه بالمعتدين الظالمين، وهذا ما يجب أن يفعله جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ولا بيد أن يستجيب الله دعاء المظلومين، وينصرهم على الظالمين، كما نصر رسله على أممهم المعتدين، من نوح عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم. وفي قصصهم القرآني آيات وآيات:

{ وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }، { وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين }.

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: « إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته »، وقال لمعاذ العالم الصحابي الجليل:« واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب » وفي الاتحاد السوفييتي عبرة..

فأكثروا من دعاء الله والاستعانة به، واتخذوا ما تملكون من أسباب الدفاع عن نفوسكم ودينكم وذريتكم وأموالكم، وأبشروا بنصر ربكم، فأنتم بلادكم وعدوكم زبد طارئ عليكم: { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ } [الرعد:17]


الرسالة الثانية: إلى الشعوب الإسلامية وحكامها

أيتها الشعوب الإسلامية، إن العدو الصليبي الجديد، والعدو اليهودي الأثيم، مصمّمان على هذه الحملة الظالمة المتجبّرة على عدوانهما عليكم وعلى دينكم الذي سموه "العدو الأخضر"، بعد قضائهم على الاتحاد السوفييتي الذي كانوا يسمون "العدو الأحمر"، ولسنا في حاجة إلى إقامة البيّنات على هذا التصميم وهذا العدوان، فسماؤنا، وأرضنا ورمالنا وصحارينا وودياننا وجبالنا، وبحارنا وأنهارنا، ومساجدنا وعلماؤنا ونساؤنا وأطفالنا، ومستشفياتنا، كلها تؤذن وتسمعنا أذانها كل حين، بهذا العدوان السافر..

وإن ما يقع في فلسطين والعراق وأفغانستان، في طريقه إلى كل بلد إسلامي -وبخاصة البلدان العربية-، التي هي أرض الرسالات وقلب الأمة الإسلامية، ولولا أن الله وفق الشعب العراقي المسلم الشجاع، أن يقف أمام المعتدين هذا الموقف الجهادي العظيم، لكان المعتدون قد ألحقوا به شعوباً أخرى مجاورة.

وهذا يوجب على علماء الأمة الإسلامية وحكّامها ومفكريها وعقلائها، أن يتنبهوا لهذا الخطر الداهم، ويبصروا الأمة بالعواقب الوخيمة التي ستنزل بهم إذا استكانوا وتنازعوا فيما بينهم ذلك التنازع الذي ذكر الله تعالى ما يترتب عليه، من الذل والهوان وذهاب القوة: { وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } [الأنفال:46]

فنحن جميعا في سفينة النجاة أو الهلاك، سفينة النجاة إذا تعاونا على البر والتقوى وتناصحنا فيما بيننا تناصح صدق ووفاق، لا كلام ألسن ونفاق، فلا نجاة إلا بالنصح والصدق والوئام..

وسفينة هلاك إذا نحن نأينا بأنفسنا عن النصح والتعاون على البر والتقوى، وبقينا ننظر إلى هذا السيل الجارف الذي يريد أن يحطم كل السدود التي تغرقنا وتغرق سفينتنا، أشد مما أغرق سيلُ العرم أهلَ سبأ، وذلك الزلزال المدمر الذي سيعم تدميره ولا يخص:
{ وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [الأنفال:25].

ارجعوا إلى ربكم، وفتّشوا عن عيوبكم، وأصلحوا شأنكم، أنفسكم واقضوا على كل فساد حل بدياركم، ما دام في الوقت سعة، ولا تنتظروا ما ينادي به عدوكم من الصلاح، فهو لا يريد إلا مزيدا من فساد هذه الأمة. اعرفوا الله في الرخاء يعرفكم في الشدة، ولا تستجيبوا لما يريده بكم عدوكم، من التفريق بينكم، واتخاذه بعضكم سلما للسيطرة عليكم، كما فعل بغيركم قبلكم.

وتذكروا هذا المثل العظيم الذي ضربه الرسول صلى الله عليه وسلم، في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما، عندما قال: « مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا لو: أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً ». (صحيح البخاري، 2/882).



الرسالة الثالثة إلى الشعب الأمريكي

أيها الشعب الأمريكي تنبَّه لسياسة زعمائك الخارجية الخرقاء، التي جعلت تتعجب من سكوتك على عدوان زعمائك ودعمك لهم بالضرائب التي أثقلت كاهلك، وهم يستغلونها في ظلم الشعوب والعدوان عليهم، وقتل أبنائهم وتخريب ديارهم، والسيطرة على مصالحهم بدون حق..إنهم يخدعونك أيها الشعب ويزيّنون لك الباطل، ويسمون الظلم عدلا والاستعباد حرية، وإخافة الناس وإرهابهم أمنا واستقراراً. إنهم يدفعون بأبنائك إلى الحروب الظالمة، ليعيدوهم إليك في نعوش أو معوّقين، فقدوا العيش الرغيد الذي كانوا يتمتّعون به بجوار أسَرِهِمْ في ربوعك.

أترضون أيها الآباء والأمهات والإخوان والأخوات والأبناء والبنات، أن تروا أقرباءكم يحترقون في دباباتهم وفي طائراتهم التي يصطادهم فيها المظلومون في الأرض والجو، أترضون أن تستقبلوا أقرباءكم في النعوش وقد ودعتموهم أحياء؟
أترضون أن تروا أبناءكم يقتلون النساء والشيوخ والأطفال في منازلهم؟

ألا ترون أنه من الجنون والحمق والخرق، أن تختاروا لقيادتكم من يقودكم إلى دماركم وهلاككم؟ ألا تعتبرون بالاتحاد السوفييتي الذي اعتدى وظلم وتجبر، وكان غنياً قوياً، فتمزق إلى دويلات وأصبح ضعيفاً فقيراً؟

إن شعوب العالم مهما ضعفت لا بد أن تدافع عن نفسها، ولو بأسنانها و أظفارها، وإن هذه الشعوب التي كانت ترى في الشعب الأمريكي شعب النظام والقانون والعدل والديمقراطية والتسامح، أصبحت ترى فيه الفوضى والظلم والاستبداد والتعصب البغيض، بسبب مواقف قادته.

إن علماء المسلمين وزعماءهم لا يقرون العدوان على أبنائكم ومؤسساتكم في بلادكم، وقد أنكروا ما حصل في 11 سبتمبر، ولكن الظلم الذي يصدر من قادتكم على الشعوب الإسلامية في فلسطين والعراق وغيرهما، يثير في كثير من أبناء الشعوب الإسلامية الغيرة والحقد ويتصرفون تصرفات من قبل أنفسهم تصرفات لا يستطيع كثير من آبائهم ولا أسرهم ولا حكوماتهم أن يحولوا بينهم وبين تلك التصرفات.

ولكنكم تستطيعون أنتم أن تعيدوا احترام أبناء الشعوب الإسلامية لكم وتوقفها عن محاولة الهجوم عليكم في بلادكم وفي خارجها، إذا توقفتم عن دعم ظلم زعمائكم لتلك الشعوب، فلم تنتخبوا من يعتدي عليها ولا من يقف مع الظالمين اليهود على المظلومين في فلسطين وفي غيرها..

لقد كان أبناء الشعوب الإسلامية لا يرضى غالبهم بأمريكا بديلاً في طلب العلم وفي السياحة وفي التدريبات المتنوعة، وفي التجارة والاقتصاد وغيرها.

وقد خسرتم اليوم أموالكم وأبناءكم وأصدقاءكم، فهل يليق بكم أن تستمروا في دعم زعمائكم الذين جلبوا لكم تلك الخسارات، وجعلوكم تعيشون في رعب ممن لم يستطيعوا السيطرة على أنفسهم بعد أن حصل العدوان على بلدانهم.

إننا ندعوكم إلى التفكير في مصالحكم ومصالح أبنائكم وشعبكم، وأمنكم، ونعتقد أن هذا الشباب الذي يقوم بهجماته عليكم في الداخل والخارج، سيقف عن تلك الهجمات وسيسمع ويطيع للمفكرين والعقلاء الذين ينصحونه اليوم فلا يبالي بهم.


فهل من مجيب؟!
  • 0
  • 0
  • 12,526

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً