بوادر غضب جراء الولائم الأمريكية

منذ 2005-06-02

لم تشهد القاهرة منذ عقود أجواءً ساخنة مثل التي تشهدها هذا الموسم.. ربما كان آخر تلك الأجواء الحقيقية هي الأجواء التي فجّرتها أزمة وليمة لأعشاب البحر، والتي لم تشبه ما تشهده القاهرة هذه الأيام، إذ جاء ما بعدها كله مُداراً من وراء الكواليس..

معركة التغيير أو صراع الإصلاح صَبَغ الأجواء هذه المرة بنفَس سياسي لا يخلو من كثير من التفاعلات التي تبعد أو تقترب من الإسلام، في هذه الأجواء كان الوضع مهيأً لهبوب عاصفة هي أشد وأقوى في دلالتها من أزمة الوليمة، ربما كانت ستسحب البساط من تحت الجميع، وربما ترمي بهم بعيداً عن عالم الأضواء، لكن الأوضاع ظلت في حلبة أمريكية الصنع ودون تجاوز لقواعد اللعبة التي حددها الراعي الأمريكي، تلكم الأزمة هي إهانة عدد من الجنود الأمريكيين للمصحف الكريم كانت بحق قاسية لكن أقسى ما فيها هو الخذلان الواضح والصمت المطبق من أتباع القرآن والعاملين به وله، ومن يحسبون أنهم مهتدون.

هل جاء الحادث فردياً في ظل احترام أمريكي للقرآن؟ وهل يمحو أسف كونداليزا شؤم هذا الفعل من الذاكرة المسلمة فضلاً عن محوه من ديوان الجرائم الأمريكية في حق الإسلام والمسلمين؟ وهل يكفي مجرد استنكار ليبرئ الذمة ويمحو العار عن المسلمين؟ وهل يعد الصامتون ممن قيل فيهم إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً؟

إن الجريمة تأتي في سياق حرب أمريكية على القرآن بشتى الوسائل، تستخدم فيها الطرق الملتوية إلى جنب الأساليب الرخيصة والدنيئة وفق خطط طويلة المدى


سلوك أمريكي أصيل أم عارض

يرى الأستاذ ممدوح إسماعيل (المحامي) أن الجريمة تأتي في سياق حرب أمريكية على القرآن بشتى الوسائل، تستخدم فيها الطرق الملتوية إلى جنب الأساليب الرخيصة والدنيئة وفق خطط طويلة المدى، وأشار إلى رابط ما بين انتهاك النخب التي تحكم البلاد العربية للمصحف عملياً بتضييع أحكامه وفرائضه وأوامره ونواهيه، وبين تدنيس المصحف لإسقاط هيبته عند المسلمين بهذه الصورة، كما حاولت أن تدفع المسلمين إلى اسبتدال القرآن بالفرقان، وقد سعرت من حربها على المعاهد الإسلامية بتقليص عددها ومساحاتها.

أما الدكتور إبراهيم الخولي (الأستاذ المعروف بجامعة الأزهر) فيؤكد أنها جريمة لا يرتكبها إنسان نال أي قسط من التحضر، بما يدمغ المجتمع الأمريكي جملة وتفصيلاً بأنه خارج سياق الحضارة وأنه مازال يعيش قشرة مدنية زائفة ليس تحتها جوهر حضاري كما هو شأن الأمم العريقة في الحضارة.

ويتساءل هل يستغرب من جندي أو من جنود أو من أي مستوى أن يرتكب مثل هذه الحماقة مادام يرى من قادته الكبار من تجرأ على الإسلام وعلى مقدساته، ولا ننسى مساعد وزير الدفاع الذي سبّ الإسلام وسبّ نبيه، فإذا قيل إن هؤلاء جنوداً هابطوا المستوى من الثقافة أو من.. أو من.. فالقضية ليست كذلك.

ثم إن هذه الجرائم الجريمة تعددت ولم تتخذ الإدارة الأمريكية موقفاً حاسماً ممن ارتكبوها، فجرأتهم مما يسمح ويأذن بأن نشك في أنها صاحبة توجيه في هذا الباب.

أما الدكتور /إبراهيم الجيوشي (العميد الأسبق لكلية الدعوة الإسلامية بالأزهر) فيكشف حقيقة التوجه الأمريكي فيشير إلى مقال نشرته جريدة الخليج الإماراتية في أواخر يناير 2002م ترجمة لما قاله "بوش" في خطاب له في 29 يناير من إصرار على عمل كل ما يضايق المسلمين، حيث قال: "لن ندع العالم الإسلامي حتى يشرب الخمر ويأكل الخنزير ويستبيح الجنس"، وقد ذكر بوش أن هناك مبدأً سنه بوش الأب بخوض حرب ضد المسلمين كل عشر سنوات، فإذا كان الأمر كذلك فلا يستغرب أن يحدث ما حدث من جنوده في أبو غريب ثم تكرر في جوانتانامو من إهانة لآدمية المسلم ولإسلامه ولكتابه المعظم.

الحادثة لم تكن مفاجئة للمفكر الإسلامي الدكتور/ محمد عمارة لكن الذي فاجأه هو هذا الصمت المطبق من مؤسسات العلم الديني في العالم الإسلامي، ومن النظم والحكومات، ومن الشارع العربي والإسلامي في أغلب البلاد العربية والإسلامية، ويروي الدكتور عمارة تاريخاً مشبعاً بمعادة الغرب للقرآن قديمة فـ"مارتن لوثر" وهو الزعيم الديني للأمريكيين له كلام عن القرآن الكريم يعف اللسان عن تكراره، و"توما الأكويني" ما كتبه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن القرآن كلام يعف اللسان عن تكراره، وكل القيادات في الغرب الاستعماري لها موقف من القرآن الكريم، من رئيس وزراء إنجلترا في القرن التاسع عشر "جلادستون" إلى الفرنسيين عندما كانوا يحتفلون في الجزائر بمرور مائة سنة على استعمارهم للجزائر سنة 1930م كلامهم عن القرآن الكريم ودعوتهم إلى تشييع جنازة الإسلام في الجزائر، نحن أمام تراث طويل وعريض من ثقافة الكراهية السوداء للقرآن ولرسول الله صلى الله عليه وسلم وللإسلام ولأمته ولحضارته.

لم ننس بعد أن "بونابرت" صنع ذلك في الأزهر الشريف وليس في "جوانتنامو" عندما دخلت خيوله الأزهر وبالوا وغوطوا في الأزهر، ومزقوا المصاحف وداسوها بأقدامهم وسكروا في الأزهر الشريف. هل نسينا الصليبيين ماذا صنعوا في القدس، لم ننس ماذا صنعت الصليبية الغربية بعد سقوط غرناطة 1492م وكيف أنهم دمروا ونصروا المسلمين وأهانوا كل القيم الدينية، نحن أمام تراث طويل عريض من العداء الغربي للإسلام.

أما الأستاذ طلعت رميح (رئيس تحرير دورية استراتيجيات) فيربط بين ما حدث وبين رؤية المحافظين الجدد، وأن ما حدث ليس بدعاً من رؤية دينية محددة في مواجهة الإسلام بشكل محدد، لخصها قول:"بوش" إنها حرب مقدسة، ولديهم في أجهزة الدفاع الأمريكية عشرات من المحطات المتلفزة مخصصة تقريباً للهجوم على عقيدة الإسلام وهذا الأمر لو جمعناه أصبح الآن كثير جداً وخطير.. ولا يغيب عنا أن هناك مجموعات من الكتاب والباحثين والصحفيين المرتبطين بالمصالح وبالرؤية الأمريكية وبالمخابرات الأمريكية بدؤوا الآن يهاجمون القرآن ويهاجمون السنة فإذا نظرنا إلى هذا.. فينفي عما جرى كونها تصرفات فردية، ويؤكد أنها إنما تمت وفق خطة ورؤية إعلامية.

وينقلنا الأستاذ طلعت إلى الهدف من وراء كشف النيوزويك الأمريكية لهذه الجريمة، حيث تتحدث ظواهر الأمور عن أن الديموقراطية الأمريكية كشفت عن أخطائها كما كشفت عن أخطاء آخرين داخل جهاز الدولة وأن ما حدث كان خطأ و.. و.. إلى آخره، لكن الحقيقي أن الكشف عن هذه الممارسات كان ضمن خطة الممارسات نفسها، فالكشف عن الممارسات التي تمت في أبو غريب استهدف إشعار الآخرين بالإذلال وأنه يمكن أن يفعل بالإنسان على أرض وطنه ما لا يتصور وما لا يتخيل وأنه إذا كان الجندي الأمريكي قد سحقت معنوياته وكرامته وشرفه العسكري في الفلوجة، فإنهم فعلوا في المواطن العراقي وفي المرأة العراقية أشد ما يمكن من الأفاعيل هذا هو الجوهر الأساسي في معظم الرسائل الإعلامية.

ثم يعود ليؤكد أن المسألة الآن فيما يتعلق بهذه الممارسة الإجرامية تدنيس القرآن الكريم الذي كشفها أيضاً هو مجلة أمريكية وسيثار زعم حول أن الديموقراطية الأمريكية تكشف تصحح أوضاع خاطئة، وهذا جزء من المستهدف في إظهار الديموقراطية الأمريكية أنها هي التي تصحح نفسها لكن الحقيقي أن هذه المسألة هي محاولة لترويض المواطن المسلم وتعويده على هذا الحدث. هذه المرة كان غير عادي، بعد ذلك يصبح عادياً عبر سلسلة من مثل هذه المحاولات.

أما الدكتورة زينب عبد العزيز (أستاذ الحضارة الإسلامية) فقد زادها الحدث ألماً إلى مرضها، واعتذرت بصوت مكلوم عن عدم إكمالها الحديث، وقد كشفت لنا أن البابا السالف أباح اللجوء لكل الطرق وكل الوسائل، من أجل اقتلاع الإسلام حتى تبدأ الألفية الثالثة والعالم كله منصر، وفي يناير 2001م لما لم يتنصر العالم قرر مجلس الكنائس العالمي إسناد مهمة اقتلاع الشر الذي هو الإسلام إلى أمريكا، واختلقوا مسرحية 11 سبتمبر 2001 م، وبدأ ضرب الإسلام والمسلمين بصورة منظمة ضمن ما يعرف باستراتيجية الهدم تحت السيطرة التي قررتها الولايات المتحدة في التعامل مع العالم الإسلامي.


بالونات اختبار أم أنابيب تحليل

يرى البعض أن ما حدث جاء كبالون اختبار لقياس ردود الأفعال في العالم الإسلامي وأن دلالة المؤشر هذه المرة خطير جد خطير، بينما يرى آخرون أن الأمر ليس سوى عداوة تجلت يوما بعد يوم لتؤكد الحقائق القرآنية عما تخفيه نفوس أهل الكتاب نحو المسلمين.

تقول الدكتورة زينب عبد العزيز: هذا ليس أول اختبار، بالونات الاختبار كثيرة ما حدث في مسجد بابري أكبر مسجد في الهند وعينهم على الأقصى بل وعلى الحرم، هذا كلام مكتوب، ولهذا نحن نحتاج لوقفة حاسمة صارمة مع الغرب ومعاملة بالمثل.

اختبرت الأمة وللأسف أُعطيت انطباعات تغري بمزيد من العدوان عليها وعلى مقدساتها، الأقصى الآن أسير ولا يتحرك أحد،ومهدد ولا ينطق أحد ولا تذكره صحافتنا ولا أجهزة إعلامنا وكأنه سقط من حساب هذه الأنظمة.

ويذهب الأستاذ محمد عبد الشافي القوصي إلى صحة فكرة بالونات الاختبار، فمنذ ثلاثة عقود هناك عدة اختبارات للأمة العربية والإسلامية معاً، الغرب يقيس النبض عبر مراكز رصد وتحليل وعبر استخبارات، وهو يقيس مع كل واقعة هل مازال هناك روح في هذا الجسد الهامد مثل احتلال فلسطين وعدوان 5 حزيران الشهير ثم حريق المسجد الأقصى ثم المذابح مثلاً في مخيم جنين وأمثالها واحتلال العراق هذه اختبارات حتى يقيسوا نبض الأمة هل هناك من يرفع صوته هل هناك من يستجيب أو يجأر هل هناك من يحرض على الثورة أو.. أو ما شابه ذلك وهناك في الغرب مؤسسات ومنظمات تخطط لهذا الأمر المنظمات الصهيونية والأمريكية دورها في متابعة ما يحدث في الأمة العربية والإسلامية حتى يهجموا على المسجد الأقصى لكن الله لن يمكنهم أبداً من المسجد الأقصى.

ويرى الأستاذ ممدوح إسماعيل أن العبرة في مثل هذه الجريمة أو في كشفها أنه ضمن مخطط. ويضيف الأستاذ القوصي: "لا يهم كثيراً مسألة القصد وهي واردة هنا ولكن حتى ولو انتفى القصد فهذا الحدث بالفعل اختبار حقيقي للأمة، سواء كان بالوناً أو لم يكن، ومن المعلوم أن المخابرات تعمد إلى هذه السياسة عموماً، لكن الذي يحتاج إلى نظر أكثر هو التعتيم الإعلامي والذي يؤدي إلى تأخر ردود الأفعال".


غضبة أعجمية أفصحت عن العجز العربي

جاء رد الرسمي هذه المرة؛ موقف يساوي لا موقف! إذ كلاهما تحصيل حاصل استنكار وشجب لامتصاص الصدمة والآن قد لا تحتاج الحكومات إلى المسكنات لأن الوعي مغيب أو مشوه، بعد أن انكشف المستور عداء الغرب ثابت ومقابلته بالاستنكار العربي متغير، ومع أن البقاء للمتغير في ظل العولمة إلا أن الثابت اكتسح لمجرد كونه غربياً، فأصبح الاستنكار وعدمه كلاهما شيء واحد، وإذا كان الاستنكار يعني الإنكار على المسلك الغربي فقد شابه سلوك الأنظمة سلوك من لُعن من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم، حيث تستنكر الأنظمة اليوم وبعد ساعة تراه أكيله وشريبه وجليسه وعميله تلك كانت حقيقة الموقف العربي ومن ثم خلعها لباس التقوى لم تعد بحاجة إلى مسحة الورع الكاذبة التي تجعل من الجمهور مقراً أو واثقاً في إسلامها.

ويرى الدكتور محمد عمارة فيما حدث مؤشراً يكشف الأكاذيب ويفضح النفاق، ويشير إلى أن الإعلام الرسمي كان خجولاً في الإشارة إلى هذه المسألة لأنه لا يريد أن يكشف عورات السادة الذين يطبل لهم ويزمر لهم.

الدكتورة زينب عبد العزيز تعد ما حدث جاء نتاجاً طبيعياً لسلسلة التنازل والتخاذل والتي انتهت بنا إلى حضيض تدنيس المصحف بهذا الشكل، وتتساءل: أين العالم العربي، أين المواقف.. مازلنا مع التنازلات حتى وصلنا إلى الحضيض.

أما الأستاذ أبو إسلام أحمد عبد الله (رئيس مركز التنوير الإسلامي) فيرى أن الجميع يترنح إزاء هذه الفاجعة.

ويستثني الدكتور إبراهيم الخولي من هذا الترنح مجموعات قليلة في المناطق التي انتفضت، لكنه يصور هذا الترنح في حالة صمت مريب وكئيب ومحزن تشير دلالته الظاهرة على أن الأمة فقدت غيرتها على دينها فليس عند المسلمين أقدس من القرآن، وإذا مُس القرآن وكان صدى المس عند الأمة هذا الصمت المريب فمعنى هذا أن هذه الأمة قد ماتت؟

لكنه يحترز قائلاً: ليس الأمر كذلك، وإنما القضية بالدرجة الأولى أن الأنظمة والحكام خنعوا وهانوا ووهنوا وعرف عدونا أنهم ليس بهم حياة الآن ولا يتوقع منهم أي رد فعل يحسب حسابه فتجرؤوا علينا، وكان الأولى بهم لو كانوا عقلاء أن يتركوا الجماهير تعبر وتنطلق وتقوم بما عجزوا هم عن القيام به كما سمحوا لها حينما اهتزت كراسيهم إبان العدوان على العراق.


مقارنة بين إسلامنا وإسلام هؤلاء!

المؤسسات الرسمية الإسلامية من صمت نجا!
المؤسسات الرسمية الإسلامية لم تعلق وكأنها تهوم في عالم آخر، وعلى العكس بعث بعضها بتحذيرات لعدد من خطبائها ألا يعرج على الأمر ولا يشير إليه متذرعة بصعوبة الأوضاع الداخلية والخارجية، في حين كان لمثل بعض هذه المؤسسات موقف إنكار وتقريع لمن هدم أصنام بوذا في أفغانستان، واليوم لا صوت وربما الصوت الوحيد الذي خرج.. نرجوكم الصمت!

يقول الدكتور محمد عمارة: أنا أخجل وأتعجب من الذي يتحدثون عن أنهم متحضرون وأن "أفغانستان" والأفغان قوم متخلفون ومتعصبون، أين هو الحس الديني، أين هي النخوة، أين هي الرجولة، أين ما نتحدث عنه عن كلمة (وامعتصماه)، وعن نصرة المستضعفين، أين.. الإنسان الذي يرى الإسلام بالنسبة له هو رقم واحد، هو الانتماء الأول، تأويلاً لقول الله تعالى: { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِم }، فإذا هان علينا ديننا ووحي الله سبحانه وتعالى، أنا أتصور أن هذا مؤشر خطر، ولذلك فإن الذين يأكلون العيش بالجبن ويتوسلون لأمريكا ولإسرائيل، وحتى إذا اشتكوا يشتكون من أمريكا وإسرائيل إلى أمريكا وإسرائيل، هؤلاء جعلوا راعيهم هو راعي البقر، هؤلاء وضعوا أنفسهم خارج نطاق التاريخ المحترم والذي يستحق كلمة التاريخ، ولذلك أنا -كما قلت- أنا لا ألوم العدو على عدائه ولا المحارب والمعتدي على حربه وعدوانه، لكن ألوم من يقف متخاذلاً، وفي ذلة أمام هذا الذي يحدث لذلك أنا أوجه اللوم إلى الذات.. إلى النفس.. إلى هؤلاء الذين يقفون موقف البلادة واللامبالاة أمام هذا الذي يحدث للقرآن الكريم وللإسلام والمسلمين.


نَخْبُ النُّخَب..

أما عن صمت النخب، فيفسر الأستاذ ممدوح إسماعيل المحامي تخاذل النخب في العالم العربي بعدة أمور:
أولها: ما يتعرض له المسلمون من ضغط شديد وقهر واستبداد وبطش من جراء أي تفاعل مع أي قضية إسلامية.
ثانيها: أن الناس قد شغلت بقضايا مثل قضية المعيشة والحياة.

وثالثها:الارتباط الواضح بين النظم والإدارة الأمريكية وهذا يعني اعتبار أي هجوم على الإدارة الأمريكية هجوماً بحد ذاته على النظم.

ورابعها: أنه تم اللعب على عقول النخب الإسلامية المتهمة بالعمل العام في جعل الأولية لقضايا الإصلاح السياسي والحريات والديمقراطية، والنزول بقضية الإسلام وأولويته وشريعته وأولوية العقائد الإسلامية، فبعد أن كان الإسلام له أولوية في المطالب كشريعة وكحكم تنحى نتيجة لعبة أمريكية، في الإصلاح والدمقرطة وأمسك بزمام المسألة بعض الإسلاميين ودخلوا في اللعبة فانغمسوا وتأخرت عندهم المطالب الإسلامية.

وخامسها: هو ما تعانيه الحالة الإسلامية بعد 11 سبتمبر من تفكك واضح لا يمكن معه بناء مواقف ولا حصول إجماع ،حتى المؤسسات الإسلامية الآن أصبحت مكبلة من خلال الخلط بين ما هو أمني وما هو سياسي.

ويضيف الأستاذ طلعت رميح بعدا آخر يتمثل في التعتيم الإعلامي على الحادثة، في الوقت الذي تتوالد فيه القنوات الفضائية العربية وتتكاثر دون تأثير يذكر في مسألة الوعي، فنعلم أن الذي فجّر القضية هي مجلة النيوزويك الأمريكية في نسختها الإنجليزية، والحركة جاءت من أفغانستان وما حولها، وإذا كان موضوع المصحف أحد الدلائل فإنني أتحدى الآن أن يقول لنا أحد ما الذي جرى و يجري في القائم، حيث استخدم الطيران الحربي والأسلحة الثقيلة والمحرمة في اقتحام مدينة سكانها من المدنيين، لا أحد يعلم أي شيء عن أي أحد هناك، لقد عرفنا عرضاً أن الولايات المتحدة تستخدم طيران حربي، وأسلحة ثقيلة في التعامل مع المدنيين في القائم من خلال سقوط طائرتين إف -18 هناك.


الشارع الشرقي والشارع العربي

فصاحة الأعجمي وعياية العربي في هذه القضية أعياناً، ما السبب في تفوق من هو مظنة التقصير، وتقصير من هو مظنة التفوق،بذل العائل، وشح الغني؟
يلخص لنا الدكتور عمارة سبب ذلك؛ بأن التدجين تم في كل بلاد العرب والمسلمين وأثمر لكنه في بلاد الأفغان ظل أثره ضعيفا، لأنه كان على خط المواجهة، وبالتالي ظهرت لدينا مشكلة الهوية بينما لم تظهر هناك، وهذا خلف أن كل طرف من العرب أصبح لا يرى الحق إلا حدود ذاته فقط، وأصبح لا تأخذه في الباطل لومة لائم.

ويفصل لنا الدكتور إبراهيم الخولي ذلك: بأن "أفغانستان" كشعب ما زالت روح الجهاد فيه.
ثانيا: أنهم رأوا أكذوبة الدعاوى الأمريكية وكشفوا تبعية النظام، ثم ليست هناك سيطرة للنظام تستطيع قمع هؤلاء الناس، وهو ينطلقون بتلقائيتهم، وهم ناس عرفوا كيف يضحون وكيف يقدمون أنفسهم من أجل أوطانهم ومن أجل مقدساتهم، فإذا اعتدي على أقدس مقدس عندهم فماذا تنتظر، ثم الشعب الأفغاني لم يتعرض لغسيل مخ قذر كالذي يحدث في بلادنا وتحت أجهزة إعلامنا ومن خلال منابرنا بل ومن خلال كثير من مؤسسات التوجيه الديني والدعوة، مازالوا على الفطرة النقية، هذا هو التفسير الصحيح.

ولهذا أنا لا استغرب أن تنطلق الثورة على هذا الموقف الأمريكي وهذه الغضبة من "أفغانستان" هذا هو الشيء الطبيعي، هذا هو الشيء الطبيعي.. غير الطبيعي أن تنتظرها من بلد كالأردن، غير طبيعي، إنما ممكن أن تنطلق من الأردن على أنها عدوى وعلى أنها تأثر واستجابة لا بأس، لكن تنتظرها من شعب مأموم، المبادرة تأتي من أحرار، فهذا المعيار هو الذي يفسر لك لماذا ظهرت الغضبة من هذا المكان وانبثقت منه أولاً، ولماذا تأخرت في أماكن أخرى وربما لا تحدث، وربما لا تحدث، الأزهر صوته يخفت معقول؟

بل لا صوت أصلاً لا صوت..
رابطة العالم الإسلامي ماتت!.. القضية هي القرآن الآن.
المجلس الأعلى للشئون الإسلامية دفن! بينما في أتفه التوافه حين يكون هناك توجيه علوي من الخارج، ترى المسارعة في تجديد الخطاب الديني.

أما الدكتورة زينب أبكتها المقارنة بين الموقف الكنسي من قضية القس المشلوح وقضية وفاء قسطنطين وبين موقف المؤسسات الإسلامية من إهانة القرآن، ولم تملك دموعها قائلة: عيب عليكم معشر المسلمين، تقوم قيامه الكنيسة من أجل امرأة أسلمت أو كاهن قد أقصي عن الخدمة رفعت الأستار عن بعض جرائره، وحين ينصر 800 واحد في المغرب في الشهر الماضي لم نسمع صوتا واحدا يعترض، يا سيدي نحن نبيع.. نبيع، أرجو كفى كلاماً كفى كلاماً أرجوك...

ويعري أبو إسلام أحمد عبد الله الوضع العربي مفصلاً: حكام العرب تم تدجينهم داخل الحظيرة الأمريكية ثمناً لحفظ عروشهم واستطاع كل حاكم من هؤلاء الحكام أن يدجن القوى السياسية الموجودة في بلده حتى لو كانت على صورة المعارض، ولكن هي في الحقيقة تم تدجينها وأصبحت جزء من صورة المعارضة التي تحسن وجهها أمام الرب الأمريكي.

أما القوى الإسلامية الآن وقد يعني ما زالت تحت مخدر الضربات القوية وهي في حالة سكر، لا أقول من شرب الخمر إنما من كثرة الضربات، فهي مترنحة ومنقسمة على بعضها البعض وجعلت من الآية الكريمة التي قيلت في اليهود ميثاقاً لأبنائها أن يجعلوا بأسهم بينهم شديد، وكل واحد الآن بسبب الرغبة في القرب أو البعد من النظم السياسية الحاكمة والبحث عن مكان يمارس فيه صورة الإسلام وينجو فيه من عصا الحكام، في هذه الصورة أصبح كل واحد له ملة إسلامية وله منهج خاص به، وفي هذه الصورة القاتمة في بلاد العرب تتصارعنا المصالح الشخصية مع الرغبة الحميمية في أن نبقى مسلمين.

نحن الآن بين أمرين كلاهما جميل وصعب، أن نبقى في سلام وأمان وأن ننتصر لديننا، وهذا لا يمكن أن يتحقق أبداً للمسلم السوي، فلقد تعودنا على الباطل حتى أصبح الظلم جزء من تركيبة المسلم العربي، وأصبح الخلاف والاختلاف جزء من نسيج العمل الإسلامي، وبالتالي مع القهر الاقتصادي مع كل ذلك عناصر تكاتفت على المسلمين في بلاد العرب أن يتم تدجينهم ولكن هذه المرة بأيديهم وباختيارهم.. فلم تتحرك. ولذلك كان أحد الصحفيين طرح سؤال من حوالي ثلاثة أعوام: هل يستبعد العرب أن تضرب الطائرات الأمريكية مكة المكرمة، وإذا حدث هل لدى المسلمين تصور؟ أنا أتصور أن الذين قاموا متظاهرين في مصر من أجل وليمة أعشاب البحر أظن أن هذه كانت آخر نفس في هذه السنين العجاف أو آخر صيحة تقول إن المسلمين كان لهم حساً.
المصدر: موقع المسلم
  • 2
  • 0
  • 16,457
  • أمة الله

      منذ
    [[أعجبني:]] والله إني لأشعر بالأسى و الغيظ مما انحدرنا إليه,التهينا عن طريق العزة وابتغيناالعزة في طرق الأرذلين,يؤسفني مقدار الغفلة و الإحباط الذي تملكنا و كأننا قطيع لا نملك من أمرنا شيئا إلا أنني أؤمن بأن هذه الأمة لا زالت بخير ,وسيحين لناإن شاء الله أن نصحو من غفلتنا ونحسن علاقتنا مع ربنا حتى نعود كما كنا ونعيد السلام و الاستقرار والعدل والحرية الحقيقية لهذا الكون من جديد كما كان أسلافناالكرام من الصحابة و التابعين ومن نهج نهجهم
  • عبدالله

      منذ
    [[أعجبني:]] ان الكلام جميل ولكن من يقراء الشباب العربى لا يقراء كثيرا

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً