لماذا النصر في غزة فريداً؟
ربما هذه المرة لا تشك إلا قلة في انتصار المقاومة الفلسطينية على الكيان الصهيوني في معركة حجارة السجيل، والتي سبق أن أسمتها "إسرائيل" عامود الغيمة.
ربما هذه المرة لا تشك إلا قلة في انتصار المقاومة الفلسطينية على الكيان الصهيوني في معركة حجارة السجيل، والتي سبق أن أسمتها "إسرائيل" عامود الغيمة.
في حرب الفرقان قبل ثلاثة أعوام شكك كثيرون في قيمة انتصار حركة حماس والقوى المساندة لها نظراً للكلفة البشرية الباهظة للمعارك، والتي بلغت أكثر من 1400 شهيداً ونحو أربعة أمثالهم من الجرحى، وقاس بعضهم حجم الأثر وقارنوه بجدوى أسر الجندي شاليط دافعين بأن هذا العمل لا يستحق كل هذه الضحايا ولا حتى تحرير الأسرى يستلزم كل هذا!
وفي لبنان، رغم أننا لا نعتبر أن ميليشيا "حزب الله" حركة مقاومة، إلا أنه كذلك بمقاييس الربح والخسارة لها كان الكثيرون يقدرون أن الميليشيا قد هزمت بعد أن أرغمت على إخلاء شريط بعمق 15 كيلومترا من الجنوب تحتله قوات دولية غربية.
لكن اليوم الأمر مختلف؛ فنحن إزاء عدد من المكتسبات لا يمكن تجاهلها، أهمها:
ـ أن المقاومة الفلسطينية استطاعت للمرة الأولى في التاريخ أن تضرب عاصمة الكيان الصهيوني بعدة صواريخ وتعجز القبة الحديدية التي أنشأتها "إسرائيل" لاعتراض تلك الصواريخ عن إسقاط معظم الصواريخ المرسلة بالرعب والإصابات كل فترة وجيزة.
ـ أن تلك الصواريخ تجاوزت كل مدى سابق، وصارت تغطي مساحات شاسعة من فلسطين 48 التي تسيطر عليها "إسرائيل"، وهذه الصواريخ من الكثرة بحيث أمكن إطلاق المئات منها دون اكتراث بنفاد المخزون الصاروخي لحركات المقاومة.
ـ على الرغم من فشل حركة حماس في حماية نائب قائدها العام أحمد الجعبري، واستشهاده مع زميل له، وبرغم تمكن "إسرائيل" من ضرب بعض المواقع الاستراتيجية في غزة، إلا أن معظم عتادها لم يتأثر، وبدت الحركة قادرة على مواصلة القتال، ومستعدة لمارثون طويل من الصراع لم تحتمله "إسرائيل".
ـ ما تبدى من اندفاع وهرولة "إسرائيل" في طلب الهدنة لم يسبق أن حصل من قبل، اللهم إلا في حرب العاشر من رمضان قبل أربعين عاماً، وما زاد من قيمة هذه الهرولة أنها تحدث من قادة يعدون اصطلاحاً من فريق "الصقور" من ساسة "إسرائيل"، حيث تمكنت المقاومة خلال الأعوام الماضية -وبدا جلياً الآن- من تحويل من يسمون صقوراً إلى خانة "الحمائم"، إن جازت التسمية، وهذا إنجاز لا يستهان به، ويعبر عن إحباط وخيبة أمل كبيرين في ثقة هؤلاء بقدرة "إسرائيل" وجيشها المدرب والاحترافي والمسلح بأفضل أنواع الأسلحة في العالم على الصمود في حروب قصيرة.
ـ ما وجدت "إسرائيل" مضطرة إليه، وهو اللجوء إلى رئيس من جماعة الإخوان، ولا يعد أبداً من حلفائها، يزيد من قناعة الكثيرين أن "إسرائيل" كانت في ورطة حقيقية.
ـ الانتصار السياسي الباهر الذي حققته حكومة حماس بجلب اعتراف إقليمي واضح، مع تضامن يحدث للمرة الأولى داخل حدودها، وتقاطر الوفود الرسمية والشعبية إليها أثناء العدوان، هذا بعد عربي وإسلامي وإقليمي يعد أمراً فريداً، واللافت أن غزة مع فتح المعبر ووجود شباب مصريين وغيرهم، لم تتطلع إلى استجلاب مقاتلين متطوعين من الخارج، وهو ما يعني أنها تعي المعادلة من جهة، ومن أخرى أنها ليست في حاجة إلى مزيد من المقاتلين، لأنها تدرك أن قدرتها على الردع فاقت رغبة تل أبيب في الاجتياح البري.
ـ إعلان قائد حماس الانتصار من قلب القاهرة كان له معناه اللافت للنظر، حيث ظهر أن العرب جميعاً يقفون خلف ظهر غزة ولو ظاهرياً أو اضطراراً، بعد أن أرغمت القاهرة بعضهم على تطوير مواقفهم الضعيفة، وما لوحظ إثر المعركة من احتفالات كبيرة في غزة ومظاهرات استنكار للهدنة والمغامرة العسكرية في تل أبيب دليل آخر على نتيجة المعركة.
إن معايير الانتصار لا تقاس بنتائج آنية للحرب، وإنما بعدها الإستراتيجي الواضح، وما اتضح هو في الأخير، أن المقاومة صاعدة، بدليل قدرتها على تطوير منظومتها الصاروخية ونقلها من حيز الهواة إلى الاحتراف، واحتفاظها بمخازن محصنة لتلك الصواريخ، وقدرة تمويهية ملحوظة، وأن "إسرائيل" متراجعة، حتى في قدراتها العسكرية التي أخفقت في صد حجارة السجيل.
9/1/1434 هـ
- التصنيف:
- المصدر: