مدينة الضباب.. وموعد مع القاعدة !!
وليد نور
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
السبت 3 جمادى الآخر1426هـ - 9 يوليو 2005م
أعصاب متوترة، وأصابع على الزناد...
هكذا نستطيع أن نصف أوروبا بعد حالة من الهدوء سادت العالم، تكفّلت أربعة انفجارات تضرب العاصمة البريطانية بإنهائه وإعادة العالم إلى المربع الأول من جديد..
ولا عجب فإن لندن 'مدينة الضباب'، أضيئت بأضواء تفجيرات لم تشهدها منذ الحرب العالمية الثانية، جعلت أوروبا ومن ورائها أمريكا في حالة تأهب غير مسبوقة.
هل فعلتها القاعدة؟
تفجيرات ضخمة تضرب عاصمة بريطانيا، أقوى حلفاء أمريكا. وعلى غير العادة، تتجه جميع المؤشرات بقليل من الشكوك إلى تنظيم القاعدة! نعم، تحدّث البعض عن 'الجيش الجمهوري الآيرلندي'، ولم يستبعد تورط جهة استخبارية، إلا إن الصوت الأقوى كان اتهام تنظيم القاعدة، وكأن الجميع كان في انتظار هذه العملية.. فهل فعلتها القاعدة؟
الحقيقة أنه برغم خطأ التسرّع في إصدار الأحكام بشأن منفذي تفجيرات لندن، إلا إن المراقب لا يستطيع أن يتجاهل ما في هذه التفجيرات من تشابه وتماثل بهجمات سابقة تأكدت نسبتها لتنظيم القاعدة، ولعل من المفيد هنا ذكر بعض السمات التي استنبطت من هجمات القاعدة السابقة، وهي تتلخص فيما:
1- النوعية: ونعني بها تنفيذ عمليات على غير نهج سابق، وهذه أهم سمة سعت لها القاعدة: وهي عدم إيجاد قواعد وحدود معينة لعملياتها، إذ أنه لو حدث ذلك لسهل التنبؤ بعملياتها وإيقافها، فكل عمليات القاعدة - بدءاً من تفجيرات كينيا ونيروبي والمدمرة كول وهجمات 11 سبتمبر، كلها - تتّسم أنها على غير نسق سابق، فهجمات 11 سبتمبر على سبيل المثال لم يكن يتوقع أحد أن يتم خطف طائرات وضربها في مباني، والنوعية لا تقتصر على جدّية الأسلوب بقدر ما تتميز ببساطة الهجمات.
2- التزامن: في بداية تفجيرات لندن، كان الحديث عن انفجار واحد، ثم زادت الأرقام حتى وصلت إلى سبع تفجيرات (تبين أن أربعة تفجيرات وقعت في سبعة أماكن) مما بدد أي شك في كونها تفجيرات منسّقة ومخطط لها، غير أن أهم ما يميزها هو التزامن الدقيق في تنفيذ الانفجارات، حيث وقعت ثلاثة انفجارات في محطات المترو، وبالطبع تم إخلاء محطات المترو وانطلق ركاب المترو ليستقلوا الحافلات والباصات، فاستقبلهم انفجار جديد، مما يدل على دقة في التنفيذ والحرص على أن تكون متزامنة، وهي سمة تميّزت بها هجمات القاعدة السابقة.
3- الرمزية: تتّسم عمليات القاعدة بأن تصيب أماكن تمثل رموزًا في الحرب التي تقودها القاعدة ضد الغرب، فلا يهم القاعدة أن تؤدى عملياته إلى خسائر كبيرة أو قليلة بقدر ما تحمله من رسائل، كان ذلك واضحًا في هجمات 11 سبتمبر، ومن قبلها في استهداف المدمّرة كول، ولعل ذلك يتضح من الدلالات التي نذكرها فيما بعد لتفجيرات لندن.
إضافة إلى ذلك فإن بريطانيا كانت دوماً هدفاً من أهداف القاعدة؛ ففي عدد من بيانات وخطابات تنظيم القاعدة، كانت بريطانيا مدرجة دومًا في قائمة الدول المستهدفة لدورها في الحرب التي تشنها أمريكا على التنظيم.
لماذا مدينة الضباب ولماذا الآن؟
نأتي الآن إلى النقطة الهامة، وهي مناقشة الدوافع والدلالات التي تحملها هذه التفجيرات أيًا من كان ورائها؛ ونستطيع أن نحصر دلالات هذا الفعل في النقاط التالية:
1- الفشل الأمني لدي الدول الغربية:
منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، وبريطانيا في انتظار وقوع هجوم على أراضيها، بل إنه في أبريل الماضي تتحدث المسؤولون البريطانيون عن قرب تنفيذ هجوم على أراضيها، غير أنه رغم التحذيرات والإجراءات الأمنية المكثّفة فشلت بريطانيا من منع وقوع هذه الهجمات، الأمر الذي يؤكد على أن الأساليب العسكرية والأجهزة الامنية والتقنية الحديثة لا تكفل الأمن لهذه الدول، فضلاً عن أن الصورة التي تمّت بها التفجيرات ذاتها، أربعة تفجيرات أو أكثر في مناطق يدرك الجميع أنها مستهدفة، ولعل هذا الفشل الأمني هو الذي دفع واشنطن لمراجعة إستراتيجيتها في مواجهة القاعدة والعمل على تبنى إستراتيجية جديدة.
2- التأثير على شعبية بلير:
مرّت شعبية رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بأزمة شديدة بسبب ما تم الكشف عنه من وثائق تدينه بشأن حرب العراق، غير أنه نجح في تجاوز هذه الأزمة عبر الداخل البريطاني والخارج الأوروبي، فأوروبيًا رفض الفرنسيون الدستور الموحد ورأست بريطانيا الاتحاد الأوروبي مما زاد من شعبية بلير، وزادت شعبيته أكثر بعد الدور الذي لعبه في فوز لندن بتنظيم الدورة الأوليمبية، الأمر الذي جعل بلير يصعد إلى قمة مجده السياسي وبعد نيّته في استقالته من منصبه أوائل العام القادم ألغى بلير هذه الفكرة، غير أن التفجيرات كفيلة بنسف كل انجازاته ومخططاته، وتعيد الجميع إلى التساؤل الأول: هل أفلح الدعم البريطاني لأمريكا في تحقيق الأمن لبريطانيا أم كان سببًا لضرب بريطانيا في عقر دارها وفي ساعة الذروة.
3- فشل الحرب العالمية على 'الإرهاب':
رغم أنه ما زال من السابق لأوانه الجزم بأن القاعدة خلف هذه التفجيرات، إلا إن هذه الهجمات تحمل دلالات كبيرة - إذا صحّت أن من ورائها القاعدة -، ففي الوقت الذي يتردد فيه الحديث بقوة عن مكان أسامة بن لادن، وفي الوقت الذي فشلت فيه واشنطن ولندن في اختراق جبال أفغانستان، نجحت عناصر القاعدة في اختراق عاصمة أقوى حلفاء أمريكا، وبذلك تثبت القاعدة أن الحرب علي الإرهاب لم تحقق النجاح المأمول منها في تدمير تنظيم القاعدة، وحماية المدن الأوروبية والامريكية من الهجمات المسلحة، فضلاً عن بوش لن يستطيع أن يكرر ثانية أن العالم بات أفضل وأكثر أماناً بعد تغيير النظام في العراق.
4- اتساع نطاق الحرب:
عمدت الإدارتان الأمريكية والبريطانية على نقل معركتهما على 'الإرهاب' إلى العالم الإسلامي، ففي أفغانستان والعراق أسقط الجيش الأمريكي والبريطاني مئات الألوف من القتلى بدعوى حماية أمريكا ودول الغرب، غير أن هذه الهجمات أكدت أنه لا أحد بمنأى من نيران الحروب حتى وإن كان يقيم في لندن، لذلك فأنه سيصبح من الصعب على الرئيس الأمريكي جورج بوش وحليفه توني بلير إعادة الحديث عن أن استراتيجيته في نقل المعركة إلى الشرق الأوسط والعالم الإسلامي تحقق أهدافها المرجوة.
5- توقيت العملية:
تأتي هذه التفجيرات في توقيت عجيب؛ فهي تأتي متزامنة مع افتتاح قمة الدول الثماني الصناعية الكبرى في أسكتلندا، وكأن هذه الهجمات تهدف إلى إرسال رسالة إلى هذه القمة التي تستضيفها بريطانيا، تشير فيها إلى عجزهم في الدفاع عن أنفسهم فضلاً عن أن يجتمعوا لتخطيط مستقبل العالم وتقسيمه فيما بينهم أو إعلان قدرتهم على هزيمة 'الإرهاب'.
هذه بعض الدلالات التي حملتها هذه التفجيرات وبالتأكيد توجد دلالات أخرى، غير أننا في ختام المقال نود أن نشير إلى أنه من المستبعد مشاركة أحد من مسلمي بريطانيا في هذه التفجيرات، ونرجّح ما ذهب إليه الإسلامي المعروف الدكتور 'هاني السباعي' من استبعاد أن يكون أي من الإسلاميين المعروفين من المقيمين في بريطانيا شارك في أي مرحلة من مراحل العملية بفرض أن القاعدة وراءها.
المصدر: مفكرة الإسلام