المفكرة والقلم.. طريق النجاح

منذ 2005-08-05
27/5/1426 هـ - 04/07/2005 م
كان الرئيس البوسني "علي عزت بيجوفتش" ـ رحمه الله ـ يقول: علينا دائماً بالمفكرة والقلم. كما كان رحمه الله ينعى على المسلمين عدم تخطيطهم ليومهم وغدهم، مع أن الإسلام يحضّ على التخطيط والإتقان والاستفادة من الوقت، وعدم تضييعه عبثاً.

تذكرت مقولة "بيجوفتش" وأنا أرى كثيراً من الناس، وبعضهم أصدقاء، يهملون في المواعيد، ويتناسون أموراً كُلّفوا بها، ويعتذرون دائماً عن تقصيرهم في عمل ما، أو إنجاز ما تحت ذرائع مختلفة، وأسباب متباينة!

التربية الإسلامية تجعل الفرد المسلم، مستقيماً واضحاً، في كلامه وسلوكه ومنهجه، حتى يصل إلى الصدق في القول والفعل بوصف "الصدق" سمة عامة، وطبيعة ذاتية في المسلم، لا تعرضه للمؤاخذة، أو تسحب الثقة منه أو تضعفها.

إن كثرة الشواغل والالتزامات تحتّم على المسلم أن يلتزم بما يقول أو يعد، وأن يرتّب وقته ترتيباً سليماً يضع في حسبانه المستجدات والطوارئ؛ ولذا فإن المفكرة التي على المكتب أو في حقيبة اليد، ومعها القلم الذي يسجل فيها المطلوبات والمواعيد الخاصة به، سواء على المستوى العام أو الصعيد الشخصي، تصبح ضرورة لازمة، حين ينظر فيها يتذكر ارتباطاته والتزاماته ليفي بها ويقوم عليها.

ولا ريب أن التخطيط للعمل اليومي، يحقق لصاحبه راحة كبيرة، ويمنحه قدرة جيدة على الإنتاج والإبداع، وتعقبه من تداعيات التقصير والاعتذار.

هناك أشخاص عاديّون يتحركون في أفق محدود، يتعوّدون فيه على بعض الأعمال الروتينيّة، ولا تتجاوز علاقاتهم المجال المحدود الذي يعيشون فيه، ومع ذلك فهم مطالبون بالالتزام بواجباتهم العامة والخاصة، وأعتقد أن "المفكرة" تساعدهم على الوفاء بهذه الواجبات وغيرها.

أما الأشخاص غير العاديين الذين تتسع آفاق علاقاتهم والتزاماتهم؛ مثل الأطباء والعلماء والأدباء والكتاب والأساتذة ورجال الأعمال وغيرهم من أعيان المجتمع ووجهائه ونشطائه؛ فإن المفكرة بالنسبة لهم تصبح "فرضاً" لازماً، لا يستطيعون الاستغناء عنه أو التفريط به، وإلا وقعوا في التقصير، وارتكبوا "ذنب" الاعتذار!

تجد شخصاً من هؤلاء يقابلك معتذراً عن خلف موعد أو عدم تحقيق اتفاق، بحجة النسيان أو المشاغل الكثيرة أو الظروف، ولا ريب أن هذا الشخص لا يعتذر لك وحدك، ولكنه يعتذر لغيرك، فقد صار منهجه هو "الاعتذار"، وحين يتكرر منه ذلك؛ فإنك تقول: فلان لا يصدق، ولا يُعتمد عليه، ولا يُوثق به؛ لأن سلوكه لم يكن استثناء، ولكنه صار قاعدة .. قد يكون طيب النوايا. مخلص التوجه، ولكن السلوك أو التطبيق ضيع الإخلاص والطيبة جميعاً، وخلّف "فصامية" في شخصية صاحبه "المسلم"، وهو ما يأخذه علينا خصوم الإسلام، ويرونه نقصاً فينا وفي إسلامنا، في حين أن إسلامنا مظلوم منا قبل غيرنا.

قال تعالى { إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } [الكهف:30]، فإحسان العمل في شتى المجالات، له أجره وثوابه عند الحق سبحانه وتعالى.
وقال تعالى { يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } [الصف:2-3]، وهذا رفض واضح وصريح للانفصام بين القول والفعل، والسؤال هنا فيه استنكار وتبكيت لمن يقول شيئاً ويفعل غيره، وفيه وعيد ضمني وتهويل وإزراء بمن يعيشون الانفصام ويكون سلوكهم مناقضاً لما يعلنونه ويتحدثون عنه.

الأحاديث الشريفة التي تتحدث عن إتقان العمل والوفاء بالوعد أو العهد ورفض الفصام النكد بين القول والفعل كثيرة جداً لا يحتملها المقال، وتفيد مع الآيات الكريمة أن المسلم لا بد أن يكون دقيقاً في عمله، ملتزماً في سلوكه، منظماً في حياته، وإلا فإنه سيخسر كثيراً مادياً ومعنوياً.

إن قضية الوقت أو الزمن في حياة المسلم محسومة دينياً، فلا يوجد ما يسمى "وقت فراغ" بالنسبة له؛ إن وقته كله مشغول، وزمنه كله ممتلئ. هناك وقت للعمل، ووقت العبادات، ووقت الأسرة، ووقت المجتمع أو خدمة المسلمين، وإن تبقَّى بعد ذلك وقت فائض فهو للنوافل أو الذكر أو القراءة.. كثرة الالتزامات بالنسبة للمسلم لا تجعله يعيش في فراغ أبداً، وهو مطالب -كما يهديه الحديث الشريف- بالعمل لدنياه كأنه يعيش أبداً، والعمل لأخراه كأنه يموت غداً.. فهل يبقى له بعد ذلك فراغ؟! إن استثمار الوقت فيما يفيد صاحبه والإسلام والمسلمين؛ يحتاج إلى إرادة قوية تنظم هذا الوقت، وتعتاد التنظيم، وترتضيه نمطاً يومياً للحياة!

ولا ريب أن المفكرة بالنسبة لمن تتعدّد شواغلهم، وتكثر التزاماتهم ضرورة ومهمة، وإذا كانت المفكرة أساسية للفرد المسلم، فهي أكثر أهمية للمجتمع المسلم . ولعل سر نجاحات المجتمع الغربي (الأوروبي والأمريكي) هو هذه المفكرة (التي تسمّى بلغة العصر التخطيط الإستراتيجي)، وهذا التخطيط يشمل كافة نواحي الحياة التي يقوم عليها بناء المجتمع وتقدمه وانطلاقه في الاقتصاد والصناعة والزراعة والتجارة والثقافة والتعليم والإبداع والاختراع والابتكار ..الخ

إن هذا التخطيط لا يتوقف عند سنة معينة أو سنوات محددة، ولكنه يمتد إلى الأجيال القادمة، فيتناول الثروات والموارد والقوى البشرية والعسكرية وغيرها، لتحقيق أحلام المجتمع وطموحاته، فضلاً عن معالجة نواحي القصور والضعف التي يمكن أن تؤثر على مستقبله ومصيره!

"مفكرة" المجتمع المسلم، توفر الوقت والجهد، وتنظم الحركة بما يضيف إلى رصيد "المسلم" و"المسلمين" جميعاً .. وليس ما يخصم من هذا الرصيد.

إن الذين يتعلّلون بضيق الوقت تسويغاً لتقصيرهم في العمل أو العلاقات الاجتماعية أو الالتزامات الشخصية مخطئون.. ويحتاجون إلى المفكرة والقلم إذا كانوا حقاً مخلصين!
المصدر: موقع الإسلام اليوم
  • 16
  • 0
  • 16,288
  • سوسو

      منذ
    [[أعجبني:]] في الحقيقة إن أكثر ما أعجبني فيه هو الموضوع المختار وهو الوقت حقا أن الوقت من ذهب [[لم يعجبني:]] طويل ويصعب قراءته
  • raji

      منذ
    [[أعجبني:]] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد واله رحم الله علي عزت وجزاك الله خيرا
  • أبو حفص من العراق

      منذ
    [[أعجبني:]] مقال ممتاز للداعية الخطير الدكتور حلمى القاعود نسأل الله أن يجزيه عنا خير الجزاء فهو واحد من أعظم الدعاة الذين يذكروننا بالسلف الصالح
  • ibrahim

      منذ
    [[أعجبني:]] the last sentece
  • abouyousf_72

      منذ
    [[أعجبني:]] ماشاء الله فى كاتب هذا المقال من قائد عظيم حينما يحث المسلمين فى محافظتهم على الوقت رغم مشاغله الشخصية وماكلف به من مسؤليت كبيرة ، واستشهادة بلأيات القرانة ٌ قل ان توجد فىكثير من حكام المسلمين فأن ذلك يدل على ايمانه وحبه لدينه ورحم الله تعالى .
  • ام ثريا

      منذ
    [[أعجبني:]] أننا في أمس الحاجه لغرس فكره المفكره الصغيره ربما تتطور الى عاده يقلدنا فيها الصغار. جزاك الله خيرا
  • Moustafa Nabil

      منذ
    [[أعجبني:]] أخي الكريم ذكرت في مقالتك ما يلي: "وهو مطالب -كما يهديه الحديث الشريف- بالعمل لدنياه كأنه يعيش أبداً، والعمل لأخراه كأنه يموت غداً" و أعتقد أن تقصد هذه المقولة : "أعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا و أعمل لآخرتك كأنك تموت غدا " و الحققة ان هذه مقولة و ليست حديث عن النبي محمد صلى الله عليه و سلم , و أذكر أنها مقوله لسيدنا علي بن أبي طالب. و كنت حضرت ذات يوم كلمة عن هذا الحديث للشيخ محمود المصري فكان - باختصار - تفسير الشيخ اهذه المقولة ألا تحزن أبدا على أي شيء يفوتك في الدنيا - لأنك تعيش أبدا فما لم تكسبه اليوم بالتأكيد ستكسبه في يوم آخر - أي شيء يفوتك من الآخرة فاحزن عليه و اخرص ألا يفوتك أي شيء من أعمال الآخرة - لأنك ستموت غدا - أسأل الله العظيم أن يجزيك عنا يا أخي كل خير
  • عمرو محمود بدوي

      منذ
    [[أعجبني:]] بجد كلام يخفر بماء الذهب علي جدار المنزل-- فعلا فلننظر جميعا كم من ملاييين الدقائق والساعات تهدر يوميا علي المستوي الاسلامي بسبب عدم تنظيم الوقت [[لم يعجبني:]] تتحتاج الي شرح اكبر
  • shaimaa

      منذ
    [[أعجبني:]] that we need as muslim to plan our life
  • حسين زيدان

      منذ
    [[أعجبني:]] لقد اعجبت بهذه المقالة جدا حيث انها تصف حالي قبل وبعد تنظيم وقتي ولكن ارجو ان تنشر هذه المقالة وامثالها بشكل اوسع ويجب حث الناس على قراءتها والعمل بهالكي نبدأ ببناء المجتمع المناسب للدولة الاسلامية ان شاء الله. *والحمد لله على كل حال*

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً