درس طابا في شرم الشيخ

منذ 2005-08-06
تترافق تفجيرات شرم الشيخ مع ضبابية تحيط بالمشهد العربي والإسلامي وحالة من المخاض غير معروفة التداعيات والأبعاد، فما زال الوضع المتفجر في العراق -والمنذر بحرب أهلية قد تكون عابرة للحدود- يلقي بظلاله على المزاج العربي العام . ويترافق ذلك كله مع حالة من القلق السياسي والشعبي العام، وهو الأمر الذي يشير أننا أمام مرحلة حرجة وخطيرة تضيع فيها البوصلة بالنسبة للكثيرين إلى الدرجة التي لا يميز فيها كثيرون بين ما هو عمل مشروع وما هو عمل مدمر عدمي.

الغريب أن التفجيرات الأخيرة وقبلها تفجيرات مدريد ولندن تأتي بعد صدور مجموعة دراسات وأبحاث أميركية تؤكد أن القاعدة قد أصيبت بحالة من العجز الكبير وأنها باتت غير قادرة على تشكيل خطر حقيقي مشابه لما حدث في 11 أيلول عام 2001، لكن بدت الأمور بعد التفجيرات الأخيرة والوضع في العراق وكأن القاعدة قد استعادت زمام الأمور وتقوم اليوم بالرد على الغارة الأميركية عليها من خلال ضربات مرتدة تؤكد فيها أنها أعادت هيكلة وجودها وقدراتها وأنها مستعدة لمرحلة جديدة.

الرئيس الأميركي قال: إنه خاض الحرب في العراق لأن أميركا هوجمت في 11 أيلول 2001. فهل الولايات المتحدة وحلفاؤها أصبحوا بعد الحرب العراقية -وقبلها الأفغانية- أكثر أمناً، وهل استطاعت إستراتيجية الاجتياحات العسكرية والضربات الاستباقية ، والسياسات الأميركية والأموال الطائلة المنفقة في الحد من خطر القاعدة وقوتها؟..

يرصد الكاتب البريطاني "توري مونتي" في مقاله في صحيفة الحياة (السبت 23/10/05) الخلفية الاجتماعية والفكرية لكل من حسيب حسين شهزاد تنوير ومحمد صادق خان، المتهمين في تفجيرات لندن اللذين -كما يقول- لم يكونا عرباً أفغاناً عادوا من الجبهة، ولا أصوليين على طراز الزرقاوي يطمحون إلى إضرام مواجهات في "أراضي الكفّار". إنّهم بريطانيون من (يوركشاير) وهم "فتيان طيّبون" (كما وصفهم أحد جيرانهم لهيئة الإذاعة البريطانية). وهذه الخلفية توضح إلى درجة كبيرة طبيعة التجنيد الفكري والحركي لكثير من الأفراد الذين ينتمون لهذه الجماعات، فأغلبهم لا يملك خبرة سابقة تذكر. فأسامة بن لادن ليس شخصية خارقة (سوبرمان) يستطيع هو أو أبو مصعب الزرقاوي أن يجندا شباباً صغاراً في أحياء لندن وضواحي المدن الأوروبية أو صحراء سيناء.

أما عملية الربط التي تتم بين الزرقاوي وبن لادن وبين العديد من التفجيرات التي تحدث في العالم فهي أشبه بالصورة الكاريكاتورية الأسطورية المضحكة لهذه الشخصيات؛ فالجماعات الجهادية المنتشرة في العالم، والخلايا التي يمكن أن تتشكل في أي لحظة، هي نتاج ظروف موضوعية تتمثل بلحظة تاريخية استثنائية تشعر فيها نسبة كبيرة من المسلمين والعرب بأزمة متعددة الأبعاد، تختلف من دولة إلى أخرى، لكنها تفرز تنظيمات تشترك في خصائص فكرية وسياسية وثقافية معينة تشكل ما نسميه "عولمة التنظيمات الجهادية".

وبوسع من يتابع المنتديات الجهادية على الإنترنت أن يلتقط بسهولة ووضوح انتشار فكر القاعدة وبروز العلاقات البينية بين عدد كبير من أتباع وأنصار هذه الجماعات في العديد من الدول العربية والإسلامية .
ولم يبرز الزرقاوي -عالمياً- إلا بعد مطاردة ابن لادن وتدمير معسكراته، وهناك تقارير أمنية غربية تشير إلى ولادة جيل جديد من القاعدة أخطر من الجيل السابق، والعراق الذي أراده بوش مفتاحاً لتغيير الشرق الأوسط وحجر أساس في "الحرب على الإرهاب" أصبح وفقا لتقرير خاص للإكونومست "مهداً للحرب وحاضنة للجهاد"، كما انتقلت الجماعات الجهادية نقلة نوعية بعد الحرب على العراق، فأصبحت جماعات عابرة للحدود تخترق الحواجز فيُقتلُ عبد الله الرشود المطلوب في السعودية في معركة ضد القوات الأميركية في القائم، وتشتبك القوات السورية مع شباب مغاربة يرتبطون بالتنظيمات الجهادية!

ولا ينتمي أغلب هؤلاء الشباب الناشطين إلى تنظيم القاعدة الذي أسسه بن لادن، وإنما إلى مجموعات صغيرة وتنظيمات عنقودية منتشرة في العديد من دول العالم لها العديد من الرؤوس الموجودة والمرشحة للنمو، وكثير من هؤلاء الشباب الصغار قد يصبح أخطر من الزرقاوي، ولعل هذا ما دفع الكاتب "روجر كوهن" (في مقاله (في الانترناشنال هيرالد تريبيون) إلى القول: " لا نعرف ما إذا كان أسامة بن لادن حياً يرزق، لكننا نعرف حقيقة أنه حي في عقول الكثيرين من الناس، وهو ما يهم، وأن القاعدة قد تحولت إلى شيء هو رسالة أكثر منه حركة وتنظيماً"!.

بالفعل، أصبحت القاعدة -نتيجة اللحظة التاريخية الحالية- حالة عامة ورسالة يمكن أن نقرأها في كثير من دول العالم، فلم يعد أحد في مأمن كما صدّرت الصحف البريطانية صفحاتها عشية تفجيرات لندن. وتحولت القاعدة لتمثل للكثيرين الرد العالمي العنيف المناهض لمشروع الهيمنة الأميركي على العالم، وهذه الملاحظة يمسك بها المفكر الفرنسي أوليفيه روا (في كتابه عولمة الإسلام): "فأسامة بن لادن لم يهاجم الكنائس الأميركية، وإنما رموز الهيمنة الاقتصادية والسياسية والعسكرية الأميركية، في الوقت الذي يقوم فيه شخصية عالمية ذات خلفية جنائية وفكر مناهض للولايات المتحدة مثل كارلوس بإعلان إسلامه لشعوره أن الجماعات الجهادية العالمية أصبحت رمز المناهضة للهيمنة الأميركية".

بالتأكيد لسنا سعداء بأن نرى روح العدمية وانعدام الأمل تسيطر على آلاف الشباب العربي والمسلم، وأن نشاهد التطرف والتفسير الأعوج للدين يخطف مستقبل هؤلاء الشباب، وأن تخيم على المنطقة حالة العنف والفوضى فتبتعد طموحات غالبية الشعوب العربية عن الإصلاح المطلوب، لكن في المقابل فإن مواجهة خطاب القاعدة لن يأتي من خلال الحروب الأميركية التي تؤدي إلى تقوية مبررات الخطاب الأيدلوجي للقاعدة، وتوفير التربة المناسبة لعملية التجنيد الفكري والحركي لهذا الخطاب ، كما يحدث في العراق اليوم.

كما أن الحل الأمني العربي يزيد الأمور سوءاً، ولا يمثل الرد الصحيح على رسالة القاعدة، وبما أننا نتحدث عن تفجيرات شرم الشيخ يبدو أن الحالة المصرية مثال واضح على ذلك، فالمواجهات الأمنية بين القوات المصرية والجماعات الإسلامية في التسعينات ضربت الاقتصاد المصري وخلقت حالة من الاضطراب السياسي لم تجدِ معها كل الإمكانيات والجهود الأمنية، إلى أن وقعت أحداث الأقصر (17 تشرين الثاني 1997) تلا ذلك حوار غير معلن بين السلطة وقادة الجماعات الإسلامية في السجون المصرية، وتمخض عنه إعلان هذه الجماعات مراجعاتها الفكرية الشهيرة التي تبرأت فيها ومن خلال عدة كتب من العنف واعتذرت للشعب المصري عن الدماء التي سالت، وانعكس ذلك على حالة الأمن والسياحة والاقتصاد المصري، إذ لم تشهد مصر أحداث عنف بعد ذلك حتى وقعت تفجيرات طابا في 7 تشرين الأول من العام المنصرم. إلا أنّ تعامل السلطات المصرية مع تلك التفجيرات لم يكن منطقياً، ولم تستفد السلطات المصرية من تجارب السنين السابقة فقامت باعتقال آلاف الناس في سيناء، وخلقت حالة من الشعور بالظلم، والظلم من العوامل المؤدية إلى التطرف والعنف في كثير من الأحيان، ويكفي للتذكير بأن أفكار مصطفى شكري مؤسس جماعة التكفير والهجرة قد ولدت من رحم المعتقلات والسجون، وليس بعيدا أن يكون أحد الذين خططوا أو نفذوا شرم الشيخ له علاقة باعتقالات سيناء التي أعقبت تفجيرات طابا .

وإذا صحت التوقعات التي تربط بين شرم الشيخ واعتقالات ما بعد طابا وهو ما ألمح إليه بيان القاعدة بالثأر لشهداء طابا، فسيكون ذلك درساً تاريخياً للنظم العربية التي تعتمد الحل الأمني، فرسالة القاعدة تتطلب رسالة فكرية وسياسية ، وحواراً داخلياً يكون مقدمة لحل تاريخي، وإلا فإن درس شرم الشيخ سيتكرر في مكان آخر!
المصدر: محمد أبو رمان - عمان - موقع الإسلام اليوم
  • 6
  • 2
  • 23,638
  • احمد

      منذ
    [[أعجبني:]] لم يعجبنى شىء فقط اريد الكاتب ان يستعرض جزاء من قام بهذة العمليات الموحشه وبيان الحكم فى هذا
  • احمد حسن

      منذ
    [[أعجبني:]] انه بالفعل ان تلك الحركات العنيفة فى المجتمعات الاسلامية هى نتاج ضغوط من الحكومات على الشباب وعدم وجود مساحة من الحرية للتعبير عن الراى واصبح هناك هوة سحيقة بين الحكومات والشعوب العربية
  • إسلام حميدو

      منذ
    [[أعجبني:]] التعليق و التحليل الجيد على و عن ما يحدث من قبل تلك الجماعات و هذا الفكر ..... [[لم يعجبني:]] إن إعتبرنا ان السلطات المصرية قد تصرفت بشكل خاطئ ما نسمى ما يحدث من تلك الجماعات المختلفة فى شتى بقاع العالم بعد أن أفتى لفيف من الأشيوخ ذوى الأسماء المعروفة لما ذكر فى الأحاديث و الدين الإسلامى عن حرمانية تلك العمليات ........ فلم لم يتم التعليق على ذلك !!
  • أبو مروان

      منذ
    [[أعجبني:]] الإشارة إلى وضع القاعدة فى الأذهان الآن و تحولها إلى رسالةأكثر منها حركة ،، و أود أن أستكمل هنا أن من ضعف الفكر المصرى مظهر التعامل مع أعراب سيناء بعد التفجيرات و هم الذين لديهم أصلاً ألف علامة للتعامل مع الحكومة المصرية و التى أخذت مجهودات ضخمة فقط لتحصل على بعض الثقة منهم كانت كافية للتعاون المثمر قبل حرب 73 و أثنائها ، هذة الثقة قد فقد أغلبهابعد الإستلام المزعوم لأرض سيناء و الآن بعد ما فعلتة السلطة معهم ، قد زالت تماماً و صار الأمر ثأراً و جانب جديد على السلطات المصرية أن تستعد لرد فعله نتيجة الإهانات و هتك الأعراض التى حدثت منهاتجاهه.. من جهه أخرى على القيادة المصرية أن تعلم أن إعلامها هو السبب الأول و الرئيسى بعد ما صار موبوءاً بمن يدعونهم شيوخ يتجرؤا على الفتيا بما لم ينزل الله فصار الأمر سهلاً جداً لتفنيد دعواهم و إظهار الصحيح رداً على ما تحويه من مخالفات شرعية قد تخرج عن الملة ،، و بعد ما يتضح للشباب المتعطش أن هؤلاء الأدعياء على باطل ( لصحة الرد عليهم ) فيصير كل ما يقال بعد ذلك صحيح أيضاً و يصبح المصدر موثوق منه تماماً ،، و ليس أسهل من هذه الطريقة لتجنيد شباب يظنون أن إطلاق النار على رؤوسهم بعد هجوم ضعيف على أتوبيس سياحى، أوالقفز من فوق الكبارى هو الشهادة فيضرب المسلمين و تهتك أعراضهم فى الشوارع بحجة البحث عن منتقبات مطلوبات ... على الإدارة المصرية ألا تلوم إلا نفسها و عليها أن تعى أن حرب الإرهاب التى تنادى بها إنما تسير فى طريق نهايته إرهاب حقيقى متطور و مضاعف تصير تفجيرات شرم الشيخ و طابا بالنسبة له نزهة خلوية ...
  • سيد

      منذ
    [[أعجبني:]] اعجبني التوضيح لنتائج الحرب الامريكيه علي العراق وافغانستان [[لم يعجبني:]] المقال كله اعجبني
  • ahmed

      منذ
    [[أعجبني:]] هل بن لادن ارهابى ام لا؟ وشكرا
  • محمود احمد عثمان

      منذ
    [[أعجبني:]] ان رأى الكاتب واضح ومبسط ويعكس الواقع الموجود فعلا كما انه يوضح وجهة نظر غفلت عن كثير من الناس وهى "ان الظلم يلد الانفجار" وعلى ما اعتقد انالانفجار قد بدأ بالانشطار الذى سينتج عنه انفجار انشطارى مضاد لأمريكا واعداء الاسلام
  • Shereen

      منذ
    لم يعجبني: على اى شىء وضعت استنتاجك ان عمليات شارم و طابا هو من اعمال خلايا التكفير و الهجره ؟؟؟ على بيان صادر من شبكه الانترنت ؟؟؟ الأخ محمد أبو رمان هل خطر على بالك ان هذا مثلا من فعل اسرائيل التى لا تريد لمصر ان تثبت اقدامها فى سيناء او ان يزيد عدد سكانها مما سيصعب مهامها الاستعماريه فى المستقبل او من فعل تجار المخدرات الذى سوف يغلق لهم سوق و منفذ بيع بتسلم مصر ممر فلادليفيا و نشر 750 جندى على الحدود ؟؟؟؟؟ ألم تلاحظ عدم وجود ضحايا صهيونين ؟؟؟ المشكله فينا نحن العرب اننا نصدق اى شىء تقوله لنا وسائل الأعلام و نبنى اراءنا على ذلك دون قراءه ما بين السطور....
  • waled

      منذ
    [[أعجبني:]] التفكير في نظريه التسلسل او ان القاعده أصبحت فكره [[لم يعجبني:]] الانتقال الي مرحله أخري ,الوصول الي جيل جديد.
  • hosam

      منذ
    لم يعجبني: نريد من يعلمنا ديننا الصحيح علي الوجه الذي يرضي الله عز وجل لا علي الوحه الذي يرضي الزعماء والرؤساء نحن نقرا الكثير ةوالكثير من المقالات ووتعبير كل شخص او مجموعة عن رايهم ونسمع بالفضائيات الكثير ولكن اين الحق من الباطل نريد من يعلمنا حتي نرتفع عن هذا التخبط الذي واقع فيه كثير من شبابنا

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً