القابضون على جمر العقلانية
كثيرًا ما يعيب المثقفون المناهضون للفكرة الإسلامية على من تبنى نصرة الهوية الإسلامية، في كتاباته فكرةَ الصراعِ في الحوارات والتنظيرات ومحاربة الدين من قبل غيره، أو استحضار الجزاءات الأخروية والتهويل بها على المخالف الشانىء للفكرة الإسلامية، فمثلا يستنكرون فكرة (اعتقاد الغُرْبة) وسط الأفكار المضادة ويمثل ذلك إهانة كبرى لدى قطاع عريض منهم.
- التصنيفات: مذاهب فكرية معاصرة -
أنْ تُدْخِل فكرك وقناعاتك في قالب مدعوم ببراهين الدين وحججه، فأنت ترهب خصمك باسم الدين وتفرض سلطة دينية في حوارك.
أن تستدل بالدليل الموحى به من السماء في مقارعة مجادلك، فأنت تزعم اختزال الحقيقة في رأيك فأنت ظلاميٌّ حوشي المظهرِ والمخبر، هبط من القرون الوسطى إلى مدنيةٍ فيحاء، يبْرُقُ ألَقُهَا ووميضها ويتسلط على الأبصار حتى تعْشى.
كثيرًا ما يعيب المثقفون المناهضون للفكرة الإسلامية على من تبنى نصرة الهوية الإسلامية، في كتاباته فكرةَ الصراعِ في الحوارات والتنظيرات ومحاربة الدين من قبل غيره، أو استحضار الجزاءات الأخروية والتهويل بها على المخالف الشانىء للفكرة الإسلامية، فمثلا يستنكرون فكرة (اعتقاد الغُرْبة) وسط الأفكار المضادة ويمثل ذلك إهانة كبرى لدى قطاع عريض منهم.
لكن تلقَّف هذه مني يا صديقي:
يقول الدكتور جهاد عودة في كتابه (ثقافة الدولة الليبرالية) ص74 وهو يصف طه حسين: "الرَّجلُ العظيمُ القابضُ على جَمْرِ العقلانية".
فهل للعقلانية جمرٌ تقبض الأيادي عليه؟! إنها معاني الغربة والتفرد والثبات على الفكر والمعتقد، التي يتأنقون في إنكارها ووسمها بكل نقيصة إذا ما جاءت في كتابات غيرهم.
كم من معارك كلامية أقيمت؟ وكم من صراخ وعويل على تلفظ الشيخ أسامة بن لادن رحمه الله بلفظ (الفسطاطين) حتى صار استحضارك للفظ -مثلًا في محاضرة أو مقال- دليلًا كافيًا على تبعيتك الأيديولوجية لتنظيم القاعدة؟!
وخذ هذه ياصديقي:
يقول د. جهاد عودة في نفس كتابه (ص 83) وهو يتكلم عن مؤلفات جابر عصفور: "يطرح عصفور تصورًا بأنَّ كلَّ الأجناس الأدبية في الثقافة العربية تأخذ من بعضعها البعض، بل ورغم تحول الأشكال يظل الصوت واحدًا، مع الاختلاف في التقنيات الفنية، وهذا التصور يقول لنا: إنَّ الصراع ليس بين قوى عدة في المجتمع والدولة تتراوح تدريجيًا بين التنوير والتخلف، بل بين فسطاطين".
فسطاط (التنوير والانفتاح) على الحضارة الإنسانية من ناحية، وفسطاط (التخلف والانغلاق، والقمع والاتباع والتهوس بالماضي، والعنف والعداء للآخر) من ناحية أخرى، هذان الفسطاطان ليسا في وضع السكون، كخطين ثابتين مرسومين على الأرض وفي النفس، بل هما خطان ملتويان في صراع حيوي وجدلي.
"أمَّا عن الألفاظ الحربية القتالية فلا مكان لها في صراعنا التنويري الحضاري"، هكذا قال دهاقين بني علمان، وكم من (مناحات ولطميات) شيدوا صروحها ثم هدموها على رؤوس من أجرم، واستخدم هذه الألفاظ في تعابيره وتراكبيه، أيليق أن يقول كاتبٌ مسلمٌ: "نحن في معركة مع الحداثة"؟!
أيعقل أن يقول داعيةٌ مسلم: "إنَّ الحرب على الإسلام لن تنتهي"؟! إنها لإحدى الكُبَر يا أستاذ عمر!
يقول جهاد عودة في كتابه (ثقافة الدولة الليبرالية: ص 74-75): "فإذا كنا خسرنا معركة التنوير الثانية بسبب السلطوية السياسية، والانبعاث الأصولي المصري تعويضًا عن سقوط الإمبراطورية العثمانية العنصرية، فلا يجب أن نخسر معركة التنوير الرابعة التي يقودها جابر عصفور، وطائفة عالية الثقافة والهمة من المثقفين المصريين"، علما بأن المعركة الثالثة والتي تمت خسارتها أيضًا هي معركة كتاب: (الإسلام وأصول الحكم) للشيخ: (علي عبد الرازق).
وهكذا هم من حيث (اللفظ) يحلونه عامًاً ويحرمونه عامًا، فإذا جاء من مهيعهم فهو المُعبّدُ اللاحبُ السَّليكُ، وإذا ما جاء من درب غيرهم، فحدث ولا حرج عن شَوْكِه وعقابيله وحُفَره!
هذا من حيث اللفظ، فماذا عن المعنى؟
المعنى باختصار شديد يا عزيزي أن يدور عقلك دورته الكبرى بلا قيد ولا ضابط ولا رابط، أوليس من حقه أن يعبِّر، أم تريدون للعقول أن تظل أسيرة أفكار ظلامية؟!
فلك أن تقبل يا صاح حجَّ الدكتورة (إقبال بركة) بلا حجاب! ثم قولها إنها تحتجب للرب وليس أمام العبد!
ولك أن تقبل يا صاح تصريح الكاتبة (فاطمة ناعوت) بقبولها تزويج ابنتها المسلمة من مسيحي! لكنها قلقةٌ جدًا على حيرة الأولاد بين الإسلام والمسيحية، لكنها تؤكد بحزم أنها ستدع لهم مطلق الحرية في الاختيار..!
هكذا أنت يا صديقي ضيق الأفق والعطن!
أوما علمتَ ما سطرته يمين العقلاني الكبير (بلال فضل) حينما دار عقله دورته الحلزونية المشهورة فأتى بمحارات العقول ومحالاتها في آن واحد فقال: "من هو الأبله؟ الذي يتصور أنَّ الله خلق مليارات البشر لكي يلعبوا دور الكومبارس في تمثيلية مشهد النهاية فيها: أن يدخل المسلمون فقط إلى الجنة".
إنَّه جَمْرُ العقلانية يا صديقي لا يحرقُ الأكفَّ والأيدي، بل يحرقُ العقول والفهوم والأفئدة!
كريم إبراهيم أبو ذكوان