أزمة الأردن إلى أين؟
مجدي داود
كان قرار الحكومة الأردنية برفع الدعم عن المحروقات قراراً مفاجئاً، ليس لأنه بعيد عن رغبة الحكومة، ولكن لأن الملك قبل أسابيع قليلة اضطر لسحب الحكومة السابقة برفع الدعم، عندما شعر أن الحراك الشعبي وصل إلى مرحلة الخطر على وجوده، فكان لابد من سحب القرار...
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
كان قرار الحكومة الأردنية برفع الدعم عن المحروقات قراراً مفاجئاً، ليس لأنه بعيد عن رغبة الحكومة، ولكن لأن الملك قبل أسابيع قليلة اضطر لسحب الحكومة السابقة برفع الدعم، عندما شعر أن الحراك الشعبي وصل إلى مرحلة الخطر على وجوده، فكان لابد من سحب القرار، ولهذا تفاجأ الجميع بجرأة الحكومة الحالية على إصدار ذات القرار، متحدية الإرادة الشعبية التي تختلط بها إرادة قوية في المسير نحو الإصلاح السياسي والاقتصادي في البلاد، في وقت تتأزم فيه العلاقة بين النظام وبقية المكونات السياسية في البلاد.
الشارع الأردني والقوى السياسية ردت بشكل قوي وفوري على قرار الحكومة، وخرج الآلاف من الأردنيين إلى الشوارع، هاتفين للمرة الأولى ضد الملك عبد الله الثاني، مطالبين برحيله وسقوط النظام الذي يمثل الملك ركنه الأساسي، وخاض المتظاهرون اشتباكات مع رجال الأمن الذين تصدوا لهم، ما أدى إلى إصابة العديد من الجانبين، إلا أن التصعيد هدأ بعد اندلاع العدوان الصهيوني في قطاع غزة، لكنها قد تعود خلال الأيام القليلة المقبلة، بعدما تبدأ تأثيرات القرار في الظهور.
إن انتفاضة الشعب الأردني ضد قرار الحكومة انتفاضة مفهومة ومتوقعة، ولها أسبابها الواضحة، ولم تأت من باب التربص بالحكومة أو بالنظام، بل إن الشعب الأردني يشعر أن الحكومة وخلال العامين الماضيين، منذ بدء حركة الاحتجاج ضدها، لا تقوم بأي جهد لمكافحة الفساد الذي استشرى في البلاد، والذي تسبب في الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها النظام، والتي لا يسأل عنها الشعب بأي حال من الأحوال ولا يجب أن يتحمل مسئوليتها، وكل ما تفعله الحكومة الحالية أو الحكومات التي سبقتها هو إثقال كاهل الشعب الأردني بالمزيد من الأعباء، في وقت يعاني فيه الشعب من ويلات الفساد.
المعارضة الأردنية ترى هي الأخرى أن النظام لا يستجيب لأي دعوات للإصلاح، فمنذ العام الماضي نظمت المعارضة التي تتزعمها جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية "حزب جبهة العمل الإسلامي" العديد من التظاهرات الداعية للإصلاح السياسي والاقتصادي، إلا أن النظام أغلق في وجهها كافة السبل والطرق، حتى قررت المعارضة مقاطعة الانتخابات النيابية المقبلة، وازدادت حدة الأزمة السياسية في البلاد، وحاول الملك جاهداً إثناء المعارضة وخاصة الإخوان المسلمين عن قرارها فلم ينجح.
جاءت هذه القرارات الأخيرة إذن لتصب الزيت على النار، ولتؤكد شعور الكثير من المواطنين أنهم بعيدون كل البعد عن اهتمام الحكومة، فيما ثبتت مواقف المعارضة في مقاطعة الانتخابات النيابية، والنزول إلى الشارع التحاماً بالجماهير التي سبقتها إليه، والتصعيد ضد الملك إلى حد المطالبة بإسقاط النظام، وهي مرحلة خطيرة لم تصل إليها المعارضة الأردنية من قبل، حيث كان هناك ما يشبه التوافق الضمني على ألا يرتفع سقف المطالب إلى حد تغيير النظام وإسقاط النظام الملكي، بل أن يبقى السقف في حدود المطالبة بالإصلاحات السياسية والاقتصادية، وصولاً إلى نظام الملكية الدستورية.
استطاع النظام امتصاص الهبَّة الشعبية الأولى على هذه القرارات، ونجح في تفريق المتظاهرين، وفض الاعتصامات، لكنه لم يستطع حتى الآن أن يقنع الشعب الغاضب بصحة هذه القرارات التي أصدرها. لكن هل تواصل المعارضة والشارع الأردني حراكهم؟ وهل يصمد النظام في مواجهة هذا الحراك؟
بالنسبة للمعارضة الأردنية فإن عندها الكثير من الأسباب التي تدفعهم إلى مواصلة الحراك السياسي وفعالياتها لمعارضة النظام الأردني، وذلك في إطار ما هو متوافق عليه ضمنياً (الإصلاح لا التغيير)، وإن كان ذلك لن يمنعها من تنظيم بعض الفعاليات التي تطالب بإسقاط النظام وتغييره، وذلك في إطار إرسال رسالة قوية للنظام الأردني، بأن الحراك السياسي في تصاعد، وأن ما كان بالأمس خطاً أحمر لا يمكن الوصول إليه فضلاً عن قبوله، بات من الممكن قبوله وتخطيه، بل والذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك.
وأهم الأسباب التي تعتمد عليها المعارضة هو استمرار النظام في تجاهل مطالب المعارضة الأردنية وكذلك الشارع في الإصلاح الاقتصادي والتصدي للفساد المستشري في كافة مؤسسات الدولة، وينخر في السوس في جسدها، بينما يدفع الشعب وحده ضريبة الفساد.
السبب الثاني هو عدم تراجع الحكومة عن قرار رفع أسعار المحروقات، والذي أدى على الفور إلى ارتفاع الكثير من أسعار السلع والمنتجات الأخرى، وهو ما جعل الشارع يتحرك تلقائيّاً وبدون أن ينتظر تحركات المعارضة.
أما السبب الثالث فهو إصرار النظام الأردني على خوض الانتخابات النيابية بقانون انتخابات تراه المعارضة معيباً، ويهدف إلى الوصول إلى برلمان "مستأنس" يوالي النظام ولا يحقق مصالح الشعب الأردني وأهدافه، وبالتالي فإن النظام يغلق الباب أمام المعارضة لممارسة السياسية من خلال المؤسسات، ولا يكون أمامها سوى الشارع لتعبر فيه عن رأيها، وتمارس العمل السياسي من وسطه، بطريقة مختلفة عن عمل المؤسسات قطعاً.
وإن المعارضة تستعد هذه الأيام لتصعيد احتجاجاتها ضد النظام، ويشمل هذا الاستعداد، تدشين بعض الجماعات والهيئات المعارضة مثل ما يسمى بـ"هبة تشرين" التي أصدرت بيانها الأول يوم الجمعة الماضي، ووضعت النظام بين خيارين لا ثالث لهما إما محاربة الفساد وإعادة السلطات إلى الشعب الأردني أو تصعيد الاحتجاجات وصولاً إلى إسقاط النظام، فيما تستعد النقابات والأحزاب والتجمعات المعارضة إلى تنظيم وقفات ومسيرات في كافة أنحاء البلاد.
على الجانب الآخر، فإن النظام الأردني يعيش أزمة اقتصادية حقيقية، وتعاني الموازنة العامة للدولة من عجز مالي كبير، وما كان للحكومة أن تجازف برفع أسعار الوقود رغم الرفض الشعبي المتوقع، إلا إذا وجدت أزمة كبيرة، حيث إنه وفقاً لرئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور، فإن دعم الكهرباء والمشتقات النفطية أوجد عجزاً بقيمة 2,5 مليار دينار خلال العام الحالي، إضافة إلى عجز الموازنة البالغ 2 مليار دينار، ومثلها كعجز العام الماضي ليصل العجز بين 6 إلى 6,5 مليار دينار.
وفي ظل هذه الأزمة الكبيرة، فإنه لا يوجد لدى النظام أي سبيل لمواجهتها، خصوصاً في ظل رفض الدول الخليجية منح الأردن مساعدات مالية جديدة، يشاع أن هذا الرفض مرتبط بالموقف الأردني من نظام الأسد، وقد سعى رئيس الحكومة إلى إجبار دول الخليج ودفعها لدعم الحكومة، عبر تصريح عابر في لقاء مع الصحافيين، حيث قال: "إنه إذا حدث شيء للنظام في الأردن، فإن الإخوة في دول الخليج سيستخدمون نصف ثرواتهم في شراء الصواريخ الدفاعية"، لكن لم يظهر أي تغير حتى الآن في مواقف دول الخليج.
لم يتبق إذن إلا اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، وهذا ما فعلته الحكومة الأردنية، ولكن لهذا الصندوق شروط وبرنامج يجب الالتزام به، ومن ضمن هذه الشروط، رفع الدعم عن أسعار المحروقات، وبالتالي فليس هناك من سبيل أمام الحكومة للتراجع عن قرارها، رغم الضغط الشعبي والحراك السياسي للمعارضة.
وكما أن المعارضة تعتمد على شعبيتها لدى الشارع، وغضب الشارع من الفساد والقرارات الحكومية الأخيرة، وهي قادرة على تسيير الشارع ضد النظام، فإن النظام لا يزال يمسك بالقوى الخشنة "الشرطة والجيش والمخابرات" ويدينون له بالولاء الكامل، كما أنه يستغل القوميات المختلفة من الأرمن والشركس، بالإضافة إلى "المسيحيين"، والفلسطينيين الذين يشكلون نحو نصف عدد سكان الأردن، ويستطيع عند الضرورة أن يُسيِّر الكثيرين منهم في تظاهرات مع أنصاره، تأييداً له ليظهر وكأنه نظام له شعبية كبيرة لدى الشارع، وذلك مقابل بعض الامتيازات، مثل زيادة التعويضات البديلة عن رفع الدعم عن المحروقات.
وفي ظل تلك الظروف يصعب التنبؤ بنهاية الصراع السياسي في الأردن، ولكن تبقى المستجدات السياسية والاقتصادية، وتأثيرها على حياة المواطن عاملاً مهماً في تحديد مزاج الشارع الأردني، وسقف مطالبه واعتبارها دافعاً مهمَاً في مواصلة الحراك السياسي في البلاد.