القدرات النووية الإسلامية.. وصعود الإسلاميين
في هذه المقالة نحاول تسليط الضوء على برامج إنتاج الطاقة في العالم العربي ومقارنتها بما يجري داخل الكيان الصهيوني في هذا المجال.
منذ نشأة إعلان إنشاء الكيان الصهيوني عام 1948م وهو يعزز من تفوقه العسكري في منطقة الشرق الأوسط ويحاول إبقاء الأمة الإسلامية في حالة ضعف، ليس هو فقط بل معه أيضا الإدارة الأمريكية والغرب بأسره، لأنهم يعلمون جيدا أن استقرار هذه الأمة وحكمها من قبل الصالحين سيخلف لهم الكثير من الهزيمة. منذ عقود ونحن نسمع عن عمليات التسلح النووي التي تجري في كورية الشمالية وإيران وغيرها من بلدان العالم، ولا تجرأ الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني على استهدافها أو قصفها لكن في العراق وسورية وليبيا تم استهداف محاولات لإنتاج مثل هذه الأسلحة وفي غالبيتها لم تكن بلغت حدا يستحق الاهتمام، وكل ما تبين أن جورج بوش الابن شن حملة دعائية غير مبنية على معلومات حقيقية ليبرر الحرب على الشعب العراق تحت ذريعة وجود أسلحة نووية وهو ما ثبت العكس بحسب المفتشين الدوليين.
في هذه المقالة نحاول تسليط الضوء على برامج إنتاج الطاقة في العالم العربي ومقارنتها بما يجري داخل الكيان الصهيوني في هذا المجال.
في تصريح نشر في أكتوبر الماضي قال رئيس هيئة الطاقة الذرية الأردنية خالد طوقان إن سفيرا صهيونيا سابقا في عمّان حاول عرقلة البرنامج النووي السلمي الأردني، من خلال الطلب من سفراء عدد من الدول "فسخ" أي تعاون نووي مع المملكة. وهذا يلخص كيف تتعامل الحكومة الصهيونية مع ملف إنتاج الطاقة النووية في العالم الإسلامي.
الأردن التي تعاني أزمة كبيرة في مجال الطاقة بسبب اعتمادها على الاستيراد من الخارج ترى أنه من حقها تخصيب اليورانيوم وإنتاج محطات نووية لإنتاج الطاقة، حيث ترتفع نسبة استهلاك الطاقة فيها بشكل سنوي بنسبة تصل إلى 7%، وتستورد المملكة أكثر من 90 بالمئة من استهلاك الطاقة، بالإضافة إلى أزمة الغاز التي خلفها تفجير أنبوب الغاز بين مصر والأردن في سيناء المصرية.
إن الإرادة الأردنية، والعثور على آلاف الأطنان من اليورانيوم، لا تكفي لإنشاء مفاعلات نووية، فمثلها مثل باقي الدول العربية فهي تعاني من الموارد المالية وكذلك خطورة إنشاء المفاعلات النووية في أماكن تتعرض لتغيرات طوبغرافية، بالإضافة إلى قلة الطاقة البشرية والضغوط الدولية الممارسة عليها.
وتعقد الأردن على مشروع "قناة البحرين" آمالا كبيرة لتوفير الكهرباء والمياه حيث من المقرر أن يصل البحر الأحمر بالبحر الميت، وتنوي ربط أول مولد للطاقة بشبكة الكهرباء المحلية عام 2019 وسيمد الشبكة المحلية بألف ميغا واط. ويعمق الأزمة بالنسبة للأردنيين الموارد المالية التي يحتاجها المشروع، وهي تقدر بـ1.5 إلى 3 مليار دولار، بالإضافة إلى نفقات التشغيل ونهاية فترة تشغيله بالإضافة إلى ثمن الوقود النووية.
وأعلن الأردن سابقا عن نيته الاحتفاظ بحقه في تخصيب اليورانيوم بنفسه، وهذا البيان يسمح للأردن، إذا ما صار له منشأة تخصيب فاعلة، أن يحول اليورانيوم ويخصبه إلى مستوى عسكري، وهذا ما يخيف الكيان الصهيوني حيث يرى أن سيطرة الإسلاميين على الحكم في الأردن قد يسخر هذه الإمكانيات لخدمة أهدافهم. لذلك فإن لولايات المتحدة باجتهاد على منع الأردن من تخصيب اليورانيوم، ولكن حتى الآن دون نجاح. ويعتقد أيضا أن البنية التحتية للمشروع ستكون عالية جدا وقد تجعله غير مجدي من الناحية الاقتصادية.
وكان ملك الاردن قد صرح في السابق أن هناك دول من بينها الكيان الصهيوني على نحو خاص، قلقة من أن يصبح الأردن دولة مستقلة من ناحية اقتصادية، وأن مفاعلات الطاقة الكهربائية موجودة في كل مكان في العالم وعلى الكيان الصهيوني أن يهتم بشؤونه.
من حيث الدوافع التي قد تحمل هذه الدول على تحمل تكاليف إنشاء محطات الطاقة النووية فإنها تتلخص في تحلية المياه وإنتاج الكهرباء، وبالنسبة لدول الخليج فإنها لا ترى في طموحاتها النووية مسايرة للمشروع النووي الإيراني، فمصر التي أنشأت مركز أبحاث نووية في بلبيس بمحافظة الشرقية وهو مركز صغير انشأ عام 1961م بمساعدة الاتحاد السوفيتي واقتصر عمله على البحوث المختلفة في المجال النووي، سعت إلى تطوير هذا الملف وفي ثمانينيات القرن الماضي اختارت مصر موقع الضبعة بالقرب من شاطئ البحر المتوسط في الإسكندرية لإنشاء محطة نووية وطلبت عروض لإقامة المفاعل لكن لم يصل الأمر على توقيع عقود مع أطراف معينة. وعام 2006 أفصحت مصر عن رغبتها بإنشاء عدة مفاعلات نووية لإنتاج طاقة بمعدل 1200 ميغاواط لكل واحد منها دون أن تحدد عددا معين.
وتقول دراسة نشرها الباحث الصهيوني، يوئ أفرايم أسكولا إن قدرة التوريد المصرية في عام 2009 أكثر من 22 ألف ميغاواط كهرباء، بحيث أن توريدا إضافياً من محطات نووية لا يفترض أن يشكل مشكلة، سواء بسبب النصيب الصغير نسبيا لمصدر الطاقة هذا أو بسبب قدرة شبكة الكهرباء على الصمود أو الإيفاء بمزيد من العبء.
ولا تتوفر لمصر مصادر من اليورانيوم على نطاق واسع، وأقرب الحلول لديها هو إنتاجه من الفوسفات التي تمتلك منه كميات كبيرة. في عهد نظامي مبارك والسادات كان هناك معارضة شديدة لإنشاء برامج تسلح نووي في مصر لكن مع تغير الوضع الحالي ووصول الإسلاميين إلى السلطة أو انتهاء فترة حكم المواليين للكيان الصهيوني قد تتنوع الخيارات بهذا الصدد في الجانب المصري وخصوصا مع زيادة التوتر مع الكيان الصهيوني .
وعُلم أنه في العام 1984 طلب وزير الدفاع المصري في حينه، أبو غزالة، الإذن من الرئيس مبارك بتطوير سلاح نووي، إلا أن الرئيس رفض، وأُقيل الوزير بسبب ذلك، إضافة إلى ذلك، فإن الوكالة الدولية للطاقة الذرية اكتشفت في إحدى زياراتها العادية إلى مصر جزيئات من اليورانيوم المخصب بدرجة عالية، ولم يكن لدى مصر أي تفسير مرضٍ لهذا الاكتشاف. وما يميز مصر عن باقي الدول العربية التي لها طموحات نووية هي أنها تملك البنية التحتية والبشرية لإنشاء هذا المشروع لكن الأمر يقتصر فقط على قرار سياسي وهذا ما تخشى الحكومة الصهيونية خصوصا مع وجود حكم جماعة الأخوان المسلمين التي ترى في وجود الكيان الصهيوني غير شرعي على أرض فلسطين، بالإضافة إلى تصاعد المد الشيعي الإيراني إلى المنطقة وكذلك برامج التسلح المماثلة في إيران.
ولا يعتقد أن الإدارة الأمريكية والعالم الغربي سيسمح لمصر بالذهاب بعيدا في هذا المجال فإن مثل هذا المشروع قد يجعل الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني يدفعان باتجاه الضغط على مصر اقتصاديا للحفاظ على ميزان الردع في الشرق الأوسط لصالح الكيان الصهيوني.
أما بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي فإن طموحاتها متشابها في مجال الطاقة نووية، فالكويت منذ سبعينيات القرن الماضي كان لها طموح بالخوض في هذا المجال، وعام 2009 عبرت عن اهتمامها بالأمر، وتمكنت من التوقيع اتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وشكلت لجنة محلية مهمتها تعرف باسم "اللجنة الكويتية للطاقة الذرية"، وفعليا بدأت مهمتها بدراسة إقامة محطة نووية. ومع قرب تنفيذ مشروع الربط النهائي لشبكتها الكهربائية فإن دول الخليج المتمثلة في "عُمان، البحرين، قطر، الكويت" شكلت سلطات مختلفة لتنفيذ طموحات نووية وإدارة المفاوضات مع وكالة الطاقة الذرية الدولية. أظهرت الكويت جدية في هذا الموضوع من خلال توقيع اتفاقية مع الولايات المتحدة للاهتمام بالحالة التشريعية والرقابية وتأهيل الكوادر البشرية في هذا المجال، لكن في هذه الأيام وخصوصا بعد الأزمة النووية التي وقعت في اليابان عام 2011 أظهرت الكويت تراجعا في هذه القضية.
وتتلخص أهداف دول الخليج من السعي خلف هذا الطموح بالتصدي لإرتفاع الطلب على الطاقة وتخفيض نسبة تلوث الهواء، لهذه الغاية تقول الإمارات إنها بدأت بإنشاء أربعة محطات نووية تنتج كل واحدة ألف ميغاواط، وينتهي تشييدها عام 2022. أما قطر التي تعد من أكبر مصدري الغاز للعالم فإنها بدأت قبل ستة أعوام بدراسة الدخول في مجال الطاقة النووية ووقعت اتفاقات تعاون مع فرنسا وروسيا بهذا الصدد. وبشأن البحرين وعُمان لا تزال جهودهما ضعيفة في هذا الموضوع.
الإمارات سوف تستهلك طاقة تصل إلى 40 غيغاواط خلال عام 2020، وحينما ننظر إلى قدرتها الإنتاجية الحالية فإنها لا تزيد عن نصف هذا الاستهلاك المتوقع، لذلك هذه المخاوف التي ربما تتحول إلى أزمة حقيقية خلال العشرين عام القادمة جعلت الأخيرة توقع عام 2009 على اتفاق تعاون نووي مع الولايات المتحدة، بموجبه يتم تبادل الخبرات في هذا المجال بالإضافة إلى قيام الأخيرة بتزويد الإمارات بالمعدات والإمكانات التي تخدم المشروع. لكن الاتفاق الذي وقع أيضا يحظر على الإمارات استيراد أو إرسال الوقود المشع، وكذلك ألزمها بالعمل وفق أنظمة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ثم أقدمت الإمارات على خطوة جديدة بهذا الصدد حيث تم اختيار شركة كورية جنوبية (KEPCO) لبناء المفاعلات، وقدرت تكاليف المشروع بالإضافة إلى توريد الوقود لمدة ثلاث سنوات نجو 20 مليار دولار. وبحسب الاتفاق سيتم ربط المفاعل الأول بشبكة الكهرباء في عام 2017، وتم اختيار مواقع بناء المفاعلات بجوار الحدود السعودية. وتشعر الولايات المتحدة وكذلك الكيان الصهيوني بالخوف اتجاه الرقابة على استيراد وتصدير الوقود في الإمارات ووجود حاجة ماسة لرقابة هذه العملية حيث تربط الإمارات حدود طويلة مع إيران ولذلك المخاوف تشمل قيام مهربين وشركات وهمية بتهريب مواد محظورة إلى إيران عن طريق الإمارات. ولكن مع كل تلك التنمية التي تعيشها الإمارات وتخطيها كافة العقبات القانونية والمالية لإنشاء هذا المشروع إلا أنها تواجه مشكلة نقص الكوادر البشرية في هذا المجال.
كانت بين الفينة والأخرى تخرج تصريحات سعودية رسمية بأن خيار إنشاء مفاعلات نووية مطروح إذا لم يوضع حد لطموحات إيران النووية كونها الغريم الأول للملكة العربية السعودية في الخليج، وخلال السنوات القليلة الماضية عبرت السعودية عن استعدادها للخوض في هذا المجال لغايات سلمية مثل إنتاج الكهرباء وتحلية المياه وفي سبيل ذلك وقعت على اتفاقيات متنوعة مع دول عديدة. ومع بداية عام 2011 حددت المملكة الأماكن التي تنشأ فيها مفاعلاتها النووية وتعتزم أن تنهي العمل في المفاعل الأول عام 2020. وزير الخارجية سعود الفيصل صرح قائلا بهذا الصدد: "ليس سرا أننا نقول هذا علانية، هدفنا هو تحقيق تكنولوجيا لأغراض سلمية، لا أكثر ولا أقل". وألمحت المملكة إلى عدم تخليها عن حقها في تخصيب اليورانيوم. وتستهلك المملكة نحو 2.8 مليون برميل من النفط يوميا أي ربع انتاجها تقريبا ومع مرور الوقت فإن الاستهلاك المحلي للنفط والغاز يزيد بوتيرة سنوية تصل إلى 7 % أي أن ذلك يجعلها تسرع في البحث عن وسائل بديلة لإنتاج الطاقة.
والتوقع هو أن الطلب على الطاقة سيزداد من 44 ألف ميغاواط اليوم إلى أكثر من 75 ألف ميغاواط في العام 2020، كما أن المملكة تُحلي أكثر من 70 في المائة من مياه الشرب لديها، وأصبحت الطاقة النووية (بالتوازي مع الطاقة المتجددة) بالتالي، في نظر العربية السعودية وسيلة أخرى لتنويع مصادرها من الطاقة، وتخفيض تعلقها بالنفط والغاز لأغراض داخلية والسماح بتصدير نصيب أكبر منها.
في عام 2010 أصدر الملك عبدالله مرسوماً بإنشاء مدينة الملك عبدالله لبحوث الطاقة الذرية لتوسيع البحث في هذا المجال تحت مسؤولية الملك مباشرة، وفي 2012 عقد مؤتمر هو الأول من نوعه حيث عرضت خريطة الطريق السعودية للوصول إلى غايتها من الطاقة النووية وتتضمن توريد الوقود للمدى البعيد وكذلك تجهيز كوادر فنية في هذا المجال، وخصصت المملكة أيضا أكثر من مائة مليار دولار لاستثمارها خلال عقدين من الزمان في إقامة 16 مفاعل نووي تقول إنها ستنتج الكهرباء ولتحلية المياه. وبشأن الاتفاقات الدولية فإن قدرتها المالية جعلت الكثير من الشركات تتهافت عليها لكن الدول الأبرز التي وقعت اتفاقات بهذا الصدد مع المملكة لتزويدها بالتكنولوجيا المتخصصة في إنشاء المفاعلات، كانت فرنسا وكورية الجنوبية والصين. وبحثت أيضا مع الولايات المتحدة إمكانية تزويدها بالكفاءات والخبرات اللازمة والمواد النووية حيث وقعت مذكرة تفاهم عام 2008 حيث التزمت المملكة بعدم الانشغال بنشاطات حساسة في المجال النووي، لكن بعض المتخصصين في هذا المجال يرون أن المملكة العربية السعودية لها علاقات عسكرية قوية مع الباكستان، لذلك من المرجح أن تعتمد عليها في مجال الخبرات في المجال النووي.
كما طرح بعض من أعضاء الكونغرس الأمريكي أيضا شكوكا في أن تنفذ العربية السعودية الالتزامات التي أخذتها على عاتقها في كل ما يتعلق بفصل البلوتونيوم وتخصيب اليورانيوم، كما أعربوا عن تخوفهم من الآثار الإقليمية لمثل هذه التطورات.
البنية العلمية لدى العربية السعودية في المجال النووي المدني محصورة وتستند إلى التجربة القليلة التي لها في استخدام التكنولوجيا النووية لإغراض طبية وزراعية. ورغم تعاونها النسبي مع الأسرة الدولية في المجال النووي المدني، فإن البروتوكالات التي وقعت عليه المملكة، يعفيها عمليا من الرقابة الدقيقة ويجعل من الصعب على الوكالة الدولية للطاقة الذرية التأكد من أنه بالفعل لا يجري تطوير نووي محظور في نطاقها.
طموحات تركيا
قبل أن يأتي حزب العدالة والتنمية الإسلامي للحكم في تركيا ومنذ ستينيات القرن الماضي حاول هذا البلد خمس مرات تطوير قدرتها النووية لكن المعارضة الأمريكية ومصاعب التمويل وعدم الاستقرار كانت عقبات كفيلة بالحد من هذا الطموح.
لكن في العقد الأخير ومع ازدياد الطلب على الطاقة بنسبة بلغت 8% فإن تركيا التي تعتمد بشكل كبير على استيراد الطاقة من الخارج أصبحت تولي أهمية كبيرة قضية الحصول قدرة نووية مدنية. في الوضع الراهن تتوفر هناك ثلاث منشآت بحثية صغيرة في مجال الطاقة النووية، ويتوفر لدى تركيا كمية من اليورانيوم يمكن أن تكفيها لكن تكاليف استخراجها باهظة الثمن. وفي إطار رؤيتها للعشرين سنة القادمة فإن تركيا أعلنت عن عزمها إنشاء ثلاثة مفاعلات نووية على أرضيها سوف تستعين بقدرات أجنبية لإنشائها بالإضافة إلى وجود طموحات لإنشاء 20 مفاعل خلال العام 2030.
ومن أبرز المشكلات التي تواجه هذا المجال في تركيا الاهتزازات الأرضية التي تقع في قسم من أرضيها، لكن بالرغم من تلك المخاوف إلا أنها وقعت مع روسيا عام 2010 على صفقة لبناء محطة لتوليد الطاقة ستقوم بتنفيذها شركة "روساتوم" التركية حيث ستنتج 1.200 ميغاواط وبلغت تكلفة المشروع 20 مليار دولار وهي تتضمن مفاعلات المياه الخفيفة التي يفترض بتشغيلها أن يبدأ في 2019، وستكون الشركة الروسية مسئولة عن تجنيد نفقات الإنشاء وعن توريد القضبان لمفاعلات المياه كما أنها هي التي ستعالج الوقود المشعة وتعيد تكراره، وتركيا من جهتها تعهدت بشراء معظم الكهرباء التي تنتجها المحطة. وتخطط تركيا لبناء مفاعلات أخرى في سينوب على شواطئ البحر الأسود وفي أجنادا على مقربة من الحدود مع بلغاريا. ولا ترى تركيا بأنها يجب أن لا تذهب بعيدا في تنمية طموحاتها النووية حتى على المستوى العسكري خصوصا مع وجود حزب العدالة والتنمية الإسلامي في الحكم. ولا تريد تركيا أن تبقى رهينة للابتزاز الخارجي في حال فكرت في استيراد الوقود المخصب من الخارج. وتقول الحكومة التركية إن القوى العظمة لا تلتزم بالمواثيق الدولية التي تعترف بحق الدول غير النووية في تطوير نووي لإغراض سلمية دون تمييز.
وخلافا للماضي، توجد لدى تركيا اليوم المقدرات الاقتصادية والاستقرار السياسي اللازم لغرض التقدم في مشروع نووي مدني، كما أن احتياجاتها المتعاظمة من الطاقة تبرر ظاهرا السير في هذا الاتجاه. ومع وجود توتر مع خصوم لها في الشرق الأوسط مثل الكيان الصهيوني فإن تركيا قد تلجأ على المستوى البعيد إلى السعي للحصول على قدرة نووية عسكرية خلافا لباقي دول الشرق الأوسط.
شمال إفريقيا
الجزائر تعتبر الأكثر تقدما في هذا المجال على مستوى شمال إفريقيا فهي تمتلك مخزون كبير من اليورانيوم بالإضافة إلى مفاعلات نووية متطورة، الأول بنته بمساعدة الأرجنتين ويستخدم للبحث الطبي والثاني بنته الصين وهو مفاعل مياه ثقيلة ينتج طاقة تقدر بــ15 ميغاواط. ولا يستعبد أن تسعى الجزائر للحصول على قدرات عسكرية في هذا المجال رغم الضغوط الأمريكية الشديدة عليها التي أجبرتها على التوقيع على ميثاق بيلندابا حول المنطقة الحرة من أسلحة الدمار الشامل في أفريقيا، والذي دخل حيز التنفيذ في 2009.
كما وقعت الجزائر بين عامي 2007 و2008 على اتفاقات للتعاون النووي مع الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا والأرجنتين. وفي العام 2009 نشر بأن الجزائر تعتزم تشغيل مفاعل نووي في أراضيها حتى العام 2020.
في تونس وليبيا كذلك أظهرت الأنظمة السابقة رغبة في هذا المجال لكن مع الضغط الأمريكي سلم نظام القذافي بالأمر الواقع وتوقف عن استكمال البرنامج الخاص بليبيا، وكذلك تونس حيث وقع الطرفان مع فرنسا اتفاقات لتعاون في هذا المجال لكن بعد سقوط تلك الأنظمة تحتاج البلدين إلى مدة زمنية بعيدة لإعادة التفكير في مثل هذه النوعية من القرارات.
أما المغرب فإنها تمتلك يورانيوم بكميات كافية لجعلها توقع اتفاقات مع شركة AREVA الفرنسية لإنشاء مفاعل نووي.
ويوجد قرب الرباط قيد البناء مفاعل بحثي صغير (بقوة 2 ميغاواط) من إنتاج الولايات المتحدة، كما علم بأنه حتى العام 2014 ستنشر عطاءات لشركات دولية لبناء مفاعلين، ذاتي قدرة ألف ميغاواط لكل منهما، ستشتغل أغلب الظن قبل العام 2020، وذلك للإيفاء باحتياجات المغرب الكبيرة من الطاقة وتقليص انبعاث الغازات الضارة بالبيئة.
الملف النووي السوري
في عام 2007 قصفت طائرات حربية صهيونية منشأة في مدينة دير الزور السورية قالت إنها كانت تستخدم لأغراض تسلح نووية، وقامت هيئة الطاقة الذرية الدولية برفع الملف إلى مجلس الأمن، حيث اتهمت سورية بإخفاء معلومات حول أنشطتها النووية. لكن السوريين يقولون إنهم يمتلكون مفاعلاً نوويا واحدا يستخدم لأغراض علمية قامت ببنائه الصين ومسجّل بتفاصيله في سجلات الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة، علماً أنّ سورية بلد قد إنضمّ إلى معاهدة عدم إنتشار الأسلحة النوويّة، عام 1968 وأتمّت التصديق على وثائقها عام 1969. وحاولت سورية عبثا الحصول على مساعدات من الصين والاتحاد السوفيتي "روسيا" في هذا المجال لكن الطرفان رفضا تقديم المساعدة خوفا من خروج الأمور عن السيطرة بالنسبة لهما.
وبحسب ما نقل الباحث مؤيد لحسين العابدي في مقالة نشرها عن معهد العلوم والأمن الدولي فإن تصميم مفاعل الكبر الذي قصف في سبتمبر 2007 يشبه مفاعل يونغبيون الكوريّ الشماليّ، من حيث التصميم الفنيّ والتخطيط، حيث يتضمّن المفاعل من التحصينات والغرف الخاصة للتبادل الحرّ علاوة على بركة الوقود المستنفذ، لكن الكيان الصهيوني قال إن هذا الموقع يمكن أن يكون موقعاً لإنتاج البلوتونيوم غير المعلن، وللتأكد من خلو المنطقة من الإشعاعات أرسلت هيئة الطاقة الذرية مفتشين وأكدت اللجنة عدم صحة إدعاءات الكيان الصهيوني حول البلوتونيوم.
وتقوم حالية لجنة الطاقة الذرية السورية بإدارة البرنامج النوويّ السوريّ، والمعلوم أن سورية لا تمتلك القدرة الذاتيّة على تشغيل برنامج واسع النطاق من دون مساعدة خارجيّة وبقدرات كبيرة. حيث لا توجد البنية التحتيّة الصناعيّة القادرة على العمل بهذا الإتّجاه بالإضافة إلى عدم وجود القدرات العلميّة الغنيّة من مهندسين وإداريين قادرين على تشغيل البرنامج بالقدرات التي توجّه البرنامج باتجاه عسكرته. والمفاعل التي تمتلكه لأغراض علمية هو صيني من نوع (30KWt SRR-1) وشيد بضمانات من وكالة الطاقة الذرية، وينتج المفاعل كناتج من نواتجه كميّة ضئيلة من البلوتونيوم مع الوقود المستهلك والذي تؤكّده الوكالة الدوليّة في تقاريرها على أنّه غير صالح لإنتاج المواد الإنشطاريّة، كما أنّ اليورانيوم عالي التخصيب في الوقود غير كافٍ من حيث الكميّة لصنع أيّ سلاح نوويّ. كما أنّ المعروف عن سورية أنّها لا تمتلك الدورة الكاملة من دورة الوقود النوويّ ولا توجد لديها الخبرات ولا تمتلك تقنيّات المعالجة.
بذلت سورية محاولات كثيرة للحصول على مساعدة الروس وبلجيكا وفرنسا من أجل شراء مفاعل نووي، ولكن الأمر استقر عام 1980 على التوجه لشركة فرنسية لإنشاء المفاعل حيث تم اختيار محافظة دير الزور كمقر له، وعام 1985 قام الروس بمساعدة سورية على بناء مفاعل لأغراض الأبحاث ومركز بحثيّ يرتبط به. وبالفعل وصل الأمر إلى مرحلة التصميم في عام 1991.
منذ سنوات ومحاولات سورية مستمرّة للحصول على حلقات أخرى مفقودة في البرنامج النوويّ وفق إمكانياتها. ففي عام 1990 خلصت سورية صفقة بقيمة 100 مليون دولار أمريكيّ مع الأرجنتين، وقد وافقت الأرجنتين على تزويد سورية بمفاعل لأغراض البحث بقدرة 10 ميغاواط.
وقد قامت لجنة الطاقة الذريّة الأرجنتينيّة بتزويد وقود المفاعل بشكل سادس فلوريد اليورانيوم وبنسبة إغناء أو تخصيب 20% من اليورانيوم 235 كحدّ أقصى. وقد كان من المفترض أن تكون من ضمن الصفقة تزويدها بمركز حماية من الإشعاع ومختبر الخلايا الساخنة لإنتاج النظائر المشعّة.
ومع ذلك فإنّ الحكومة الأرجنتينيّة اعترضت على الصفقة عام 1995، بسبب رغبتها بعلاقة خاصّة في البرنامج النوويّ مع سورية كشرط لتحقيق الصفقة، لكن الصفقة فشلت بسبب ضغوط أمريكية وصهيونية. وفي آخر محاولاتها نجحت سورية بالحصول على مساعدة من الصين عام 1991 ببناء مفاعل لأغراض بحثية.
البرنامج النووي الصهيوني
بدأت الحكومة الصهيونية تسلحها النووي بعد إعلان احتلال فلسطين عام 1948 في عهد دايفيد بن غوريون حيث تولى معهد وايزمن للعلوم الحديثة بدعم الأبحاث النووية تحت إشراف العالم الصهيوني إيرنست دايفد بيرغمن، ثم تشكلت اللجنة الصهيونية للطاقة الذرية التي تشكلت في السر في العام 1952. والغاية من البرنامج الصهيوني كانت ومازالت الاحتفاظ بأسلحة تبقى حالة من التفوق العسكري لدى الكيان الصهيوني خصوصا وأنه يوجد في محيط معادي.
ولم يوقع الكيان الصهيوني على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية أو على اتفاقية الأسلحة البيولوجية، في حين أنه وقّع على اتفاقية الأسلحة الكيميائية ومعاهدة حظر الاختبارات الشاملة، إنما لمّا يصدّق عليهما بعد. وتصوت الحكومة الصهيونية ضد أي قرارات دولية تهدف إلى حظر انتشار أسلحة نووية في الشرق الأوسط.
منذ البداية، حافظ الكيان على موقف يتسّم بالغموض النووي ويوصف أيضاً بانعدام الشفافية النووية. وبالتالي، قليلة هي المعلومات المؤكدة رسمياً حول طبيعة البرنامج النووي الصهيوني وحجمه. أدى التعاون النووي في أوائل خمسينيات القرن العشرين، والمفاوضات مع فرنسا، إلى توقيع اتفاقية في العام 1957 تنص على بناء منشأة نووية واسعة النطاق في ديمونة. وكانت هذه الاتفاقية تلزم فرنسا ببناء مفاعل قدرته 24 ميغاوات حرارة (علماً بأن المزاعم تشير إلى أن أنظمة التبريد ومنشآت النفايات صمِّمت لمعالجة طاقة تفوق هذه القدرة بثلاثة أضعاف، فضلاً عن بروتوكولات غير مكتوبة تتعلق بمصنع لإعادة معالجة المواد الكيميائية).
بدأ العمل بالمفاعل في العام 1964، ويُقال إن قدرته الحرارية تعززت على نحو ملحوظ في أوائل سبعينيات القرن العشرين بحيث ارتفعت قدرته الفعلية الأصلية من 24 ميغاوات حرارة إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف هذه الطاقة. هذا ويُعتقد أن العمليات في مصنع استخراج البلوتونيوم المرتبط بالمفاعل انطلقت بعد مرور فترة وجيزة على تشغيل المفاعل. وتُقدّر قدرة مصنع إعادة المعالجة في السنة الواحدة بنحو 20 إلى 40 كيلوغراماً من البلوتونيوم من الدرجة المستخدمة في صنع الأسلحة، أي ما يكفي لتصنيع 5 إلى 10 رؤوس حربية سنوياً. ولطالما عملت منشأة ديمونة خارج اتفاقيات الحماية الدولية.
واختصارا لما سبق، فإن البيانات تظهر أن 13 دولة في الشرق الأوسط لها طموحات نووية سلمية تقتصر غاياتها على إنتاج الكهرباء وتحلية المياه وتخفيف الانبعاث الضارة إلى الهواء، ومن أبرز الدول التي يمكن أن تحقق تقدما في هذا المجال الإمارات والسعودية والمغرب والجزائر وكذلك تركيا. لكن بعض الدول قد تلجأ إلى الاحتفاظ بقدرات عسكرية في هذا المجال مثل الجزائر والسعودية وتركيا ومصر، وذلك لوجود تهديد خارجي تعتبره يهددها هما إيران والكيان الصهيوني. وتبدي الإدارة الأمريكية مخاوفها من هذه البرامج لوقوعها في منطقة غير مستقرة وكذلك خوفا من حصول إسلاميين أو من تصفهم بالإرهابيين على أسلحة نووية أو إمكانية تصدير الخبرات إلى جهات معادية لها.
ومن أبرز العقبات التي تواجه مستقبل هذه البرامج هي العقبات الاقتصادية والضغوط الخارجية بالإضافة إلى إمكانية الحصول على الوقود للمدى البعيد وكذلك ترتيب المعالجة للوقود المشع ومشاكل التنظيم والإدارة. بالإضافة إلى مشكلة الحصول على تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم وفصل البلوتونيوم.
وتعتبر مسألة الوصول إلى تكنولوجيا دائرة الوقود هي أيضا الأكثر إثارة للقلق لدى أولئك الذين يخشون الانتقال من برامج نووية مدنية إلى عسكرية (دولتان فقط خارج أوروبا هما ذاتي بنية تحتية نووية مدنية متطورة -اليابان والمكسيك- لم تدرسا في أي مرحلة الخيار النووي العسكري).
مراكز أبحاث نووية صهيونية:
معهد وايزمن للعلوم، يقع في مدينة رحبوت قرب الرملة، تأسس عام 1934، ويتألف من عدة أقسام منها قسم الأبحاث النووية والإلكترونات والرياضيات التطبيقية، وقسم الأشعة دون الحمراء والكيمياء التصويرية وأبحاث النظائر المشعة والكيمياء العضوية والتجارب البيولوجية.
معهد إسرائيل التقني (التخنيون) يقع في مدينة حيفا، تأسس عام 1924 تحول لاحقا لجامعة وإن ظل معروفا باسمه، وأهم أقسامه مؤسسة الأبحاث والتطوير، وفيه قسم للهندسة النووية ومعامل ميكانيكية وكيمياوية، ويخرج المعهد علماء ومهندسين متخصصين في الذرة.
مؤسسة الطاقة الذرية الإسرائيلية، صدر قرار بتأسيسها عام 1952 وكانت تابعة لوزارة الدفاع ثم ألحقت بمكتب رئيس الوزراء سنة 1966، وهي تقوم بتوجيه سياسة الحكومة في ميدان التسلح النووي.
جمعية الأشعة الإسرائيلية: تركز نشاطها على ميدان السلامة النووية والحماية من الإشعاع، وتشرف على سياسة الرصد الذري للمراقبة والتحذير من الإشعاعات الذرية.
صواريخ صهيونية تحمل رؤوس نووية:
لدى الكيان الصهيوني خمسة أنواع من الصواريخ التي تستطيع حمل رؤوس نووية تقليدية وهي (أريحا1، أريحا2، أريحا3، شافيت، لانس) ويتراوح مداها مابين (500-7500) كيلومتر، وتشير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في آخر إحصائيات نشرتها عام 1990 إلى أن الكيان الصهيوني يمتلك مابين 75 إلى 130 رأسا نوويًا.
أ. أحمد أبو دقة
12/01/34
- التصنيف: