الموقف من الدستور... نعم للاستقرار ووأد الفتنة
منذ 2012-12-12
لم يعد يخفى على عاقل رشيد ما يقوم به العلمانيون والليبراليون والنصارى والفلول أتباع النظام البائد في مختلف القطاعات من فعاليات متنوعة على أصعدة كثيرة بغرض مقاومة التغيير الذي حدث وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه..
لم يعد يخفى على عاقل رشيد ما يقوم به العلمانيون والليبراليون والنصارى والفلول أتباع النظام البائد في مختلف القطاعات من فعاليات متنوعة على أصعدة كثيرة بغرض مقاومة التغيير الذي حدث وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه، والتغيير الذي حدث وإن لم يكن كاملا أو محققا للطموحات إلا أنه يمثل البداية التي يمكن البناء عليها فإنه إذا ضم إلى الابتداء العزم والتصميم مع الإرادة الجازمة والقدرة على الفعل فإن التغيير واصل بمشيئة الله تعالى إلى منتهاه، ومصر الآن تعيش فترة انتقالية ليس بها مؤسسات سوى الرئاسة التي يناطحونها ليل نهار بغرض هدمها، ولا شك أن أول طريق البناء يبدأ من وجود دستور ينهي الحالة الانتقالية ويستمر في بناء بقية المؤسسات، والدستور الجديد المعلن للاستفتاء به من الناحية الإسلامية عيوب كثيرة خطيرة ولا يكاد يفترق عن دستور 71 من هذه الناحية سوى في إضافة المادة التفسيرية رقم 219 للمادة الثانية رغم ما يعترض هذا التفسير من منازعات، بل يبتعد إسلاميا عن دستور 71 بالإطلاقات في باب الحريات والمساواة حتى لا تقيد بقيد مما يفتح الباب على مصراعيه أمام كل شذوذ فكري أو خلقي، ورغم معرفتنا بذلك وبيانه من خلال المناقشة المفصلة لمواد الدستور التي سبقت مني ومن الكثيرين لكن ما الموقف من التصويت عليه؟
هناك ثلاث حالات لا رابع لها:
1-الموافقة بنعم
2-الاعتراض بلا
3-المقاطعة
وقبل الجواب المختار أبادر إلى القول:
1- إنا لا نخالف الرافضين للدستور في مخالفته لكثير من الأمور الشرعية، ونعلن إيماننا المطلق بديننا وشريعة ربنا ورفضنا لأي مخالفة لشريعة ربنا الكريم الرحمن الرحيم.
2- إن رفض العلمانيين والليبراليين والنصارى والفلول لهذا الدستور سواء بقول: لا أو المقاطعة ليس للمخالفات الشرعية وذلك أمر بدهي، وليس لكون الدستور دستورا إسلاميا فذلك ليس بصحيح، وليس لإهداره الحقوق والحريات وإن زعموا ذلك بل هذا أول دستور مصري يقر الحقوق والحريات بهذا الاتساع، وليس لأي اعتراض موضوعي من جانبهم على مواد الدستور، وإنما جوهر الاعتراض وحقيقته أن إقرار الدستور ينهي المرحلة الانتقالية ويؤسس لمرحلة الاستقرار التي يعقبها إن شاء الله عملية البناء الذي نطمح إليه ويغير حال البلد إلى النقيض ويمهد لملاحقة كبار المجرمين ومحاكمتهم بما يؤذن بالزوال الكامل لدولة الفساد والإفساد التي أقامها نظام حسني مبارك،ومن ثم فإن قولنا: نعم للدستور ليس لما يخالف الشريعة، وإنما نعم للاستقرار ودرأ للفتنة التي يحاول العلمانيون والليبراليون والنصارى والفلول نشرها واستمرارها لتعميم الفوضى والاقتتال لتقضي على كل أمل في التغيير والإصلاح، لكن يبقى في رقبة كل من يقول: نعم ألا ينتخب في الانتخابات البرلمانية التي تعقب إقرار الدستور إلا من يعلمه رجلا مؤمنا بتحكيم الشريعة ساعيا في تغيير المواد الدستورية المخالفة للشريعة والمنظومة القانونية كلها لتكون موافقة لشريعة الله من أي حزب كان.
وأما قول: لا -والكلام هنا موجه بالطبع لمن يهمهم صلاح البلاد والعباد- وإن كان في نظر قائله يبعده عن الظهور بمظهر الموافق على المواد المخالفة للشريعة فإن قوله هذا لن تصب نتيجته في خانة تحكيم الشريعة وإلغاء المواد الدستورية المخالفة لها، بل لا تصب إلا في مصلحة من نتفق جميعا على محادتهم لشريعة الله تعالى، وأما تصور أن قول: لا سيؤدي في النهاية حسب الإعلان الدستوري لتكوين جمعية تأسيسية بالانتخاب المباشر من الشعب مما يفتح الطريق إلى انتخاب جمعية تأسيسية إسلامية ومن ثم كتابتها لدستور إسلامي بالتمام والكمال فإن هذا الكلام قد يكون الخيار المقبول في ظروف مستقرة غير الظروف التي تمر بها البلد، أما في ظروف عدم الاستقرار الذي تبذل جهود مضنية لبقائه فلا يستبعد أبدا محاولة تفجير الأوضاع في فترة انتخابات الجمعية وفي فترة وضع الدستور التي قد تستغرق مجتمعة قريبة من العام وهذا زمن كبير جدا لا تحتمله ظروف البلد وكلما طال زمن الفترة الانتقالية وعدم الاستقرار زادت فرص الفوضى والانقضاض على النظام، فلا توجد أي مصلحة حقيقية لإطالة أمد الفترة الانتقالية، ثم إن انتخاب الجمعية هو في نهاية الأمر رجوع إلى كلمة الشعب التي فر منها الإسلاميون الرافضون للدستور، ولو قدر أن انتخابات الجمعية التأسيسية تمت فلسنا نضمن أن تكون الجمعية خالصة للإسلاميين بل قد يدخلها غيرهم ومن ثم نعود إلى مثل الحالة التي نحن عليها الآن ومن ثم فإني أرى أن الموقف الذي ينبغي اتخاذه في التصويت بلا تردد أن يقال: نعم مراعين لما تقدم ذكره عازمين على تغيير ما يخالف الشريعة بالوسائل المتاحة التي نملكها ولا يقدر مخالفنا على منافستنا فيها.
وعلى الإسلاميين المعارضين للدستور تذكر أنه بعد الإيمان بالحق واليقين بمخالفة بعض مواد الدستور للشريعة وعدم القبول بها فإن مسألة قول نعم أو قول لا للدستور مسألة اجتهادية تحكمها المصلحة المترتبة على القول المختار، ولعل فيما قصه القرآن علينا في قصة موسى عليه السلام ما يشهد لذلك: فعندما أراد موسى عليه السلام أن يذهب لميقات ربه استخلف أخاه هارون عليه السلام على قومه وأوصاه بقوله: اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين،ولكن السامري استغل فرصة غياب موسى عليه السلام فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار وقال لهم: هذا إلهكم وإله موسى وتابعه بعض بني إسرائيل على ذلك الكفر الأكبر والضلال المبين،ورغم أن هارون عليه السلام نهاهم عن ذلك وبين لهم إنهم فتنوا به وأن ربهم الرحمن ثم أمرهم بعبادة الله وحده بقوله: اتبعوني وأطيعوا أمري، لكنهم ردوا عليه بقولهم: لن نبرح على عبادته عاكفين حتى يرجع إلينا موسى، وعندما علم موسى بما وقع فيه قومه بعد ذهابه من الكفر والضلال رجع إليهم مغضبا ولام أخاه بقوله: ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعني أفعصيت أمري؟، لكن هارون اعتذر له بقوله: خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي، فليس بين موسى وهارون عليهما السلام خلاف على الكفر والضلال الذي وقع فيه بنو إسرائيل ولكن الخلاف في كيفية التعامل معه وكان لكل منهما رأيه في ذلك ولم يقدح أحدهما في الآخر بعد معرفة مسوغات موقفه،فموسى عليه السلام كان يرى أن المسلك الذي ينبغي على هارون سلوكه هو متابعة موسى وأن ترك الذهاب له والبقاء مع قومه معصية له، وهارون كان يخشي من الذهاب إلى موسى أن يقول له: فرقت بمجيئك إلي بين بني إسرائيل ولم تحفظ قولي، فلعل في هذه القصة ما يحمل بعضنا على الاعتدال في تناول مسألة الدستور، فمسألة عبادة عجل من دون الله أوضح في حكمها مئات المرات من مسألة التصويت على دستور به حق وباطل وخير وشر،فاللهم وفقنا للخيرات وألهمنا رشدنا وقنا شر العلمانيين والليبراليين واليهود والنصارى والفلول.
28/01/34 هـ
المصدر: مجلة البيان