التصوف من اختراع المستعمرين
منذ 2005-05-25
لا شك أنه كان للأحاديث الصحفية التي نظمتها مجلة "التعاون" مع فضيلة
الدكتور محمد جميل غازي أثرها الذي لا ينكر في إثارة حوار فكري هادف
بين جماهير المسلمين بحيث يحق لنا أن نسميها "تفجيراً فكرياً".. ولا
يظهر أثر هذه الأحاديث من خلال مؤيديها فقط.. وإنما يظهر أيضاً من
خلال المعارضين.. فالمعارضة لا تعدو أن تكون أثراً من آثار الحركات
الفكرية النشيطة. إن الصراع الفكري أمر ضروري وهام ينير الطريق أمام
مسيرة الجماهير، إنه لا خطر ولا خطأ في إثارة أي حوار فكري.. إنما
يكمن الخطر والخطأ في الانغلاق الفكري وإغلاق النوافذ الثقافية.
لهذا رأت "صحيفة المسيرة" أن تواصل الكلام مرة أخرى مع فضيلة الدكتور محمد جميل غازي لتبدأ معه حواراً فكرياً "جديداً" حول التصوف والصوفية.
ذهبنا إليه وفي رأسنا مجموعة من علامات الاستفهام.. فقد كان المؤيدون لفضيلة الدكتور غازي يؤكدون أن الصوفية هي السبب الأساسي فيما أصاب المسلمين من نكسات ونكبات وفوضى وتخلف. وكان المعارضون يطرحون القضية من وجهة نظر مغايرة تماماً فهم يقولون: إن الصوفية هي التي أخذت على عاتقها محاربة أعداء الإسلام من الظلمة والمستعمرين بل هي التي حملت الدعوة الإسلامية عبر الآفاق البعيدة.. وأنه ما دخل الإسلام أدغال أفريقيا إلا على أيديهم وجهودهم.
الحرب حرام
حملنا علامات الاستفهام والتعجب إليه.. إلى الرجل الذي فجّر هذا الحوار.. ووضعنا بين يديه كل علامات الاستفهام والتعجب.. وكنا نظن أننا بهذه الأسئلة قد جئنا بجديد عليه وعلى معلوماته عن التصوّف، ولكن سرعان ما أخذ يقدم إلينا من الكتب والوثائق مما نسوق نماذج منه في هذا الحوار.
سـألناه:
نعرف من تاريخ التصوف -وبخاصة الصوفية الأوائل- أنهم كانوا جنوداً أقوياء، أدّوا أدوارهم ببسالة في محاربة أعداء الملة، أو أعداء القبلة. فكيف يحق لنا أن نصدر حكماً عاماً على سائر المتصوفة بأنهم كانوا دخلاء على الفكر الإسلامي وعلى الحياة الإسلامية ؟!!
أجاب فضيلته وهو يضغط على مخارج الحروف بأسلوب حازم وحاسم ومؤكد: إنني أتّهم الصوفية بضد ما ذكرته تماماً.. ومعي في هذا الاتهام كثير من الوثائق التاريخية التي أثبتها مؤرخو الفكر وراصدوا الحضارة.. الصوفية متهمون بصرف الناس عن الجهاد.. وهم متّهمون أيضاً بإدخال تفسيرات غريبة وشاذة على آيات القرآن الكريم.
فمن ذلك ما روي عن "داود بن صالح" أنه قال: قال لي "أبو سلمة بن عبد الرحمن": يا ابن أخي هل تدري في أي شيء نزلت هذه الآية: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ } [آل عمران:200] قلت: لا، قال: يا ابن أخي لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو يربط له الخيل، ولكنه انتظار الصلاة بعد الصلاة، فالرباط لجهاد النفس، والمقيم في الرباط مرابط مجاهد لنفسه [عوارف المعارف 2/55].
وقال بعض المتصوفة في قوله تعالى: { وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } [الحج:78] أن معناه مجاهدة النفس والهوى وذلك هو حق الجهاد، وهو الجهاد الأكبر على ما روي في الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حين رجع من بعض غزواته: "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر".
وفي الوقت الذي يخطئون فيه في تفسير القرآن الكريم، يخطئون أيضاً في الاستشهاد بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا الحديث الذي استدلوا به لا أصل له عند الثقات من رواة السنة.. يقول العالم المحدث شيخ الإسلام "ابن تيمية": أما الحديث الذي يرويه بعضهم أنه قال في غزوة تبوك رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر فلا أصل له، ولم يروه أحد من أهل المعرفة بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله، بل الواضح جداً من القرآن والمتواتر من السنة أن جهاد الكفار من أعظم القربات إلى الله تعالى، وأن الصحابة والتابعين في العصور الزاهرة التي شهد لها الرسول الكريم بالخيرية كانوا يتهافتون على القتال في سبيل الله ليحصلوا على إحدى الحسنيين إما الموت فالجنة، وإما النصر فالعزة والرفعة.
قال الله تعالى: { لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً } [النساء: 95].. وقال تعالى: { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ . الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ . يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ . خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [التوبة:19-22].
الصوفية غيبوبة عقلية
ويقول الصوفية: إن بعض الصالحين كتب إلى أخ له يستدعيه إلى الغزو، فكتب إليه: يا أخي كل الثغور مجتمعة لي في بيت واحد والباب مردود. فكتب إليه أخوه: لو كان الناس كلهم لزموا ما لزمت لاختلت أمور المسلمين وغلب الكفار، فلابد من الغزو والجهاد، فكتب إليه: يا أخي لو لزم الناس ما أنا عليه وقالوا في زواياهم وعلى سجاداتهم: الله أكبر، لانهدم سور القسطنطينية [من عوارف المعارف على هامش الإحياء].
ولقد عاصر أئمة الصوفية الكبار "كالغزالي" و"ابن الفارض" و"ابن عربي" كثيراً من معارك المسلمين فماذا فعلوا؟ وماذا قالوا؟ وماذا كتبوا؟ لم يحرك واحد منهم ساكناً.. يقول الأستاذ "عبد الرحمن الوكيل" في كتابه [هذه هي الصوفية ص170]:
هذا بيت المقدس سقط في يد الصليبيين عام 492 هجرية، والغزالي الزعيم الصوفي الكبير على قيد الحياة، فلم يحرك فيه هذا الحادث الجلل شعرة واحدة.. ولقد عاش "الغزالي" بعد ذلك 13 عاماً، إذ أنه مات سنة 505 هجرية، فما ذرفت عيناه دمعة واحدة، ولا استنهض همم المسلمين ليذودوا عن القبلة الأولى، بينما سواه من الشعراء يقول:
أهزّ هذا الصريخ الموجع زعامة الغزالي؟ كلا، إذ كان عاكفاً على كتبه يقرر فيها أن الجمادات تخاطب الأولياء!! ويتحدث عن مراتب الولاية كالصحو والمحو، دون أن يقاتل أو يدعو غيره إلى قتال، "وابن عربي" و"ابن الفارض" الزعيمان الصوفيان الكبيران عاشا في عهد الحروب الصليبية، فلم نسمع أن واحداً منهما شارك في قتال أو دعا إلى قتال أو سجل في شعره أو في نثره آهة حر على الفواجع التي نزلت بالمسلمين، لقد كان يقرران للناس أن الله هو عين كل شيء، فليدع المسلمون الصليبيين فما هم إلا الذات الإلهية متجسدة في تلك الصور.
وحين أغار الفرنجة على "المنصورة" قبل منتصف القرن السابع الهجري اجتمع الصوفيون الزعماء، أتدري لماذا؟ لقراءة "رسالة القشيري" والمناقشة في كرامات الأولياء بدلاً من أن يجتمعوا لإعداد العدة وإعلان كلمة الجهاد. قد يقول القارئ: ربما فعلوا إلا أنه لم تصلنا آثارهم؟ فنقول لهم: فلماذا توافرت آثار الصحابة والتابعين وتابعي التابعين.. وليس هذا فحسب بل أن موقف "ابن تيمية" أمام "قازان" إمبراطور التتار "والعز بن عبد السلام" وغيرهما كثير تعج بآثارهم كتب التاريخ "كالبداية والنهاية" لابن كثير و"تاريخ الإسلام" و"سير أعلام النبلاء" و"أعيان المائة الثامنة".
وكي لا نتّهم بالتجنى على "الغزالي" و"محيي الدين بن عربي" و"ابن الفارض" نعرض شهادتين: إحداهما: "للدكتور عمر فروخ" والثانية "للدكتور زكي مبارك".
كتب الدكتور عمر فروخ يقول: "ألا يعجب القارئ إذا علم أن حجة الإسلام أبا حامد الغزالي شهد القدس تسقط في أيدي الفرنج الصليبيين وعاش اثنتي عشرة سنة بعد ذلك، ولم يشر إلى هذا الحدث العظيم، ولو أنه أهاب بسكان العراق وفارس وبلاد الترك لنصرة إخوانهم في الشام لنفر مئات الألوف منهم للجهاد في سبيل الله، ولوفّر إذاً على العرب والمسلمين عصوراً مملوءة بالكفاح، وقروناً ذاخرة بالجهل والدمار. وما غفلة "الغزالي" عن ذلك إلا أنه كان في ذلك الحين قد انقلب صوفياً أو اقتنع على الأقل بأن الصوفية سبيل من سبل الحياة.
وكذلك عاش "عمر بن الفارض" و"محيي الدين بن عربي" في إبان الحروب الصليبية ولم يرد في كتابات أحدهما ذكر لتلك الحروب. وبينما كان الأفرنج يغيرون على "المنصورة" في مصر سنة 647 هجرية 1259 ميلادية تنادي الصوفيون لقراءة "رسالة القشيري" وأخذوا يتجادلون في كرامات الأولياء [الشعراني 1/14].
الاستعمار من عند الله
ويزعم الصوفية أن لهم كرامات، ولكنهم لم يظهروا هذه الكرامات للدفاع عن دينهم وأوطانهم.. إلا أن الصوفية لا يعدمون ادعاء أو يعللون سكوتهم ورضاهم بما ينزل بقومهم من المصائب بأنها عقاب من الله تعالى للمكذبين من خلقه (كذا). فإذا كان الله تعالى قد سلط على قوم ظالماً فليس لأحد أن يقاوم إرادة الله تعالى أو أن يتأفف منها".
انتهت الشهادة الأولى، وقد نقلناها من كتاب "التصوف في الإسلام" للدكتور عمر فروخ.. ونضيف أنه مما يؤسف له أن "الغزالي" ذكر في كتابه "المنفذ من الضلال عند بحث طريقة التصوف" أنه كان خلال الحروب الصليبية مشغولاً في خلوته تارة في مغارة دمشق وتارة في صخرة بيت المقدس يغلق بابهما عليه في مدة تزيد على السنتين.
ثم ننتقل إلى الشهادة الثانية وهي كما ذكرتُ من قبل للدكتور زكي مبارك كتب يقول: "أتدري لماذا ذكرت لك هذه الكلمة عن الحروب الصليبية؟ لتعرف أنه بينما كان "بطرس الناسك" يقضي ليلة ونهاره في إعداد الخطب وتحبير الرسائل يحث أهل أوروبا على احتلال أقطار المسلمين، كان الغزالي "حجة الإسلام" غارقاً في خلوته، منكباً على أوراده المبتدعة لا يعرف ما يجب عليه من الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله تعالى".
ومضى فضيلة الشيخ يقرأ من مراجعه المختلفة نصوصاً كثيرة طويلة أثبتنا بعضها وضربنا صفحاً عن بعضها الآخر.. لكننا عدنا نسأله
- قلنا: هل نفهم من هذا أنك تنفي دور الصوفية في مواجهة الظلم ومجابهة الظالمين مع أننا نقرأ في المأثور والمنشور عنهم الكثير من هذه المواقف التي يحق لنا -إن صحت- أن نعتبرها مشرفة.
- أجاب فضيلته في حدة قائلاً: يا أخي أنا حريص في هذا الحوار الصحفي وفيما سبقه أن أكثر من "النقول" حتى لا أتهم بالتحيّز، كذلك فإني حريص على أن تكون هذه "النقول" من كتب الصوفية بل ومن كتب أئمتهم وأقطابهم الكبار.
الصوفية ركائز الاستعمار
يقول "الشعراني": -وهذا النقل من كتاب: التصوف الإسلامي 2/301 نقلاً عن البحر المرود ص292-: "لقد أخذ علينا العهد بأن نأمر إخواننا أن يدوروا مع الزمان وأهله كيفما دار، ولا يزدرون قط من رفعه الله عليهم، ولو كان في أمور الدنيا وولايتها. كل ذلك أدباً مع الله عز وجل الذي رفعهم، فإنه لم يرفع أحداً إلا لحكمة هو يعلمها". انتهى.
أليس هذا القول من أقوال المجبرة؟ فأين هم إذن ممن نعى الله عليهم. وقال:
{ وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَآءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ . قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ } [الأعراف:28-29].
وأين هم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ».
وننقل من نفس الكتاب للدكتور زكي مبارك: "هناك كثير من الطرق ثابرت على انحرافها عن الطريق السوي فكانت أروع انقياداً للمستعمرين من الزنوج الوثنيين. قال الرئيس "فيليب قونداس" من المستعمرين الفرنسيين: لقد اضطر حكامنا الإداريون وجنودنا في أفريقيا إلى تنشيط دعوة الطرق الدينية الإسلامية لأنها كانت أطوع للسلطة الفرنسية، وأكثر تفهماً وانتظاماً من الطرق الوثنية التي تعرف باسم (بيليدو، وهاجون) أو من بعض كبار الكهان أو السحرة السود". انتهى كلام الدكتور زكي مبارك.
وفي كتاب "تاريخ العرب الحديث والمعاصر" تحت عنوان: "المتعاونون مع فرنسا في الجزائر: "وتتألف هذه الفئة من بعض الشباب الذين تثقفوا في المدارس الفرنسية، وقضى الاستعمار على كل صلة لهم بالعروبة، ويضاف إليهم بعض أصحاب الطرق الصوفية الذين أشاعوا الخرافات والبدع، وبثوا روح الانهزامية والسلبية في النضال فاستخدمهم الاستعمار كجواسيس" [ص 373].
يقول الدكتور عمر فروخ: "يقول الصوفية: إذا سلط الله على قوم ظالماً فليس لأحد أن يقاوم إرادة الله أو أن يتأفف منها. لا ريب أن الأوروبيين قد عرفوا في الصوفية هذا المعتقد فاستغلوه في أعمالهم، فقد ذكر الزعيم الوطني مصطفى كامل المصري في كتابه "المسألة الشرقية" قصة غريبة عن سقوط "القيروان" قال:
ومن الأمور المشهورة عن الاحتلال الفرنسي للقيروان في تونس أن رجلاً فرنسياً دخل الإسلام وسمى نفسه "سيد أحمد الهادي"، واجتهد في تحصيل الشريعة حتى وصل إلى درجة عالية، وعيّن إماماً لمسجد كبير بالقيروان.. فلما اقترب الجنود الفرنسيون من المدينة استعد أهلها للدفاع عنها.. وجاءوا يسألونه أن يستشير الضريح الذي في المسجد، ودخل "سيدي أحمد الهادي" الضريح.. ثم خرج يقول: إن الشيخ ينصحكم بالتسليم لأن وقوع البلاد صار محتماً.. فاتبع القوم كلمته، ودخل الفرنسيون آمنين في 26 أكتوبر سنة 1881".
ثم يعقب الدكتور "عمر فروخ" بقوله: "من أجل ذلك يجب ألا نستغرب إذا رأينا المستعمرين لا يبخلون بالمال أو التأييد بالجاه للطرق الصوفية.. وكل مندوب سامي أو نائب الملك.. لابد أنه يقدم شيخ الطرق الصوفية في كل مكان، وقد يشترك المستعمر إمعاناً في المداهنة في حلقات الذكر.
والطريقة التيجانية التي كانت تسيطر على الجزائر أيام الاستعمار معروف أنها كانت تستمد وجودها من فرنسا، وأن إحدى الفرنسيات من عميلات المخابرات تزوجت شيخاً فلما مات تزوجت بشقيقه، وكان الأتباع يطلقون عليها "زوجة السيدين" ويحملون التراب الذي تمشي عليه لكي يتيمموا به، وهي كاثوليكية مازالت على شركها.. وقد أنعمت عليها فرنسا بوسام الشرق، وجاء في أسباب منحها الوسام.. أنها كانت تعمل على تجنيد مريدين يحاربون في سبيل فرنسا كأنهم بنيان مرصوص".
ومن كتاب "في التصوف" لمحمد فهر شقفة السوري، ص217 يقول: "نرى من واجبنا خدمة الحقيقة والتاريخ أن نذكر أن الحكومة الفرنسية في زمن الانتداب على سوريا حاولت نشر هذه الطريقة، واستأجرت بعض الشيوخ لهذه المهمة.. فقدمت لهم المال والمكان لتنشئة جيل يميل إلى فرنسا.. لكن مجاهدي المغرب لفتوا انتباه المخلصين من أهل البلاد إلى خطر الطريقة التيجانية، وأنها فرنسية استعمارية تتستر بالدين.. فهبت "دمشق" عن بكرة أبيها في مظاهرات صاخبة".
الصوفية وفاروق
من الأمثلة المضحكة المبكية في مسيرة رجال الصوفية وراء الاستعمار، والحكام الفسقة الظالمين.. أن الصوفية في مصر لاذوا أخيراً بفاروق ملك مصر السابق، يشكرونه على أنه منحهم كسوة، وبين يدي "فاروق" وقف شيخ الصوفية يقول: "إنها يا مولاي رمز لما أعطاك الله من مواهب، وعنوان لفيض من فيوضاته سبحانه على قلب فاروق الطاهر تكشف عن مدى طهر وضعه الله فيك. فصفت روحك الطيبة، وأن هذا التكريم للصوفية إنما هو قبس من قلبك النقي ينير لك الطريق".
وخدمة الصوفية للاستعمار الفرنسي في مصر أيضاً معروفة، وخدمتها للإنجليز.. هل تعرف السبب الحقيقي في هزيمة "عرابي".. لقد شغل أهل الصوفية الجنود في التل الكبير في أذكار حتى نصف الليل.. ثم نام الجنود.. فدخل الإنجليز في الفجر!!
- ثم ماذا يا دكتور.. لقد طال الموضوع!! نعم، إنه هام ولكن القراء يجب أن نقدر وقتهم؟
-بقيت كلمة واحدة.. الطرق الصوفية حسب آخر تعداد من رئاسة الجمهورية عددها 64 طريقة لو أنهم على هدى، لماذا لا يتفقون على طريقة واحدة مادام كلهم يدعون للإسلام؟ أؤكد أنهم لا يفعلون ذلك ولن يفعلوا؛ لسبب واحد، هو أن لكل مشيخة دخول، ومنتفعين، ومسائل أخرى كلها تتعلق بالمال والأعمال. وصناديق النذور!!
لهذا رأت "صحيفة المسيرة" أن تواصل الكلام مرة أخرى مع فضيلة الدكتور محمد جميل غازي لتبدأ معه حواراً فكرياً "جديداً" حول التصوف والصوفية.
ذهبنا إليه وفي رأسنا مجموعة من علامات الاستفهام.. فقد كان المؤيدون لفضيلة الدكتور غازي يؤكدون أن الصوفية هي السبب الأساسي فيما أصاب المسلمين من نكسات ونكبات وفوضى وتخلف. وكان المعارضون يطرحون القضية من وجهة نظر مغايرة تماماً فهم يقولون: إن الصوفية هي التي أخذت على عاتقها محاربة أعداء الإسلام من الظلمة والمستعمرين بل هي التي حملت الدعوة الإسلامية عبر الآفاق البعيدة.. وأنه ما دخل الإسلام أدغال أفريقيا إلا على أيديهم وجهودهم.
الحرب حرام
حملنا علامات الاستفهام والتعجب إليه.. إلى الرجل الذي فجّر هذا الحوار.. ووضعنا بين يديه كل علامات الاستفهام والتعجب.. وكنا نظن أننا بهذه الأسئلة قد جئنا بجديد عليه وعلى معلوماته عن التصوّف، ولكن سرعان ما أخذ يقدم إلينا من الكتب والوثائق مما نسوق نماذج منه في هذا الحوار.
سـألناه:
نعرف من تاريخ التصوف -وبخاصة الصوفية الأوائل- أنهم كانوا جنوداً أقوياء، أدّوا أدوارهم ببسالة في محاربة أعداء الملة، أو أعداء القبلة. فكيف يحق لنا أن نصدر حكماً عاماً على سائر المتصوفة بأنهم كانوا دخلاء على الفكر الإسلامي وعلى الحياة الإسلامية ؟!!
أجاب فضيلته وهو يضغط على مخارج الحروف بأسلوب حازم وحاسم ومؤكد: إنني أتّهم الصوفية بضد ما ذكرته تماماً.. ومعي في هذا الاتهام كثير من الوثائق التاريخية التي أثبتها مؤرخو الفكر وراصدوا الحضارة.. الصوفية متهمون بصرف الناس عن الجهاد.. وهم متّهمون أيضاً بإدخال تفسيرات غريبة وشاذة على آيات القرآن الكريم.
فمن ذلك ما روي عن "داود بن صالح" أنه قال: قال لي "أبو سلمة بن عبد الرحمن": يا ابن أخي هل تدري في أي شيء نزلت هذه الآية: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ } [آل عمران:200] قلت: لا، قال: يا ابن أخي لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو يربط له الخيل، ولكنه انتظار الصلاة بعد الصلاة، فالرباط لجهاد النفس، والمقيم في الرباط مرابط مجاهد لنفسه [عوارف المعارف 2/55].
وقال بعض المتصوفة في قوله تعالى: { وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } [الحج:78] أن معناه مجاهدة النفس والهوى وذلك هو حق الجهاد، وهو الجهاد الأكبر على ما روي في الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حين رجع من بعض غزواته: "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر".
وفي الوقت الذي يخطئون فيه في تفسير القرآن الكريم، يخطئون أيضاً في الاستشهاد بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا الحديث الذي استدلوا به لا أصل له عند الثقات من رواة السنة.. يقول العالم المحدث شيخ الإسلام "ابن تيمية": أما الحديث الذي يرويه بعضهم أنه قال في غزوة تبوك رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر فلا أصل له، ولم يروه أحد من أهل المعرفة بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله، بل الواضح جداً من القرآن والمتواتر من السنة أن جهاد الكفار من أعظم القربات إلى الله تعالى، وأن الصحابة والتابعين في العصور الزاهرة التي شهد لها الرسول الكريم بالخيرية كانوا يتهافتون على القتال في سبيل الله ليحصلوا على إحدى الحسنيين إما الموت فالجنة، وإما النصر فالعزة والرفعة.
قال الله تعالى: { لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً } [النساء: 95].. وقال تعالى: { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ . الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ . يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ . خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [التوبة:19-22].
الصوفية غيبوبة عقلية
ويقول الصوفية: إن بعض الصالحين كتب إلى أخ له يستدعيه إلى الغزو، فكتب إليه: يا أخي كل الثغور مجتمعة لي في بيت واحد والباب مردود. فكتب إليه أخوه: لو كان الناس كلهم لزموا ما لزمت لاختلت أمور المسلمين وغلب الكفار، فلابد من الغزو والجهاد، فكتب إليه: يا أخي لو لزم الناس ما أنا عليه وقالوا في زواياهم وعلى سجاداتهم: الله أكبر، لانهدم سور القسطنطينية [من عوارف المعارف على هامش الإحياء].
ولقد عاصر أئمة الصوفية الكبار "كالغزالي" و"ابن الفارض" و"ابن عربي" كثيراً من معارك المسلمين فماذا فعلوا؟ وماذا قالوا؟ وماذا كتبوا؟ لم يحرك واحد منهم ساكناً.. يقول الأستاذ "عبد الرحمن الوكيل" في كتابه [هذه هي الصوفية ص170]:
هذا بيت المقدس سقط في يد الصليبيين عام 492 هجرية، والغزالي الزعيم الصوفي الكبير على قيد الحياة، فلم يحرك فيه هذا الحادث الجلل شعرة واحدة.. ولقد عاش "الغزالي" بعد ذلك 13 عاماً، إذ أنه مات سنة 505 هجرية، فما ذرفت عيناه دمعة واحدة، ولا استنهض همم المسلمين ليذودوا عن القبلة الأولى، بينما سواه من الشعراء يقول:
أحــل الكفر بالإسلام ضيماً |
يطـول عليه للديــن النحيـــب |
|
وكم من مسجد جعلوه ديرا |
على محرابــه نصب الصليب |
|
دم الخنـزير فيه لهم خلوف |
وتحريق المصاحف فيه طيب |
أهزّ هذا الصريخ الموجع زعامة الغزالي؟ كلا، إذ كان عاكفاً على كتبه يقرر فيها أن الجمادات تخاطب الأولياء!! ويتحدث عن مراتب الولاية كالصحو والمحو، دون أن يقاتل أو يدعو غيره إلى قتال، "وابن عربي" و"ابن الفارض" الزعيمان الصوفيان الكبيران عاشا في عهد الحروب الصليبية، فلم نسمع أن واحداً منهما شارك في قتال أو دعا إلى قتال أو سجل في شعره أو في نثره آهة حر على الفواجع التي نزلت بالمسلمين، لقد كان يقرران للناس أن الله هو عين كل شيء، فليدع المسلمون الصليبيين فما هم إلا الذات الإلهية متجسدة في تلك الصور.
وحين أغار الفرنجة على "المنصورة" قبل منتصف القرن السابع الهجري اجتمع الصوفيون الزعماء، أتدري لماذا؟ لقراءة "رسالة القشيري" والمناقشة في كرامات الأولياء بدلاً من أن يجتمعوا لإعداد العدة وإعلان كلمة الجهاد. قد يقول القارئ: ربما فعلوا إلا أنه لم تصلنا آثارهم؟ فنقول لهم: فلماذا توافرت آثار الصحابة والتابعين وتابعي التابعين.. وليس هذا فحسب بل أن موقف "ابن تيمية" أمام "قازان" إمبراطور التتار "والعز بن عبد السلام" وغيرهما كثير تعج بآثارهم كتب التاريخ "كالبداية والنهاية" لابن كثير و"تاريخ الإسلام" و"سير أعلام النبلاء" و"أعيان المائة الثامنة".
وكي لا نتّهم بالتجنى على "الغزالي" و"محيي الدين بن عربي" و"ابن الفارض" نعرض شهادتين: إحداهما: "للدكتور عمر فروخ" والثانية "للدكتور زكي مبارك".
كتب الدكتور عمر فروخ يقول: "ألا يعجب القارئ إذا علم أن حجة الإسلام أبا حامد الغزالي شهد القدس تسقط في أيدي الفرنج الصليبيين وعاش اثنتي عشرة سنة بعد ذلك، ولم يشر إلى هذا الحدث العظيم، ولو أنه أهاب بسكان العراق وفارس وبلاد الترك لنصرة إخوانهم في الشام لنفر مئات الألوف منهم للجهاد في سبيل الله، ولوفّر إذاً على العرب والمسلمين عصوراً مملوءة بالكفاح، وقروناً ذاخرة بالجهل والدمار. وما غفلة "الغزالي" عن ذلك إلا أنه كان في ذلك الحين قد انقلب صوفياً أو اقتنع على الأقل بأن الصوفية سبيل من سبل الحياة.
وكذلك عاش "عمر بن الفارض" و"محيي الدين بن عربي" في إبان الحروب الصليبية ولم يرد في كتابات أحدهما ذكر لتلك الحروب. وبينما كان الأفرنج يغيرون على "المنصورة" في مصر سنة 647 هجرية 1259 ميلادية تنادي الصوفيون لقراءة "رسالة القشيري" وأخذوا يتجادلون في كرامات الأولياء [الشعراني 1/14].
الاستعمار من عند الله
ويزعم الصوفية أن لهم كرامات، ولكنهم لم يظهروا هذه الكرامات للدفاع عن دينهم وأوطانهم.. إلا أن الصوفية لا يعدمون ادعاء أو يعللون سكوتهم ورضاهم بما ينزل بقومهم من المصائب بأنها عقاب من الله تعالى للمكذبين من خلقه (كذا). فإذا كان الله تعالى قد سلط على قوم ظالماً فليس لأحد أن يقاوم إرادة الله تعالى أو أن يتأفف منها".
انتهت الشهادة الأولى، وقد نقلناها من كتاب "التصوف في الإسلام" للدكتور عمر فروخ.. ونضيف أنه مما يؤسف له أن "الغزالي" ذكر في كتابه "المنفذ من الضلال عند بحث طريقة التصوف" أنه كان خلال الحروب الصليبية مشغولاً في خلوته تارة في مغارة دمشق وتارة في صخرة بيت المقدس يغلق بابهما عليه في مدة تزيد على السنتين.
ثم ننتقل إلى الشهادة الثانية وهي كما ذكرتُ من قبل للدكتور زكي مبارك كتب يقول: "أتدري لماذا ذكرت لك هذه الكلمة عن الحروب الصليبية؟ لتعرف أنه بينما كان "بطرس الناسك" يقضي ليلة ونهاره في إعداد الخطب وتحبير الرسائل يحث أهل أوروبا على احتلال أقطار المسلمين، كان الغزالي "حجة الإسلام" غارقاً في خلوته، منكباً على أوراده المبتدعة لا يعرف ما يجب عليه من الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله تعالى".
ومضى فضيلة الشيخ يقرأ من مراجعه المختلفة نصوصاً كثيرة طويلة أثبتنا بعضها وضربنا صفحاً عن بعضها الآخر.. لكننا عدنا نسأله
- قلنا: هل نفهم من هذا أنك تنفي دور الصوفية في مواجهة الظلم ومجابهة الظالمين مع أننا نقرأ في المأثور والمنشور عنهم الكثير من هذه المواقف التي يحق لنا -إن صحت- أن نعتبرها مشرفة.
- أجاب فضيلته في حدة قائلاً: يا أخي أنا حريص في هذا الحوار الصحفي وفيما سبقه أن أكثر من "النقول" حتى لا أتهم بالتحيّز، كذلك فإني حريص على أن تكون هذه "النقول" من كتب الصوفية بل ومن كتب أئمتهم وأقطابهم الكبار.
الصوفية ركائز الاستعمار
يقول "الشعراني": -وهذا النقل من كتاب: التصوف الإسلامي 2/301 نقلاً عن البحر المرود ص292-: "لقد أخذ علينا العهد بأن نأمر إخواننا أن يدوروا مع الزمان وأهله كيفما دار، ولا يزدرون قط من رفعه الله عليهم، ولو كان في أمور الدنيا وولايتها. كل ذلك أدباً مع الله عز وجل الذي رفعهم، فإنه لم يرفع أحداً إلا لحكمة هو يعلمها". انتهى.
أليس هذا القول من أقوال المجبرة؟ فأين هم إذن ممن نعى الله عليهم. وقال:
{ وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَآءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ . قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ } [الأعراف:28-29].
وأين هم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ».
وننقل من نفس الكتاب للدكتور زكي مبارك: "هناك كثير من الطرق ثابرت على انحرافها عن الطريق السوي فكانت أروع انقياداً للمستعمرين من الزنوج الوثنيين. قال الرئيس "فيليب قونداس" من المستعمرين الفرنسيين: لقد اضطر حكامنا الإداريون وجنودنا في أفريقيا إلى تنشيط دعوة الطرق الدينية الإسلامية لأنها كانت أطوع للسلطة الفرنسية، وأكثر تفهماً وانتظاماً من الطرق الوثنية التي تعرف باسم (بيليدو، وهاجون) أو من بعض كبار الكهان أو السحرة السود". انتهى كلام الدكتور زكي مبارك.
وفي كتاب "تاريخ العرب الحديث والمعاصر" تحت عنوان: "المتعاونون مع فرنسا في الجزائر: "وتتألف هذه الفئة من بعض الشباب الذين تثقفوا في المدارس الفرنسية، وقضى الاستعمار على كل صلة لهم بالعروبة، ويضاف إليهم بعض أصحاب الطرق الصوفية الذين أشاعوا الخرافات والبدع، وبثوا روح الانهزامية والسلبية في النضال فاستخدمهم الاستعمار كجواسيس" [ص 373].
يقول الدكتور عمر فروخ: "يقول الصوفية: إذا سلط الله على قوم ظالماً فليس لأحد أن يقاوم إرادة الله أو أن يتأفف منها. لا ريب أن الأوروبيين قد عرفوا في الصوفية هذا المعتقد فاستغلوه في أعمالهم، فقد ذكر الزعيم الوطني مصطفى كامل المصري في كتابه "المسألة الشرقية" قصة غريبة عن سقوط "القيروان" قال:
ومن الأمور المشهورة عن الاحتلال الفرنسي للقيروان في تونس أن رجلاً فرنسياً دخل الإسلام وسمى نفسه "سيد أحمد الهادي"، واجتهد في تحصيل الشريعة حتى وصل إلى درجة عالية، وعيّن إماماً لمسجد كبير بالقيروان.. فلما اقترب الجنود الفرنسيون من المدينة استعد أهلها للدفاع عنها.. وجاءوا يسألونه أن يستشير الضريح الذي في المسجد، ودخل "سيدي أحمد الهادي" الضريح.. ثم خرج يقول: إن الشيخ ينصحكم بالتسليم لأن وقوع البلاد صار محتماً.. فاتبع القوم كلمته، ودخل الفرنسيون آمنين في 26 أكتوبر سنة 1881".
ثم يعقب الدكتور "عمر فروخ" بقوله: "من أجل ذلك يجب ألا نستغرب إذا رأينا المستعمرين لا يبخلون بالمال أو التأييد بالجاه للطرق الصوفية.. وكل مندوب سامي أو نائب الملك.. لابد أنه يقدم شيخ الطرق الصوفية في كل مكان، وقد يشترك المستعمر إمعاناً في المداهنة في حلقات الذكر.
والطريقة التيجانية التي كانت تسيطر على الجزائر أيام الاستعمار معروف أنها كانت تستمد وجودها من فرنسا، وأن إحدى الفرنسيات من عميلات المخابرات تزوجت شيخاً فلما مات تزوجت بشقيقه، وكان الأتباع يطلقون عليها "زوجة السيدين" ويحملون التراب الذي تمشي عليه لكي يتيمموا به، وهي كاثوليكية مازالت على شركها.. وقد أنعمت عليها فرنسا بوسام الشرق، وجاء في أسباب منحها الوسام.. أنها كانت تعمل على تجنيد مريدين يحاربون في سبيل فرنسا كأنهم بنيان مرصوص".
ومن كتاب "في التصوف" لمحمد فهر شقفة السوري، ص217 يقول: "نرى من واجبنا خدمة الحقيقة والتاريخ أن نذكر أن الحكومة الفرنسية في زمن الانتداب على سوريا حاولت نشر هذه الطريقة، واستأجرت بعض الشيوخ لهذه المهمة.. فقدمت لهم المال والمكان لتنشئة جيل يميل إلى فرنسا.. لكن مجاهدي المغرب لفتوا انتباه المخلصين من أهل البلاد إلى خطر الطريقة التيجانية، وأنها فرنسية استعمارية تتستر بالدين.. فهبت "دمشق" عن بكرة أبيها في مظاهرات صاخبة".
الصوفية وفاروق
من الأمثلة المضحكة المبكية في مسيرة رجال الصوفية وراء الاستعمار، والحكام الفسقة الظالمين.. أن الصوفية في مصر لاذوا أخيراً بفاروق ملك مصر السابق، يشكرونه على أنه منحهم كسوة، وبين يدي "فاروق" وقف شيخ الصوفية يقول: "إنها يا مولاي رمز لما أعطاك الله من مواهب، وعنوان لفيض من فيوضاته سبحانه على قلب فاروق الطاهر تكشف عن مدى طهر وضعه الله فيك. فصفت روحك الطيبة، وأن هذا التكريم للصوفية إنما هو قبس من قلبك النقي ينير لك الطريق".
وخدمة الصوفية للاستعمار الفرنسي في مصر أيضاً معروفة، وخدمتها للإنجليز.. هل تعرف السبب الحقيقي في هزيمة "عرابي".. لقد شغل أهل الصوفية الجنود في التل الكبير في أذكار حتى نصف الليل.. ثم نام الجنود.. فدخل الإنجليز في الفجر!!
- ثم ماذا يا دكتور.. لقد طال الموضوع!! نعم، إنه هام ولكن القراء يجب أن نقدر وقتهم؟
-بقيت كلمة واحدة.. الطرق الصوفية حسب آخر تعداد من رئاسة الجمهورية عددها 64 طريقة لو أنهم على هدى، لماذا لا يتفقون على طريقة واحدة مادام كلهم يدعون للإسلام؟ أؤكد أنهم لا يفعلون ذلك ولن يفعلوا؛ لسبب واحد، هو أن لكل مشيخة دخول، ومنتفعين، ومسائل أخرى كلها تتعلق بالمال والأعمال. وصناديق النذور!!
المصدر: موقع صيد الفوائد
- التصنيف:
سمرقند المعاني
منذwalid sallam
منذد الجندي
منذعبد الله
منذالشباب الحامدي
منذmouhannad
منذمحمد أمين
منذإسلام فخرى
منذأم سهل
منذاحمد السلامة
منذ